إن المتأمل في السورة القرآنية –أياً كانت هذه السورة– يجد أنها كالبنيان يشد بعضه بعضاً، تنضفر مقدماتها بنتائجها، ويوطئ أولها لآخرها. وهذه الطريقة التي يؤلف بها القرآن الكريم بين مختلف الموضوعات في السورة القرآنية لِتعالج في النهاية موضوعاً واحداً، حتى لكأنها جداول مختلفة ترفد نهراً كبيراً يضمها فيه كلها، هذه الطريقة مميز من مميزات كتاب الله، ولا سيما إذا علمنا أن زمن نزول مختلف المقاطع التي تعالج المواضيع الجزئية في السورة الواحدة قد يتباعد، مما هو لعمري أحد أجلى وجوه الرحمة في القرآن الكريم. ونذكر من الأسرار الكامنة وراء معالجة القرآن الكريم في مختلف سوره للمواضيع بهذا المنوال ثلاثة أسرار: 1. أن هذا النوع مناسب للفطرة الإنسانية التي يتسرب إليها الملل حين معالجة موضوع معين بنوع من الاطراد، فهذا التنوع يعين الإنسان، بل يرغبه في قراءة القرآن الكريم حالاً بعد حال، دون ملل؛ 2. أن التنوع في مواضيع السورة الواحدة ذات الموضوع الواحد الكلي، يعين على تثبيت الموضوع الكلي في نفس القارئ، وغرسه فيها؛ لأن في ذلك إدخالاً لهذا الموضوع إلى كيان الإنسان من أقطار متعددة، مما يكون أكثر تمكيناً للمعنى. 3. أن القرءان الكريم –لكونه تنزل بعلم الله– قد أخذ بعين الاعتبار إمكانات مختلف الناس؛ فمنهم البسيط الساذج، المفتقر إلى طول النفس الذي يُخَوِّلُه فهمَ موضوع كلي يُتناول بنوع من الاطراد، فهذا النوع من الناس ينتفع بالفوائد الموجودة في المواضيع الجزئية، ومنهم الألمعي الذي له طول النفس العلمي والفكري، الذي يؤهله لاستيعاب المواضيع الكلية وإن تنوعت المواضيع الجزئية التي توصل إليها وتكونها. فهذا النوع من الناس أيضاً يجد بغيته في كتاب الله تعالى. مما هو تجلّ واضح للرحمة الكامنة في وحي الختم. والله الهادي إلى سواء السبيل