القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    القيمة السوقية للدوري السعودي تتجاوز عتبة المليار يورو    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والشراكة بين مدينة طنجة ومدينة القدس الشريف    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ابتداء من غد الاثنين.. ارتفاع جديد في أسعار المحروقات بالمغرب    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج شهدت ارتفاعا بنسبة 2.1 في المائة    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    "هِمَمْ" ترفض التضييق والتشهير بمديرة جريدة "الحياة اليومية"    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    مقتل مغربي بطلقات نارية في إيطاليا    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    الرئاسة السورية: الشرع يزور السعودية    تحذير من تساقطات ثلجية وأمطار قوية ورعدية مرتقبة اليوم الأحد وغدا الاثنين    تفكيك شبكة صينية لقرصنة المكالمات الهاتفية بطنجة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    حريق مُهول يأتي على ورش للنجارة بمراكش    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    "رسوم ترامب" الجمركية تشعل حربًا تجارية .. الصين وكندا والمكسيك ترد بقوة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبارانسي" عضويتها من هيئة الرشوة إعلان مدوي عن انعدام الإرادة السياسية في مواجهة الفساد    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روبورطاج
موسيقى الشباب.. نشيد «الثوار الجدد»
نشر في المساء يوم 23 - 01 - 2008

تستعد قناة الجزيرة الوثائقية لبث شريط وثائقي عن موجة موسيقى الشباب بالمغرب، وسوف تطلق عليه عنوان «الثوار الجدد»، فيما أسئلة كثيرة بات تنامي الظاهرة الموسيقية الجديدة يفرض طرحها قبل البحث عن أجوبتها، وذاكرة المغاربة الحديثة المشبعة بالنموذج الغيواني باتت تحتاج إلى معرفة ما إن كانت تعيش تجربة جيل جديد يحمل مشعل الرفض والاحتجاج، أم مجرد تقليد سطحي لنزوات الآخرين، أم هروبا ثقافيا وبحثا عن عالم آخر، يختفي فيه الظلم والتهميش.
«على خواض كوميسير أو كيفاش مات أوفقير... ولا الصلح اللي تضمص باش يبقى فالبير... دريس وحياتو وكاع اللي ماتو... والقصة المشهورة الحاج تابت وعيالاتو... سبعة على عشرة ديال الحشيش اللي يتباع برا كلو ديالو... أجي نشوفو وحدين... الهواية يختالسو... كلاو فلوس الشعب او التعسف يمارسو...»، كلمات متخاصمة تنثرها مكبرات صوت مجنونة، أياد ترتفع كمن يشير على سائق عربة بالتوقف، سراويل بالكاد تستقر على خصور أصحابها، والكل في نشوة عنوانها الشباب والتمرد، هكذا تكاد تكون صورة شباب المغرب الحديث، وقد ينضاف إليهم شيخ «وقور» بربطة عنقه الرسمية وحاشيته الحكومية أو الحزبية، ليكتمل المشهد. أفن هو أم عبث الشباب؟ أتراه صوت جديد للرفض والاحتجاج أم صيحة تائه في فيافي الصحراء؟ أهو بحث عن الذات أم هروب من واقع لم يعد مطاقا؟
أسئلة وأخرى بات تنامي الظاهرة الموسيقية الجديدة يفرض طرحها قبل البحث عن أجوبتها، وذاكرة المغاربة الحديثة المشبعة بالنموذج الغيواني باتت تحتاج إلى معرفة ما إن كانت تعيش تجربة جيل جديد يحمل مشعل الرفض والاحتجاج، أم مجرد تقليد سطحي لنزوات الآخرين. أحمد عيدون، الملحن وأستاذ الموسيقى يعتبر أن الحديث عن التيارات الموسيقية التي تبناها الشباب، لا يجب أن يقودنا إلى مقارنتها بالتجارب التي حاولت معاكسة التيار السائد أو الأنماط الفنية السائدة مثل التجربة الغيوانية، وأن علينا ألا ننسى أن الظروف السياسية والاجتماعية هي التي أفرزت تلك الظواهر، ليس على صعيد المغرب فقط، بل على الصعيد الجهوي العربي، لأنها تجارب جاءت بعد نكسة 1967، وخرجت من رحم مسرح الهواة، وهو مسرح كان خارج المؤسسة الرسمية، يعبر عن هموم الشباب والطلبة والعمال في الستينيات والسبعينيات، وبلغ أوجه في دورة مكناس 1970 مع الفرقة المراكشية ومسرحية «الضفادع الكحلة».
