ما من شك أن مخرجات القمة العربية جاءت محكومة بسياقين اثنين يعطيان معنى لما تداوله قادة العرب، وهما الهدنة الموقعة بين الفلسطينيين في شخص حماس والإسرائيليين، وبضمانات مصرية قطرية أمريكية، جعلت هذا الثلاثي في قلب معدلات نجاحها وفشلها. إلى ذلك ينضاف مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اصطلح على تسميته عالميا بمقترح التهجير، الذي وضع الفلسطينيين أمام شبح النكبة من جديد، وحشر مصر والأردن في زاوية ضيقة، أخلاقيا وسياسيا وجيوسياسيا… ومن زاوية تحليلية إخبارية، فإن القمة تضمنت عدة رسائل بعثتها من القاهرة تستوفي العناصر الأساسية التالية: – رفض جماعي لتهجير أهل غزة، وبالتالي تحصين موقف مصر والأردن والفلسطينيين، بقرار عربي موحد. -تقديم مقترح بديل لمقترح ترامب القائم على الترحيل واعتماد خطة مصر في هذا الباب، من خلال طرح خطة الإعمار بدون تهجير. -التأكيد على السلام كاختيار استراتيجي، وبالتالي أخذ مسافة معلنة ورسمية وجماعية من خيار المواجهة … وإسقاطه، بعد حرب غزة ولبنان، له معناه غير الذي كان … نعيد طرح السؤال مجددا: هل تملك القمة أدوات طموحه، الذي أرادته واقعا ومرنا وقابلا للتنفيذ، وربما قابلا للتركيب مع مقترح ترامب ؟ إن الجواب يكمن أساسا في رصد حدود هذه القمة، وهي تكمن في: – ضرورة تأمين وقف إطلاق النار الحالي لأن انهياره يعني سقوط كل شيء والعودة إلى الصفر العسكري، وهو ما نبه إليه بيان القمة، واعتمدته الديبلوماسية المغربية الرسمية في قراءة وتأطير قرارات هاته القمة. ولعل تصريحات ناصر بوريطة كانت واضحة وتندرج في قراءة السياق، وتوفير شروط تغيير عوامله التي نتجت عن حرب الاعتداء القاتل والهمجي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني أزيد من عام، ولهذا قال »قبل الوصول إلى مرحلة إعادة الإعمار، يجب تثبيت وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، والانتقال للمراحل المقبلة في اتفاق وقف إطلاق النار، ثم المرور إلى وقف دائم للاعتداءات«. – ومن العناصر الحاسمة، بشكل كبير، انتظار موقف ترامب من الخطة البديلة، وإلى حد الساعة قرأنا للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي برايان هيوز في بيان له ليلة الثلاثاء ما يفيد الرفض: لا يعالج الاقتراح الحالي حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حاليًا وأن السكان لا يستطيعون العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة». مع الإشارة الواضحة إلى ترحيل حماس وإفراغ القطاع منها، بقوله «الرئيس ترامب يتمسك برؤيته لإعادة بناء غزة خالية من حماس،« ولم يغلق البيان الباب أمام ما يريد العرب القيام به مستقبلا عندما ختم بالقول»: نتطلع إلى مزيد من المحادثات لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة«. – العنصر الآخر هو قبول حماس بالخطة لا سيما إدارة غزة وعودة السلطة ومناقشةالسلاح، فهي صاحبة القرار الحربي فهل تقبل ألا تكون في القرار السياسي؟ -إيجاد الإدارة التقنوقراطية غير المرتبطة بالفصائل، التي سيسند لها تدبير المرحلة الانتقالية، حيث إن الشعب الفلسطيني من أكثر شعوب الأرض تسيُّسا… الخلفية الأوسع لهذه المقاربة وجود وضع فلسطيني قاتم، وجود شتات كبير واختلاف عميق في الرؤى حول المستقبل بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية. الأفق السياسي للحل، وفيه أن من الواضح أن التركيز على غزة، قد يجعل منها قطب الرحى في تدبير المستقبل وتحويل القضية الفلسطينية برمتها إلى …فرع من قضية غزة. لهذا سيكون من الواقعي النظر إلى ما يخفيه التركيز على غزة، بالرغم من ملحاحية الوضع والدمار. والإبادة، حيث يحضر الموقف المغربي منتبها إلى هذا الوضع »أن غزة مثلها مثل الضفة الغربية هي جزء من التراب الفلسطيني، وبالتالي من حق الشعب الفلسطيني التقرير في مستقبلها، بالتالي فقد يكون فيه رد ديبلوماسي لبق على محاولة حصر القضية في عنوان غزة والتسليم بالضفة ككيان قابل للتفويت بلا حرب…
ولا يمكن أن نغفل موقف المغرب الذي ينبه إلى مخاطر تحوم حول هاته الأراضي الفلسطينية بالتشديد على أنه «فقط الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية من له اليد الأولى والمبادرة الأولى في تحديد مستقبلها وكيفية التعامل معها. أما حظوظ القمة فتكمن في العناصر التالية: – حشد التأييد الإسلامي عبر قمة الجمعة القادمة. -حشد التأييد الأوروبي والعالمي السياسي والمالي، والعنصر الأكثر دقة هو المتعلق بالجانب المذكور، حيث مطروح على آلية العمل العربي المشكلة منذ القمة العربية الإسلامية الأخيرة، في الرياض، أن تجد الأدوات لإقناع الشركاء بخطة الإعمار والترويج لها، وإيجاد الدعم لها، »وبالأساس الوصول إلى إيجاد رؤية سياسية تواكب هذه العملية«. – ومن هنا العنصر الأخير في الحظوظ الممكنة، ونعني بذلك تفعيل الآلية العربية الإسلامية التي ترأسها السعودية، المطلوبة أمريكيا في أي حل شامل في المنطقة والنشيطة بقوة دوليا (اللقاء الروسي الأمريكي فوق ترابها ). إعادة الإعمار، بلا تهجير، يمكن أن يكون الرد المرحلي الذي لا بد منه، لكي يصبح التفكير في الحل الشامل ممكنا، لاسيما وأن الطرف الإسرائيلي انتقل إلى التفكير بدون الحل، كما اتفق عليه دوليا، وبات يحلم بالفعل بالتصفية النهائية للقضية، ولن يسهل مأمورية القمة ولا الأطراف الدولية، ربما يسارع إلى إفشال المرحلة الثانية من الهدنة بما يعيد عقارب الساعة إلى .. الصفر، أي إلى القتل…