يحتضن صندوق الإيداع والتدبير الخميس القادم المعرض الفردي الأول للفنان التشكيلي والشاعر المغربي عزيز أزغاي، بعد أكثر من سبعة معارض جماعية أقامها في الرباط ومراكش والبيضاء، ويحمل المعرض اسما دالا يختصر تجربة لونية وفنية في مرسم هذا الفنان الذي سيفاجئ الكثيرين، ف«تجاعيد»، وهوعنوان المعرض، عمل عميق على المادة، إنه بوابة لتلاقي سؤال الشعر واللون، التدوين والتلوين في تجربة تغذي الواحدة الأخرى. 42 لوحة هوعدد الأعمال الفنية التي يعرضها الفنان التشكيلي والشاعر المغربي عزيز أزغاي في معرضه الفردي الأول في قاعة صندوق الإيداع والتدبير في الرباط يوم الخميس 8 ماي الجاري، ويستمر المعرض إلى السادس من يونيوالقادم. ويأتي هذا المعرض الأول لفنان عرف كشاعر في الوسط الثقافي، بعد أكثر من معرض جماعي إلى جانب فنانين تشكيليين مغاربة على مدار السنوات العشر الماضية. ويكاد الشاعر والتشكيلي عزيز أزغاي يشكل حالة متفردة إلى جانب قلة من الفنانين التشكيليين المغاربة الذين تعرف إليهم الوسط الثقافي باعتبارهم شعراء، إنه بعبارة واحدة يجيء من الشعر إلى الرسم، حتى وإن كان هونفسه يذهب كما يقول ل«المساء»، إلى أن تجربته التشكيلية تعود إلى سنوات الثمانينيات، لكن الظروف المادية المتطلبة لممارسة التشكيل حالت دون استمراره. تجربة عزيز أزغاي هي تجربة عصامية استندت إلى تكوين ذاتي، ومعرفة أولية بالمبادئ العامة للفن التشكيلي، لكن هذه التجربة ستتوارى مؤقتا لحساب القصيدة، حيث سيقدم أزغاي نفسه في الوسط الثقافي باعتباره شاعرا، وسيحفر اسمه في المشهد الشعري المغربي كواحد من الشعراء المغاربة الأكثر حضورا في سند القصيدة الجديدة. اليوم ينبثق أزغاي من سند الكلمات إلى سند اللون، عاكسا حالة فنية مغربية قلما توافرت لغيره.. شاعر وتشكيلي، أليس في الأمر أكثر من إغراء، في الوقت الذي تحاول فيه القصيدة المغربية الخروج من رطانة الكلمات وثقلها إلى لغة بصرية شفافة قريبة من العين. عن عنوان المعرض يقول أزغاي:» تجاعيد « بالنسبة إلي ليس مجرد عنوان عابر، إنه حالة دالة على مناخ تجربتي التشكيلية، وعلى هوية هذه التجربة. في معرضي الفردي الأول اشتغلت على المادة: مسحوق الرخام، الورق المقوى، الرمل، في شبه عرض للمادة التي تقدم نفسها للمشاهد أوالمتلقي دون وسيط». ويؤكد أزغاي أنه احتار بالفعل في تسمية معرضه الفردي الأول، وكانت أمامه خيارات كثيرة من بينها أن يحمل المعرض اسم «تجاعيد الأزرق» أو«تجاعيد الكيمياء»، لكنه اختار في النهاية «تجاعيد» للطاقة الكبيرة التي يحبل بها هذا العنوان، يقول أزغاي: «يمكن قراءة معرضي انطلاقا من هذا العنوان، فهوعتبة دالة على ماهية تجربتي التشكيلية وعلى سؤالها الحالي الذي تستبطنه. وهذه التجربة، التي تقدم نفسها من خلال المعرض الفردي، كفيلة بأن تمنح لنقاد الفن في المغرب وللأصدقاء الفنانين التشكيليين فكرة عما أقوم به، وبالتالي تقييم مساري الفني ضمن المسار العام للوحة التشكيلية في المغرب». يعتبر أزغاي أن الكلمة الأولى والأخيرة في كل تجربة فنية تعود إلى أهل الفن، من سوق فنية صحية ومن مؤسسات ومن نقاد فن ومن جمهور قادر على التفاعل جماليا مع خصوصيات اللوحة التشكيلية في المغرب. وفي