وكان الهوى الذي خاض غماره ابن الخطيب، واجتنى ثماره وأقام مناسكه ورمى جماره، قد انقلب بعد الشعور الطارئ الذي غمر نفسه، وكشف له عن تفاهة هذا الهوى، إلى حب علوي تغلغل في قرارة الروح، فأنار الوجدان، وخلص العمل من شوائب الغرض، وجوانب المادة. وهكذا أدى الحب الجسماني بابن الخطيب، كما أدى بابن الفارض، إلى رحاب المحبة الإلهية، التي هي غاية الإرادات الفطرية ومرارها، فلله رده حيث قال: ألفت طريق الحب حتى إذا انتهى الهوى*****تعوضت حب الله عن حب غيره محمد، يا سر سر الوجود **** وعنوه الكامل الأزهرا جلوت الحقيقة للمومنين **** وكنت مشخصها الأكبرا فلا تبصر العين إلا ظهورا **** وأنت المدار لما استترا وما الخلق طرا سوى عرض **** وقد كنت إنسانه الجوهرا فأنت الحقيقة تسبي العقول **** وتحيي القلوب، وتهدي الورى وأنت الثريا تساميت في **** علاك، وانعشت هذا الثرى وللذات عين ترى كل شيء **** فنتبع من نورها الأثرا وللطف تعنو كثافتنا **** فنسجد شكرا لمن لا نرى ونؤمن بالغيب من دون شك **** ولا نفرب الشرك والمنكرا هو الحب بالغيب من دون شك *** ولا نقرب الشرك والمنكرا هو الحب عند المحب دليل *** لمحبوبه السر قد بهرا يراني مسيئا، ولست أراه *** يؤاخذني اليوم عما جرى وكم ذا أراه يجود علي ****وليس يراني مدكرا وما كان أحرى اللبيب الحكيم *** على شكر مولاه أن يشكرا له افتقر الكون في كل حال **** فصار غنيا من افتقرا أيا طالب الحق غض في المحيط**** وكن يقظا، تجتن الدررا ففي الوصل تنحل كل الفروق **** وفي الفضل يحلم أهل الكرى تلوح الحقيقة للعارفين **** وتجلى لمن عشقوا السهرا بهمتهم جاوزوا كل حد **** وقد متعوا القلب والنظرا وللذات بالذات أنس قديم **** طوت، وستطوي به الاعصرا ومن أدركوا وحدة للوجود**** فعنهم لقد زال كل المرا وشتان ما بين روح تصول **** ونفس تحث الخطى المورا ومهما اختفى السر في أهله **** رأيناه في حالهم ظهرا وموقفهم دائما واحد **** بوحدة نور لهم قد سرى فللشمس في الكائنات ضياء ****يعم الكواكب والقمرا قد اختفت صور الكائنات **** وباحث بتوحيد من صورا إذا ما خلا المذكي المقام **** تجنب في بحثه الخطرا فآمن إيمان فكر سليم *** فما زاغ لحظا، وما كفرا محامل أهل الرموز فتوح **** من الله، تأويلها اشتهرا ووحدة هذا الوجود تنادي **** بتوحيد رب لنا غفرا فمنه إليه وعنه، وفيه *** أطعنا إله كما أمرا