لقد أصبح التطاحن المادي ظاهرة عصرية أليمة، وانغمس المسلمون في هذا التطاحن الجارف، وانقسموا على أنفسهم بسببه، وتركوا تعاليم الإسلام في شؤون المال والاقتصاد والتنمية والإنتاج، فغاصوا في خلافات مفرقة لصفوفهم ومفسدة لأخلاقهم وخطيرة على وحدتهم، وعمهم شؤم الربا والاحتكار حتى عبدوا المادة كما عبدها أصحاب المذاهب المقلدة منهم، وضاع ضعيفهم يتقلص واجبات الدين بين أنياب وبطون، وقد آن الأوان للمسلمين ليرجعوا أمرهم ويصلحوا ما أفسدته المذاهب المستوردة من شؤون دينهم مما يعود إلى المال والاقتصاد. إن قيمة المال إسلاميا في تسخيره لمرضاة الله بإفادة الناس جميعا منه، وتحسين أحوالهم وتعميم الخير بينهم، وإبعاد الشرور عنهم به، وتنمية لمصالحهم وتسخيره لتقوية دولة الإسلام وجعلها قادرة على الصمود وسط الزوابع والزلازل الاقتصادية العالمية ببناء مجتمع مسلم سليم من المضار المذهبية المتكدسة في العالم المتصنع والتي لا يرضى الإسلام واحدة منها لأهله. فالمال ليس غاية في ذاته وإنما هو وسيلة للعيش وفعل الخير، وتقوية الإسلام، كما فعل أغنياء الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كانوا ينفقونه في سبيل الله وتجهيز الجيوش، وبناء الدولة القوية القائمة على الحق والعدل والإيمان يقول الله سبحانه وتعالى: "اِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الاَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" [الكهف، 7]. وما قيمة المال وتنميته إذا لم يصرف في وجوه الخير فيفيد في الدنيا بتحسين الأوضاع وتقوية الإسلام، ويفيد في الآخرة بالثواب والحسنى، فالمال طيب أو خبيث ولا يرضى الله لعباده الخبائث، فينبغي أن يصرف فيما يرضي الله تعالى ورسوله ويرفع من مستوى الاقتصاد القومي دون إسراف أو لهو أو لعب مما يجر إلى الدرك الأسفل من الحيوانية المفترسة، تترك معظم الناس في شدة وضيق وضنك وفقر ومرض وجهل وإفلاس وفي القرآن الكري:م "أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ" [الشعراء، 128-130]. يتبع في العدد المقبل.... عن كتاب "البيعة والخلافة في الإسلام" للأستاذ العلامة المرحوم الحاج أحمد بن شقرون، ص: 41-42 سلسلة البدائع الكتاب العاشر الطبعة، (1417ه / 1996م).