هذا الصدد، نوه أزغاي بالمبادرات التي تقوم بها مؤسسات خاصة في المغرب لتشجيع الفن ودعمه، ومنها بعض المؤسسات البنكية والمالية من مثل مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير التي تشكل اليوم دعما للفنانين المغاربة ولقطاع الفنون البصرية بالمغرب. يحتاج المجال التشكيلي في المغرب إلى مقيمين لهم خبرة بالتجارب التشكيلية والفنية في البلاد، ولعل صفة «المقيم الفني» تبقى الحلقة المفقودة في تجربة التشكيل المغربي. ومن هؤلاء المقيمين المشهود لهم بالمعرفة والتميز في المغرب وفي أوربا الناقد الجمالي إدمون عمران المليح، والذي كتب كلمة «كتالوغ» المعرض في سبر لأعمال عزيز أزغاي. يكتب إدمون عن هذه التجربة: «لم أتردد في الاستجابة، بسرور، لطلب عزيز أزغاي الرامي إلى تكفلي بتقديم أعمال معرضه الحالي. أجل، بادرتي عربون صداقة، لكنني ما كنت لأقدم على هذه الخطوة لوأن لوحاته لا تستحق التركيز الطويل عليها سعيا إلى سبر أغوارها. إنها مهمة عسيرة بكل تأكيد، وهي كذلك، أولا، بفعل اعتقاد يترسخ لدي أكثر فأكثر، مفاده ألا شيء أصعب من الحديث عن التشكيل. ويكمن السبب في كون التشكيل يتحدث عن ذاته هونفسه، ويمتلك لغته الخاصة النوعية. ومن ثمة، فالواحد منا لا يفعل، حين يتحدث عنه، غير إنتاج خطاب يكرر الخطاب الأصلي، خطاب التشكيل ذاته، بدون جدوى. وإذا كانت النظرة المتأملة للأعمال التشكيلية تفرض صمتا يشبه الاستغراق التأملي، فإن الملاحظات السالفة لا تنطلق من عموميات، بل فرضت نفسها علي إبان اكتشافي، لأول مرة، للوحات عزيز أزغاي، وذلك في بيته». ويمضي إدمون في سبر أعمال أزغاري، متوقفا عند العلامات الفارقة في تجربته: «غنى وتنوع الأعمال يولدان الإحساس بأننا في حضرة تجربة جارية ماتزال، بمعنى أن عزيز نفسه يكتشف عالم التشكيل، ويعدد المقاربات في رحم هذا الاستكشاف. هكذا يترسخ لديه نوع من إدراك اللون يشمل تشكيلة فسيحة من التنويعات، بما في ذلك بعض اللوحات الأحادية اللون. لكن هناك كذلك ازدواجية قائمة بين الفضاء الصرف للون وبين الأشكال المنبسطة على امتداد لوحة واحدة، مع الإشارة إلى تحقق التوفيق أكثر في الأعمال ذات الحجم الصغير. حوالي خمسين لوحة تؤثث هذا المسار، ولست أدري إن كان المعرض سيشملها جميعها أم إنه سيقتصر على بعضها، وهوأمر يخلومن كل أهمية. أمامي صور اللوحات برمتها، وأنا أعود لها عدة مرات، مع خلطها مثل ورق اللعب، أقول لنفسي إنه لا ينبغي المرور عليها مر الكرام، وإنها تحتضن سرا معينا يجب كشفه. إن القيمة المطلقة للتشكيل تكمن في توفر كل تشكيل على عالمه المتفرد، بالمعنى غير المجازي لكلمة «عالم»، مثل شيء يشرع في الوجود باستقلال عن كل حكم قيمة. استرعت انتباهي في لوحات عزيز، خاصية مهيمنة: أشكال دائرية، قمرية أوشمسية، غارقة في سماء من الظل والنور، هي أيضا تقعيرات. نعم، ليست ثمة حدود للعبة الاحتمالات في حقل التأويل. ويمكننا الإشارة كذلك في أعمال عزيز إلى المربع، إذ هودائم الترحال كتشكيلي بين هاتين التيمتين. ويبدولي ضروريا، عند هذا الحد، إجلاء المناخ الذي سيكون على عزيز إدراج عمله في سياقه، علما بأنه ليس بوسعنا الاستغناء عن أخذ هذا العامل الأساسي بعين الاعتبار».