«خمس عشرة سنة من التجربة السياسية لم تزده إلا غرورا واستغلالا لإيطاليا وللإيطاليين»، بهذه العبارة وعبارات أخرى عبر عدد من سياسيي اليسار الإيطالي عن موقفهم من رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني ومن سياسته وتصرفاته التي اعتبروها طائشة وغير مسؤولة، بحيث جعلت إيطاليا تدخل أزمة خانقة وغير مسبوقة. فقبل أيام عندما كان في زيارة لمدينة نابولي، أبى برلسكوني إلا أن يفجر قنبلة أخرى بتصريحات لم تحرك فقط ساكن سياسيي اليسار بل جعلت حتى الحشود المتجمهرة بالمدينة، لمشاهدته، تصفر وتسب وتلعن اليوم الذي تمكن فيه برلسكوني من الحصول على ولاية جديدة لحكم وتسيير إيطاليا؛ فالرجل، قبل دخوله إلى مسرح سان كارلو بنابولي للاستماع إلى عزف الأوركسترا النمساوية التاريخية للموسيقى الكلاسيكية «واينر فيلهارمونيكر» والتمتع بطريقة تسييرها من قبل المايسترو الإيطالي الشهير ريكاردو موتي، أطلق تصريحات أمام رجال الإعلام الإيطاليين، أكد لهم فيها أن شعبيته بإيطاليا أقوى من شعبية أوباما بالولايات المتحدةالأمريكية. وقال، أمام ذهول الجميع، إن استطلاعات الرأي بإيطاليا أكدت أن شعبيته تفوق نسبة 75 في المائة مقارنة بشعبية الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي لم تتجاوز، حسب رأيه، 59 في المائة، وإنه يتفوق حتى على الرئيس البرازيلي لولا الذي يحظى بشعبية لا تتعدى 64 في المائة. وحاول برلسكوني، كعادته، أن يكون مرحا وصاحب نكتة ليمنح رجال الإعلام والجمهور مثالا على ما ذكره فقال: «كانت لدي عمة تحب أن تنظر إلى نفسها بشكل متكرر في المرآة لتقول لها: كم أنت جميلة. وذات مرة، سألتها عن سبب هذا التصرف فأجابتني بأنها اضطرت إلى القيام بذلك لأن لا أحد يمدحها ويصفها بالجميلة»، وأضاف: «أنا لست مثل عمتي، فأرقام استطلاع الرأي ليست من صنعي، بل من صنع الآخرين». وبعد إنهائه الحديث، تعالت أصوات المتجمهرين أمام المسرح مع إطلاق بعضهم صفيرا قويا ليطالبوا برلسكوني بالرحيل عن مدينتهم وعن السياسة الإيطالية ككل، وليتهموه بالكذب والتضليل وبالفساد السياسي. وتزامنت تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي مع تقرير أصدرته المنظمة الأمريكية الحقوقية «فريدوم هاوس»، في نهاية الأسبوع الماضي، عن الحريات في العالم، وضعت فيه إيطاليا في مؤخرة ترتيب الدول التي تراجعت فيها حرية الصحافة والإعلام. التقرير، الذي أحدث جدلا بإيطاليا بين مساند ومعارض له، اتهم رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني بكونه السبب في التضييق على حريات الصحافة والصحفيين بإيطاليا، مؤكدا أنه يحتكر، بشكل واضح، الإعلام العمومي والخاص. وقال إن إعادة انتخاب برلسكوني لولاية أخرى كرئيس وزراء للبلاد في 2008، مكن هذا الأخير من السيطرة، ليس فقط على منابر إعلامية بالقطاع الخاص، بل تعداها إلى السيطرة على أخرى بالقطاع العمومي، مشيرا إلى قنوات «راي» الوطنية. وأضاف أن التزايد في عدد الصحفيين المفصولين عن العمل، وفي أعداد آخرين رفعت دعاوى قضائية ضدهم يبقى مؤشرا واضحا على التراجع الذي تعرفه إيطاليا في حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، حسب التقرير. ويتوفر سيلفيو برلسكوني على مجموعة قنوات «ميديا سات»، التي تعتبر أكبر مجموعة إعلامية في إيطاليا وأوربا، إضافة إلى شركات التوزيع السينمائي، وعلى رأسها شركة ميدوزا، إلى جانب صحف ومجلات متعددة، من بينها جريدة ليبيرو.