يعيش الإنسان في حياته الطبيعية في ثلاثة ميادين حياتية وهي: الحياة الفردية والتي يعبر من خلالها الإنسان عن شخصيته وذاته أولاً، والحياة الاجتماعية والتي يعبر بها الإنسان عن القيم المشتركة بينه وأهل مدينته ثانياً، والحياة السياسية والتي يعبر بها الإنسان عن رؤيته في تنظيم علاقته مع الدولة التي يشارك في تشكيلها أو العيش فيها ثالثا، ويمكن ترتيب هذه الميادين على النحو التالي: * الميدان الفردي الشخصي للإنسان؛ * الميدان الاجتماعي المدني للناس؛ * الميداني السياسي القانوني للدولة.. والإنسان بحاجة إلى أن يعيش في هذه الميادين الثلاثة بتوازن في ثلاث مجالات، تمثل الهوية المعنوية لكل ميدان سابق، وهي المجال الفكري، والمجال الأخلاقي، والمجال السياسي، المجال الفكري هوية للميدان الفردي وشخصية الإنسان، والمجال الأخلاقي هوية للميدان الاجتماعي وقيمه المدنية، والمجال السياسي هوية للميدان السياسي والالتزام القانوني الدستوري. والقناعة الفردية هي التي تعبر عن شخصية الإنسان الفردية، التي قد يشارك فيها مجتمعه وقد يستقل بها عنه، فقد يعيش الإنسان في مجتمع أو دولة ولكنه لا يشاركها في الفكر ولا في الأخلاق ولا في السياسة، أو لا يكون على توافق تام بما في المجتمع من أفكار وأخلاق وسياسات، وأما القيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فلا يملك الإنسان أن ينعزل بها عن مجتمعه أو المجتمع الذي يعيش فيه، بل لا بد أن يشارك الناس قيمهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أو ينظم نفسه لكي يتعايش معها، ولو لم تكن في قائمة قناعته ورضاه. وبقدر حرية الإنسان في هذه الميادين والمجالات، وقناعته العقلية بها، وطمأنينته القلبية لها، يستطيع أن يحكم على نفسه بالسعادة، وعلى مجتمعه بالطهارة، وعلى دولته بالعدالة، فهو يعيش في الميدان الأول بفرديته وإنسانيته، وشخصيته هي قناعاته الذاتية، بغض النظر إن كان منسجماً مع المحيط الثقافي الذي يعيش فيه، ويعيش في الميدان الثاني مع عائلته وأسرته، ومع أقاربه وأصدقائه، ومع زملائه وجيرانه، أي مع مجتمع يتعايش معه في البيت والعمل، سواء كان منتمياً إليه أو غريباً عنه، ويعيش في الميدان الثالث في وطن وقانون ودستور وأجهزة حكم دنيا وعليا، أي مع دولة يحمل جنسيتها، سواء كان مقتنعاً بها أو مجرد واقع يعيش فيه.. يتبع في العدد المقبل..