كوثيك، وبانك، إيمو وميتال... أسماء يجهلها الكثير من المغاربة، لكنها أسماء لمجموعات شبابية تعيش بيننا، تأثرت بالنمط الغربي وخاضت تجربة جديدة في الاستلاب ضد الثقافة والهوية والقيم. التجديد اقتحمت عالم تلك المجموعات وعاشت أياما بين أفرادها، ورصدت كيف تعيش تلك المجموعات في عوالمها حيث تمتزج الموسيقى والأمل والانتحار والخرافة والتدخين والمخدرات والخمور والجنس ... فما هي حقيقة هذه المجموعات، ولماذا اختار هؤلاء الشباب توجهاتهم هذه؟ وإلى ماذا يطمحون؟ وكيف يعيشون حياتهم؟ وهل ثورتهم فقط ضد اللباس والموسيقى، أم هي ثورة ضد القيم والدين أيضا؟ كاتاتونياوالبيت الأبيض أنتمي إلى الكوثيك القدامى، مجموعة تسمى بكاتاتونيا تضم 58 شخصا بالرباط ، نلتقي مرتين في الأسبوع، وذلك ما بين الثامنة مساءا ومنتصف الليل، إما في مقبرة أو دار مهجورة أو غابة، ونحس بأنفسنا أننا أحياء عبر السماع للموسيقى أو الحديث أو التحدث عن مشاكلنا... تقول هند ابنة 15 سنة، هي تنتظر في الحديقة المحاذية لساحة البريد بالرباط قدوم أصدقائها. ابتداءا من الساعة الرابعة مساءا، يبدأ هؤلاء الشباب في التقاطر علىالبيت الأبيض، وهي إحدى الفيلات المحادية لبنك المغرب بشارع محمد الخامس. يلتقي الشباب، أعمارهم ما بين 12 و25 سنة، قبالة البيت الأبيض طيلة أيام الأسبوع. ويكون يوم السبت هو اليوم الذي يحضر فيه أعضاء المجموعة بكثرة. يتوزعون بشكل تلقائي إلى مجموعات من أجل تجاذب أطراف الحديث أو الاستماع إلى الموسيقى أو التدخين أو شرب الخمر بشكل علني. هند بعد مراجعة المرشد الإلكتروني: أنا قوطية! تبدو هند حريصة على جمالها ومظهرها الخارجي، لهذا قالت إنها تحاول تفادي التدخين وشرب الخمر، وتحكي عن سبب انتمائها إلى الكوثيك فتقول لقد انتميت إلى الكوثيك عندما كان عمري 12 سنة، وأضافت بعد صمت قصير، المشاكل العائلية التي عشتها في صغري جعلت مني فتاة قوطية(الكلمة تعني الكوثيك بالعربية)، توقفت هنيهة وكأنها تريد أن تتأكد من أفكارها، ظننت في البداية أنني مريضة نفسانية، لكن لما بحثت في الأنترنيت وجدت أن كل ما يقع لي يتعلق بالكوثيك. هكذا قاد المرشد الإلكتروني هندا إلى الكوتيك معصوبة العينين، وتعلن بلغة الخبراء النفسيين اكتشفت أن سلوكاتي النفسانية وميولاتي هي نفسها لدى الكوثيك، أحب الاستماع إلى السمفونية وعزف البيانو والغناء وأحب العزلة أكثر، وبناء على هذا التشخيص اتخدت هند، كشأن الكثيرين من الشباب، قرارها النهائي موضحة بالقول: قررت الانتماء إلى المجموعة واستقبلوني بعدما أجريت امتحانا حول شخصيتي، فأول سؤال يطرح عليك هو هل أنت قوطي وكيف؟. وتشرح هند كيف يمكن للمرء أن يكون قوطيا فتقول: أحيانا أتخيل نفسي كقطة فأقوم بتصرفاتها كالمبالغة في شرب الحليب وأكل السمك الخ، لكن القوطية هند لا يتوقف خيالها على تقمص شخصية القطة؛ بل تؤكد أتخيل نفسي أحيانا مصاصة دماء فأشرب دم صديقتي التي معي في نفس المجموعة، موضحة في