عودنا رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني دائما على تصريحاته غير الصائبة وعلى دعاباته الثقيلة التي كادت إحداها أن تدخل إيطاليا في أزمات دبلوماسية. فبعد تصريحاته السابقة التي خلقت توترا كبيرا بين إيطاليا والعالم العربي والإسلامي، وبعد إظهاره تصرفات في محافل دولية وأوربية مست سلبيا بصورة إيطاليا، وبعد جملته الساخرة عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يأتي الدور هذه المرة على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أثناء توقيع اتفاقية التعاون النووي بين إيطاليا فرنسابروما في الأسبوع الماضي، ليحصل برلسكوني من الإعلام الفرنسي على جائزة أوسكار في ثقل الدم والوقاحة. ثقافة ثقل الدم التي يتمتع بها سيلفيو تبناها عدد من القادة السياسيين الإيطاليين المنتمين إلى اليمين الإيطالي لمهاجمة كل من يعارض توجهاتهم ومخططاتهم السياسية. كانت أولى تصريحات سيلفيو برلسكوني، بخصوص العالم العربي الإسلامي، هي تلك التي أطلقها ببرلين قبل ثماني سنوات واتهم فيها الإسلام والعالم العربي بغير الحضاري، مؤكدا أن الحضارة الغربية أعلى شأنا من نظيرتها الإسلامية العربية. اعتذار برلسكوني لإطلاقه هذه التصريحات لم يمنعه من إطلاق أخرى غير دبلوماسية ومن إظهار مواقف وتصرفات أخجلت عددا من الإيطاليين خصوصا اليساريين منهم، فهو الوحيد الذي تجده أثناء القمم الأوربية يترنح يمينا وشمالا للقيام بمواقف فكاهية وساخرة للظهور أمام الأوربيين والإيطاليين على أنه رئيس وزراء مختلف عن نظرائه الأوربيين ويتمتع بروح عالية ومرحة، فقد قام قبل سنوات، أثناء اجتماع لرؤساء الوزراء ووزراء الخارجية الأوربيين بمدينة كاسيريس الإسبانية، بموقف سيتذكره به الأوربيين، خصوصا الإيطاليين والإسبان منهم، حين رفع خنصر وسبابة يده اليمنى لتصبح على شكل قرنين أثناء أخذه صورة جماعية صحبة القادة والوزراء الأوربيين، فرغم تلقيه انتقادات واسعة من طرف إعلاميين وسياسيين إيطاليين بسبب هذا التصرف، فإن برلسكوني أبى إلا أن يستمر في إظهار مواهبه وقدراته في الدعابة الثقيلة وفي التصريحات غير المسؤولة، ففي السنة الماضية فاجأ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أثناء زيارتها للمدينة الإيطالية «ترييستي»، بإجادته للعبة الاختباء. فقد كانت المستشارة الألمانية تعتقد أن برلسكوني سيستقبلها في مدخل إحدى المؤسسات الحكومية بالمدينة، ليفاجئها بخروجه من وراء تمثال أمام المبنى كان يختفي وراءه. نفس التصرف صدر عن برلسكوني أو «برلوسكا» كما يسميه أحد الفنانين الساخرين الإيطاليين، أثناء استقباله لرئيس الوزراء الهولندي جان بيتر بلاك نيند، حين جره من سترة بدلته، في إشارة منه إلى أنها قصيرة عليه، موقف آخر أخجل الإيطاليين جدا وهذه المرة باليابان، حين بعث برلسكوني بقبلة بيده إلى فتاة يابانية وطلب من ساركوزي القيام بالمثل، ليرفض هذا الأخير فكرته قبل أن يتجاهله ويسرع الخطى للابتعاد عنه. مواقف وتصريحات برلسكوني لم يسلم منها حتى الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما حين وصفه بالرئيس الأسمر والجميل. امرأة ساركوزي تصرفات ومواقف سيلفيو برلسكوني جعلت الإعلام الفرنسي في الأسبوع الماضي يمنحه جائزة أوسكار عن الدم الثقيل، بعد تأكيده أن المواقف الساخرة لرئيس الوزراء الإيطالي مست أكثر بهيبة رؤساء الدول وبصورة إيطاليا خارجيا. وجاء منح هذه الجائزة، غير المسبوقة في تاريخ الجوائز بفرنسا، لبرلسكوني، بعد التصرف الذي صدر عنه تجاه الرئيس الفرنسي ساركوزي، أثناء توقيع الجانبين لاتفاقية للتعاون النووي بروما