حسب تقارير لوزارة الصحة الإيطالية ولمؤسسات حقوقية وخيرية، مثل مؤسسة «كارتياس» الكاثوليكية التابعة للفاتيكان، فإن عدد المومسات بإيطاليا تضاعف بشكل ملفت للنظر، ليقارب 50 ألف مومس، نصفهن ينتشرن بشوارع وطرقات مدن الشمال الإيطالي وغالبيتهن قادمات من دول أوربا الشرقية. التقارير نفسها، رغم عدم تحديدها وبشكل واضح أرقاما تخص جنسيات المومسات اللواتي ينتشرن بالشوارع الإيطالية، إلا أنها ألمحت إلى أن بائعات الهوى المغربيات يتصدرن قائمة المومسات العربيات والمسلمات بإيطاليا وينتشرن بمدن الشمال الإيطالي. «المساء» ولتقريب الصورة ستحاول في هذه الرسالة تسليط الضوء على هذا الموضوع وعلى الكيفية التي يواجه بها الإيطاليون موجة الدعارة القادمة من أوربا الشرقية، مع نقل تفاصيل عن مومسات مغربيات جديدات أصبحن يخترن مدن إيطالية صغيرة لنشاطهن، عوض الدخول في منافسة مع زميلات لهن بالمدن الكبرى. مومسات أوربا الشرقية بعد انضمام عدد من دول أوربا الشرقية إلى الاتحاد الأوربي والسماح لمواطنيها بحرية التجول بين دول هذا الاتحاد، تدفق على إيطاليا، كباقي الدول الأوربية الغربية الأخرى، عدد كبير من مهاجري شرق أوربا، خصوصا من رومانيا التي يفضل مواطنوها إيطاليا على الدول الأوربية الأخرى، لكون قوانينها غير صارمة ويمكن العمل فيها بكل حرية حتى في إطار الأعمال غير الشرعية كالدعارة. يمكن وبكل سهولة معاينة هذا الإقبال المتزايد للمهاجرين القادمين من شرق أوربا، بطرقات وشوارع المدن الإيطالية ليلا ونهارا، من خلال اصطفاف مومسات رومانيات وبلغاريات وسلافيات قدمن حتى من أوكرانيا وروسيا ودول أخرى مجاورة كانت تنتمي سابقا إلى ما يسمى بالاتحاد السوفياتي. وبطبيعة الحال فهذا التزايد المستمر للعاملات في مجال الدعارة بإيطاليا أصبح يتضايق منه وبشكل كبير الإيطاليون المحافظون، إلى حد مطالبتهم السلطات الإيطالية بتدخل سريع لوضع قوانين صارمة وعاجلة للحد منه، في الوقت الذي تعتبر فيه فئة أخرى أن وجود بائعات الهوى بالشوارع الإيطالية أمر ضروري للاستجابة إلى حاجيات مجتمع أصبحت العلاقات فيه جد باردة وميكانيكية. حاجة هذه الفئة من المجتمع الإيطالي للمومسات هي ما تفسر وقوف بعض الإيطاليين بسياراتهم وبشكل عادي لالتقاط إحداهن أمام أعين الناس بشكل عادي وكأنهم يحاولون أن يقولوا للكل: «نحن في بلد ديمقراطي وحر ومن حقنا القيام بأي شيء مادمنا لا نعارض القانون فيه». كنت في كل مرة أعبر فيها شوارع ميلانو أو تروينو ليلا إلا وأصادف سيارات بجميع الأنواع حتى تلك الفاخرة منها تتوقف على ناصية الطريق لحمل إحداهن قبل مغادرة المكان نحو وجهة مجهولة، فالمنظر أصبح مألوفا لدى الإيطاليين، إلى حد أنني شاهدت إحدى السيارات بمدينة ميلانو تتوقف لتسمح بمرور سيارة أخرى توقف صاحبها قبل ذلك لحمل مومس تظهر من خلال ملامحها وشعرها الأصفر على أنها قادمة من أوربا الشرقية. مثل هذه المشاهد كانت تتكرر وبشكل يومي ليلا بشوارع مدن مثل ميلانو وتورينو وبيرغاموا وبلونيا ونهارا خارجها بطرقات تخترق مزارع وغابات قريبة منها التي تجد فيها مومسات أوربا الشرقية وحتى أخريات قادمات من نيجيريا، فضاء لتقديم خدماتهن للزبائن بعيدا عن ازدحام وضوضاء المدينة وعن أعين وفضولية سكانها. كان ضوء النهار لا يخفي وجوه الزبائن الذين يجلسون خلف مقود السيارات التي تتوقف للمومسات، فاكتشفت أن زبائنهن يمثلون تقريبا جميع فئات المجتمع الإيطالي: شباب جميل وفي مقتبل العمر، كهول ممن يتوفرون ربما على أسرة وأبناء وحتى شيوخ من المتقاعدين ممن يعيشون وحدة قاسية ولا يجدون أحدا يسأل عنهم. كنت أتابع وقوف ومغادرة السيارات من بعيد حتى لا أثير الشكوك من حولي وأنا ألتقط صورا للمومسات، خصوصا بعد أن علمت أنهن يعملن لحساب عصابات المافيا السلافية تقوم باستغلالهن لجني أرباح شهرية تقدر إجمالا حسب تقارير لوزارة الداخلية الإيطالية ب90 مليون يورو. فقد علمت من خلال مسؤول إيطالي بهذه الوزارة أن انتشار الدعارة الملفت للنظر بإيطاليا ناتج عن استغلال عصابات تابعة للمافيا، بدول مثل رومانيا وألبانيا وبولونيا وبيلاروسيا، لفتيات يرغبن في تحسين ظروفهن المعيشية والخروج من دوامة الفقر والحاجة التي يعشنها بأوطانهن. وقال: «حسب دراسات قامت بها وزارة الداخلية فإن هذه العصابات تجلب عددا من الفتيات الراغبات في الهجرة للعمل بإحدى دول الاتحاد ليتم إجبارهن على الدخول إلى ميدان الدعارة والعمل لصالح العصابة في مدة لا تقل عن السنتين، بحيث يتم جني أرباح مالية خيالية من ورائهن قبل أن يتركونهن في حال سبيلهن ويمنحوهن جواز السفر الذي عادة ما يكون محجوزا لدى أفراد العصابة، هذا، وتقوم هذه العصابات بتخصيص حماية للمومس باعتبارها مصدرا مهما لجني أرباح من هذه المهنة... هناك استغلال آخر أوقح يصعب تحديده ويتعلق بقيام رب أسرة ألبانية أو رومانية بجلب زوجته وابنته أو حتى أخته ليجبرها على العمل في الدعارة وعلى جلب مبلغ مالي يومي لا يقل عن 600 يورو .... فغالبية المومسات ممن يقفن ساعات وساعات بالشوارع الإيطالية لاصطياد الزبائن، يجنين أرباحا مالية يومية قد تصل إلى أكثر من الألف يورو يوميا، لكن وللأسف يذهب أكثر من نصف هذا المبلغ إلى عصابات مافيا أوربا الشرقية». محاربة الدعارة تجد السلطات الإيطالية صعوبات كبيرة في محاربة ظاهرة الدعارة بشوارعها، فالقانون الإيطالي لا يجرم من يعمل في هذا الميدان إذ يعتبره أمرا يدخل في إطار الحريات العامة، فلا الزبون ولا المومس يتعرضان إلى عقوبة أو شيء من هذا القبيل اللهم إن ضبطا في مكان عمومي أو عرقلا حركة المرور لتطبق السلطات في حقهما غرامات حسب قوانين السير المعمول بها في إيطاليا. أمام هذا الوضع لم تجد السلطات المحلية الإيطالية من حل سوى تكثيف حملات التفتيش في صفوف المومسات القادمات من شرق أوربا ومن نيجيريا والمغرب، لتطبق في حقهن قوانين الهجرة الإيطالية التي تجرم كل مهاجر أجنبي يتواجد بالأراضي الإيطالية بشكل غير شرعي أو تمنحه أوراق الإقامة في حالة كشفه عن أسماء مستغله في هذا المجال ومجالات أخرى غير شرعية، فهذه الحملات التي عادة ما تكون شهرية رغم صرامتها وشموليتها على صعيد التراب الإيطالي إلا أنها لم تستطع إبعاد المومسات عن الشوارع والطرقات الإيطالية ليبقى الأمر على ما هو عليه ويضطر معه عدد من سياسيي اليمين واليسار الإيطاليين إلى الدخول