وثوق تام: هكذا الكوثيك، فهم إما يتخيلون أنفسهم أشباحا أو مصاصي دماء أو قططا وأنا وجدت نفسي قطة. وتضم الكوثيك مجموعة أخرى تسمى بالإيمو عبارة عن مرحلة أولى للدخول إلى مجموعة الكوثيك المعاصرين. لهم ميولات انتحارية، انطوائيون، فاشلون في الدراسة على حد تعبير البعض منهم. وكمن يحاول تلطيف الصورة تقول هند عن عادات الكوثيك، نحن متسامحون إلى درجة لا تتصور، نؤمن بالخير والسلام عكس عبدة الشياطين الذين يؤمنون بالشر ويقدسون الشيطان. سر الطقوس: تحضير روح مارياميتا توميسما ورئيس المجموعة يترجم أقوالها! رفضت هند الخوض في بعض التفاصيل على الرغم من الإلحاح. لكن وبالرجوع إلى المصادر المعرفة بالمجموعة تجد أن طقوسها تقضي بتجمعها يوم 6 يونيو من كل سنة لكي تحتفي بامرأة تسمى ماريا ميتا توميسما، كانت تحكم القبائل القوطية بألمانيا، إذ تقوم المجموعة باستحضار روحها. وبالرغم من تأكيده الأمر رفض أحد أعضاء المجموعة الخوض في تفاصيل الطقوس على اعتبار أن ذلك يبقى سرا بين أعضاء المجموعة، إلا أنه كشف أنهم يطلبون من ماريا أن تعطيهم إشارات على أنها موجودة، مضيفا أنه عندما يتأكدون من وجودها يتحدوث معها! وتوضح هند: هي تتكلم بلغة مفهومة، أنا شخصيا لا أفهمها ومعظمنا لا يفهم، لكن رئيس المجموعة هو الذي يترجم لنا أقوالها! العيش مع هذه المجموعة ولو أياما قليلة يكتشف سلوكات غريبة وأسئلة لا تجد لها أجوبة، غير أن القاسم المشترك لدا أعضائها هو أنهم يعيشون مشاكل مع أسرهم، إذ إن غالبية الآباء لا يعيرون اهتماما لهؤلاء الأبناء الذين دخلوا دربا طويلا لا يعرف أحد مبتدأه ولا منتهاه. إذا حلت مشاكلي ووجدت سعادتي ممكن أن أتخلى عن القوطية مستقبلا وأعيش حياتي بشكل عادي، لأني أومن بأنني سوف أموت ويجب أن أصلح أخطائي، كانت هذه الجملة هي آخر ما جاء على لسان هند لتعود إلى مجموعة من الشباب وتجلس بالقرب من شاب يعزف على القيثار فتغني أغنيتها المفضلة آي هاف أ دريم. البانك، الموسيقى والثورة بالجسد! غير بعيد عن ساحة الكوثيك، وبالضبط بساحة سبوك التي توجد أمام مسجد السنة، ينتشر العشرات من الشباب، ينتمون إلى مجموعات مختلفة. وتبدو الساحة لناظرها كما لو أنه يشاهد فيلما سينمائيا لأولئك المتمردين. البانك ليس توجها وإنما عبارة عن ثورة إزاء كل شيء، وهي ثورة على طريقة اللباس والأفكار والموسيقى والحياة يقول يونس الذي وصل إلى عقده الثاني، يلبس سروالا ضيقا، ويحمل سيجارة بين يديه، وبالقرب منه شاب يضع أقراطا في لسانه وفي حاجبيه، وآخر له قصة شعر مصبوغة باللونين الأحمر والأصفر. تقدم ساحة سبوك لوحة مختصرة عن عالم الشباب والمراهقين، شباب في مقتبل العمر منهمكون في التدخين وشرب الخمر، آخرون يلهون بتسلق الأشجار، والبعض دخل في شجار، وأزواج من الفتيان والفتيات هنا وهناك وكأنهم بمفردهم وبدون حرج وحياء يتبادلون الهمسات والضحكات والقبلات! يحكي يونس قصة انتمائه إلى مجموعة البانك، فيقول كان عمري 12 سنة عندما دخلت إلى البانك. ولم أدخل بشكل مباشر، ففي البداية كنت أستمع إلى الموسيقى الغربية على اختلاف أنواعها الميتال، الهيفي، الخ ...