يمثل الإعلام اليوم الذراع الأنجع في مجال تشكيل الآراء والمواقف، إلى درجة أن بعض الإعلاميين المتجرين بالإعلام قد برعوا في توظيف وسائل الاتصال الحديثة من صور اجتيالية (صور subliminales) وغيرها لقلب الحقائق، وسربلة الظالم بكساء المظلوم، والمظلوم بكساء الظالم، وذلك من خلال ترصّد أوقات التلقي عند المستهدفين، والتي تكون فيها الرقابة في أدنى حالات التوَفّز لزرع ما يريدون من قناعات ومواقف، في توظيف داه لحالات الحميمية التي قد يكون عليها المتلقي، وكذا لانتظاراته في استقراء شبه تام لعقليته وتمثلاته، استقراءٌ يشبه استقراء الكواسر لعادات ذوات الظلف والحافر وأضرب الطّير، في ورودها على شِرَعِ الماء لبلّ الصدى، وإطفاء الظمأ، بحيث يتم الانقضاض عليها وهي في حالة الانهماك المفتقر على الشرب بعد طول ومضني عطش. ومن تمظهرات هذا التوظيف والتشكيل ، ذاكم الذي يَزَع الناس اليوم إلى العدول عن استهلاك النافع إلى استهلاك ما هو دون ذلك ، فيما يشبه أشد أنواع الغرر ، ويشكل أبلغ أضرب الضرر... وفي هذا السياق، كم من مظلوم انهضم حقه وهو يسمع ويرى، لا لشيء إلا لأن الظالم أفعل في التواصل وتوظيف أحدث تقنياته، وكم من ظالم بدا في هيئة حمل ، وهو في عمقه ذئب كاسر، لا لسبب إلا لكونه ألحن بحجته من غيره، وهو ما حذر منه نبي الختم عليه الصلاة والسلام حين قال: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها " [صحيح البخاري، رقم الحديث: 2497] والمتتبع للإعلام في أيامنا هذه، تهبّ عليه لا شك ريح اللحن هذه، من خلال النشر الموجّه لأخبار بعض من يشهرون لواء الحقوق، وهم أول من يهضمها، ويرفعون شعار العدل، وهم أول من يخلّ به، في حسابات ما تركت من الضيق والمحدودية شيئا، محاولين بذلك إشاعة صورة غير صحيحة عن بلدنا الكريم.. ولله درّ من حين: استبدَد بهم المُستبدِد إذ استبدْدا علم أن من حقه أن يردْدا من إعلاميينا ودبلوماسيينا وحقوقيينا الأشاوس، وكذا من لا نعلمهم، ولكن الله يعلمهم، إذ جرّدوا إمكاناتهم لتفنيد المزاعم الظالمة، وبيان الحقائق الضائعة للحؤول دون الظالم اللاحن بحجته وهضم حق من كان دوما يحسن الظن، بالهدى ويدعو، ويُذكّر بمقتضيات حسن الجوار في وفاء وسخاء. والله المستعان الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء