أحدثت جريدة «فاميليا كريستيانا» ( العائلة المسيحية ) الإيطالية، في الأسبوع الماضي، جدلا سياسيا كبيرا بإيطاليا، بعد اتهامها حكومة سيلفيو برلسكوني بالفاشية وبتضليل الرأي العام الإيطالي لنشرها 3 آلاف جندي بالشوارع الإيطالية ولاعتمادها قوانين عنصرية تجاه المهاجرين. يأتي هذا في وقت أكدت فيه مصادر مقربة من «بلاتسو كيدجي» ( مقر الحكومة الإيطالية) ل«المساء»، إصدار وزارة الداخلية الإيطالية في شهر سبتمبر المقبل لقانون جديد لتسوية أوضاع المهاجرين السريين المقيمين بإيطاليا، وفي مرحلة دخل فيها رئيس محافظة بولزانو ألتو أديجي في أزمة مباشرة مع روما بسبب تصريحاته الداعية إلى استقلال محافظته عن إيطاليا للانضمام إلى النمسا. كل هذا يتزامن مع الانتصارات التي يحققها الرياضيون الإيطاليون بأولمبياد بكين الذين حملوا شعلة الشموخ الإيطالي عاليا، مبرهنين على أن إيطاليا بلد الرياضيين مائة في المائة. إيطاليا بلد الفاشيين أصدرت «لافاميليا كريستينا»، وهي الجريدة الأولى بإيطاليا المختصة في شؤون الديانة الكاثوليكية، في الأسبوع الماضي مقالا كبيرا ضمن صفحاتها، اتهمت فيه حكومة برلسكوني اليمينية بنشر الفكر الفاشي وإعادته مجددا إلى المجتمع الإيطالي والحياة السياسية فيه، مؤكدة أن التدابير الأمنية التي اتخذتها حكومة برلسكوني لمكافحة الجريمة، تبقى تضليلا للرأي العام وتغطية لفشل الحكومة الذريع في إيجاد حلول جذرية للمشاكل الحقيقية التي تعيشها إيطاليا. واعتبرت الأسبوعية، التي تحظى بشهرة كبيرة بين أتباع المذهب الكاثوليكي بإيطاليا وباحترام الإيطاليين، أن نشر الجيش بشوارع المدن الإيطالية وأخذ بصمات أطفال الغجر المقيمين بإيطاليا وإصدار قوانين عنصرية تجاه المهاجرين، كل ذلك يبقى مؤشرا واضحا على عودة النظام الفاشي إلى البلاد وعلى استمرار خداع الرأي العام الإيطالي بمشاكل وهمية. وقالت: «يجب على الحكومة أن تتوقف عن اللعب بالجيش وتعمل بجد على إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد»، وأضافت: «حتى أنغولا لا يمكنها التعامل مع أوضاعها الأمنية بهذه الطريقة بإخراج الجيش في الشوارع لإخافة الناس». ولم تتوقف الأسبوعية الإيطالية، في هجومها على حكومة برلسكوني، فقط عند توجيه الانتقادات والاتهامات بل جلبت كذلك أرقاما وإحصائيات تدل على فشل اليمين الإيطالي في تسيير البلاد وتظهر بالتالي مهارات زعمائه ب«بلاتسو كيدجي» في تغيير الفشل إلى إنجازات عظيمة. فقد كشفت «لافميليا كريستينا» وبالأرقام أن ما صرحت به حكومة برلسكوني، بخصوص الانتعاش الذي عرفته الشركات الإيطالية المنتجة ومعها الإنتاج الوطني الداخلي الخام، يبقى كذبة كبيرة وتضليلا للإيطاليين الذين أصبحت حياتهم أصعب من السابق مع قلة فرص الشغل وازدياد قيمة التضخم والضرائب. الاتهامات الصادرة عن الجريدة الإيطالية، المعروفة بحيادها السياسي، خلقت جدلا سياسيا واسعا بإيطاليا بين يسار مساند لها ويمين معارض صدرت عنه ردود فعل عديدة وتصريحات معادية اتهمت فيها المسؤولين عن الجريدة الكاثوليكية بالجنون وبمحاولتهم اقتحام عالم السياسة لمساندة اليسار الإيطالي. الفاتيكان