رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يستقبل السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الاتحاد    مجلس الحكومة يتتبع مستجدات النهوض بأوضاع المرأة ويوسع اختصاصات قطاع التواصل    توزيع ملابس العيد على 43 نزيلا حدثا بالسجن المحلي بطنجة2    دنيا بوطازوت تنسحب من تقديم "لالة العروسة" بعد أربع سنوات من النجاح    شهر رمضان.. وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم حصيلة حملة المساعدة الإنسانية في القدس    إسبانيا تعلن عن ملف مشترك مع المغرب والبرتغال لتنظيم بطولة عالمية جديدة    السعيدية.. تسليط الضوء على الندوة الدولية حول تطوير الريكبي الإفريقي    رحمة بورقية: أول امرأة تترأس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب    ألستوم تُعلن رسمياً توقيع اتفاق يتعلق بمشروع "التيجيفي" بين طنجة ومراكش    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    ارتفاع حصيلة زلزال بورما إلى 144 قتيلا    وزير التربية الوطنية يكشف تفاصيل الإصلاح التربوي أمام مجلس الحكومة    العجز التجاري للمغرب يقفز إلى 50.7 مليار درهم عند متم فبراير    فرنسا تمنح مهنيي النقل امتياز التأشيرات بدون مواعيد: توقيع اتفاقية شراكة بين القنصلية العامة وAMTRI    مطار محمد الخامس بالدار البيضاء .. السيطرة على حريق اندلع في منطقة الشحن التابعة للخطوط الملكية المغربية    نهضة بركان يبلغ ثمن نهائي كأس العرش بفوزه على اتحاد طنجة    مقترح قانوني.. حظر ممارسة الأنشطة التجارية للمسؤولين في فترة مهامهم    مارين لوبان تنتقد إدانة بوعلام صنصال: وصمة عار لا تُمحى على النظام الجزائري    العجز التجاري يتفاقم ب22 بالمائة منذ مطلع هذا العام    وزارة الداخلية.. إغلاق 531 محلا ومصادرة 239 طنا من المنتجات غير القانونية    العرض ماقبل الأول لفيلم «مايفراند» للمخرج رؤوف الصباحي بسينما ميغاراما    رامز جلال في رمضان والكاميرا الخفية المغربية .. مقلب في الضيوف أم في المشاهد؟    مباريات كرة القدم للتأهل إلى المونديال إصابة أكرد تدمي قلب مشجع ستيني    مطالب بعقد اجتماع عاجل بمجلس النواب لمناقشة تفاقم البطالة    وهبي يعثر على "توأم روحه" بالتعيين الملكي لبلكوش مندوبا وزاريا لحقوق الإنسان    الزرع المباشر في المغرب توسع متسارع نحو مليون هكتار بحلول 2030    ضبط 240 ألف طن من المواد الفاسدة وإغلاق 531 محلا تجاريا بسبب مخالفات صحية خلال شهر رمضان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    السناتور الأمريكي ساندرز يسعى للتصويت في مجلس الشيوخ على قرارات تمنع بيع أسلحة لإسرائيل    دوري أبطال إفريقيا: تحكيم ليبي لمباراة الإياب بين الجيش الملكي وبيراميدز المصري    محكمة إسبانية تبطل إدانة نجم برشلونة السابق البرازيلي داني ألفيش بتهمة الاغتصاب    وزيرا دفاع سوريا ولبنان يوقعان في جدة اتفاقا لترسيم الحدود بوساطة سعودية    "ضحايا كثر" جراء زلزال بورما وتايلاند    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    دونالد ترامب يستضيف حفل إفطار بالبيت الأبيض    الصين: انخفاض الأرباح الصناعية ب0,3 بالمائة خلال الشهرين الأولين من 2025    تيك توك تطلق منصة تسوق تفاعلية