"المعارضة الاتحادية" تناقش بمجلس النواب الحركة الجمعوية وتحديات الحياة الديمقراطية    "مناديب التوزيع" يزيدون حدة التوتر بين المعارضة والأغلبية بجماعة الرباط    اعتماد ميزانية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2025 عبر التصويت لأول مرة منذ 75 عاما بطلب من المغرب    مغاربة يصلون صلاة الغائب وينعون السنوار في أزيد من 100 مظاهرة في 58 مدينة    العدل والإحسان: استشهاد السنوار لن يزيد المقاومة في غزة وكافة فلسطين ولبنان إلا ثباتا وصلابة    شمال غزة يٌباد.. جيش الإحتلال يقصف المخيمات والمدارس والمستشفيات وتحرم الناجين من الماء والغداء والإنرنيت    بعد عملية قلب ناجحة…مزراوي يعود للتدريبات مع مانشستر يونايتد    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    عمدة طنجة يُعلن إطلاق إسم نور الدين الصايل على أحد شوارع المدينة    طائرة مسيّرة من لبنان تستهدف مقر إقامة لنتانياهو    لجنة الأخلاقيات تعلن إقالة أبو الغالي من المكتب السياسي لحزب "الجرار" وشغور مقعده بقيادته الجماعية    ستة فرق تتنافس على الصدارة وقمة القاع تجمع الكوكب المراكشي بأولمبيك خريبكة    مراكش: توقيف فرنسي من أصول جزائرية موضوع أمر دولي باعتقاله    اكادير.. اعتقال ممرضة متقاعدة تمارس الإجهاض السري    الأمم المتحدة لا تعتبر ما قاله ديميستورا حول تقسيم الصحراء المغربية اقتراحا    مديرة دار زهور ل"رسالة 24″: هدفنا هو تجويد حياة مريضات سرطان الثدي    كرطيط رئيسا جديدا لاتحاد طنجة خلفا للشرقاوي    افتتاح الدورة ال 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    تكريم ديفا الأطلس حادة أوعكي يُزين حفل افتتاح مهرجان "أجدير إيزوران" بخنيفرة    كيوسك السبت | الاتحاد الأوروبي يستعد لإخضاع التحويلات المالية للمهاجرين المغاربة للمراقبة    جيش إسرائيل يعلن مقتل ناصر رشيد    طائرة مسيرة لحزب الله تستهدف "نتنياهو" وتنفجر بمنزله جنوب حيفا    طائرة مسيرة من لبنان تستهدف منزل نتنياهو في قيساريا    بتنسيق مع الديستي.. الشرطة الإسبانية تعتقل شخصين بتهمة نشر أفكار تنظيم داعش عبر منصات التواصل الاجتماعي    الجيش الملكي يفوز على ضيفه الفتح في ديربي الرباط    جدة تحتضن مباريات كأس السوبر الإسباني    مسيرة أصابت بشكل مباشر منزل نتنياهو    أمن العيون ينفي مضمون شريط فيديو    إحاطة المبعوث الأممي حول قضية الصحراء.. دعم ضمني للمبادرة المغربية    مهنيون: غلّة الزيتون ضعيفة.. وسعر لتر الزيت يتراوح بين 100 و110 دراهم    السالك: الجزائر تعيش على معاداة المغرب.. ونُخَب ترفض عودة الصحراويين    مباراة لكرة القدم بطنجة تنتهي بوفاة شخص إثر أزمة قلبية    تكريم الشوبي والزياني يزين حفل افتتاح المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    فرقة ثفسوين من الحسيمة تتوج بالجائزة الوطنية للثقافة الامازيغية    قرعة متوازنة للجيش في "كان السيدات"    المغرب يسجل حالة وفاة ب"كوفيد- 19"    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    ياسين كني وبوشعيب الساوري يتوجان بجائزة كتارا للرواية    بوريطة يؤكد على "سواحل بحرية للمملكة تشمل 3500 كيلومترا" خلال مباحثات مع الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية    نمو حركة النقل الجوي بمطار الحسيمة بنحو 19 في المائة مع متم غشت الماضي    الدولي المغربي إلياس بن الصغير ضمن قائمة ال 25 مرشحا لجائزة "الفتى الذهبي 2024"    عقوبات صارمة تنتظرأرباب المطاعم والفنادق بالناظور بسبب لحوم الدجاج        في تقرير حديث للأرصاد.. 