برزت في السنوات الأخيرة إلى الوجود ظاهرة مجموعات غنائية لشباب أسسوا ما بات يعرف بالهيب هوب المغربي بمختلف أنواعه، وتميزت هذه الظاهرة بإقبال فئات واسعة عليها خاصة من الشباب، كما تناسلت تلك المجموعات إلى درجة أضحى لكل مدينة فرقتها أو فرقها التي تحاول أن تبرز على الصعيد الوطني على غرار الفرق الموسيقية المعروفة. فكيف ينظر أصحاب هذه المجموعات إلى تجربتهم؟ وهل هي موجة عابرة أم إنها سترسخ مكانتها ووجودها لونا ثقافيا وموسيقيا قائم الذات؟ وما هي الداوعي السوسيوثقافية لظهور مثل هذه المجموعات؟ وما رأي الفنان االمغربي في هذه المجموعات؟ البيك.. الخاسر يرد توفيق حازب المعروف بـالبيك على الانتقادات الموجهة إلى الفرق الشبابية التي يفضل أن يسميها فرق الشبان بالقول إن الفنانين الذين ينتقدوننا أكل الدهر عليهم وشرب، بعدما صرنا نقدم فنا عوض العفن الذي كانوا يقدمونه، ويتهمهم بالجاهل التام لـالهيب هوب ومن ثم فانتقاداتهم لاأساس لها من الموضوعية، فالناقد في رأيه قبل أن ينتقد كتابا عليه أن يقرأه ويتعمق فيه، ولايمكن لأحد أن يحاكمنا من خلال ما يسمع فقط دون أن يتعمق فيه. ويستطرد الملقب بالخاسر في دفاعه قائلا عندما ظهرنا لم ننتقد أحدا، ووجودنا رهين بانتظارات الشباب الذي لايجد نفسه في الموسيقى التقليدية، وأنا أفهم كل هذه الحرب الموجهة ضدنا، فللنجاح دوما أعداء، وفرقة البيتلز عندما ظهرت لاقت انتقادات كبيرة، لكنها دخلت التاريخ من أوسع أبوابه. وتعليقا على اتهامه باستعمال كلمات خادشة للحياء في أغانيه يرد حازب هذا كلام موجود في الدارجة المغربية وفي الشارع، وأنا لم أخترع تلك الكلمات، وعلى العموم أقوم بحذف الكلمات التي تصدم الناس من الإذاعات التي أحل من خلالها ضيفا على البيوت المغربية، أما الأقراص المدمجة فلاأمارس رقابة عليها لأن الذين يقتنونها يفعلون ذلك وهم على علم بما تحتويه من كلمات. ويضيف بالقول لـالتجديد لو كنت (خاسر) كما يتهمونني لانتقدني الآباء، وكم أصادف يوميا من أب يكون مصحوبا بابنه ويطلب توقيعا وصورة معي، لكن على العموم يمكن تلخيص تلك الأقاويل في كونها تدخل في إطار النفاق الاجتماعي الذي يعشه المغاربة فهم لايقبلون كلمات صادمة بالدارجة بينما يستعملونها ويسمعونها بالفرنسية والإنجليزية دون حرج. كازا كراو ويذهب محمد المالكي عن فرقة كازا كراو إلى أنه الظروف التي يعرفها المجتمع المغربي ساهمت في ولادة الظاهرة، وعن كونها موجة عابرة يرد بالقول المستقبل يحكم بيننا والله وحده المطلع عليه، والتجربة مرتبطة أساسا بالواقع ومادام الواقع موجودا أعتقد أنها ستبقى. وفي محاولة هذه الفرق النهل من التراث المغربي اعترف المالكي لـالتجديد بأن الاحترام الذي تكنه المجموعات للتراث هو ما يمنعها من الاعتماد عليه معترفا بالقول لانريد أن نشوه التراث، فكل شيء يجب أن يحافظ على مكانته، وأي اقتراب منه يعد تحريفا له، فالملحون ملحونا، والشعبي شعبي.... وبخصوص الكلمات المستعملة في أغاني المجموعات اعتبر ابن الحي المحمدي أن هناك مجموعات عديدة، ولكل مجموعة مصطلحاتها الخاصة نستعمل دارجة الحي المحمدي، ونحن نراعي للأسر المغربية، ونعلم خصوصيات المجتمع المغربي، وقد تربينا على عدم استعمال كلام ناب، وهناك من ربي