وشيئا فشيئا وبعد بحث طويل عبر الأنترنيت تمكنت من الاطلاع على أفكار أولاك البناكزا الحقيقين! فاكتشفت أنني أعيش مثلهم وليس وحدي فقط بل عامة الشعب من المحرومين والمسلوبة حقوقهم، وهذا الاكتشاف جعل يونس يجد تفسيرا لحالته حين أضاف: خلاصة القول أن إحساسي بالتهميش هو الذي دفعني إلى الانتماء إلى البانك! وكما حرص المنتمون إلى الكوثيكا يقول يونس نحن لسنا كعبدة الشياطين.نحن أناس مسلمون نحترم ديننا وقيمنا ونعيش حياتنا بشكل عادي. لكن المشكل الحقيقي هو المجتمع الذي ينظر إلينا باحتقار. ولكن نحن لا نبالي طالما نحن مقتنعون بما نفعله. يصمت قليلا ثم يسترسل وبحماس كبير: إن ما ينقصنا هو ذلك التجمع، ويوضح يونس مقصده من التجمع وهو يشير بقبضة يده، نحن الآن رغم كثرتنا فنحن المجموعة التي تشكل الغالبية، لا نستطيع تكوين تجمع وتجسيد هذه الثورة على أرض الواقع! طريقة لباس البانك غريبة، لكنها لا تقل غرابة عن قصة شعرهم، الذي يأخذ ألوانا متعددة، فضلا عن حمل حلقات بالأنف والشارب وفي مختلف أنحاء الوجه. إنها ثورة حقيقية لكن على أجسادهم وبها! الصولجان ومهمة المزج بين الثقافتين الغربية والمغربية لون آخر من التمرد تعلنه مجموعة الصولجان، فرئيسها عمر، ذي 26 ربيعا، يبدو شخصا عاديا بلباس أنيق، وجهه خال من الأقراط والأوشام. يقول عمر: نحن نحاول أن نمزج بين الثقافة الغربية وثقافتنا لكي نخرج بإبداع موسيقي مميز، هكذا لخص عمر مهمة مجموعته التي تحاول المزج بين موسيقى الميتال والثقافة المغربية. وحسب عمر فمعظم أغاني هذه المجموعة تدور حول التاريخ الإسلامي والقضية الفلسطينية. لكنه سرعان ما أبدى تحسره وهو ينظر إلى الأفق البعيد، وقال بعد زفرة عميقة تحمل أكثر من دلالة، على الرغم من ذلك فإن هذا لا يمنع من أننا نلقى الظلم والهجوم غير المبرر من قبل المجتمع، الذي يهاجمنا دون أن يفهمنا بشكل صحيح. عاشق قديم: هذا مجرد تقليد أعمى! لم يتردد مصطفى، 23 سنة، وهو يسارع الخطى كمن يسابق الزمن، في القول إن الانسياق وراء هذه التيارات مجرد تقليد أعمى لثقافة الغرب، وهذا هو الخطير، فنحن لا نعي تمام الوعي أصلها وفلسفتها. أليس هذا حكما قاسيا؟ توقف مصطفى فجأة كما لو أن السؤال أيقض فيه ماضيا حزينا، وقال وهو يجول في ذكرياته متأسفا:لقد كنت من عشاق موسيقى الميتال منذ أن كان عمري 16 سنة، وسكت مدة وكأن ذكرياته قد خطفت لسانه، واستأنف حديثه بنبرة حزينة كلها أسى: أنا الآن نادم على 5 سنوات تقريبا من حياتي ضيعتها في اللهو والعبث. وأضاف دون ترك أي فرصة لمقاطعته، إن هؤلاء الشباب المراهقين يتباهون بأمور جد تافهة ويضيعون وقتهم وجهدهم وهم لا يبالون بمخاطر الانسياق وراء هذه التيارات وشدد على شيئ اعتبره مهما: لم نكن نسمع النصائح، وأعتقد أن هؤلاء الشباب بحاجة إلى من