مهما تنمقت الكلمات ومهما بلغ الإبداع من ذروة، فإنه بالتأكيد لن يتمكن من مطابقة الوصف مع أنطولوجية الموصوف، فما شاهدناه على طول ليلة السبت إلى الأحد من صور إحتفالية في المغرب وفي بلاد المعمور، إحتفاء ببلوغ الفريق الوطني نهائيات كأس العالم للمرة الخامسة في تاريخه، كان شيئا لا يصدقه العقل، فأن تتحرك الملايين للشوارع وتنخرط في موجة من الإحتفالات من دون حدث شغب واحد، وأن يتسابق المبدعون في زمن قياسي إلى إطلاق الأغاني التي تخلد الحدث الكبير في محكيات الوطن، وأن يصوغ العالم دهشته لكل ما رأى بكل اللغات، فهذا شيء يتفوق بدرجات على الوصف، لأنه يحمل الصدق ويحمل الشغف والعشق ولأنه يعبر عن قوة الرابط الوطني والعاطفي الذي يصل المغاربة بوطنهم، فكلما كان هناك ما يدعو للإحتفاء بما يرفع هامة الوطن إلا وسارعوا لذلك وأبدعوا فيه لدرجة تعجز الكلمات قبل أن تحير العقول. صحيح أن المغاربة، الشغوفين بكرة القدم تجسد، لهم إنجاز الوصول لكأس العالم بعد غياب دام عقدين من الزمن، في صورة انزياح لهم وغم ثقيلين جثما على الصدور طويلا، وفي صورة انبلاج صبح طرد من السماء ظلمة حالكة سادت لسنوات، إلا أنه مثل للمغاربة الآخرين، من الذين لا تحرك فيهم كرة القدم ساكنا ولا تستهويهم بهوسها ولغطها ولا تصيبهم بنوباتها، مناسبة ليلتحموا بعشق الوطن، ليعبروا عن قوة الإنتماء وعن التقديس للشعار الأبدي، فخرجوا إلى الشوارع يؤثثون فضاء البهجة والإحتفال، لقد قيل لهم أن هناك أبناء لهذا الوطن أعلوا راية البلاد فهبوا لتحيتهم. وعلى قدر ما أبكتنا كل تلك المظاهر الإحتفالية الجميلة، فإنها أوقفتنا ثانيا على أن هذا الوطن يستحق منا جميعا كل في موقعه، أن نصنع له ما يرفع هامته وما يسعد أبناءه وما يعلي شأنه بين الأمم، على قدر ما إقشعر الجسم للصور التي تواردت من كل ربوع الوطن ومن عواصم العالم عن «التمغرابيت» وعن التعبير الأصيل للإنتماء للوطن، بقدر ما يطوق هذا الإنجاز عائلة كرة القدم الوطنية بمسؤولية الحفاظ على الإرث والمكتسب، فالتأهل لكأس العالم الذي يغمرنا بهذه السعادة الجياشة، لا يجب أن يكون غاية في حد ذاته، ما دام أن أم الغايات هي أن يكون الفريق الوطني بنهائيات كأس العالم صورة طبق الأصل مما كان عليه في النسخ الماضية التي شهدت بوقوفه شامخا بين كبار العالم، أن يكون مؤثرا في الحدث لا متأثرا به. لقد قدم لنا أسود الأطلس في مباراتهم البطولة بأبيدجان وقبلها في مباريات أمام فهود الغابون ونسور مالي وحتى أمام التنين الكوري الجنوبي، الدليل على أنهم يستطيعون السير في المنحى التصاعدي الذي يقوي الشخصية ويرفع المعنويات ويشجع دائما على الإبداع. التأهل لمونديال روسيا ليس هو منتهى الرحلة الجميلة التي إنخرطنا فيها جميعا وأخلصنا في ذلك النية والإرادة، بل هو بداية لمحاكاة العالمية التي فرطنا فيها لسنوات طويلة، بسبب ما قلت أنه خصام كبير مع الذات ومناقضة للممكنات وإسفاف بالمؤهلات الإبداعية. صحيح أنه يتبقى لنا ثمانية أشهر لنحضر لكأس العالم بروسيا، إلا أن العمل يجب أن يبدأ من الآن، وما أظن أن الجامعة بالدينامية التي باتت تشتغل بها بضغط من رئيسها فوزي لقجع، ستطيل الجلوس على ناصية الفرح والإحتفال، إن لم تكن قد بدأت من اليوم في الترتيب بشكل جيد للمظهر الفني الذي سيظهر به أسود الأطلس في حفل العالم الذي لا يحتفظ في الذاكرة والسجلات إلا بما يجلب النتائج الجيدة وما يشكل لحظات للإبهار. هنيئا أولاد بلادي على تأهل أسودنا للمونديال، شكرا لأسودنا على أنهم أهدونا لحظة فرح جماعي والله يدوم علينا المسرات، وإن ينصرنا الله فلا غالب لنا.