على غرار مسلمي باقي دول العالم، يستقبل المغاربة، الذين يتبعون المذهب المالكي، ابتداء من اليوم الخميس، شهر رمضان المبارك، وهو شهر للتقوى والتعبد والبعد الروحي. وباعتباره أحد أركان الإسلام، فقد فرض الله سبحانه وتعالى الصيام في شهر رمضان مصداقا لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون". وتكمن قدسية شهر رمضان في كونه شهد نزول القرآن الكريم، خلال ليلة القدر كما جاء في محكم الكتاب "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون". وكما جاء في القرآن الكريم، فإن أحد الأهداف من الصيام خلال هذا الشهر، هو تقوية تقوى المسلم، كما أنه شهر التوبة والتكفير عن الذنوب، مصداقا لقوله تعالى "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". والصيام ليس مجرد إمساك عن الأكل والشرب والشهوات الجنسية، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، بقدر ما هو تطهير للنفس البشرية وانتصار على مختلف شهواتها، وإعداد لها لتتقي الله وتربية الإرادة ليقوى صاحبها على ترك المضار والمحرمات وكبح جماح الشهوات. ومن نافلة القول إن ممارسة الصيام مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، خاصة في أيامنا هذه حيث تنتشر الماديات، وحيث تتراجع القيم الروحية أكثر فأكثر لتفسح المجال أمام المظاهر المادية. فخلال شهر رمضان يتعلم المسلم كيف يعقلن تلبية حاجياته المفرطة بفضل الاستهلاك العقلاني. وبصرف النظر على البعد الديني والروحي لهذا الشهر الفضيل، فإن الصيام يتيح فوائد شتى للإنسان، لاسيما على المستويين البدني والاجتماعي. فقد ثبت علميا أن للصيام مزايا وفوائد إيجابية على صحة الإنسان. أما على المستوى الاجتماعي، فإن شهر رمضان يساهم في تقوية الروابط الأسرية والاجتماعية، لاسيما من خلال أعمال الخير وصلاة التراويح التي تجمع، في جو من التقوى والخشوع، أعدادا كبيرة من المؤمنين بعد صلاة المغرب، وذلك على مدى كافة ليالي هذا الشهر الأبرك. وبالنسبة للمغاربة، الذين - على غرار العديد من البلدان الإسلامية الأخرى - يعتنقون المذهب المالكي، فإن رمضان يشكل أيضا مناسبة للمشاركة في أعمال والبر والتضامن، إذ يمثل هذا الشهر مناسبة سانحة للقيام بأعمال الخير والتضامن الاجتماعي، من خلال مساعدة الفقراء والمحتاجين. فالصدقات خلال هذا الشهر لها قيمة أكبر، مقارنة بباقي شهور السنة. فقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله : " من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا". وتجدر الإشارة إلى أن المذهب المالكي، بالنسبة لمسلمي هذه البلدان، لا يعتبر فقط منهجا تشريعيا ودينيا يقوم على أسس وتجاذبات فقهية، أو مجموعة من المعايير التشريعية والدينية التي وضعها الإمام مالك ابن أنس. على خلاف ذلك، يرى الفقهاء أن هذا المذهب ارتقى ليصبح موروثا حضاريا واجتماعيا وهوية دينية وقوة موحدة تطال المستويات النفسية والاجتماعية والسياسية. وعليه، فإن المذهب المالكي في المغرب أصبح موروثا وثقافة اجتماعية ساهم إلى حد كبير في تشكيل الشخصية الاجتماعية للمواطن، التي تشمل أيضا البعد الديني، وأضفى خصوصية ثقافية على الأمة المغربية. وأشار الفقهاء إلى أن هذا السلوك المتشبع بالمذهب المالكي، الذي يميز المغاربة، يتجلى خارج المسجد، ولا يقتصر على وازع التقوى فقط. إن المذهب المالكي أضحى أسلوب حياة، ونمطا للتفكير وهوية اجتماعية.