يقول عز وجل "قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين" [المومنون، 94-95]. سيقت الآيتان في مقام اعتقادي ينذر الله تعالى من خلاله بأمرين: أولهما: بانتفاء عذر المشركين والكفار؛ والثاني: غضبه سبحانه وتعالى عليهم فاستحقوا عذابا دنيويا وآخر أخرويا ادخره الله عز وجل في يوم القيامة. وهما أمران واضحان في قوله تعالى: "ما اَتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون" [المومنون، 92- 93]. يبدو انطلاقا من هذا المقام الاعتقادي أن المعنى المقصود من الآيتين تلقين إلهي لنبيه الكريم محمد عليه الصلاة والسلام بأن يسأله النجاة من عذاب هؤلاء لقوله: "قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين" [المومنون، 94-95]. لقد سأل الله تعالى بوصف الربوبية الذي يقتضي الرأفة بالمربوب أن ينجيه مما يلحق المشركين لقوله تعالى: "فلا تجعلني في القوم الظالمين". قد يقال: كيف يجوز أن يجعل الله نبيه المعصوم مع الظالمين حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟ وقد أجاب الرازي عن هذا الاستشكال في قوله رحمه الله "يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وان يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهار للعبودية وتواضعا لربه"[1]. وهكذا فقد استجاب الله تعالى للرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام بما تحقق عوقب به المشركين يوم بدر وحنين، وبما أراه له من سوء عاقبتهم ومصيرهم، قال تعالى: "وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون" [المومنون، 96]. ولهذا يروى أنه صلى الله عليه وسلم وقف على القليب، قليب بدر وناداهم بأسمائهم واحدا واحدا، وقال لهم: "لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا"[2]. ——————————— 1. الرازي، مفاتيح الغيب ج: 23- ص: 108. قال الرازي: ما أحسن قول الحسن في قول الصديق: "وليتكم ولست بخيركم، مع أنه كان يعلم أنه خيرهم، ولكن المؤمن يهضم نفسه". المصدر نفسه، ج: 23- ص: 108. 2. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 18- ص: 118.