والملاحظ، حسب عيدون، أنه في تلك الفترة كان الغناء الجماعي حاملا لخطاب مرموز، وينتمي إلى أصالة التراث والإيقاعات المغربية، لكن بمضامين سياسية واجتماعية جديدة، وهو الذي أفرز الظاهرة، أي أنها انطلقت من المسرح، لكي تصبح فنا موسيقيا عارضا، فهي تجربة لها جذور وتأطير سياسي واجتماعي وخلفية تاريخية منبثقة من واقع المغرب الاجتماعي، ولا ترتبط بفئة عمرية، بل بشرائح اجتماعية. وموسيقى الشباب هي ظاهرة عالمية، وليست منبثقة من المجتمع المغربي، فالراب مثلا هو نتاج المجتمع الأمريكي، قبل أن ينتقل إلى أوربا ونسمع بعد ذلك عن الراب الفرنسي. فنحن أخذنا الراب من يد ثانية، يقول عيدون، اليد الفرنسية أساسا مع الرجوع إلى النماذج الأساسية للراب الأمريكي.
«بصراحة نحن ثوريون»
«إذا أردنا فهم الراب، فعلينا أن نعلم بأنه يعبر عن الواقع، الواقع بكل جوانبه»، يقول «ولد الشعب»، أحد مغني الراب بالعاصمة الرباط، وهو يعتقد أن هناك نقطا مشتركة بيننا وبين المجتمعات التي ظهر فيها الراب، مع خصوصيات تميزنا عن الواقع الأوربي والأمريكي. كما يعتبر الراب النوع الموسيقي الوحيد الذي تتحدث فيه على طبيعتك بكل حرية كما تعيش حياتك اليومية، «ولا أعلم إذا كان البعض ينزعج لقول الواقع. فالتغيير في الكلمات والأسلوب يمنعك من تبليغ الرسالة بطريقة واضحة»، يقول ولد الشعب. لكن المثير في موجة موسيقى الشباب بمختلف أنواعها، هو هذه الحمولة السياسية والاحتجاجية التي أصبحت تكتسيها، والتي باتت تثير اهتمام الباحثين وحماس المعجبين. «بصراحة نحن ثوريون»، يقول «ولد الشعب»، «لأننا نرى أشياء لا ترضينا، رغم أننا نعيش وضعا أفضل من ذلك الذي كان في عهد مجموعة الغيوان مثلا.. لأنا نريد أن نغير».
فيما يفضل الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري أن يوزع هذه الموجات الجديدة لموسيقى الشباب إلى مستويات ثلاثة: الأول أنها نوع من الهجرة السوسيوثقافية، أي «حريك» ثقافي. فهؤلاء الشباب، وارتباطا بمجموعة من الظروف الاجتماعية والسياسية وضعف التأطير، يبحثون عن وطن آخر، وسجل ثقافي آخر، مادام السجل الأصلي لم يقدم لهم ما يكفي من التأطير والاحتواء. المستوى الثاني، حسب العطري، هو أنها تعبر عن نوع من الاحتجاج الاجتماعي، فعندما نتأمل كلمات هذه الأغاني، نجد أنها رسائل سياسية بشكل من الأشكال، رسائل ضد التدبير السياسي لملفات اجتماعية بالأساس، وهي تعبر عن موقف من الهشاشة الاجتماعية وصراع الأجيال وتهميش الشباب وكل الأعطاب التي تعتمل داخل المجتمع. أما المستوى الثالث فهو أنها ثورة على نمط موسيقي معين، أي أن هناك أنماطا موسيقية انتمينا إليها في وقت معين، ومن الطبيعي أنه في تاريخ الفنون والعلوم نجد قطائع.
