لفضيلة الدكتور احمد عمر هاشم استاذ ورئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين جامعة الأزهر إن الإسلام يحل الطيبات ويحرم الخبائث، ويدعو المؤمنين أن يكونوا أقوياء، لا أن يضعفوا قوتهم بالتدخين وغيره من العادات الضارة، التي تضعف الصحة والعقل وتورث الفتور والإدمان. وخطورة " التدخين " لا تكمن في كونه مسكرا، فهو غير معسكر، ولا في غلاء سعره، ولا في الأضرار الصحية الواضحة فيه فحسب... وإنما تكمن خطورة التدخين في سرعة الإدمان بالنسبة للمدخنين، إذ سرعان ما يتمسك بتلك العادة كل مدخن، ولا يستطيع أن يصبر بدونها جزءا كبيرا من الوقت..كما يكمن خطرها في سرعة انتشارها وسهولتها وإمكانية تعاطي الدخان في كل وقت. وللتدخين كذلك أخطار أخرى على الجهاز التنفسي اكتشفها الطب الحديث منها: سرطان الرئة، و سرطان الحنجرة، والالتهاب الشعبي (القصبي) المزمن، وجلطات القلب، وجلطات الأوعية الدموية للمخ. كما أن للتدخين أخطارا على الجهاز الهضمي منها: سرطان الشفة وسرطان الفم والبلعوم والمريء وقرحة المعدة والاثنى عشر، وسرطان البنكرياس. كما أن له أخطارا على الجهاز البولي مثل أورام المثانة الحميدة، وسرطان المثانة، وسرطان الكلى. الإسلام يحل الطيبات ويحرم الخبائث إذا اتضح لنا هذا فإن الإسلام يقول: " ولا تلقوا بأيدكم الي التهلكة " وقال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم ) وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " وقال: " لا ضرر ولا ضرار " وفي الحديث: " نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر ". وهذه النصوص من القرآن والحديث حين تواجه بالأضرار السابقة لا شك أن مقدماتها تنتج لنا نتيجة واحدة هي أن التدخين حرام. ولئن لم يقل العلماء قديما بحرمة التدخين فذلك راجع إلى أنهم لم يكونوا قد اكتشفوا تلك الأضرار. ولكي يتضح الأمر اكثر، أوضح رسالة الإسلام في مقاومة الإدمان للتدخين وغيره، ودعوة الإسلام إلى الحفاظ على الصحة، حتى نري من خلال البنود التالية أن التدخين مناقض لها، ومنافي للصحة. بل هو للهلاك وضياع المال والصحة. إن الإسلام هو دين الحق والخير، والعبادة والعمل، يدعو أتباعه إلى السعي والعمل، والتقدم والنهوض... ولا يتأتى كل هذا إلا في حال صحية سليمة، وقوة بدنية قادرة. ومن أجل هذا عني الإسلام بصحة الأبدان، فوجه إلى ما فيه سلامة البدن وعافيته. كما دعا الإسلام إلى الوقاية من الأمراض، والبعد عن أسباب العدوى التي يترتب عليها المرض وتدهور الصحة. كما أرشد الإسلام أتباعه إذا وقع المرض أن يتداووا، وأن يأخذوا في الأسباب من أجل العلاج . الإدمان ولكن قد تستبد بعض الظواهر أو المشروبات بإنسان أو ببيئة بحيث تصبح عادة مستمرة، وبحيث يصبح مدمنا لها لا يتخلى عنها، وقد لا يظهر للمدمن الخطر في أول الأمر ولا تظهر له الأعراض.. وتلك هي ظاهرة " الإدمان " وهي تظهر في بعض المشروبات، أو العادات، أو غيرها من أنواع السلوك الذي قد يزينه الشيطان أو النفس الأمارة بالسوء للإنسان من حيث لا يدري. و" الإدمان " على الشيء: معناه المداومة عليه وملازمة فعله، وفي القاموس:" يدمن كذا " أي يديمه، " ورجل مدمن خمر: أي مداوم شربها ". وقد نهى الإسلام عن كل مسكر، وبين أنه خمر، والخمر محرمة وهى من كبائر الذنوب، ولكن الإسلام يفتح باب التوبة أمام المذنبين الذين يريدون أن يتوبوا، وأن يرجعوا إلى الله، وذلك بأن يقلعوا عن الخمر أو المسكر أو الذنوب، أما إذا لم يقلع العبد عن ذنبه فإنه يكون " مدمنا " لهذا الذنب والمدمن لا يتوب الله عليه لأنه لم يحقق شرط التوبة وهو الإقلاع عن الذنب والتخلي عنه. عن ابن عمر رضى الله عنهما قلى: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها: لم يتب ، لم يشربها في الآخرة " (رواه مسلم) ولا يقتصر التحريم على كثرة الشرب، بل على الكثير والقليل، فإن ما أسكر كثيره فقليله حرام... كما لا تقتصر ظاهرة الإدمان على الخمر والمسكرات فحسب وإنما تشمل ظاهرة المخدرات والتدخين. فأما ظاهرة الخمر والمسكرات والمشروبات الكحولية: فإن تناولها يورث الإدمان عليها، والإدمان عليها، يورث أمراضا عديدة ويصيب أجهزة الجسم بالخلل، فهي رجس وليست طاهرة كما قالي الله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) وفي ترك الخمر ومشتقاتها وغيرها من المسكرات والمشروبات، سلامة للإنسان وفلاح: (لعلكم تفلحون) والوقوع في شربها وتعاطيها يوقع الانسان في العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، كما قال الله سبحانه: (إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون) وأما ظاهرة المخدرات الأخرى: فالإدمان فيها يورث صاحبها صفات ذميمة كالجبن، وعدم الشعور بالواجب، وضعف الإرادة، إلى جانب الأضرار الصحية الأخرى والأضرار العقلية مثل: تدهور الصحة، والجنون، وضعف الذاكرة، إلى