الإسلام رفع الإنسان إلى أعلى الدرجات، وارتفع بنشاطه وعمله إلى مستوى القربات التي يتقرب بها هذا الإنسان إلى الله ويتيبه عليها، إلى حد أن يقضي المسلم وطرا أو يشبع لذة في نطاق الحلال. روى أبو ذر رضي الله عنه: "إن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -يقصد فقراء المهاجرين- قالوا للنبي صلوات الله عليه: يا رسول الله ذهب أهل الدثور -الأموال والثروات- بالأجور يصلون كما تصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضل أموالهم، قال الرسول: أوليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة وبكل تحميدة صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال الرسول: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذالك إذا وضعها في الحلال كان له أجر". هذه هي عبادة الإسلام التي يتربى عليها المسلم ويربطها بعقيدته، تهدي المسلم إلى طريق المتقين الصالحين، ومن هنا نجد الإسلام يربط المسلم بالفضائل والمحامد التي تتربى عليها النفس وتتهيأ لعمل الخير، ويتصدر كل ذلك حب الله سبحانه، وحبه يستتبع حتما حب من أرسلهم الله هداة للناس مبشرين ومنذرين، وحب ما جاءوا به من عند الله قال الله سبحانه وتعالى في سورة اَل عمران: "قُلِ اِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" [31] ومعيار صدق هذا الحب يقدمه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في أبلغ عبارة وأوجزها في قوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". فإذا كان سلوك المسلم متوافقا مع هذا المعيار كان الحب صادقا، وإلا كان ادعاءا، لا بل رياء، وقد ربط الإسلام الإيمان بالله بحب الناس فقال الرسول الكريم: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا"، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". جريدة ميثاق الرابطة، العدد 758، الخميس، فاتح شعبان، 1417ه / الموافق 12 دجنبر 1996 م، السنة التاسعة والعشرون.