2023 الأكثر حرارة بالمغرب خلال 80 سنة الماضية    المنتخب المغربي يخوض مباراتين وديتين أمام تنزانيا والسنغال    شفشاون تحتضن فعاليات مهرجان الضحك في نسخته الرابعة    التوترات الجيوسياسية تدفع الذهب لأعلى مستوياته على الإطلاق    ⁨انفوجرافيك | تدهور مستوى المعيشة للأسر المغربية خلال الفصل الثالث من 2024⁩    علماء يطورون تقنية جديدة لتجنب الجلطات الدموية وتصلب الشرايين    المديني: المثقفون العرب في فرنسا يتخوفون من إبداء التضامن مع قطاع غزة    تسجيل أزيد من 42 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2024    دراسة تظهر وجود علاقة بين فصيلة الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خدوش وخدوش
نشر في المساء يوم 23 - 04 - 2008

أخيرا «أفرجت» ولاية الأمن بتطوان عن تقرير الطبيب الشرعي حول موت المواطن أحمد الدواس يوم 15 أبريل الجاري، والذي خرج المئات من المشيعين وراء جنازته قبل أيام. يقول التقرير الذي وزعته وكالة المغرب العربي للأنباء أن المواطن أحمد توفي نتيجة «نزيف رئوي ناتج عن تسمم بعد ابتلاعه لكيس بلاستيكي يحتوي على كمية من المخدرات القوية، بعد أن ألقي عليه القبض في الشارع العام بالفنيدق».
لولاية الأمن بتطوان روايتها، وللشهود الذين عاينوا اللحظات الأخيرة التي سبقت وفاة جارهم أحمد رواية أخرى. وقد ضمنوها في مراسلة مصحوبة بتوقيعات12 شاهدا وجهوها لكل من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط.
كان من الممكن أن يمر التقرير الطبي لولاية أمن تطوان، كعادة أغلب التقارير الطبية التي تأمر النيابة العامة بإجرائها، دون أن يثير الشكوك في صحة معطياته. لكن بعض التفاصيل الصغيرة التي أهملها التقرير تقود إلى الاعتقاد بأن وفاة المواطن أحمد الدواس ليست سوى الشجرة التي تخفي غابة تتشابك فيها أغصان المصالح بين عناصر فاسدة في الأمن والقضاء ومروجي المخدرات بتطوان.
تقول قصاصة وكالة الأنباء أن الضحية تم توقيفه من طرف الأمن في الشارع العام، بينما تؤكد عائلته ومعها الشهود أن عناصر من رجال الأمن طلبوا من الضحية مغادرة منزله والنزول عندهم. وبمجرد ما ألقوا القبض عليه انهال عليه أحدهم بقبضة مسدسه وأصابه في رأسه جهة الأذن (أخطر منطقة في الرأس) إصابة قوية أحدثت جرحا غائرا وتسبب له في نزيف حاد.
الغريب في الأمر أن التقرير الشرعي عندما يتحدث عن هذا الجرح الغائر، الذي نتوفر على صورة عنه، يصفه بالخدوش. أما والي الأمن فقد ذهب بعيدا في اجتماع أمني بولايته وقال بأنهم لم يمسوا شعرة واحدة في الضحية. وهذه التصريحات ليست جديدة على سعادة الوالي الذي يحاول بكل الوسائل التغطية على تجاوزات بعض رجاله. فقد قال عندما اندلعت فضيحة تهديد أحد رجاله لشاب بالاغتصاب وتحرش به بوضع عصاه في مؤخرته أمام الشهود، بأن هذه القصة مختلقة من أساسها مستشهدا ببيان حقيقة بعثه إلى إحدى الجرائد ونشرته يكذب فيه ما كتبته الجريدة من قبل حول الموضوع.