في أوروبا    "مناجم" التابعة للهولدينغ الملكي تحقق رقم معاملات ناهز 4 مليارات درهم وتعلن عن اكتساف 600 طن من احتياطي الفضة    فليك : أنا فخور بفريقي .. الروح القتالية سر انتصار برشلونة الكبير    مصطفى أزرياح من تطوان يتوج بجائزة محمد السادس ل"أهل الحديث"    عودة أسطورة الطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي في عرض يعد بالكثير    هل ينتقل نايف أكرد لماشستير يونايتد … بسبب إعجاب المدرب … ؟    محمد مزوز من طنجة يتوج بجائزة محمد السادس للكتاتيب القرآنية في فرع "جائزة التسيير"    أيها المغاربة .. حذار من الوقوع في الفخ الجزائري    الأردن وزواج بغير مأذون    باحثون يكتشفون رابطا بين السكري واضطرابات المزاج ومرض ألزهايمر    كرة القدم لعبة لكنها ليست بلا عواقب..    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    عادل أبا تراب ل"رسالة 24″: هذا هو سبب نجاح "الجرح القديم" ومقبل على تقمص جميع الشخصيات    حب الحاجب الذي لا يموت..!    أوراق من برلين: فيلم "طفل الأم".. رحلة تتأرجح بين الأمومة والشكوك    فن يُحاكي أزمة المياه.. معرض فني بمراكش يكشف مخاطر ندرة الماء والتغيرات المناخية    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدعاء ومقاصد الناس
نشر في ميثاق الرابطة يوم 04 - 02 - 2011

"فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم ءاباءكم أو اَشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا في الدنيا وما له في الاَخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الاَخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب" [سورة البقرة، الآيات: 200-202].
توجه الله تعالى بعد انقضاء المناسك إلى الناس بأن يذكروه بذكر يماثل ذكرهم لآبائهم أو أشد منه لقوله تعالى: "فاذكروا الله كذكركم ءاباءكم أو اَشد ذكرا"[1]. المقصد من ذلك أن يكون المرء دائم الذكر لربه، متيقظا ومثابرا على الأوبة إلى رحمته وكرمه. والذكر هنا شامل للدعاء؛ لأن الذي يحج إلى بقاع الحج يقصد الرجاء في الله والتيمن من تلك البقاع.
وقد ميزت الآية بين فريقين:
1. فريق يقول: "ربنا ءاتنا في الدنيا وما له في الاَخرة من خلاق"، أي لا نصيب له في الآخرة. ويشمل هذا الفريق أصنافا من الناس: منهم أهل الشرك إذ الآية نزلت قبل تحجير الحج على المشركين بآية براءة. وفي هذا تعريض بذم المشركين؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة. قال ابن عطية: "كانت عادتهم في الجاهلية ألا يدعو إلا بمصالح الدنيا إذ كانوا لا يعرفون الآخرة"[2]، ومنهم الكفار، ومنهم بعض المسلمين الذين لا زال يسيطر على هواجسهم وهمومهم الحب الخالص للدنيا حتى كاد أن ينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه ولم يؤته من الدنيا إلا ما كتب له"[3]. يطلب الناس من حلال هذا الفريق الصحة والأمن والرفاه وكل ما من شأنه أن يقدرهم على التمتع بمباهج الدنيا وخيراتها. ولا يشرئبون إلى ما أعده الله تعالى من النعيم الذي أعده الله تعالى في الجنة للمؤمنين. وقد تحدث الله تعالى عن هذا الفريق في آيات متعددة منها قوله تعالى: "ومن كان يريد حرث الدنيا نوته منها وما له في الاَخرة من نصيب" [سورة الشورى، جزء من الآية 20].
