النهاية المأساوية لمدينة سجلماسة وبالاعتماد على رواية محمد بن الحسن الوزان؛ فإن معظم القصور بتافيلالت برزت مباشرة بعد اندثار مدينة سجلماسة، لما خربها سكانها وهدموا سورها فألتجأوا بالضواحي وبنوا قصورا خاصة بهم كان عددها في بداية (القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي)، حوالي ثلاثمائة وخمسين قصرا بين كبير وصغير". استولى بنو مرين على هذا الإقليم بعد اضمحلال مملكة الموحدين وعهدوا بحكمه إلى أقرب الناس إليهم وخاصة أبنائهم وظل الأمر كذلك إلى أن مات أحمد (أبو العباس) ملك فاس فثار الإقليم وقتل أهل البلاد الوالي وهدموا سور المدينة فبقيت خالية حتى يومنا هذا؛ أي بداية (القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي) وتجمع الناس فبنوا قصورا ضخمة ضمن الممتلكات ومناطق الإقليم"[1]. من أهم هذه القصور تجدر الإشارة إلى ثلاثة مهمة منها هي: "قصر تانجيوت ويعود تأسيسه إلى فترة خراب مدينة سجلماسة"[2]، وهو قصر لم يعد له وجود وبقي فقط اسمه يطلق على مشيخة تقع بالجزء الشمالي للواحة ومن أهم قصورها مزكيدة والقصر الفوقاني. القصر الثاني يسمى المأمون وهو "كبير وحصين وكثير السكان خصوصا منهم التجار اليهود والمسلمين"[3]. إلا أن هذا القصر خرب سنة 1830 م وكان موقعه على بعد كيلومتر واحد جنوب غرب قصر تابوعصامت على الضفة اليسرى لوادي زيز[4]. أما القصر الثالث فيطلق عليه اسم تابوعصامت ويقع في جنوب سجلماسة وهو لا يزال صامدا، بل ويعتبر من أكبر قصور المنطقة حجما وسكانا. لقد تحكمت السلطة المركزية في مدينة سجلماسة وجعلت منها عاصمة أهم إقليم من أقاليم الدولة المغربية، فأصبحت مواردها الاقتصادية وخاصة من تجارة القوافل، وسك العملة، والمعادن، والمنتجات الفلاحية والصنائع، بمثابة المداخيل الرئيسية لخزينة الدولة والتي لا تنضب وتستعمل كقوة مضافة لمواجهة الأزمات الاقتصادية والضائقات المالية، وهذا ما جعل من المدينة الهدف الأول لكل حركة أو قوة تريد بسط سيطرتها على المغرب عامة وعلى التجارة الصحراوية بالخصوص. وكان "نتيجة ذلك أن فقدت سجلماسة وإقليمها الكثير من أهميتها السياسية والاقتصادية وكانت مركزا لتمرد الحكام المحليين المدعمين من لدن القبائل المعقلية المحلية"[5]. هذا فضلا عما عرفه المغرب ككل، بما فيه منطقة سجلماسة، خلال هذه الفترة من أزمات اقتصادية نتيجة توالي سنوات الجفاف والأوبئة ويشير ابن أبي زرع أنه في (سنة 630ه / 1233م) مثلا انتشرت مجاعة عظيمة ووباء كبير حتى خلت البلاد من العباد[6]. خلاصة القول لقد شيدت مدينة سجلماسة (سنة 140ه / 757م) من طرف خوارج مكناسة بزعامة أبي القاسم سمكَو، وعرفت نموا كبيرا خلال الثلاثة قرون الموالية. اتخذت في البداية شكل عاصمة دولة، فتوفرت على المرافق الضرورية لذلك مثل دار الإمارة، والمسجد الجامع في الوسط، والسوق بالقرب من المركز، والدور السكنية، والمرافق العمومية، والمعامل الحرفية، والحمامات العمومية، والحدائق.. إلى آخره. وفي فترة الإمارة المستقلة بسجلماسة، كانت المدينة تتحكم في العلاقات بين ضفتي الصحراء وكان من نتائج ذلك أن ازدهرت المدينة ونشأت بها دور لسك العملة الذهبية، وفي المقابل جلبت لها هذه الحظوة أطماع كل القوى السياسية قبل أن يسيطر عليها المرابطون (سنة 447ه / 1054م). مع السيطرة المرابطية تحولت سجلماسة إلى عاصمة إقليم لدولة شاسعة واندمجت في شبكة اقتصادية وسياسية أكبر، وشهدت تغييرات متناقضة من حاكم إلى آخر ومن دولة إلى أخرى. وكان من نتائج كل هذه السياسات المختلفة، أن فقدت سجلماسة الكثير من بريقها، بل وأصبحت وضعيتها السياسية غامضة في نهاية العصر المريني، إذ شهدت العديد من الصراعات انتهت بتخريبها وتفرق سكانها في القصور. وبصفة عامة إن مدينة سجلماسة وصلت إلى أعلى مستويات الرقي والتقدم وأثرت بشكل إيجابي على المناطق المجاورة والبعيدة، إلا أن مصيرها المحتوم كان مرتبطا إلى حد كبير بتجارة القوافل الصحراوية، مما جعلها أتعس حظا لما تحولت هذه التجارة نحو جهات أخرى وخاصة نحو المحيط الأطلسي، فكان ذلك إيذانا بنهايتها المؤلمة.. يتبع في العدد المقبل.. —————————————————— 1. الوزان، محمد بن الحسن، المصدر السابق. الجزء، 2، ص: 121. 2. المصدر نفسه، ص: 125. 3. الوزان محمد بن الحسن، المصدر السابق، الجزء، 2، ص: 126. 4. المصدر نفسه، ص: 126، الهامش، 22. 5. Mezzine (Larbi): op-cit. (p 32). 6. ابن أبي زرع علي، مصدر سابق، ص: 276.