جانب الأضرار الاقتصادية والنفسية. وتقوم أدلة كثيرة على تحريم المخدرات منها قوله تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) ، ومنحها قوله صلي الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار " (رواه احمد وابن ماجه). وعن أم سلمة زوج الرسول صلي الله عليه وسلم أنها قالت: " نهى رسول الله عن كل مسكر ومفتر " (رواه أحمد وأبو داود) كما يندرج تحريم المخدرات ضمن تحريم الخمر والمسكرات حيث ان المخدرات تخامر العقل وتغطيه، وتخرجه عن طبيعته. وإذا نظرنا إلى من يتعاطى الحشيش والأفيون ونحوهما فإن تأثير ذلك عليه واضح، حيث يرى البعيد قريبا والقريب بعيدا، ويتخيل أمورا غير واقعة. وقد حكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة، وقال ابن تيمية:" من استحلها فقد كفر). ظاهرة التدخين وأما ظاهرة التدخين: وهى اكثر الظواهر انتشارا، فهي داخلة في قوله صلي الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار "وفي نهيه عليه الصلاة والسلام عن كل مسكر ومفتر، وربما لم يكن اكتشف خطرها إلا حديثا ومن هنا كان الحكم عليها مترتبا على ضررها وعلى تفتيرها، وقد رأى بعض العلماء كراهتها والبعض رأى حرمتها، والبعض رأى أن الكراهة والحرمة تترتب على العوارض التي تظهر بسبها من نحو ضرر أو مرض، وقد اكتشف العلم الحديث والطب في السنوات الأخيرة، أضرارا تسببها ظاهرة التدخين، مما يجعلها تندرج في تلك التى نهى عنها الرسول صلوات الله وسلامه عليه " لا ضرر ولا ضرار ". حكم الإسلام في التدخين ومما سبق يتضح لنا أن الإسلام عني بالصحة ووجه الانسان الى أسباب السلامة. كا دعا الإسلام إلى الوقاية من الأمراض، فالوقاية خير من لعلاج. وناهض الإسلام الادمان، حتى لا تستبد العادات السيئة بالناس، وبما أن التدخين أكبر العادات السيئة ومن أخطرها، فإن الحكم على شاربه يترتب على أمور يجدر بنا أن نشير إليها، وننوه بها: أولا: ما يلاحظه شارب الدخان من فتور، وحديث أم سلمة فى ذلك صريح: " نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر " ويشعر بهذا الفتور من يشربه لأول وهلة، أو يشربه متقطعا، أو ينقطع عنه ثم يشربه، وكذلك من يداوم على شربه إذا امتنع بعضا الوقت ثم عاد لشربه فيشعر بدوران رأسه وفتوره.. والحقيقة أن التفتير حاصل في التدخين بصفة دائمة ولجميع من يتعاطاه، ولكنه قد لا يبدو لبعض المدخنين. ثانيا: أن في التدخين إسرافا وتبذيرا وضياعا للمال وقد نهى الإسلام عن الإسراف فقال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) (الأعراف 31) ونهى عن التبذير فقال: (ولا تبذر تبذيرا ان المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) (الاسراء27) وقال تعالى: ( ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط ) ( الإسراء 29) . ثالثا: في التدخين إضاعة للمال، وقد حرم الإسلام إضاعة المال، وفي الحديث الصحيح يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: " إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ". فإضاعة المال محرمة. فإذا نظرنا إلى التدخين وجدناه حرقا للأموال وإشعالا للنار فيها دون عائد يعود على الصحة أو الوطن. رابعا: الضرر الصحي للتدخين، وحيث كشفت الطب الحديث والعلم أن في التدخين أضرارا صحية وأنه يسبب العديد من الأمراض. فمما لا شك فيه أنه يكون محرما. ولننظر إلي تقرير الكلية الملكية للأطباء بالمملكة المتحدة (بريطانيا) والصادر في عام 1977 م: " إن كمية النيكوتين الموجودة في سيجارة واحدة كفيلة بقتل إنسان في أوج صحته لو أعطيت له هذه الكمية من النيكوتين بواسطة إبرة في الور يد ". كما يؤكد تقرير منظمة الصحة العالمية والصادر في عام 1975، " بان عدد الذين يلاقون حتفهم أو يعيشون حياة تعيسة من جراء التدخين، يفوقون دون ريب عدد الذين حتفهم نتيجة الطاعون والكوليرا والجدري والسل والجذام والتيفود والتيفوس في كل عام.. " ويؤكد التقرير أن " الوفيات الناتجة عن التدخين هي أكثر بكثير من جميع الوفيات بالأمراض الوبائية مجتمعة ". ويقول تقرير منظمة الصحة العالمية: " إن التوقف عن التدخين سيؤدى إلى تحسين الصحة وإطالة الأعمار بما لا تستطيعه جميع الوسائل الطبية مجتمعة". وإذا تبين لنا ضرر التدخين على حياة الانسان بمثل هذا القدر فإنه مما لاشك فيه انه يكون محرما، لأن الله تعالى يقول: (ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة) (البقرة 195) وبمثل هذه النسبة يكون التدخين إلقاء بالنفس إلى التهلكة.. وبما أن في التدخين ضررا للنفس وضررا للغير، لأن المدخن ينفخ الدخان في الهواء المحيط به، في أسرته أو في المجلس الذي هو فيه، فيضر بالآخرين ممن لم يدخنوا وقد نهى الإسلام عن ضرر النفس وعن الإضرار بالغير فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار". والله تعالى أعلم.