كل مساء يجتمع نوع خاص من الشباب، ذكور وإناث يزداد عددهم يوما بعد آخر في ساحات خاصة في مدن المملكة، يجيئون من مختلف الأحياء، الراقي منها والشعبي، حاملين معهم موسيقاهم ولباسهم وقاموسهم وأحلامهم ولغتهم الخاصة، ورقصات لا يفهم مغزاها غيرهم... هل هي «ثورة» شباب اليوم على ما يعتبرونه ظلما في حقهم أم أنه انتقام رمزي من تهميش الشباب من قبل المجتمع... «الجن»، ميكسيكو، الدارك، ميكالو، السيليح... أسماء مستعارة يطلقها شباب موسيقى الميتال و«التيكتونيك» و«البريك دانس» على بعضهم البعض، بعد أن تخلصوا من أسمائهم الحقيقية، ميكسيكو الذي التقت به «المساء» في الرباط في الساحة المقابلة لمسجد السنة يقول عن اهتماماته السياسية: «الانتخابات والسياسة لا تغير من حياتنا شيئا، فلماذا نهتم بها، نحن نهتم بثقافة الغرب لأنه لا توجد لدينا ثقافة هنا»! زميله الجن من جانبه يعلق قائلا: «الزعماء السياسيون الذين أومن بهم هما والداي اللذان يصرفان علي ولا أحد غيرهما». شباب غارقون في عالمهم الخاص.. لهم قاموسهم الذي يحمل أفكارهم، ولا يزعجهم أنهم مختلفون عن غيرهم. ميكالو قال ل«المساء» إن عائلته تعبت معه وهي تلح عليه لحلق شعره لكنه رفض. فاستسلموا وتركوه لحاله. «إنهم مجانين يعتقدون أنفسهم في الميريكان» هكذا علق أحمد، أحد رواد ساحة «نيفادا» الذي اعتاد هو وأصدقاؤه الحضور إلى ساحة «نيفادا»، بوسط العاصمة الاقتصادية، ابتداء من الساعة الثامنة ليلا لإجراء مباريات في كرة القدم، ويستطرد موضحا: «لقد تحولت هذه الساحة إلى ساحة للراقصين المجانين يبدؤون الرقص من التاسعة ليلا وإلى حدود منتصف الليل». السؤال: ماهو المشكل يا أحمد؟ «أنا لا يزعجني الأمر ولكنهم غريبو الأطوار بلباسهم المجنون وحركاتهم الحمقاء»، الخلاصة يقول أحمد: «هاد الشي اللي بغات الوقت». «نحن لا نشكل خطرا على أي شخص وكما تشاهد فنحن نرقص فقط ولانكسر أو نعتدي على أحد«يقول شاب يرسم أشكالا هندسية غريبة في رأسه بالبيضاء، رفيقته زينب (اسم مستعار)، والتي تعشق بدورها رقصة «التيكتونيك»، قالت: «ما العيب في أن أرقص التيكتونيك هل هو حرام؟». بالعودة إلى ميكالو، الذي يرتدي لباس «بون هيد» فهو يفضل موسيقى «البلاك ميتال»، ويرى أن مثله الأعلى هو هتلر، يقول: «تأثرت بفيلم عن هتلر ومنذ ذلك الحين بدأت أعتبره نموذجي في الحياة» لماذا؟ يقول ميكالو: «هتلر آمن بفكرة السيطرة على العالم ونفذها بقناعة، وهذا يعني أنه على الإنسان أن يقتنع بفكرة ويسعى إلى تحقيقها». وفي تفسير هذه الموجة الجديدة لثورة الشباب يقول نور الدين الزاهي، الباحث الاجتماعي، «ما نلاحظه هو ضعف البنيات المؤطرة للشباب، سواء الرسمية: وزارة الشبيبة ووزارة الثقافة، أو البنيات المدنية: الجمعيات التي أصبحت تشتغل في قضايا لا موقع للشباب فيها، وأيضا الأحزاب السياسية بجميع أنواعها التي أصبح همها الوحيد هو المرور إلى المؤسسات التمثيلية، إذن هذا الأمر أسميه أنا «عنف المجتمع ضد الشباب». هنالك عنف البنيات المدنية والسياسية تجاه الشباب»، ويضيف الزاهي «ما يقوم به الشباب اليوم هو نوع من ردود الفعل، فيها شيء من الوعي، أو ما أسميه ب«الاحتجاج الاجتماعي»، ما دامت فئة الشباب لا تشغل موقعها الفعلي داخل بنية المجتمع، وهذا الأمر يجعل الشباب اليوم يدافع عن ذاته من أجل قضاياه المباشرة، وما يحدث اليوم هو رد فعل للشباب المغربي ضد هذه البنيات المؤطرة التي قامت بإقصائه وتهميشه». التفاصيل في الملف الأسبوعي.