بدورها، بعد أن كانت تعتبر الأسبوعية أحد الألسنة التي تتحدث بها، سارعت، من خلال تصريحات الناطق الرسمي باسم الجمهورية الكاثوليكية فيديركو لومباردي، إلى نفي أية علاقة بهذه الجريدة، مؤكدة أن كل الاتهامات التي وجهت إلى حكومة برلسكوني لا تعبر عن موقف الفاتيكان وأن هذه الأخيرة تربطها علاقات جيدة بأعضائها خصوصا برئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني. رد فعل آخر غير مباشر، صدر عن وزير الداخلية الإيطالي روبيرتو ماروني الذي كشف، في مؤتمر صحفي وبالأرقام، عن نجاعة التدابير الأمنية التي اتخذتها وزارته والتي ساهمت في خفض نسبة الجريمة المنظمة وفي محاربة الهجرة السرية رغم أنها تضاعفت منذ بداية السنة بشكل ملفت للنظر. الاستقلال عن روما أحدثت تصريحات رئيس محافظة بولزانو ألتو أديدجي (شمال شرق إيطاليا) لويس دورنوالدر، الداعية إلى استقلال محافظته عن إيطاليا وانضمامها إلى النمسا، نقاشا وجدلا سياسيا واسعا بإيطاليا إلى حد وصفه بالجنون وبالخيانة لمبادئ الدستور الإيطالي. وكان لويس دورنوالدر قد صرح، في مقابلة صحفية عن رغبته في ضمان الاستقلال التام لمحافظته عن روما لتصبح تابعة للحكم النمساوي، مبرزا أن تاريخ وثقافة محافظته النمساوية ولغة مواطنيها الألمانية، تحول دون اندماجها مع الإيطاليين. وتعتبر محافظة بولزانو ألتو أديدجي من بين خمس محافظات بإيطاليا (جزيرة ساردينيا، جزيرة صقلية، جهة فريولي فنيتسيا جوليا، فال داوستا)التي تتمتع باستقلال ذاتي بحكم لغتها الألمانية ولهجاتها وثقافتها المختلفة عن ثقافة الجهات الإيطالية الأخرى، حيث حصلت على هذا الحق منذ 1972، حسب الدستور الإيطالي. تمتد هذه المحافظة المتاخمة شمالا للحدود النمساوية على مساحة تقدر ب7.400 كلم مربع ويسكنها أكثر من 490 ألف نسمة غالبيتها تتحدث اللغة الألمانية بنسبة تقدر ب69,15 %، في حين أن المستعملين للغة الإيطالية ينحصر في نسبة 27,470% أما المتحدثون بلهجة اللادينو فهم قلائل ونسبتهم لا تتعدى 4,37 % من السكان. وأغلب الإيطاليين ممن يقيمون بهذه المحافظة يعتبرون أنفسهم نمساويين ويطالبون وباستمرار بالحق في تقرير مصيرهم للانضمام إلى سلطات فيينا، لكن بعضهم وأمام صم الحكومات الإيطالية المتعاقبة لآذانها عن هذا الموضوع، قرروا سلك مسارات أخرى للمطالبة بالاستقلال، مثل تنظيم جماعات متطرفة كالنازيسكين التي تقوم بين الفينة والأخرى بعمليات ضد مؤسسات ومسؤولين حكوميين إيطاليين، ومعهم حتى السلطات المحلية، للتعبير عن رفضهم البقاء تحت سيطرة روما. أمل جديد علمت «المساء» من مصادر جد مقربة من الحكومة الإيطالية بنية هذه الأخيرة بفتح «ساناتوريا» أو قانوناً جديداً لتسوية أوضاع المهاجرين المقيمين بإيطاليا بشكل غير شرعي، مؤكدة أنها أصبحت مضطرة إلى القيام بذلك من أجل الاستجابة لطلبات المقاولات بشمال إيطاليا المحتاجة وبشدة لليد العاملة، كذلك ومن أجل تحديد هوية غالبية الأجانب المقيمين بالأراضي الإيطالية لمحاربة الجريمة المنظمة داخل المجتمع الإيطالي. ورغم أن المصادر لم تكشف عن تفاصيل أخرى تتعلق بهذا القانون الجديد، فإنها أكدت أن العمل به