هذا الحديث عن القطيعة يثير أستاذ الموسيقى أحمد عيدون الذي يقول: «أنا لست متشائما ولكنني قلق، وأعبر عن قلقي بصفة ذاتية لانتمائي إلى الجيل السابق، لكن لي قدرة على التحليل يمكن قبولها أو رفضها، لكنني قلق للقطيعة التي ينادي بها مجموعة من الشباب مع الأجيال القديمة»، قبل أن يضيف: «أنا أتفهم أن يكون الصراع فنيا، وأن يكون هناك اختلاف، لكن شرط ألا يبنى هذا الاختلاف على صراع الأجيال. لأننا لا نستطع أن نستمر في التجربة أو نؤصل لها ونصل بها إلى مستوى كبير عالميا، إذا اعتقدنا أننا نستطيع محو التجارب السابقة، أو ألا نعترف بها. قد يكون من حق الشباب أن يرفضوا الوصاية، لكن عليهم أن يتعاملوا مع التاريخ كصيرورة، وليس كقطيعة».
باراكا من الخوف
«هزو يديكم يا للي مغاربة حرار او باراكا من الخوف... هزو يديكم معايا يا للي فقلوبكم ما كاينش الخوف... خاف من البوليسي خاف من الجماعة او خاف من اللي عندو الفلوس... تخافو من كلشي ما تخافو من الله... كاين اللي خاف من البوليسي... او كاين اللي يخاف من الجماعة... او كاين اللي يخاف من المقدم... او كاين اللي عند مو مناعة...»، تقول إحدى كلمات المغني الشهير بال«بيك»، والذي كان نجم السنة السياسية الماضية وهو ينثر كلماته هذه فوق رؤوس رفاق المهدي وعمر. «في فترة معينة، كنا بحاجة إلى الاتحاد الاشتراكي مجردا من شبيبته ونقابته، لذلك استمر القص في أطرافه، أما الآن فإننا بحاجة إلى الشباب لشرعنة علاقات القوة والإنتاج، ولتبرير الوضع الاجتماعي، لكن البورتريه المفضل لهذا الشباب، هو شباب منقطع عن السياسة، بالرغم من أننا نمارس الاستجداء السياسي في حقه ونلهث وراءه عشية كل كرنفال انتخابي، ونريد شبابا مبتعدا عن طروحات دينية معينة، ولا يدمن الانتحارية والانتماء إلى جماعات متطرفة، وللوصول إلى هذه النتيجة، هناك هذه الموسيقى التي قد تلعب دورا، وتخلق الشباب النموذج. فحتى السينما، بما أنها موجهة عن بعد، أصبحت تقدم أفلاما عن الظاهرة، بعد أن كنا في فترة معينة نحتاج إلى سينما الاعتقال السياسي لخدمة فكرة المصالحة وكسب أسهم المشروعية الحقوقية»، يقول العطري. فيما يقول «ولد الشعب»: «لا نتناول في أغاني الراب ما هو سياسي فقط، بل يمكنني أن أقول إن الراب هو الفن الوحيد الذي يمكنك أن تعالج به كل المواضيع، فأنا مثلا أتناول في إحدى أغاني ألبومي الأخير أغنية عن موضوع السحر، الموضوع الطابو موسيقيا».
فقاعات الصابون
الجديد، حسب أحمد عيدون، أن هذه الحركة أصبحت تكتسي قوة في الساحة المغربية، بحكم مجموعة من الأحداث التي لعبت لصالحها: الحدث الأول هو تنظيم مهرجان البولفار، بدعم من المراكز الثقافية الأجنبية، ثم الوسائل العمومية مؤخرا، بالإضافة إلى القائمين على المهرجان. ثم إن محاكمة الشباب الذين اتهموا بعبادة الشباب، لعبت دورا تعبويا في ما يخص اهتمام الشباب المغربي بقضية تمس أقرانهم، وهذا لا ينفي العمل الذي قام به بعض الأشخاص، لكن هذا العمل لا يمكن أن يثمر إن لم تكن هناك ظروف مواتية. العامل الثالث هو إصرار الشباب على مواجهة كل الصعوبات المتعلقة بالإنتاج، لأن الشاب كان ينتظر شركات الإنتاج أو الإذاعة، أما اليوم وبحكم التطور التكنولوجي، أصبح أكثر قدرة على الإنتاج الذاتي، فنتج عن ذلك زخم كبير، وانطلاقا من الكم يظهر الكيف والجودة. فضمن زخم أكثره رديء نجد إشراقات تتحول إلى قاطرة. وهي مسألة لاحظناها حتى في الظاهرة الغيوانية، فباستثناء جيلالة والمشاهب والمجموعات المعروفة، كانت هناك المئات من المجموعات التي لم تحقق نفس النجاح، وهذه من خاصيات الحركة الفنية.