في الأسبوع الماضي. وظهر سيلفيو برلسكوني مرحا أثناء الندوة الصحفية المشتركة بينه وبين ساركوزي بقصر «بلاتسو مادما» بعد عقد الاتفاق، حيث اقترب، وأمام عدسات كاميرات عدد من القنوات الدولية، من الرئيس الفرنسي، ليقول له ساخرا حسب أخصائيين في قراءة حركة الشفاه: «لقد منحتك امرأتك»، في إشارة إلى زوجة ساركوزي الإيطالية كارلا بروني، لتظهر علامات الارتباك على وجه الرئيس الفرنسي الذي لم يعقب على برلسكوني ليتجه للرد على أسئلة الصحفيين المدعوين إلى المؤتمر. هذا التصرف لم تنتقده فقط الصحافة الفرنسية بل حتى نظيرتها الإيطالية ومعها عدد من سياسيي اليسار، الذين أكدوا أن إيطاليا ذات التاريخ العريق والوزن الدولي الكبير لا يجب أن يحكمها رئيس بحجم سيلفيو برلسكوني. رد بلاتسو كيدجي (مقر الحكومة الإيطالي) على جائزة الفرنسيين جاء سريعا، حيث تم التأكيد على أن برلسكوني لم يطلق قط مثل هذه التصريحات، وأن دعوى قضائية سترفع ضد الإعلاميين الفرنسيين ومؤسساتهم التي نشرت الخبر. ثقافة يمينية هذا التصرف الذي يخجل الإيطاليين أصبح يتبناه عدد من سياسيي اليمين الإيطالي، وعلى رأسهم روبيرتو كالديرولي وزميلاه في درب العنصرية ماريو بورغيتسيو وعمدة مدينة تريفيزو جينتيلوني. فالأول، إضافة إلى موهبته في تأليف نكت عن المهاجرين والمسلمين، قام، ومن موضعه كوزير إيطالي ضمن حكومة برلسكوني، بإشهار قميصه المسيء إلى الرسول الكريم (ص) أثناء برنامج تلفزي بإحدى القنوات الإيطالية مظهرا استهزاءه بالإسلام والمسلمين ورغبته في السخرية منهم. فقد سجلت لهذا القائد السياسي المنتمي إلى حزب عصبة الشمال مواقف متعددة ضد المسلمين والأجانب بصفة عامة من خلال السخرية منهم ووصفهم بأبشع الصور (القردة، الجمال، المجرمون، المتطرفون، الجهل، غير المتحضرين...). أما زميله بورغيتسيو في نفس الحزب فقد أسس بإيطاليا منهجا جديدا عن كيفية السخرية من المهاجرين والمسلمين عن طريق عبارات قصيرة لها وقع كبير أصبحت تمثل عناوين وشعارات حزب عصبة الشمال التي يتم نشرها إما في جريدة لابانيا الناطقة باسم الحزب أو بملصقات توزع وتعلق على واجهات الشوارع الإيطالية. من أقوى هذه العبارات يمكن ذكر: «لا للكسكس ونعم للبولينتا» (طبق بشمال إيطاليا شبيه بالكسكس).. «المراكز الإسلامية بإيطاليا؟ لا شكرا».. «المهاجرون بإيطاليا؟ لا شكرا»... هذا إضافة إلى رسوم كاريكاتورية مهينة تسخر ممن يعتبرهم حزب عصبة الشمال أعداء لإيطاليا وخطرا عليها. استفزاز المسلمين توصلت العديد من المراكز الإسلامية بشمال إيطاليا في نهاية الأسبوع الماضي من جهات مجهولة بمنشور مسيء إلى الرسول الكريم (ص) تضمن صورة لرجل وامرأة يمارسان الجنس كتبت تحتهما عبارة محمد وعائشة (في إشارة إلى سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وإلى زوجته عائشة (رضي الله عنها) إضافة إلى تضمينه دعوة إلى الإيطاليين لحضور لقاء، نسب تنظيمه إلى مؤسسة تهتم بثقافة اليوغا بمدينة فيرونا بتعاون مع إقليمية وبلدية المدينة نفسها وجهة الفينيتو ومؤسسة بنكية هناك، حول علاقة الإسلام واليوغا بثقافة ممارسة الجنس. وفي الوقت الذي سارع فيه عدد من أبناء الجالية الإسلامية إلى التحرك لاتخاذ مواقف واضحة وصارمة للرد على الإساءة إلى الرسول الكريم (ص) وإلى الإسلام، سارعت الجهات التي نسب إليها تنظيم البادرة إلى التبرؤ منها، مؤكدة أن هناك جهات إيطالية متطرفة تحاول خلق فتن بينها وبين الجالية الإسلامية بإيطاليا. وفي اتصال ب«المساء» اتهمت الأستاذة أنّا كونتي، وهي مسؤولة عن مؤسسة اليوغا التي حاول المجهولون إقحامها في دائرة الصراع مع الجالية