يحاورهم ومن يتواصل معهم. كل ما يمكن للمرء أن يخرج به من مخالطته لتلك المجموعات الشبابية هو أننا أمام ظاهرة تحتضن ثقافة مدمرة تستقطب ببريق الموسيقا وتقليد الغرب شبابا متزايدا، وأن غياب الحوار والتواصل والاعتراف بالشباب واحتضانهم قد وضع هؤلاء الشباب في سجون مدمرة عالية الأسوار. البانك ظهر البانك أو المتمردون سنة 1968 كثورة ضد الإمبريالية والرأسمالية، وبالضبط في إنجلترا نتيجة إحساس مجموعة ممن ينتمون إلى الطبقة الفقيرة بالتهميش. ويعيش هؤلاء في الشوارع والخلاء، ودائما في حالة فرار من الشرطة بسبب قيامهم بالاعتداء والنهب على ممتلكات غيرهم من الطبقة البرجوازية. لهم موسيقى خاصة بهم تعرف بموسيقى البانك أو البانك روك . وهي موسيقى صاخبة. لباسهم عبارة عن سراويل ضيقة وجاكيت يحمل أصفادا وشعارات تعبر عن توجهاتهم ويضعون أقراطا في مختلف أنحاء وجههم في اللسان والأذن والشفتين والحاجبين. الكوثيك أو القوطية يتكون هذا التوجه من نوعين القوطية القديمة الكوث Goth، اسم لإحدى القبائل الألمانية البورجوازية التي كانت تعارض بعض معتقدات الكاثوليك وليس لها صلة بالشيطان وهي توجهت إلى اللون الأسود لتذكير الناس بالموت وإخافتهم من عدوهم الشيطان. يحبون العزلة أكثر من الاختلاط. ويميلون إلى الاستماع إلى السمفونيات والجلوس في الطبيعة والأماكن الخالية. ويؤمنون بالحب والموت، لهم ميولات انتحارية، ويتخيلون أنفسهم كما لو أنهم أشباح أو قطط أو مصاصي دماء. أما القوطية المعاصرة فهي توجه ديني أسسها مارلي مانتز أخذ أفكار القوطية القديمة بمنحى خاطئ خصوصاً اللون الأسود والسوداوية والتشاؤم وأصبحت شيطانية سوداوية تشاؤمية تنبذ الموت وتدعو إلى اللهو والعبث وتمجيد الشيطان. وما أدى إلى نشوء هذه القوطية المعاصرة هم الكاثوليك حيث أنهم كانوا يدعون بأن القوطية القديمة شيطانية لأنها لم تكن تؤمن بمعتقداتهم. إيمو إيمو أتت من المصطلح الإنجليزي إموسيوشينال emotional بما معناه حساس أو عاطفي ذو مشاعر متهيجة أو حساسة. والإيمو نوع من أنواع الموسيقى، الذي ينتمي إلى الروك والميتال، يتميز بكلمات أو أحاسيس مختلفة عن الأنماط الموسيقية العادية، إذ تتحدث عن الألم والحزن. أما عن التعريف الثاني، فهو ينطبق من ناحية الأزياء، إذ يلبسون في العادة ملابس قاتمة أو سوداء، سراويل ضيقة جدا أو فضفاضة جدا، وهذه الملابس تحمل أحيانا كلمات من أغاني الروك المشهورة. كما أن شعر الذكور يكون منسدلا من الأمام. لكن التعريف الأكثر شيوعا حاليا هو الخاص بالحالة النفسية للشخص، إذ يوصف الشخص بأنه إيمو إذا كان حزينا ومتشائما وكئيبا وصامتا وخجولا. والإيمو في حد ذاته ليس دينا، وإنما ثقافة ثانوية، ينتمي إليها مراهقون عاديون ينتمون إلى أديان مختلفة، كما أنهم لا يمارسون طقوسا أو يقومون بأعمال تشير إلى إنتمائهم إلى مثل هذه الأمور. وجميع الإيمو يجرحون رسغهم، ولهم ميول إنتحارية، يشيرون إلى الأجزاء المظلمة من الحياة.