يقول الله عز وجل في محكم كتابه العزيز "ولله الاَسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا نوا يعملون" [الاَعراف، 180]. سيقت الآية في مقام اعتقادي يصحح الله تعالى من خلاله تصور الناس لحقيقة الألوهية. فمقامها المقالي مرتبط بتعطيل فريق من المشركين وإنكارهم لصفات الله تعالى، وذلك بسبب عدم استعمال إمكاناتهم الإدراكية حتى أن ينطبق عليهم قوله تعالى: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالاِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالاَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" [الاَعراف، 179]. ويتصل مقامها الحالي بإنكار المشركين في الجزيرة العربية لصفة الرحمن كصفة من صفات الله تعالى. وفي هذا المضمار ينقل بعض من المفسرين أن أبا جهل سمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيذكر الله في قراءته مرة، ومرة يقرأ فيذكر الرحمن فقال أبو جهل: "محمد يزعم أن الإله واحد، وهو إنما يعبد آلهة كثيرة"[1]. وهكذا تقرر الآية الكريمة أن لله تعالى أسماء حسنى أمر الناس أن يدعوه بها ثم قرن هذا الأمر الإلهي بأمر آخر مفاده ترك الذين يلحدون في أسمائه. ففي الآية حصر لقوله تعالى: "ولله الأسماء الحسنى"، أي أن الأسماء الحسنى ليست إلا لله تعالى. والحسن مؤنث الحسن، وهو المتصف بالحسن الكامل في ذاته، المقبول لدى العقول السليمة المجردة عن الهوى. ليس المقصود بالحسن هنا الحسن الملائم في العقول؛ لأن الملائمة وصف إضافي نسبي، إذ قد يلاءم زيدا ما لا يلاءم عمرا. أما الأسماء فهي الألفاظ المجعولة أعلاما على الذات بالتخصيص أو بالغلبة. فاسم الجلالة، وهو الله علم على ذات الإله الحق بالتخصيص. ولا يدخل في هذا ما كان مركبا إضافيا نحو ذو الجلال، ورب العرش؛ فإن ذلك بالأوصاف أشبه، وإن كان دالا على معنى لا يليق إلا بالله نحو ملك يوم الدين. إن المقصود من أسماء الله معانيها الكاملة التي لا تثبت إلا لله نحو الحي والقيوم والعزيز والحكيم والغني.. أما بعض الأسماء فلا يحسن الاتصاف بها للبشر نحو المتكبر والجبار. فهي نقص في المخلوق من حيث أن المتسم بها لم يكن مستحقا لها بسبب عجزه وحاجته، بخلاف الله تعالى؛ لأنه الغني المطلق. بكلمة أخرى إن اتصاف المخلوق بصفات من مثل الجبار، المتكبر هو منشأ الفساد في الأرض، أما اتصاف الله بها فهو منشأ الصلاح؛ لأنها مصدر العدالة الإلهية[2]. ومهما يمكن أن يقال في الاختلاف حول الإسم والمسمى في الآية الكريمة[3]؛ فإن لله تعالى أسماء حسنة؛ لأنها تدل على توحيده وكرمه وجوده وفضله ونعمه ورحمته وإحاطته وحكمته. ويبدو أن هذا الحصر متسق مع آيات أخرى من مثل قوله تعالى: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعو فله الاَسماء الحسنى" [الاِسراء، 109]، ومن مثل قوله تعالى: "الله لا إله إلا هو له الاَسماء الحسنى" [طه، 7]، ومن مثل قوله تعالى: "هو الله الخالق البارئ المصور له الاَسماء الحسنى" [الحشر، 24]. تتضمن الآية أيضا أمرين: أمر أول بأن ندعو الله تعالى بأسمائه الحسنى، أسماء يجدر بنا معرفة معانيها ومغازيها، ونحن مستحضرين لشرطين مفصليين: شرط عزة الربوبية، وشرط ذلة العبودية[4]. وأمر ثان بأن نذر الذين يلحدون في أسمائه، أي يميلون عن الحق فيها، كما فعل المشركون الذي سموا اللات والعزى ومناة آلهة. فاللات مشتقة عندهم من الإله، والعزى مشتقة من العزيز، ومناة مشتقة من المنان، أو كما فعل ويفعل النصارى الذين سموا الله تعالى أبا للمسيح تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ويبدو أن هذا الأمر عام ينسحب، كما قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله: "على كل ألوان الإلحاد في شتى صوره كالذين يدعون له كيفيات أعمال تشبه أعمال البشر، وكذلك من يدعون أنه سبحانه إله في السماء، وفي تصريف نظام الكون، وفي حساب الناس في الآخرة، ولكنه ليس إلها في الأرض، ولا في حياة الناس"[5]. ------------------------------------------------ 1. وقيل أيضا نزلت في رجل من المسلمين كان يقول في صلاته: يا رحمن يا رحيم، فقال رجل من مشركي مكة: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ينظر الجامع لحكام القرآن ج: 7، ص: 325. 2. ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج: 9، ص: 186. قال الرازي: "لا معنى للحسن في حق الله تعالى إلا ذكر صفات الكمال ونعوت الجلال، وهي محصورة في نوعين: عدم افتقاره إلى غيره، وثبوت افتقار غيره إليه" مفاتيح الغيب، ج: 15 ص: 55. 3. قيل في هذه الآية وقوع الاسم على المسمى، ووقوعه على التسمية. فقوله تعالى: "ولله" وقع على المسمى، وقوله: "الأسماء" جمع اسم واقع على التسميات. ودليل ذلك أن الهاء في قوله: "فادعوه" تعود على المسمى سبحانه وتعالى، فهو المدعو. والهاء في قوله "بها" تعود على الأسماء، وهي التسميات التي يدعى بها لا بغيرها. وذهب البعض إلى أن الاسم هو المسمى أو صفة له تتعلق به، وأنه غير التسمية. وقيل إن المراد به التسميات؛ لأنه تعالى واحد والأسماء جمع، وقيل ولله تعالى الأسماء أي لله تعالى الصفات. ينظر مفاتيح الغيب، ج: 15، ص: 55-56. 4. يراجع ما ذكر الرازي في توضيح ذلك مفاتيح الغيب، ج: 15، ص: 58. 5. سيد قطب، في ظلال القرآن، ج: 9، ص: 1402.