في جدل سياسي حول الموضوع، ليطالب البعض بتقنين هذه الظاهرة وفتح ما يسمى بالمنازل الخاصة للدعارة مع إصدار قوانين صارمة تمنع على المومسات الوقوف على ناصية الشوارع وتجبرهن على دفع الضرائب، في حين أن البعض الآخر المحافظ يرى ضرورة اجتثاث الدعارة من المجتمع الإيطالي ومحاربتها بكل الوسائل لكون إيطاليا تبقى بلدا كاثوليكيا محافظا وتتواجد على أراضيها أعلى هيئة دينية مسيحية في العالم تدعى الفاتيكان. هذا الجدل السياسي الحاد الذي لم يسفر حتى الآن عن أية حلول لمعالجة الموضوع، حرك عددا من البلديات ومعها جمعيات ومؤسسات حقوقية ودينية إيطالية، لاتخاذ مبادرات خاصة للتصدي لهذه الظاهرة. فبمدينة بادوفا التابعة لجهة الفينيتو التي تعاني هي الأخرى من تدفق أعداد كبيرة من العاملات في ميدان الدعارة، قررت البلدية هناك الدخول في تعاون مباشر مع المومسات اللواتي ينتشرن بشوارع المدينة، مقابل منحهن نسبة مهمة من الغرامة التي يتلقاها الزبون في حالة خرقه لقانون السير ودخوله بسيارته منطقة ممنوعة بالمدينة. فبلدية بادوفا حتى تبعد المومسات خارج المدينة قررت وضع قوانين سير ثانوية تمنع تجول السيارات ببعض أحيائها باستثناء السيارات التي يقيم أصحابها بالأحياء نفسها، لهذا فكل زبون أخطأ الدخول إلى هذه الأحياء والتقطت الكاميرات المثبتة من طرف البلدية أرقام سيارته يكون مجبرا على دفع غرامة مالية تفوق 70 يورو، تذهب نسبة مهمة منها إلى المومس في حالة قيام الزبون بمنحها توصيلا على أدائه لهذه الغرامة قبل أن تمنحه خدماتها الجنسية. حلول أخرى تبنتها جمعيات إنسانية وحقوقية إيطالية، كالخروج إلى الشارع للحديث بشكل مباشر مع المومسات للتعرف على الأسباب الحقيقية التي جعلتهن يخرجن إلى الشارع مع تذكريهن بحقوقهن وبأمور أخرى تتعلق بمخاطر الأمراض المعدية، وتقديم المساعدات لهن. فهناك من بين هذه الجمعيات من ذهب أبعد من ذلك لمحاربة هذه الظاهرة، ليطالب المجتمع الإيطالي بالدفاع عن حقوق المومسات كبشر واعتبار عملهن عبودية وأن كل فلس يمنحه الزبائن لهن لا يستفدن منه، بل يذهب إلى أسيادهن الذين يستغلونهن أسوأ استغلال. هذه الفلسفة التي أسسها قسيس إيطالي يدعى «دون بينزي» قبل سنتين لقيت صدى كبيرا لدى الإيطاليين الذين أصبح بعضهم يرفض المومسات الأجنبيات ليبحث له عن الإيطاليات اللواتي يعمل عدد كبير منهن بالمنازل وبأثمان تفوق المائة يورو. فدون بينزي هذا الذي رحل عن هذه الدنيا قبل شهور اعتبر أن لا الموعظة ولا الخطاب الديني الداعي إلى رفض هذه الظاهرة وعدم التعامل معها ولا لغة القانون وجزريته لهما القدرة على إقناع الزبائن والمجتمع الإيطالي بعدم التعامل مع المومسات، مؤكدا أن الحل الوحيد يكمن في إقناع الزبون بأن منح أمواله للمومسات الأجنبيات يساعد على تقوية عصابات المافيا التي تستغلهن في تجارة الدعارة لجني أرباح خيالية، ذكرتني فلسفة دون بينزي ومعه الجمعيات الإيطالية التي تقدم مساعدات للمومسات برئيس مركز إسلامي بإحدى مدن الشمال الإيطالي عندما التقيته قبل ثلاث سنوات وطلبت منه أن يعمل مركزه على تعبئة الجالية الإسلامية بالمدينة لمساعدة بعض النساء المغربيات اللواتي يعشن