يقول عز وجل: "وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" [الاِسراء، 80-81]. اختلف المفسرون في تحديد المراد من الإدخال والإخراج[1]: قيل بأن المخرج هنا هو الإخراج من مكة، والمقصود بالمدخل الإدخال إلى بلد مكة فاتحا. وقيل بأن المراد من "رب أدخلني مدخل صدق" في الصلاة وأخرجني منها مع الصدق والإخلاص وحضور ذكرك والقيام بلوازم شكرك. وقيل إن المقصود من قوله: "وقل رب أدخلني" في بحار دلائل توحيدك وتنزيهك وقدسك ثم أخرجني من الاشتغال بالدليل إلى ضياء معرفة المدلول ومن التأمل في آثار حدوث المحدثات إلى الاستغراق في معرفة الأحد الفرد المنزه عن التكثيرات والتغيرات. وقيل: إدخال الله عز وجل رسوله الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم فيما حمله من عظيم الأمر، وهو النبوة، وإخراجه منه مؤديا لما كلفه من غير تفريط. وقيل: إن المراد هو أدخلني في كل ما تدخلني فيه مع الصدق في عبوديتك والاستغراق بمعرفتك و أخرجني عن كل ما تخرجني عنه مع الصدق في العبودية و المعرفة و المحبة. والمقصود منه ان يكون صدق العبودية حاصلا في كل دخول و خروج و حركة و سكون. وقيل: أدخلني القبر مدخل صدق و أخرجني منه مخرج صدق[2]. وقيل: بأن هذا السؤال يعم كل مكان يدخل إليه و مكان يخرج منه[3]. والظاهر أن المقصود من قوله تعالى: "وقل رب أدخلني مدخل صدق و أخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا" [الاِسراء، 80] تعليم للرسول الكريم محمد صلى الله عليه و سلم بأن يطلب من ربه أن يكون كلا من دخوله وخروجه صادقا، أي كاملا لأنهما معضدان بالنصر والتأييد. دليل ذلك أن هذه الآية الكريمة سيقت في مقام الشكر. ويتمثل الشكر في إقامة الصلاة وفي قراءة القرآن الكريم، وفي التهجد به في الليل. وكل ذلك نص عليه قوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" [الاِسراء، 78-79]. كما يتمثل الشكر في أمره عز وجل له بأن يدعوه ويتضرع إليه بأن يكون الصدق المؤيد بالسلطان حاضرا في مدخله ومخرجه لقوله تعالى: "وقل رب أدخلني مدخل دق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نيرا" [الاِسراء، 80][4]. والحق هذا تعليم إلهي بقدر ما يشمل الرسول الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم يشمل أيضا من يأتي بعده من أمته. بيان ذلك أن ما يمارسه الإنسان الفرد من العمل المتعدد والمختلف يقتضي دخولا إلى ممارسة فعل من الأفعال سرعان ما يعقبه خروجا آخر لمعانقة فعل آخر منها. ولا يخفى ما يقترن ويسبق ويلحق كثيرا من أعمال هذا المسلسل العملي المستأنف من مشاق ومكاره قد تعجز طاقة الإنسان على تحملها فيتجأ طوعا أو كرها إلى التضرع إلى الله بتذليل مداخلها وتيسير مخارجها. وبهذا التيسير الإلهي وذلك التذليل الصمداني يتحقق كمال الأعمال ويتحقق لصاحبها السلطان من قوة وظهور وحجية… ——————————— 1. المدخل والمخرج -بضم الميم وبفتح الحرف الثالث- أصله اسم مكان الإدخال والإخراج. 2. ينظر الزمخشري، الكشاف، ج: 2، ص: 643 والرازي، مفاتيح الغيب، ج: 21، ص: 30. 3. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير ج: 15- ص: 186، والصدق عند ابن عاشور هنا هو "الكمال وما يحمد في نوعه لأن ما ليس بمحمود فهو كالكاذب لأنه يخلف ظن المتلبس به" تفسير التحرير والتنوير، ج: 15، ص: 186. 4. لقد استجاب الله تعالى فلقن رسوله الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم إعلانا منبئا بحصول إجابة دعوته و ظهورها بقوله تعالى: "وقل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا". قال الإمام ابن عاشور رحمه الله: "ودل فعل "كان" على أن الزهوق شنشنة الباطل، وشأنه في كل زمان أنه يظهر ثم يضمحل". .ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 15، ص: 188.