الميرحاضو الصيفي ما أن وضعت البطولة أوزارها، حتى دخلت الأندية المغربية فيما بينها حربا ضروسا من أجل صفقات لا تقل ضراوة عن مباريات الكرة، مع اختلاف بسيط يكمن في غياب الحكم والدوس على ضوابط أخلاقيات صفقات يطاردها المسؤولون كخيط دخان. في الصحافة الرياضية تنشط سلعة بيع وشراء وكراء اللاعبين، سباق محموم نحو سبق صحفي قد يصمد أو يولد ميتا، لاعبون لا يصدقون ما يحدث من تهافت، يستيقظون على خبر توقيعهم لهذا الفريق أو ذاك دون علمهم، فيسارعون إلى الإتصال بالجريدة خوفا من توقيع في المنام. لكن المشكلة التي تستحق أن نقف عندها، في هذا «الميرحاضو» الصيفي النتن، تكمن في غياب منطق اقتصادي للصفقات، وغياب ذاكرة لتعاقدات تثير السخرية والقلق أيضا. تعالوا نقرأ بهدوء تخاريف صفقات بيع وشراء تصرف فيها أموال طائلة، بسبب سوء تقدير من المسير والمدرب أو هما معا، ودون أن يطال الحساب الذين ورطوا النادي في نفقات كان من الأولى استثمارها في أمور أخرى. أغلب المسيرين يتهافتون على شراء لاعبين كانوا إلى عهد قريب يحملون قميص النادي الذي يفاوضهم، ويستنفرون سماسرة بالزي الرسمي وسماسرة سريين لإتمام الصفقة، وفي بطولتنا نماذج كثيرة تستحق أن تقدم لمسؤولين يدبرون شأن فرقهم بمنطق غريب. صرف الرجاء البيضاوي النظر عن عدة لاعبين ووضعهم في لائحة الإنتقالات، وكتب على ظهر كل واحد منهم عبارة «للبيع»، وحين تأخر الزبناء استبدلت كلمة البيع بالكراء أو التفويت. لم يعر مدربو ومسؤولو الرجاء البيضاوي اهتماما كبيرا للحارس أيت بولمان، فأعاروه من حيث لا يحتسبوا لوفاء وداد، وحين انقطع الود والوفاء مع الفريق الأخضر، حول المراكشي اتجاهه سرا إلى المغرب الفاسي، بعد سنوات شرع الرجاويون في التفاوض من أجل شراء حارس لطالما أغلقوا هواتفهم في وجهه وعجلوا بترحيله. لاعبون كثيرون تدربوا مع الرجاء ولم ينعموا بنصف فرصة، وحين غيروا «العتبة» جاب الله التيسير، فضرب المسؤولون كفا بكف وقالوا «ربنا إغفر لنا إنا كنا من الظالمين»، فلاح الذي خرج من الوازيس وأصبح عميدا للمسيرة والوداد والجيش، البزغودي والهلالي أقاما في مركز التكوين التابع للرجاء، وحين تبين لهما أنهما مجرد نزيلين في داخلية يأكلان ويشربان ويتدربان بلا شهية قررا مغادرة الفريق، وعندما حزما حقائبهما شيعهما المسؤول بعبارة «أرض الله واسعة». تعاقد الرجاء مؤخرا مع اللاعب هوبري، وتبين أن اللاعب القادم من الحسيمة تدرب مرارا مع شبان الرجاء دون أن يتلقى نصف اهتمام، فخرج صاغرا وعاد محمولا على هودج. رحل اللاعب عبد الرزاق سقيم إلى شباب المسيرة هروبا من كرسي بدلاء الرجاء، وحين كشف عن إمكانياته دخل الرجاويون والوداديون في صراع من أجل شرائه، قبل أن يظفر الحمر بالصفقة، وبعد نهاية الموسم اشتراه الفريق الصحراوي الذي وجد نفسه في ورطة، حين باع لاعبا واشتراه مع خسارة في الموازنة المالية، رغم ذلك وجد شباب المسيرة متعة في شراء سلعته، فقرر شراء مهاجمه الصغير من أولمبيك خريبكة بعد أن أقام في هضبة الفوسفاط موسما واحدا. على شاكلة الرجاء، يخطب الوداد ود لاعبين لطالما ركضوا فوق أرضية ملعب محمد بنجلون دون أن يتلقوا قنينة ماء معدني، ومنهم من وجد رخصة المغادرة عند بائع الطون.. بعد سنوات تحول المطرودون إلى نجوم، يحاول السماسرة تذكيرهم بمقولة صدئة «العودة إلى الأصل أصل». اللاعب بورزوق هداف المغرب الفاسي خرج من مركب الوداد مكسور الوجدان، واليوم يبحث الوداديون عن ترضيته دون جدوى، أما لاعب الجيش نقاش فقد تدرج عبر الفئات الصغرى للوداد، وحين إلتمس من أحد المدربين منحه فرصة قبل الحكم بترحيله، رفض المقترح وأصدر القرار الذي لا يقبل الإستئناف، سافر نقاش إلى ليبيا وبدأ مساره من جديد زنكة زنكة، قبل أن يتحول إلى لاعب تطارده الأندية المغربية. في الجديدة، تقرر بيع اللاعب الرعدوني بالمجان إلى المغرب التطواني، وبعد موسم قرر نفس المسؤولين شراء لاعبهم ب 25 مليون سنتيم، وغادر مولاي زهير الرك الجديدة منذ خمس سنوات دون أن ينتبه إليه أحد، وبعد أن نسي الدكاليون لاعبهم اشتراه الدفاع الجديدي ب 30 مليون سنتيم، ما المانع من شراء لاعب كان بالأمس جزءا من الرصيد البشري للفريق، ما دامت الحبة والبارود من دار المكتب الشريف للفوسفاط. أمامنا نماذج لا تحصى للاعبين ما زال جرح الدوس على كبريائهم موشوما في أذهانهم وقلوبهم، لكن متى تطال المحاسبة المتسببين في هذا الوضع؟ ولماذا يظل الإفلات من المتابعة عنوانا للمشهد الرياضي، الذي يبرر مسؤولوه ضعف بصيرتهم التقنية، بالهروب نحو عبارة «الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري».