يخطو التشكيلي المغربي الشاب يونس الخرساني خطوات جريئة في مساره الفني، فمنذ أول معرض أقامه سنة 1998 في المركب الثقافي آنفا وهو يحفر في جسد اللوحة، لكن عمله الحقيقي بدأ مع مشاركته في الصالون الدولي للفنون في بروكسيل، تلك المشاركة التي سيكون لها ما بعدها، حيث أصبح اليوم ضيفا على أهم قاعات العرض الأوربية، فقد عاد مؤخرا من مشاركة موفقة في معرض ماستر لونج في لندن، والبقية تأتي بمعرضه الفردي في نيويورك ومعرض آخر في فارصوفيا في بولونيا. يؤكد التشكيلي المغربي يونس الخرساني أن التشكيل المغربي يحظى اليوم بمكانة خاصة في خريطة التشكيل العالمي، بسبب الاجتهادات الفنية الكبيرة التي يقوم بها الفنانون التشكيليون المغاربة على مستوى الابتكار الفني والمنزع التجديدي لأعمالهم. يمضي الخرساني في اتجاه منح تجربته التشكيلية حضورا دوليا، فهو علاوة على المعارض التي أقامها في المغرب منذ تخرجه من مدرسة الفنون الجميلة في الدارالبيضاء، يسعى إلى أن يكون له حضور في خريطة التشكيل العالمي. ويعتبر المعرض الجماعي الذي شارك فيه في لندن في قاعة ماستر لونج غاليري، إلى جانب فنان تشكيلي روسي وفنان تشكيلي صيني، بعشرة أعمال فنية، الانطلاقة الأولى في اتجاه مزيد من الحضور في المشهد الدولي وفي القاعات العالمية. ومن المنتظر أن يقيم معرضه الفردي الأول في نيويورك في إحدى أهم القاعات الفنية النيويوركية في السنة القادمة. وفي نفس السياق يهيء معرضه التشكيلي الذي سيقيمه في فارصوفيا في بولونيا. عن مشاركته في هذا المعرض المشترك، يرى الخرساني أنه فرصة لتقديم الذات إلى الآخر، وأيضا للتعريف بمستوى الفنون البصرية في المغرب، وبالتالي فتح كوة ضوء أمام التجارب الشابةالجديدة والمتخرجة من مدارس الفنون الجميلة. واعتبر الخرساني أن معرضه في لندن، والذي قدم فيه 10 أعمال فنية، قد خلف انطباعا طيبا لدى المتخصصين في الفنون التشكيلية والجمّاعين وأصحاب المقتنيات الخاصة، كما حظيت أعماله بترحيب خاص من طرف العرب المقيمين في لندن، وقال الخرساني ل«المساء»: لم أكن أتوقع كل ذلك الاحتفاء من الجالية العربية في لندن، لقد كنت من أكثر الفنانين الثلاثة حظا في المعرض، سواء من حيث الحوارات التي أجريتها مع زوار المعرض أو من حيث المقتنيات. وبالمناسبة، وجهت إلي دعوات لإقامة معارض فردية في بعض الدول العربية وفي بلدان أوربية، ومن المقرر أن أقيم في السنة القادمة معرضا فرديا في إحدى أهم القاعات الفنية في نيويورك. كما وجهت إلي الدعوة من طرف قاعة ماستر لونج غاليري لإقامة معرض في بولونيا، وهذا في حد ذاته تطور إيجابي في مساري الفني، وبالأخص بعد خرجتي الأوربية في السنة الفارطة ضمن معرض الصالون الأوربي للفنون في بروكسيل». وقال الخرساني إن معرض لندن قدم اتجاهات فنية متغايرة، وإن أعماله التي تدخل ضمن الاتجاه التجريدي تمتح من مصادر فنية متعددة وتستلهم تيارات قائمة على التوظيف الجيد لأبعاد المادة، وهو الأمر الذي منح أعماله الفنية طابع البحث الفني. يستعمل الخرساني في بناء لوحته الكثير من المواد المختلفة، من كارتون وجلد وقطع خشبية وحبال، وهي كلها مواد تقوم على قاعدة استثمار المادة، في إطار فهم جديد للوظيفة الكولاجية التي تتجاوز مجرد الإلصاق إلى عملية بناء متواصلة وملهمة للعمل الفني. يرى الخرساني أنه من خلال توظيفه للمواد الطبيعية فإنه يعيد الاعتبار للأرض ولأشيائها ولجمادها وحيها، وبالتالي فإن الفن هو الرسالة المثالية التي يمكن أن يقدمها الإنسان في مسار بحثه الفكري ومحاولته لفهم الوجود. إن الأرض بالنسبة إليه هي رمز الهوية والذاكرة التي تعني الرغبة والسمو في الحياة وفي المشاعر، إنها القناة التي بواسطتها تتحقق الانطباعات. وهنا، يمكن الحديث عن شعرية المادة، حيث تتحقق الإشراقات الإبداعية. كل لوحة بالنسبة إلى الخرساني هي مختبر لمحكيات الأثر، حيث يتحول العمل الفني عند هذا الفنان إلى فضاء للعلامات وللآثار، في ولادتها وتجددها تتحقق حرية البحث الفني. عن تجربة الخرساني التشكيلية يكتب الناقد الجمالي ابراهيم الحيسن:» يتأرجح التعبير التشكيلي عند الفنان، يونس الخرساني بين التجريد المطلق فوق السند القائم على تعضيد المادة والصباغة فوق السند، وبين التعبيرية التجريدية التي تمتح من التشخيصية العديد من المفردات والعناصر، أبرزها الجسد بأهم دلالاته وإيماءاته الأيقونية التي تتفاعل داخل تكوين طيفي تقوى تعبيريته على رمزيته». ويمضي الحيسن مستعرضا خصوصية لوحة الخرساني: «في لوحات الفنان الخرساني تثبيت قوي للمادة التلوينية التقليدية، بروائحها الطبيعية ودلالاتها ذات الحمرة والسواد القاتم وملمسها الخشن، فضلا عن الزرقة والبياض الناصع الذي يضيء القماشة ويمنحها النور المفقود كتعبير عن الامتداد والتوالد الحر، الأمر الذي يجسد هوس الفنان بالمادة وبطابعها الخام، ويرسم ذاكرة اللون التقليدي الذي يشكل الإطار المرجعي المادي الذي يمتح منه أسئلة الجمالية ومعالجتها التقنية للمادة والصبغات والعلاقات البصرية القائمة».