السوسيولوجي عبد الرحيم العطري يعود إلى طرح تساؤل آخر: هل هناك فعلا ثورة للهيب هوب والميطال من تلقاء نفسها؟ أم إن هذه الثورة موجهة عن طريق آلة التحكم عن بعد؟ فثقل التاريخ يمارس علينا إغراءه، ولكي نفهم العديد من الظواهر الاجتماعية علينا أن نعود إلى التاريخ. وبالعودة فقط إلى حدث السادس عشر من ماي، حيث ظهرت بالإضافة إلى المقاربة الأمنية، خيارات دينية وثقافية، حيث تم إفراد مساحات شاسعة لهذه الموسيقى، وتم تخصيص برامج ومهرجانات لها، بمعنى أننا نريد شبابا على المقاس، يدمن هذا النوع من الموسيقى. فيما يرى أستاذ الموسيقى أنه كان هناك نوع من التفريط في وقت معين، ليصبح هناك نوع من التهافت على تشجيع هذه الموسيقى، فالموجة الجديدة للإذاعات الخاصة تقوم بذلك، والآن هناك حتى الإذاعات العمومية التي بدأت تساير الموجة، لاستقطاب المستمع، فأصبحت للموسيقى قيمة وظيفية، لكن كلا يشجع جانبا من الظاهرة، حيث تبقى الإذاعات العمومية مفضلة للموسيقى المرتبطة بالتراث ومحبة الوطن... وتجد أن مهرجان موازين يذهب في نفس الاتجاه، لكن التهافت يبقى موجودا، و«الزمن وحده سيميز التجارب الجيدة عن فقاعات الصابون».
حوتة وحدة..
مفعول الزمن الذي ينتظره عيدون لاستجلاء الحقائق يستعجله «ولد الشعب»، حيث يعترف بأن من ضمن هؤلاء الذين يقدمون موسيقى ملتزمة أو احتجاجية، «ليس هناك من يقدم لنا حلولا للمشاكل، وهذا ما يجعل البعض يصفنا بالابتذال... ومن سلبيات هذه الموجة أن أيا كان يمكنه ركوبها، حيث يعتبرها البعض موضة عابرة، ويسقطون في تناقضات ذاتية بحديثهم عن أشياء لا يعيشونها، وهنا على المجتمع والإعلام أن يميز بين الصالح والطالح.
والواقع أن «حوتة وحدة تخنز الشواري»، فيعتمد الجميع على أمثلة سيئة لتعميمها على الجميع».
يعود العطري إلى فرضياته الثلاث ليرجح كفة الأولى، تلك التي تعبر عن نوع من «الحريك» والبحث عن وطن آخر. وفي هذا «الحريك» نوع من الاحتجاج على وضع اجتماعي للتحرر من «قطران» الوطن، والالتحاق ب«عسل» الضفة الأخرى. «عندما أعود إلى فترة السبعينيات وحركات الهيبيزم وغيرها، أجد أنها كانت تتوفر على سند إيديولوجي، وكانت تناصر قضايا إنسانية، بل تغير خرائط اللعب الدولي، ذلك أن حركة الهيبيزم مثلا غيرت مسار الحرب في الفيتنام.
أما اليوم فنجد أن هذه الموسيقى لا تتوفر على أي سند إيديولوجي أو عمق فكري، بل مجرد إدماج لكلمات كيفما اتفق، كلمات سوقية أحيانا، كما أنها موسيقى تتأسس على السرقة الأدبية بالأساس».