بشكل آخر، ومن حقه أن يستعمل معجمه الخاص. لكن إجمالا، من يستعمل الكلام السيء عددهم محدود جدا. وردا على غياب المجموعات على حفلات الأسر المغربية يقول هناك طقوس معروفة للأسر المغربية، أنا أيضا عندما أتزوج سأتبعها، أما كلامنا فينطلق من الشارع ويبقى فيه، وينطبق على مجموعاتنا ما ينطبق على ما يقال في الشارع، فهناك من يقول كلاما جيدا وآخر كلاما قبيحا. موجة ستنتهي ويرى الفنان المغربي محمد الغاوي أن الظاهرة تذكره بما عرفه المغرب سنوات السبعينات من مجموعات غنائية كمجموعة ناس الغيوان، جيل جيلالة، المشاهب... وهي في نظره ظاهرة شبابية تأثرت بالغرب إلى حد كبير في كل شيء، حتى في اللباس. ومن منطلقه كفنان ومتتبع لما يحدث في الوسط الفني المغربي يقول الغاوي إنه لاتوجد لهؤلاء الشباب بصمة قوية، فهناك خليط بين التراث المغربي والغربي، وهم لايستغلون التراث المغربي الغني بذكاء لجهلهم ولعدم عمق بحثهم وسعة إطلاعهم. ويعيب على الكلمات المستعملة في أغاني الهيب هوب المغربي بكونها تسيء إلى الذوق العام فـلاقيمة للكلمات في نظرهم، وإنما همهم ترقيص الشباب، وبالتالي لارسالة لهم، وكإشارة إلى انحصار المجموعات على فئة من الشباب الضائع، لا تتم دعوة مثل تلك المجموعات إلى الحفلات العائلية حيث لايمكن لعائلة تحتفل بمناسبة لديها أن تأتي بشباب يظل ينط أمامهم ويلقي بكلمات غير مفهومة. ويختم الغاوي تصريحه لـالتجديد بالقول هذه موجة ستنتهي، لأن البقاء للأصلح، ولدينا من أعمار بعض الفنانين المغاربة من تجاوز عمره الفني 50 سنة. في حين اعتبر الفنان عبدالهادي بلخياط لـالتجديد أنه لم يعد ينتبه لشيء وأضاف لاأرى أي شيء، كأني أنتمي للقرون الوسطى، وما يحدث يتجاوزني، فهذه المجموعات لاأعرفها ولاأتابعها. سلوك احتجاجي أما عبدالرحيم العطري الباحث في علم الاجتماع فيجيب على الظاهرة في تصريح خص به التجديد بالقول عندما نتأمل المشهد الموسيقي في المغرب، نلاحظ أن هناك وارد جديد، لم يكتف بتسجيل حضوره بل صار حاضرا في مختلف النقاشات العلمية وغير العلمية، وأصبح مجذرا لمكانته في المجال العام وعن سر الانتشار الذي جعل هذه المجموعات تنتقل من الظل إلى الواجهة، وأضحت مالكة للعديد من الرساميل المادية والرمزية، وأصبح لها أتباع ومؤيدون ومعارضون أيضا، يقول في علم الاجتماع نبحث دوما عن حبة فهم، نبحث عن شروط إنتاج وإعادة إنتاج هذه الظاهرة من خلال التأمل العادي وربما السريع أحيانا، ويبدو أن الظاهرة تتوزع على ثلاث خطاطات على الأقل أجملها في أن الظاهرة تعبر عن سلوك احتجاجي يمارسه هؤلاء الشباب ضدا فيما يتعرضون له من تهميش وإقصاء، ويستدل على ذلك في القاموس اللغوي الذي يستعمل في إنتاج أغاني تلك المجموعات، وأن الظاهرة لها علاقة بالاستلاب الثقافي الذي يهدد الشباب، وهي لها علاقة بقيم الاستهلاك التي تحيل الفرد إلى مجرد كائن استهلاكي (اللباس، طريقة الغناء، الحديث...)، ثم يمكن قراءة الظاهرة في إطار صراعات الأجيال والتحولات القيمية التي يعيش على إيقاعها المغرب. ولكن على العموم فالظاهرة تعبر عن أزمة في فهم الشباب والاقتراب من همومهم وآمالهم، والخوف كل الخوف أن تتحول موسيقى الشباب الجديدة إلى آلية حرب وتصفية حسابات أو محاولة لإدماج وتدجين الشباب.