إننا، ونحن نطرح هذه الأسئلة، في أفق معالجة موضوع: (الديمقراطية / الأصولية: أي واقع؟ وأية آفاق؟)، إنما نسعى إلى تمهيد الطريق، من أجل النفاذ إلى عمق الديمقراطية الحقيقية، وإلى سبر غور الأصولية، من أجل إبراز التناقض الصارخ، القائم بين مفهوم الديمقراطية، ومفهوم الأصولية، وخاصة بعد أن تبين أن التوجهات الأصولية، تصل إلى السلطة، في ظل استمرار الحراك العربي، وكنتيجة من نتائجه، التي كانت متوقعة، إما من أجل تكريس الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل. وإذا كانت الديمقراطية التي نناضل من أجلها، لا يمكن أن تتحقق، إلا بتحقيق مضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية؛ لأنه بدون تحقيق هذه المضامين مجتمعة، تبقى الديمقراطية صورية فقط، وإذا تطورت، فإنها لا تتجاوز أن تصير ديمقراطية الواجهة، التي يتم اعتمادها لتمرير أساليب الاستبداد المخزني، وفي مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وباسم الديمقراطية، مما يجعل بسطاء المغاربة يعتقدون، أن ما يجري في الواقع مما لا علاقة له بالممارسة الديمقراطية، هو عين الديمقراطية، مع أن الواقع يفرض تغييب مضامينها المختلفة، وبدون أن يدركوا أن تغييب تلك المضامين، يجعل الديمقراطية لا تتجاوز أن تكون صورية، من البداية، إلى النهاية؛ لأن الديمقراطية التي لا تزول منها المآسي الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لا تتجاوز أن تصير ديمقراطية الواجهة، التي تعتبر بمثابة الشجرة التي تخفي وراءها العبودية، التي لا زالت متفشية في المجتمع والاستبداد الذي لا زال متمكنا من رقاب الناس، والاستغلال الذي يحصد قوتهم اليومي. أما الأصولية المتمكنة من السيادة في المجتمع، وخاصة بعد أن وصلت إلى السلطة، في ظل الربيع العربي، فإنها جميعا تسعى إلى الاستمرار في تلك السيادة، والعمل على فرضها بالقوة، لتأبيد الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل. ففي المغرب، نجد أن وصول الأصوليين إلى السلطة، في ظل الدستور الممنوح الجديد، دستور فاتح يوليوز 2011، في ظل ما اعتبر نتيجة للحراك المغربي، سيجعلهم يعملون على تأبيد السلطة المخزنية، في إطار التحالف بين أصولية العدالة، والتنمية، وأصولية المؤسسة المخزنية، ليصير الاستبداد القائم قويا، وقادرا على الاستمرار، وبالقوة، إلى درجة كثافة الحديث عن عودة سنوات الرصاص. وفي العديد من البلدان العربية، التي عرفت ما يسمى بالربيع العربي، نجد أن الأصولية، واعتمادا على سيادتها في الشارع، وبدعم من الأنظمة الأصولية الحقيقية، تصل إلى السلطة، وتعمل على فرض استبدادها، كما كان يحصل في مصر قبل 30 يونيو 2013، وفي تونس، وفي ليبيا، وفي اليمن؛ لأن الأصولية لا تؤتمن على المستقبل الديمقراطي، الذي تطمح إليه الشعوب، كما لا تؤتمن على الديمقراطية؛ لأنها تشكل نقيضا للديمقراطية، ولحقوق الإنسان، ولأنها كذلك، فإنما تسعى إلى تحقيقه، عن طريق السلطة، يفرض اعتماد الاستبداد البديل، من أجل الوصول إلى تحقيقه. وإذا ادعت الأصولية أخذها بالديمقراطية، فلأن هذه الديمقراطية، لا تتجاوز أن تكون انتقالية، لتندرج، بذلك، في إطار ديمقراطية الواجهة، كما حصل في المغرب، وفي تونس، وفي مصر، قبل 30 يونيو 2013، وحتى في ليبيا نسبيا، ليتبخر، بذلك، ادعاء الأصولية أخذها بالديمقراطية، الذي يتناقض، تناقضا مطلقا، مع السعي إلى إقامة استبداد بديل، كما يحصل في تونس، وفي مصر، وفي ليبيا نسبيا، خاصة وأن الانتخابات التي أفرزها الربيع العربي، ثبت أنها لا تختلف، في الجوهر، عن الانتخابات التي كانت تجري في ظل الأنظمة الاستبدادية المنهارة، في تونس، وفي مصر قبل 30 يونيو 2013؛ لأن الأصولية عندما تأخذ بالديمقراطية، لا تأخذ بها إلا