2. والفريق الثاني يقول: "ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الاَخرة حسنة وقنا عذاب النار". يرتسم دعاء هذا الفريق في مطلوبين:
المطلوب الأول دنيوي يتمثل في حسنة الدنيا. "ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة" فهي نكرة في محل الإثبات اختلف المفسرون في تحديدها فكانت متعددة كالصحة، والعافية، والعلم النافع، والفقه المسدد، والنصرة، والسعة في الرزق، والولد الصالح، والزوجة الصالحة وغيرها من الحسنات الدنيوية التي أشار إلى بعضها قوله تعالى: "ربنا هب لنا من اَزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" [سورة الفرقان، جزء من الآية 74]. ولهذا حمل كل واحد من المفسرين اللفظ على ما رآه أحسن أنواع الحسنة. والمطلوب الثاني أخروي لا يتمثل فحسب في حسنة الآخرة،[4] وإنما يتجسد أيضا في أن ينجيه الله تعالى من عذاب النار فيها؛ لأن حصول الحسنة في الآخرة قد يكون بعد عذاب ما فأريد التصريح في الدعاء بطلب الوقاية من النار.
استدل الرازي بما تنطوي عليه الآية من تقسيم على إهمال فريق من الناس يقصر دعاءه على الآخرة.. ويعضد هذا الاستدلال ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ المنتوف فقال: "هل كنت تدعو الله بشيء؟" قال نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله إذا لا تطيق ذلك ولا تستطيعه فلا قلت: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ودعا له فشفاه الله تعالى[5].
والظاهر أن في الآية أدب من الآداب التي ينبغي أن يتأدب بها الداعي في دعائه إذ لا يليق به أن يجزم في دعائه، وعليه أن يسلك سبيل التنكير كما في الآية "ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الاَخرة حسنة". فإذا رغب في حسنة الدنيا عليه أن يأخذ بالأسباب الموصلة إليها من معرفة السنن والقوانين التي تقدره على معرفة أسرار الدين الذي أنزلة وأسرار الكون الذي أبدعه. وبذلك يفيد مما سخره الله تعالى للإنسان في هذه الدنيا لقوله تعالى: "ألم تروا اَن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الاَرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" [سورة لقمان، جزء من الآية: 20]. وإذا رغب في حسنة الآخرة؛ فإن عليه الاستقامة على نهج الدين وأحكامه في جلب المصالح ودرء المفاسد. أما إذا رغب في الوقاية من النار؛ فإن عليه ترك المنهي والائتمار بالأوامر فيعيش بمقتضى تلك المعرفة. ولهذا وعد الله تعالى هذا الفريق بأن لهم نصيبا مما كسبوا، ولهذا نكر "نصيب" حتى يصدق عليه القليل والكثير.
لقد وعد الله تعالى أن يعطي الناس ما دعوا الله تعالى فيه بكسبهم، وهو سبحانه في هذا كما قال: "سريع الحساب". نعم لا شك في ذلك، لكن مما يجدر التنبيه عليه أن هذا الدعاء القرآني متسق مع أمرين ضروريين: أولهما الشعور الصادق بالحاجة إلى الله تعالى، والأمر الثاني الأخذ الجاد باّلأسباب التي تجعل الداعي المؤمن في الإسلام على بال بالسنن والقوانين التي بمقتضاها يكون الكسب الدنيوي والأخروي لحسنتي الدنيا والآخرة. ولهذا ندرك المغزى من قوله تعالى: "مما كسبوا". إننا نؤمن بما هيأه الله تعالى من ثواب وجزاء في الحياة الآخرة بالنسبة لأي تعامل مع شريعته، ائتماراً بأوامرها، وانتهاء عن نواهيها. وفي الوقت الذي نحن، المسلمين، مطالبون بهذا الإيمان؛ فإننا لسنا مطالبين بتعقل الطبيعة الأخروية لهذا الجزاء ولا بإدراك حقائق ما يخالفه من عقاب. كما أننا نؤمن بما هيأه الله تعالى من مصالح ومنافع بالنسبة لحسنة الدنيا ائتمارا بأوامره وانتهاء عن نواه. وإذا كنا غير مطالبين بتعقل ما يترتب عن العمل بأحكام دينه في الحياة الآخرة؛ فإننا مطالبون بتعقل ما يترتب عن العمل بها في الحياة الدنيا.
