في المقابل يرى المعارضون أن الانتقال الديمقراطي مجرد توليفة جديدة لنفس «النظام المخزني» الذي يتكيف بذكاء مع متطلبات الوضع الدولي، والجهوي، والوطني؛ وأن تجربة التناوب ما هي إلا تعاقد جديد بين نخب الحركة الوطنية الموالية للنظام وبين السلطة المركزية. كما أن التغير الملحوظ ليس إلا تغييرا شكليا لا يمس جوهر النظام الذي يحتفظ بنفس مقوماته التقليدية. بل إن ما يسمى «تغيرا» ليس أمرا إراديا بل استجابة مفروضة تمليها عوامل خارجية أكثر منها عوامل داخلية. ويقدم المعارضون لمسار الانتقال الديمقراطي العديد من الدفوعات للتدليل على طرحهم. فما سمي تناوبا لم تكن له الأسس الكفيلة بوضع المغرب على سكة الديمقراطية، بحجة أن حكومة اليوسفي نفسها لم تكن منسجمة، وعاكسة لبرنامج سياسي محدد. كما أن غياب الإصلاحات الدستورية الكفيلة بتحقيق فصل السلط فصلا واضحا يؤَمن للمغرب نظام حكم ملكي برلماني حيث يسود الملك ولا يحكم يعطل إمكانية الحديث عن انتقال ديمقراطي حقيقي بالمغرب. في بعض فرضيات التحول بغض النظر عن تبني أطروحة الانتقال الديمقراطي من عدمه، فإن كل باحث موضوعي في المجال السياسي المغربي الراهن لا يسعه إلا أن يتوقف عند مجمل التحولات التي يعرفها المغرب، والتي تدفع في اتجاه الانحياز للافتراض بأن مسار الإصلاحات الرامية إلى الدمقرطة الحقيقية أمر واقعي، ولو ظهر أن وثائرها بطيئة في بعض الأحيان، وملتبسة أحيانا أخرى. فبمقاربة السياق العام الذي تندرج فيه هذه التحولات يمكن استعراض الملاحظات الآتية: * لقد أفضت سيرورة المصالحة الوطنية في شقها السياسي بتجربة التناوب التوافقي، وفي شقها الحقوقي مع تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، وما تقدمت به من توصيات وخلاصات، إلى فرز جو من الثقة بين المؤسسة الملكية، والقوى المعارضة. وهي مقدمة أساسية لكل الأشواط الإصلاحية المفترضة. * إن اختيار الدولة لمسار الإصلاح المؤسساتي والتشريعي أمر ينسجم وشعار التحديث الذي أعلنه ملك البلاد في مناسبات متعددة (مدونة المرأة ،إصلاح القضاء ،محاربة الرشوة- ...). وبالتالي، يمكن النظر إلى هذه الإصلاحات كجزء أساسي من سيرورة البناء الديمقراطي التي تفترض هذا النوع من المبادرات. * إن إرادة تجديد النخب أمر يندرج كذلك في صلب شعار المجتمع الحداثي. وبالتالي، فإن فرضية القطع التدريجي مع النخب التقليدية الفاسدة، وإزاحة رموز الإفساد الإداري، وتخليق المرفق العمومي تبقى من ضمن أولويات التحول المنشود. * تبدو الإرادة المعلنة بتخليق الانتخابات، بوصفها الحلقة الأهم في الديمقراطية التمثيلية مترجمة في الواقع بالنظر لما أنجز في استحقاقات 2002 من مجهودات تصبو إلى تحقيق شفافية أكثر، وبالنظر أيضا لما هو منجز اليوم بالنسبة للاستحقاقات القادمة، وما هو منتظر منها. إن موضوع الطعن والتشكيك في سلامة الانتخابات ونزاهتها كان دوما في صلب طروحات الخطاب السياسي المعارض في السابق. وبما أن الدولة عازمة ،حسب تصريحاتها- على القطع مع ممارسات الماضي، وتأهيل الانتخابات تشريعيا وميدانيا، فإن الافتراض بأن التحول في اتجاه شفافية أكثر تضمن نزاهة الانتخابات أمر وارد. ولا يمكن بأي حال من الأحوال شرعنة الرجوع إلى الممارسات السابقة من قبل الدولة. وهو ما يفترض تأهيل الحقل السياسي من قبل القوى المتصارعة في الميدان بما يضمن مصداقية العملية السياسية برمتها، والعملية الانتخابية بشكل خاص. * افترضَ مسار الدمقرطة والتحديث الاعتناء بقضية المرأة. لا على المستوى التشريعي فحسب، بل أيضا على مستوى التمثيلية السياسية. وإذا كان المغرب قد نجح في إخراج مدونة المرأة في صيغتها الحالية على الرغم من بعض المقاومات المحافظة، فإن رهان المشاركة السياسية للنساء يعتبر من أولويات التأهيل السياسي. وهو ورش مفتوح، إذا ما تم إنجازه بما يضمن للنساء فاعلية أكثر، سيكون هذا المسار من ضمن فرضيات التحول المنشود. * اختار المغرب رهان الجهوية في التدبير المجالي للجهات. وهو ما يعني أن فلسفة التدبير الجهوي، بالنظر للرهانات المعلقة عليها، قد تعتبر قنطرة التنمية الديمقراطية في أبعادها المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية. وبالرغم من الإكراهات المسجلة في هذا الصدد، فإن تكريس هذا الخيار من شأنه أن يخفف من مركزية القرار ويساهم في إطلاق ديناميات التطور اللامركزي. في السياق نفسه، فإن اقتراح المغرب لمشروع الحكم الذاتي للمناطق الصحراوية يندرج في سياق التحولات الديمقراطية التي يعرفها المغرب. ومن شأن ذلك، أن يعجل من إنجاح فلسفة التدبير الجهوي، ويطلق آليات جديدة لمراجعة دستورية في الاتجاه نفسه.