كوسيلة للوصول إلى الحكم، الذي يعتبر مدخلا لفرض استبداد بديل. والاستبداد، مهما كان نوعه، لا يمكن أن يصير إلا استبدادا، ولا يمكن أن يصير شيئا آخر، والاستبداد الأصولي، مهما كانت الأصولية، والذي سميناه استبدادا بديلا، لا يمكن أن يصير إلا استبدادا، في إطار ديمقراطية الواجهة، وليست شيئا آخر. والأصوليون، ليسوا ديمقراطيين، ولكنهم يستغلون ديمقراطية الواجهة، للوصول إلى السلطة، من أجل فرض الاستبداد البديل، ولا يمكن أن يكونوا شيئا آخر غير ذلك؛ لأن هاجسهم، ليس هو تحقيق الديمقراطية، بل هو إقامة الدولة الدينية، المكرسة لاستبداد أدلجة الدين الإسلامي، أو ما يسميه البعض بالاستبداد الديني. ومن أجل أن نتناول موضوع (الديمقراطية / الأصولية: أي واقع؟ وأية آفاق؟)، وتوضيح ما يتعلق بالديمقراطية، والأصولية، سنتناول مفهوم الديمقراطية، وأنواعها، وعلاقتها بالتحرير، وبالاشتراكية، كما نتناول الديمقراطية التي نريد، وكون الديمقراطية بدون مضامين اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، لا تتجاوز أن تصير ديمقراطية الواجهة، وكون الديمقراطية الليبرالية، لم تعد واردة كمطلب جماهيري، وكون الديمقراطية المندمجة في ثلاثية تحرير ديمقراطية اشتراكية، لم تتحقق بعد، واعتبار الديمقراطية بمفهومها الحقوقي، من سمات دولة الحق والقانون، التي نناضل، مرحليا، من أجلها كضرورة مرحلية، كما نتناول مفهوم الأصولية، والأصولية كمرجعية، وأصولية النص الديني كمرجعية للدولة، وللمجتمع، وللأحزاب والتوجهات السياسية، ثم الانطلاق من المرجعية الدينية، لتسييس النص الديني. وهو ما يقتضي طرح السؤال: هل نعتبر تسييس الدين عملا مشروعا؟ من أجل الوصول إلى السلطة، وإعلان الانقلاب ضد الديمقراطية، من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة في تأبيد الاستبداد القائم، أو من أجل العمل على فرض استبداد بديل، ثم الوقوف على طبيعة العلاقة القائمة بين الأصولية، والديمقراطية، التي تتميز بالتناقض المطلق، والتي تفرض تجاوز الأصولية بالنضال من أجل تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الحقوقية، كوسيلة لاستنهاض المجتمع، من أجل امتلاك الوعي الحقوقي، بمرجعيته الكونية، والشمولية الإنسانية، والانخراط في النضال من أجل تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والعمل على إدراك خطورة الأصولية، على مستقبل الشعوب، وعلى مستقبل الشعب المغربي بالخصوص، والانخراط في مقاومة الأصولية على المستوى الأيديولوجي، وعلى المستوى التنظيمي، وعلى المستوى السياسي، والانخراط في النضال من اجل التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، وتفكيك الخطاب الأصولي، ونقضه، والحرص على إشاعة حقوق الإنسان، بمرجعيتها الكونية، والشمولية الإنسانية، في المجتمع، ودعم، ومساندة نضال المرأة الحقوقي، الهادف إلى تحقيق المساواة الكاملة بين الرجال، والنساء، والتمسك بحرية الاعتقاد، والتعامل مع الأديان كمعتقدات، لا علاقة لها بالشأن السياسي، وعلمنة الدولة، والمجتمع، والفصل بين الدين، والسياسة، والربط الجدلي بين النضال من أجل التحرير، والنضال من أجل الديمقراطية، والنضال من أجل لاشتراكية، كإطار لتحقيق العدالة الاجتماعية، والنضال من أجل تمتيع جميع المغاربة، بجميع الحقوق، بمرجعيتها الكونية، والشمولية، والنضال من أجل ملاءمة القوانين الوطنية، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. فهل نلتزم بوعدنا، حسب ما هو مسطر، وانطلاقا مما هو مخطط له؟ أم أن الإشكاليات التي يطرحها موضوع، كهذا، يفرض الحرص على التعمق في الرؤيا، حتى لا تزيغ عن الأهداف، وحتى نسعى إلى تحقيقها من وراء معالجتنا لموضوع: (الديمقراطية / الأصولية: أي واقع؟ وأية آفاق؟).