قد يقال: "ما الدنيا إلا قنطرة للمرور للآخرة"، فهل هذا منطق يمكن أن يؤدي وظيفة ناجعة في هذا العصر؟ وفي نظري إن "منطق الدنيا مجرد قنطرة للآخرة" فعّال وناجع في كل العصور، لكن بشرط أن نهتم بالقنطرة الدنيوية، فنقوي أركانها ونشيد أعمدتها وبنيانها على أساس من العلم الدقيق، وعلى أساس من الخبرة المتخصصة بمكونات القنطرة التي سنمر عبرها إلى الآخرة. لا ننسى أن القرآن الكريم يدعونا إلى أن نريد الآخرة، نعم لا شك في ذلك، لكنه يدعونا في الوقت ذاته إلى أن نسعى لها بسعي دنيوي يلتحم في بنائه الإيمان بالله مع العمل الصالح. إن سعي المؤمن للآخرة لا يكون بتطليق الدنيا لقوله تعالى: "ومن اَراد الاَخرة وسعى لها سعيها وهو مومن" [سورة الاِسراء، جزء من الآية: 19] وجملة "وهو مومن" في الآية السابقة اسمية لدلالتها على تمكن الإيمان. وليس في هذا المنطق، أي تطليق للدنيا، وإنما هي "قنطرة" أو محطة خلقت للإنسان، وخلق هو لها ليفيد منها ويعمرها ويستمتع بمباهجها، وكل ذلك محتاج إلى تنظيم، وكل ذلك مفتقر إلى تقنين جاءت الشرائع، ومنها شريعة الإسلام، لضبطه وتهيئته. لا يلزم عن الإيمان بحسنة الآخرة وما فيها من مصالح أخروية تعقلها من الناحية العلمية؛ لأنها من الغيوب المحجوبة عنا. كل ما في وسعنا هو تعقل حسنة الدنيا، وليس مجرد الاقتصار على "العلم" بظواهرها كما هو علم أكثر الناس.
لقد كان سوء "الموقف من الدنيا" من أسباب انهيار الحضارة الإسلامية. وقد أسفر عن هذا الموقف السيئ أفكار وممارسات وعوائد في جوانب متعددة من ثقافتنا الموروثة، فتركت علوم الدنيا لغيرنا[6] لم يمكن مجتمعنا من شيوع الثقافة العلمية بالدنيا، وبمجالاتها، وسار الكثير من أولي الأمر والنظر يرسخون للنظر في ذات الله، وفي قضاء الأوقات الطوال في ترداد اللسان لأسماء الله الحسنى عشرات أو مئات أو ألوف المرات، وفي بذل الجهد العقلي، من أجل تعقل "حسنة الآخرة" وما أعده الله تعالى فيها من نعيم ومصالح أخروية، وما أعده أيضا من جحيم ومفاسد أخروية في يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين، رسخ كل ذلك في سلوكنا الإسلامي على الرغم من أن الله تعالى دعانا إلى التفوق في علوم الدنيا لينطبق علينا الوعد الإلهي بالاستخلاف الأرضي، والتمكن والتمكين، والأمن والأمان الأرضي.
---------------------------
1. قال السدي: "كان الرجل يقوم فيقول: إن أبي كان عظيم القبة، عظيم الجفنة، كثير المال فأعطني مثل ما أعطيته. فأنزل الله تعالى هذه الآية". وقيل معنى الآية: كونوا مواظبين على ذكر الله كما يكون الصبي في صغره مواظبا على ذكر أبيه وأمه. تفسير مفاتيح الغيب للرازي، ج 5، ص: 166.
2. نقلا عن تفسير التحرير والتنوير ج 2 ص 248.
3. سنن ابن ماجة، رقم الحديث: 257 و 4106.
4. قيل هي الجنة و قيل أيضا هي رؤية الله عز وجل.
5. صحيح مسلم رقم الحديث 2688. وينظر تفسير مفاتيح الغيب للرازي ج 5 ص168.
6. يراجع للتوسع فغي هذه النقطة دراستي الامتداد الزمني للمصالح وإشكال التعميم والتدقيق في الفكر المقاصدي، ضمن مجموعة دراسات، نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي. 2009م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.