يتخذ عبد الله ساعف، الباحث الأكاديمي، رواية الكاتب الألباني إسماعيل قدري «قصر الأحلام» متنا يمتطيه لكي يعبر من خلاله عن رؤيته للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وكذا عن أحلام الشعب ورؤاه بل ونبوءات بعض أبنائه، هذه الأحلام التي تختلف باختلاف طبقات الشعب وانتماءاتهم. السطور التالية هي أيضا قراءة خاصة بعبد الله ساعف في تحولات الساحة السياسية المغربية في الفترة الأخيرة وخاصة خلال سنة 2007. مقولة ميكيافيلي القديمة: «جميع الأمور الداخلية سوف تحل عندما تحل الأمور الخارجية» تبقى دائما، في علم السياسة العالمي، ملتبسة وتحتمل أكثر من معنى. من الذي يحدد الآخر هل هو الخارج أم الداخل؟ من هذا المنطلق لاحظنا أنه لم تكن هناك، خلال سنة 2007، أية زيارة دولية من العيار الثقيل. ويبقى من المؤكد أن المغرب لم يكن الوحيد الذي تخلف عن حضور قمة بيروت وقمة طرابلس على مستوى قادة الدول العربية. ولأن الدبلوماسية ليست فقط مسألة زيارات إلى الخارج، فإن من الملاحظ أن بلدنا بدأ ينكمش على نفسه مع ما بات يعرفه من تدبير العلاقات العربية في شموليتها. عودة الدفء إلى العلاقات مع المملكة العربية السعودية ليست كافية لإعادة الاستفادة من سخاء الرياض، في هذا الوقت الذي اشتعلت فيه أسعار البترول بشكل لا يصدق، حيث وصلت أسعار برميل النفط إلى أكثر من 90 دولارا. من جهة أخرى، لم تعد الدائرة التقليدية للعلاقات مع الدول الإفريقية (السنغال، ساحل العاج، غينيا) إلى الاستقرار الذي كانت تبدو عليه من قبل، بل إن سنة 2007 انتهت بأزمة غريبة مع السنغال، الحليف الذي يعتبر إلى اليوم مهما واستراتيجيا بالنسبة إلى المغرب. ولكن، هل ستطفو على السطح من جديد المشاكل التقليدية التي تثيرها دبلوماسية يحركها حماس وطني قد يبدو في غير محله؟ سيكون من الجيد أن نتوقف قليلا عند هذا الأمر. هل أصبح الشعور الوطني القديم الذي يعود إلى سنوات الخمسينيات والستينيات مجرد ترسبات من الماضي تفقد معناها مع مرور الزمن، أم أنه، مع تغير العصر، بدأت تظهر انشغالات جديدة دفعت إلى اتخاذ مواقف أخرى مختلفة؟ بالنسبة إلى ملف الصحراء، قطع مشروع الحكم الذاتي شوطا مهما من حيث المستوى الهجومي من ناحية التواصل أكثر منه من ناحية المضمون. في حين مازال النقاش الشامل يغيب حول مسألة التقسيم الجهوي. ورغم بداية المفاوضات، فإن آفاق الاتفاق والاستقرار مازالت أبعد ما تكون عن الإدراك. في نفس المنحى، فإن المؤتمر الأخير للبوليساريو كشف عن أزمة يمر بها هذا الأخير، وعن اضطرابه إزاء اقتراح الحكم الذاتي الموسع الذي بادر به المغرب. لقد أصبح المغاربة وكأنهم محكوم عليهم بأن يحملوا على عاتقهم عبء هذا الملف الثقيل، ليس فقط لأنهم لا يملكون خيارا آخر (لدواع وطنية ومنطقية داخلية وجيوستراتيجية...) لكن أيضا لأنهم لا يملكون البديل. إننا لسنا أمام مشاكل مع أنفسنا ولكننا أيضا نفتقر إلى خصوم يمكنوننا أو حتى يجبروننا على تجاوز مثل هذه الأمور. إن الجزائر مستمرة في إعادة تسلحها، لتضل داخل طرق مسدودة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا خلفتها تجاوزات العقود الأخيرة، حيث تعد نفسها لإعادة إنتاج الإخفاقات الماضية. ترى، ماذا لو صح ما قاله ملاحظون دوليون كبار من أن الجزائر تسعى إلى زعزعة استقرار موريتانيا؟ مشروع المغرب العربي الكبير، من جهته، مر بمنعطف مثير للانتباه هذه السنة، حيث تم التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات الاقتصادية، كما خرج إلى الوجود مشروع بنك مركزي مقره الاجتماعي في تونس، وتم إحياء اتفاقيات أكادير على الأقل من خلال تجديد إعلان النوايا الحسنة، كما أن هناك شكا حول وجود تنسيق أمني بين الدول الثلاث المغاربية التي يهددها خطر الإرهاب، لكن أي مجهود في هذا الاتجاه يبقى مهددا بالفشل ما لم تستثمره السياسات المغاربية المشتركة. شكلت زيارة العاهل الإسباني الأخيرة لسبتة ومليلية حدثا ثقيلا أحيى توتر العلاقات المغربية-الإسبانية الذي كان في السابق، على منوال ما حدث في حادثة جزيرة ليلى، فبدت هذه الزيارة وكأنها سارت ضد تيار الروابط الاقتصادية المشجعة بين المغرب وإسبانيا، التي يشهد عليها عدد من المؤشرات مثل تعدد الاتفاقيات وزيادة الاستثمارات في قطاع العقار والسياحة وترحيل الخدمات والتكنولوجيا الحديثة، إلى درجة أن الإسبانيين اعتبروا توقيع عقود مع شركات فرنسية -بعد زيارة ساركوزي للمغرب في نونبر 2007- لإنجاز مشروع القطار السريع «تي جي في « أمرا غير منطقي. ترجمة سناء ثابت يتبع