أوضاعا مأساوية ولا يحتجن إلا إلى مساعدة مالية بسيطة وغرفة يقطن بها، فقلت له: «هناك ثلاث نساء بالمدينة من بينهن واحدة لديها طفل يبلغ من العمر سنتين، تحتجن أكثر من غيرهن إلى مساعدة عاجلة من طرف المركز الإسلامي ومن الجالية قبل أن يسلكن طريقا آخر يمس بسمعة الجالية ويشوه صورتها»، فكان رده: «نحن لدينا بالمركز الإسلامي قضايا ومشاكل أهم من هذا الأمر فليذهبن إلى الخيريات التابعة للكنيسة». جواب لم أجد تعليقا عليه، لكنه كان يحمل في طياته دلالات كثيرة. مغربيات الرتبة الأولى تؤكد بعض الدراسات الإيطالية أن المومسات المغربيات يتربعن على عرش بنات الهوى العربيات والمسلمات بإيطاليا، ويمكن استنتاج هذا الأمر بشكل واضح وجلي بالقيام بجولة بالأحياء المجاورة لمحطات القطار بمدن كبرى مثل تورينو وميلانو أو صغرى مثل نوفارا وبافيا وبريشيا وغيرها. اختيار المغربيات لأقدم مهنة في تاريخ البشرية، خلافا للمهاجرات العربيات الأخريات بإيطاليا، يرجع بالأساس إلى عوامل عدة أهمها أن الجالية المغربية بإيطاليا تعتبر الأولى بين الجاليات العربية والإسلامية من ناحية العدد، ثانيا أن غالبية المهاجرات المغربيات اللواتي لم يدخلن إلى إيطاليا عن طريق الالتحاق العائلي يعشن بشكل غير قانوني ليجدن أنفسهن مضطرات إلى فعل أي شيء ولو على حساب شرفهن وكرامتهن لكسب لقمة العيش والاحتماء من برد شمال إيطاليا القارس، فتزايد أعدادهن ودخول بعضهن في منافسة شرسة وصلت إلى حد العراك والتهديد بالسلاح الأبيض، جعل بعضهن يلتجئ إلى مدن صغيرة بالشمال الإيطالي مثل مدينة نوفارا، التي تعرف تواجد جالية مغربية مهمة ليقمن فيها ليس فقط لممارسة هذا النشاط بل للبحث عن عمل قار ومضمون يضمن لهن أموالا تنضاف إلى الأموال التي يجنينها من الدعارة. فبعضهن يشتغلن عدة مرات في الأسبوع لتقمن بين الفينة والأخرى ب»بريكولات» في نهايته قد يجنين من خلالها مبلغا مضاعفا للأجر الذي حصلن عليه بعد قضاء ساعات من العمل في غسل الأواني أو في القيام بأعمال البيت مثل التنظيف وغيره، صادفت إحداهن ممن رمت بهن الأقدار إلى عالم الغربة الإيطالية المجهول لأدخل معها في حديث عن أسباب تعاطيها لهذه المهنة وعن المشاكل التي تصادفها بإيطاليا فقالت دون أن تعلم أن تصريحاتها ستنشر في جريدة «المساء»: «لا حنين ولا رحيم في هذه البلاد الكحلة... فقد كنت أعتقد أنني نجوت من الفقر وأن الدنيا ضحكت لي بعد أن دبرت مبلغ ألفين وخمسمائة يورو الذي مكنني من الدخول إلى إيطاليا التي لم أر فيها إلا الويل. فقد أصبحت غير قادرة لا على البقاء ولا على العودة بعد أن أقفلت جميع الأبواب في وجهي، فلا وجود لجالية قوية ومسؤولة أو جمعيات وقنصليات ومراكز إسلامية ومسلمين، فالكل لا يهتم إلا بنفسه وبمشاكله ليصبح أكثر أنانية ووحشية، لهذا وفي غياب العمل وأوراق الإقامة قررت الخروج إلى الشارع كحل مؤقت انتظارا لتسوية وضعية المهاجرين السريين المقيمين بإيطاليا .... وأقول لك بكل صراحة إنني سئمت من حياتي هذه ومن المضايقات التي أتلقاها حتى من زميلاتي في هذه المهنة القذرة، لهذا فقد غادرت طورينو نحو هذه المدينة الصغيرة هربا منهن وبحثا عن آفاق أخرى».