حسب زوجة الضحية فالشرطي الذي كان يحرس زوجها بعد نقله إلى مقر الأمن، اتصل بها هاتفيا وطالبها بمبلغ عشرة ملايين سنتيم مقابل إخلاء سبيل زوجها. وهذه المعلومة يمكن التأكد منها بالرجوع إلى لائحة المكالمات التي أجراها الشرطي من هاتفه، ولائحة المكالمات التي تلقتها زوجة الضحية على هاتفها. ولا أعتقد أن شركة الاتصالات إذا طالبتها النيابة العامة بمدها بهذه المعلومات ستتردد في ذلك، خصوصا وأن الأمر يتعلق باتهام رجل أمن بالابتزاز.
وعلى ذكر الابتزاز، يجب هنا أن نربط بين موت المواطن أحمد الدواس بين يدي رجال الأمن وبين اعتقال الشرطة القضائية في تطوان لشرطيين وتقديمهما أمام النيابة العامة بتهمة ابتزاز بعض المشتبه في ترويجهم للمخدرات. وحسب معلوماتنا فعدد رجال الأمن المتابعين في هذه الفضيحة الجديدة يقارب السبعة. وتقنية الابتزاز التي توصلت إليها الشرطة القضائية تقوم على اختلاق سيناريو اعتقال أحد المشتبه فيهم عبر استخدام فتاة لاستدراجه إلى أحد المركبات السياحية، وعندما يصل «الصيد» الثمين إلى مكان الفخ يتم اعتقاله واقتياده مصفد اليدين داخل سيارة الشرطة وتهديده بتقديمه في حالة اعتقال بتهمة ترويج المخدرات. وعندما ينضج السيناريو ويشعر المعتقل أنه أصبح تحت رحمة معتقليه تبدأ عملية الابتزاز، والتي تصل إلى عشرات الملايين. وتمنح للمعتقل فرصة الاتصال بمعارفه لإحضار المبلغ المطلوب. المشكلة أن رجلي الأمن اللذين اعتقلا ضحيتهما لابتزازه عوض أن تأتيهما «الأمانة» مع معارفه جاءهما هؤلاء المعارف بالسيوف والشواقير، وأذاقوهما حر «المضا»، وهربوا صديقهم والأصفاد في يديه.
فانتهى أحد رجال الأمن بدون أصفاده في المستشفى يتلقى الإسعافات الأولية تحت ذريعة أنه تعرض لاعتداء من طرف عصابة. لكن بحث الفرقة الوطنية التي حلت بتطوان بعد نشرنا لتفاصيل هذه القصة، قاد إلى وجود عصابة بالفعل، لكن داخل ولاية الأمن هذه المرة.
وعندما نضع شهادة زوجة المواطن أحمد الدواس التي اتهمت رجل الأمن بابتزازها ومطالبتها بعشرة ملايين لإطلاق سراح زوجها، في سياق الاعتقالات الأخيرة التي وقعت في صفوف رجال الأمن بتطوان، نستنتج أن ما تعرض له الضحية قد يكون بالفعل عملية ابتزاز لم يستطع منفذوها التحكم في تطوراتها. ولذلك تم تحوير مشاهد الاعتقال في هذا السيناريو، الذي انتقل بقدرة قادر من أمام بيت الضحية إلى الشارع العام.
ولذلك ربما اعتبر التقرير الطبي الجرح الغائر الذي يوجد تحت أذن الضحية والجرح الذي يوجد تحت حاجبه مجرد خدوش. مع أن الخدوش الحقيقية هي تلك التي أصبحت تعلو وجه ولاية الأمن في تطوان. ولعل طلب إعادة تشريح جثة الضحية من طرف هيئة طبية غير رسمية، وهو الطلب الذي تفكر فيه المنظمات الحقوقية وعائلة الضحية، سيكون هو الفيصل للحسم في تلك الضربات الموجعة التي تلقاها أحمد لحظات قبل وفاته، وهل هي ضربات قاتلة أم مجرد خدوش كما يقول تقرير الأطباء الشرعيين الذين عينتهم النيابة العامة من المستشفى المدني الذي يقوده مندوب وزارة الصحة عبد الكريم مزيان بلفقيه، أخ المستشار الملكي مزيان بلفقيه.
