تتعرض فتيات كثيرات من الطبقة الشغيلة للاستغلال اليومي والمتكرر من طرف رب العمل الذي لا يبخل عليهن في الأجور فقط، بل يضاعف ساعات عملهن، ويهددهن في كل وقت وحين بالطرد، وقد يتحرش بهن ويضايقهن ليجبرهن على الرضوخ لنزواته، والامتثال لرغباته، بالرغم من هزالة الأجور وعدم توفير أبسط الظروف للقيام بعملهن على أحسن وجه. المساء» استمعت إلى بعض عاملات القطاع الخاص، تعرضن لمضايقات من طرف رب العمل.. منهن من أشبعت رب العمل ضربا وخسرت بسبب ذلك عملها، ومنهن من استسلمت لرغباته حتى لا تفقد مصدر عيشها، لكن القاسم المشترك بينهن جميعهن هو تقاضيهن لأجور جد زهيدة تتراوح ما بين 400 درهم كحد أدنى و1000 درهم شهريا كحد أقصى! تعمل فاطمة، الحاصلة على الإجازة في الآداب العربية، كاتبة في مكتب أحد المحامين بفاس، يقتسم مكتبه مع زميلة له، ولأنها تقوم بوظيفتين في نفس الوقت وتعمل لحسابهما معا، فإن دوامها يبدأ من الساعة الثامنة والنصف صباحا إلى غاية السابعة والنصف مساء، مع الاكتفاء بساعة راحة بعد الظهر، وكل هذا مقابل 600 درهم يدفعها المحاميان بالمناصفة. تقول فاطمة بحسرة: «بعد عدة محاولات للبحث عن وظيفة مناسبة اضطررت إلى العمل مقابل هذا الأجر الزهيد، فقد سبق لي أن عملت نادلة مقهى وعاملة للنظافة في أحد الفنادق بفاس، ثم عملت بعد ذلك في إحدى دور السينما، أساعد الزبائن على إيجاد أماكنهم بواسطة المصباح». تطلق فاطمة ضحكة مليئة بالسخرية والتهكم ثم تواصل حديثها قائلة: «لقد حملت القلم لأكثر من 16 عشر سنة انطلاقا من الابتدائية ووصولا إلى المرحلة الجامعية، وعوض أن أحمل القلم في شغلي وجدت نفسي أشتغل بالمصباح، لكن لا يهمني الأجر مادام العمل شريفا ومحترما، خاصة أنني كنت أتقاضى نفس المبلغ تقريبا من الوظائف السابقة مقارنة بالوظيفة الحالية!». أجور زهيدة وتضيف هناء معبرة عن رأيها في العمل قائلة: «العمل عبادة ولا علاقة له بطلب العلم، فالكل يعلم أن نسبة البطالة في بلدنا كبيرة جدا، ولهذا تحاول كل واحدة منا تدبير قوت يومها، وتحترف أي حرفة بسيطة تؤمن لها مصروفها اليومي، إلا أن المشكلة تكمن في أولئك الذين يطلبون العلم ليحصلوا على الوظيفة. فطلب العلم، في رأيي، لا يجب أن نربطه بالوظيفة، بل يجب أن يتدبر المرء أمره ريثما تسنح له الفرصة لشغل الوظيفة التي يرغب فيها، ولذلك قبلت العمل براتب شهري لا يتعدى ألف درهم في معمل للخياطة». وتؤكد نادية، الحاصلة على الباكالوريا والتي تعمل مساعدة تاجر، أنها اشتغلت أول الأمر في عيادة طبيب مقابل 1000 درهم كراتب شهري، لكن الطبيب كان يتحرش بها صباح مساء، وبعد شهرين من العمل عنده حاول استمالتها فاشترى لها قارورة عطر، وعندما رفضت قبولها وطلبت منه عدم تجاوز الخطوط الحمراء، حاول الاعتداء عليها ومهاجمتها، فأشبعته ضربا وكسرت نظارتيه، عندها قام بطردها ورفض أن يدفع لها راتبها الشهري، تقول نادية: «لا تكفيني 1000 درهم التي كنت أتقاضاها، ولا حتى 700 درهم التي أتقاضاها في عملي الحالي كمساعدة تاجر، لكنني مضطرة لقبول الأمر، ف700درهم أفضل بكثير من البطالة ومن لا شيء!». أما نوال، فترى أن الفتاة التي تتنازل عن حقوقها في الشغل والعمل هي أول من يجب أن يلام، وتوضح ذلك بقولها: «أي رب عمل يعلم في قرارة نفسه أن الأجر الذي تقبله الفتاة ليس هو نفس الأجر أو الراتب الذي سيعمل به الرجل، فهم يدركون أن الرجال لهم مصاريف إضافية كالتردد على المقاهي والتدخين وغير ذلك، بعكس الفتاة التي يرى المشغل أنها في غنى عن مثل هذه المصاريف، فيعرض عليها نصف أو ربع الأجرة التي كان سيعرضها على العامل الرجل. عندما تقبل المرأة العاملة راتبا هزيلا يكون ذلك أول تنازل تقدمه في حقها، فضلا عن جهلها بقانون الشغل والضمان الاجتماعي، وكل هذه العوامل مجتمعة تشجع رب العمل على أن يطلب منها أي شيء مقابل أن تحافظ على عملها، فيتحرش بها ويعنفها وقد يتهمها بالسرقة أو غيرها إذا لم تلبي طلباته». وتختلف معها الطالبة حنان في الرأي، حيث تقول حول هذا الموضوع: «من السهل جدا أن نقول للفتاة لا تقبلي بأجر زهيد إذا أردت أن تحافظي على كرامتك، لكن الأجور الزهيدة رهينة بعوامل اجتماعية يفرضها الواقع المتمثل في قلة فرص الشغل وارتفاع نسبة البطالة وعدم تكافؤ الفرص، وغيرها من العوامل التي تستلزم الصبر والرضا بالواقع بهدف الحفاظ على العمل كفرصة ذهبية قد لا تعوض.