هذا الحديث عن السرقة كان مصدرا آخر لقلق الملحن أحمد عيدون، حيث اعتبر أنه إذا لم يكن العمل مصرحا بأنه مزج مقصود لفن سابق، فإن أغلب الأشياء التي يستعملها الفنانون الجدد، هي موسيقى موجودة جاهزة، فيمزجون شيئا بشيء ويبترون بعض الأشياء... ويعتبرون أن الموسيقى الموجودة ملك للجميع ولا تخضع لقواعد الملكية الفكرية، وهذا خطر كبير جدا، برأي عيدون، ليس فقط على أخلاقيات العمل، بل على الإبداع نفسه، لأن هذا الفنان سوف يكتشف أنه لم يضف جديدا، فالنماذج التأليفية موجودة. ليضيف أستاذ الموسيقى قلقا آخر، يتمثل في كون المغرب من الدول القلائل التي يعادي فيها الموسيقيون العلم الموسيقي، ومعاداة العلم الموسيقي لها جوانب خطيرة جدا، لأن الفنان المبدع، باستثناء بعض الحالات، لا يستطيع دخول المجال الفني دون التمكن من قواعده العلمية. فسهولة ولوج الميدان واقتناء الآلات والبرامج المعلوماتية، والنسج على منوال النماذج السابقة، أوحت بإمكانية إعفاء الفنان من الاشتغال والتعلم، «فأنا قلق جدا على هذا الجانب السلبي الذي يمكن أن توحي به التجربة لعموم الشباب، بدعوى دمقرطة الولوج للموسيقى، حيث نسمح ألا تكون للفنان علاقة بعلوم الموسيقى. وهنا مسؤولية الدولة أيضا، لأنها لم توفر ما يكفي من مدارس ومعاهد ومنظومة تعليمية فعالة».
مسكنات ثقافية
«كاين فيكم اللي تشد ظلم... او كاين اللي فيكم تفركع فساعة... كاين اللي فيكم يمثل حزب... او كاين اللي فيكم يمثل راسو... او كاين اللي كايمثل على الناس»، يقول البيك مخاطبا محمد اليازغي في مؤتمر الشبيبة الاتحادية الأخير. ف«الحزب في المغرب يشتغل بمقاربة الربح والخسارة»، يقول العطري، أي «إن الأشياء التي يعتقد أنه سوف «يغنم» منها، فإنه لا يتردد في استثمارها، فيستثمر السياسي والثقافي والمقدس وحتى الخرافي أحيانا من أجل تأمين استفادته.
فالبيك شخصية أصبح لها امتداد جماهيري، ومن الطبيعي أن نستحضره لتأثيث كرنفالنا الانتخابي، أو السياسي.
فالحاجة تتأسس فقط على تقوية الأسهم الجماهيرية، والرفع من أعداد المنتسبين، وإن كان انتسابا لحظيا. لكن الرهان يظل مؤقتا، لأننا لا نعمل على حل الأزمة، بل فقط على تدبيرها، فنبحث لها عن مسكنات ثقافية واجتماعية لصنع إلهاء ما وشغل الرأي العام عن أشياء ما». فيما يرى «ولد الشعب» أن «السياسيين لا يمتلكون الوسائل لإقناع الشباب، لهذا أصبحوا يلجؤون إلى موسيقى الشباب، ونحن المغاربة بصفة عامة لا نتأثر بالخطاب السياسي كما نتأثر بالخطاب الفني، لكن الراب يجب أن يبقى في إطاره الفني ولا يجب إقحامه في السياسة، حتى لا يصبح شيئا آخر». فيما يؤكد أن هذه الموسيقى تقوم على الاحتجاج على كل ما هو واقع، «فعندما أتحدث على السحر والشعوذة، فأنا أصف الواقع، فما يجب أن نصل إليه، هو أن نتحدث عن المشاكل السياسية، لكن أن نقول إن هناك مشاكل أخرى في حياة المغاربة»، مؤكدا أنه لا يمكن لهذا النوع الموسيقي أن يصدر عن طبقة اجتماعية لا ينقصها شيء، بل يصدر دائما كتعبير عن الواقع المؤلم.ذ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.