إن هذا الفيلم الرديء الذي يتابعه كل التطوانيين ومعهم بقية الشعب المغربي أصبح مملا بالفعل. خصوصا وأن الطنجاويين تابعوا نسخة منه قبل أشهر عندما تم تفكيك عصابة مكونة من 12 عنصرا من رجال الأمن تقوم بابتزاز تجار المخدرات بالطريقة نفسها. لم ينكشف أمرها إلا عندما اعتقلوا أحد المواطنين في طنجة وطلبوا منه ثمانين مليون سنتيم مقابل تحريره، وعندما لاحظوا تمنعه اقتادوه في سيارة الأمن معصب العينين إلى أن أوصلوه إلى مكان مجهول وخيروه بين تقديم الفدية أو إدخاله إلى معتقل تمارة السري وإخضاعه لأبشع أنواع التعذيب وحشر ملفه ضمن ملفات الإرهاب. وهنا عندما سمع المختطف كلمة الإرهاب أذعن لرغبة المختطفين واتصل بأحد أفراد عائلته وطلب منهم إحضار المبلغ. لكن أحد أفراد العائلة والذي كانت له علاقة قرابة مع مسؤول في ولاية الأمن استفسر هذا الأخير حول وجود تعليمات أمنية باعتقال قريبه، فأخبره هذا الأخير بأنه لم يتلق أي أمر باعتقال أو متابعة المعني بالأمر. وهنا بدأت تنهار أولى الأحجار في حائط هذه العصابة الأمنية التي تخصصت في ابتزاز المشتبه في متاجرتهم بالمخدرات، والتي انتهت باعتقال أكثر من 12 رجل وموظف أمن بولاية طنجة.
ويبدو أن إدارة الشرقي أضريس مطالبة اليوم بفتح تحقيق شامل ومعمق حول ما وقع في تطوان مؤخرا. حتى لا تضطر عائلة الضحية أحمد الدواس إلى اللجوء إلى طلب المساعدة القضائية من إسبانيا كما هددت بذلك في حالة طي الملف في المغرب.
يمكن أن نفهم عجز الأمن عن التصدي للعصابات التي أصبحت تتكاثر مثل الفطر في كل المدن المغربية، بحكم قلة الوسائل الممنوحة لرجال الأمن. لكن أن نرى بين وقت وآخر كيف تتشكل عصابات من بعض رجال الأمن أنفسهم لابتزاز المواطنين تحت تهديد السلاح، فهذا ما يهدد السلم والأمن الاجتماعي للمواطنين.
لقد كنا نتمنى أن نرى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يتبنى الدفاع عن مثل هذه القضايا، بحكم أنها تدخل ضمن الدفاع عن الحق المقدس في الحياة، لكن يبدو أن رئيسه أحمد حرزني متفرغ هذه الأيام كلية لإعطاء الدروس للصحافة المستقلة حول أخلاقيات المهنة، والدفاع عن المنجزات الحقوقية للحكومة في المحافل الدولية. تلك المحافل التي لا يتعب هذه الأيام من مدح مواقف دولها المدافعة عن حصيلة المغرب الحقوقية. وأنا أتحداه أن يقدم لنا دولة ديمقراطية واحدة من تلك الدول التي يتغنى بقصائد غزلها حول المغرب، يتم فيها اعتقال رجال أمن بتهمة الابتزاز دون أن نسمع عن وزير الداخلية يقدم استقالته. عندنا تحدث كل هذه الفضائح ولا يقدم استقالته حتى والي الأمن، بل أكثر من ذلك، يشاهد صور ضحية رجاله في الجرائد بجروح غائرة في الرأس ويملك الشجاعة لكي يقول بأنهم لم يمسوا شعرة واحدة من الضحية.
لذلك على حرزني أن يغير اسم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لكي يصبح المجلس الاستشاري لحقوق الحكومة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.