سيبدأ في شهر سبتمبر المقبل مبرزة أن عدد من سيحصلون على رخص الإقامة سيصل إلى 170 ألفاً. وكانت وزارة الداخلية الإيطالية، قبل العطل الصيفية، قد أعلنت عن نيتها فتح قانون جديد معروف باسم «فلوسي» (قانون السيولة) لجلب يد عاملة أجنبية من الخارج، متناسية أن الطلبات المتعلقة بقانون السيولة للسنة الماضية وصل إلى 740 ألف طلب، لم يقبل منها إلا 61 ألفا. مصادر أخرى بالوزارة نفسها كانت قد أعلنت سابقا عن رغبة وزير الداخلية ماروني ومعه أعضاء حكوميين آخرين في فتح قانون لتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون بالمنازل لرعاية العجزة والمعاقين وذلك لمساهمتهم في تغطية النقص الحاصل لليد العاملة في هذا الإطار. أمام تضارب الآراء هذه حول قوانين تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين بإيطاليا والتعتيم الذي يمارسه بلاتسو كيدجي حول الموضوع، يمكن استنتاج شيء وحيد هو أن المسؤولين الإيطاليين ومخافة تدفق أعداد هائلة من المهاجرين السريين المقيمين بالدول الأوربية المجاورة على إيطاليا، يرفضون الإعلان رسميا عن فتح هذا القانون الذي سيخرج المهاجرين غير الشرعيين من مخابئهم لمعانقة الحرية والأمل بحياة كريمة داخل مجتمع يعيش أزمات كبيرة. الشموخ الإيطالي في بكين تعتبر إيطاليا بلد التناقضات مائة في المائة، ففي الوقت الذي يعاني فيه مجتمعها من أزمات اقتصادية واجتماعية جراء سوء تدبير الحكومات التي تعاقبت على «بلاتسو كيدجي»، يحقق أبطالها ببكين إنجازات وميداليات مهمة جعلتها تحتل مراتب جد متقدمة بين الدول المشاركة ( المرتبة الخامسة حتى الآن). فإيطاليا، وخلافا لعدد من كبير من الدول، تشارك تقريبا في غالبية الألعاب، كانت جماعية أو فردية، ب346 رياضي، لتتمكن من الحصول على ست ميداليات ذهبية (2 في المسايفة رجالي ونسائي، 1 في الجودو نسائي، 1 في السباحة نسائية، 1 في المصارعة اليونانية، و1 في الرمي بالبندقية حصلت عليها بطلة من جنوب إيطاليا) وعلى 6 فضيات (في: سباق الدراجات الهوائية، 2 في الرمي بالبندقية، الرمي بالقوس، السباحة، وسباق الفرق للزوارق النهرية)، نفس العدد طال كذلك حتى الميداليات البرونزية في مسابقات (سباق الدراجات، 3 المسايفة فردي، 2 مسايفة جماعي). هذه النتائج جعلت الشارع الإيطالي يتناسى نوعا ما مشاكله وهمومه ليحس بنوع من الفخر والشموخ بين الدول، وليهتم أكثر بمسابقات الأولمبياد أملا في حصول رياضييه على ميداليات أخرى ومراتب جد متقدمة تجعل إيطاليا قريبة جدا من الصينيين والأمريكيين في هذه الدورة رغم أنها تحتل المرتبة الثالثة في تاريخ هذه الألعاب من حيث عدد الميداليات ب594 ميدالية متبوعة بالولايات المتحدةالأمريكية والاتحاد السوفياتي سابقا. النتائج نفسها جعلت عدداً من أبناء الجالية المغربية المقيمين بإيطاليا يشعرون بخيبة الأمل من خلال مقارنتهم بين الرياضيين المغاربة ونظرائهم الإيطاليين المشاركين في بيكين، مؤكدين أن الإمكانيات والتاريخ والثقافة الرياضية والتسيير الرياضي بإيطاليا يجعل من هذا البلد الأوربي رياضيا مائة في المائة ليحمل شعلة النصر ببكين وبمحافل دولية كبرى.