الإسلامية بإيطاليا، لدى المصالح الأمنية الإيطالية بفيرونا، شخصا، فضلت عدم الكشف عن هويته، بالوقوف وراء الحملة المعادية للإسلام والهادفة إلى خلق الفتن. وقالت إنها لم تكن تتوقع أن مشاكل شخصية مع شخص، وصفته بالمريض، ستجعله يتصرف بهذه الحماقة، ليهاجم دينا سمحا مثل الإسلام وجالية إسلامية عبرت لها عن مساندة قوية إزاء ما تتعرض له من مضايقات. اتفاقية نووية كما اهتمت وسائل الإعلام الأوربية بثقل دم برلسكوني، اهتمت كذلك بدخول إيطاليا النادي النووي، بعد أن وقع كل من رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالعاصمة الإيطالية روما، على اتفاقية تقضي بمنح فرنسا لإيطاليا تقنية الصناعة النووية. وستمكن الاتفاقية، التي يعتبرها اليمين الإيطالي نصرا كبيرا لحكومته، من إنشاء أربعة مفاعلات نووية بشبه الجزيرة الإيطالية سيكون أولها جاهزا للعمل في 2020. توقيع الاتفاقية النووية بين الحكومتين الفرنسية والإيطالية صاحبته اتفاقيات وعقود أخرى تتعلق بالتعاون في مجال الطاقة النووية بين البلدين في إطارها الأوربي، إضافة إلى اتفاقية بين الشركة الإيطالية للطاقة «إينايل» ونظيرتها الفرنسية «إيديف» التي ستنقل إلى إيطاليا هذه التقنية. وستمكن المفاعلات النووية الأربعة من إنتاج 6400 ميغاوات وضمان 25 في المائة من الطاقة التي تحتاج إليها إيطاليا. وإلى حين مصادقة البرلمان الإيطالي في مارس المقبل على قانون ينظم تسيير هذه التقنية النووية بإيطاليا، ترتفع أصوات معارضة للمشروع صدرت عن اليسار الإيطالي وعن منظمات بيئية وحقوقية. إيطاليا المستقبليين وبعيدا عن صورة إيطالية سلبية صنعها سلفيو برلسكوني، تحتفل المدن الإيطالية منذ بداية الأسبوع الماضي، إلى حدود نهاية الشهر القادم، بمرور 100 سنة على ظهور حركة «فوتوريستي» (المستقبليين) الفنية الإيطالية. وبهذه المناسبة، نظمت مدن: روما، فلورنسا، ميلانو، تورينو معارض ستدوم لأسابيع لتعريف الإيطاليين والمهتمين والسياح الأجانب بأن الحركة الفنية والثقافية «المستقبلية» هي صناعة إيطالية بدأت منذ سنة 1909 وكان وراءها الشاعر فيليبو تومازو مارينيتي. وإذا كان معرض مدينة ميلانو، المنظم بالقصر التاريخي «ماداما ريالي»، سيهتم بتاريخ هذه الحركة ومراحلها وتأثيرها على المجتمع الإيطالي والحركة الثقافية والفنية الأوربية من خلال عرض عدد من القطع الفنية، فإن معرض روما كان مناسبة للتعريف بهذه الحركة، من خلال إبراز تأثيراتها على الرسم والنحت والأدب والموسيقى والفن المعماري وحتى على فنون الطبخ. فقد خصص منظمو معرض روما لهذا الغرض أكثر من 400 عمل فني من بينها 77 قطعة فنية تاريخية ومشهورة لكبار الفنانين العالميين المستقبليين، أمثال رائد المدرسة التكعيبية الإسباني بيكاسو، والإيطاليين بوتشوني وكارلو كارا، والفرنسي جورج براك، وغيرهم ممن تبنوا فكر وفلسفة الحركة المستقبلية في العالم. المعرض سيكون مناسبة كذلك لعرض أعمال مستقبلية تتعلق بالموسيقى والتصميم المعماري، المسرح، السينما إضافة إلى فنون الطبخ. أما بمدينتي تورينو وفلورنسا، فإن التعريف بالحركة الفنية الإيطالية لن يقتصر فقط على معرض واحد بل على عدة معارض ومبادرات فنية تبناها عدد من الفنانين الإيطاليين ومعهم جمعيات تهتم بالشأن الثقافي بالمدينتين الإيطاليتين. ومنذ إنشائها سنة 1909، حاولت الحركة المستقبلية تغيير أنماط العمل الفني والثقافي والإبداعي لتكسير القاعدة الفكرية في إطارها الإبداعي المتبع منذ قرون، مع الابتعاد عن الكلاسيكيات في هذا المجال، التي اعتبرها رواد هذه الحركة حاجزا أمام تطور الفن والأدب والإبداع في العالم.