منذ فترة والمواطنون عندنا يتحدثون، في السر وفي العلن، عن النهب الذي يمارسه رعايا أجانب (وخاصة منهم الفرنسيون) لخيراتنا الوطنية وعن سرقتهم لتراثنا الأركيولوجي وتخريبهم المتزايد لمحيطنا البيئي والغابوي بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة؛ إلا أنه لا أحد من هؤلاء المواطنين كان يملك الحجة والدليل على هذا النهب والتخريب، وذلك إلى حدود يوم الأحد 17 فبراير الجاري، حيث ثبت، وبالملموس، أن الحديث عن نهب الأجانب لخيراتنا الوطنية لم يكن مجرد إشاعة حاقدة، وإنما هو كلام ثابت ومؤكد، ولطيف جدا فوق ذلك، مقارنة بحجم ذلك النهب وشراسته التي لا تعرف الحدود. ففي مراسلة نشرتها إحدى الجرائد الوطنية هذا الأسبوع، ورد أن المصلحة الإقليمية للمياه والغابات بأكادير تمكنت من ضبط أحد الرعايا الفرنسيين (وهو مدرّس بالبعثة الفرنسية بالمدينة) في «حالة تلبس وبحوزته 64 حمامة برية اصطادها بواسطة شبكة ممنوعة قانونيا وبدون ترخيص». وحسب ذات المراسلة، فإن هذه العملية لم تكن الأولى من نوعها، حيث كررها الرجل أكثر من مرة، مما دفع الجهات المعنية – بعد تلقيها مكالمة من مجهول، كثّر الله خيره- إلى القيام بالتحريات اللازمة التي مكنتها من معرفة الطريق الذي يسلكه «الظنين» كل مرة؛ فعبأت، من ثم، ثلاث سيارات لمراقبته إلى أن ضبطته متلبسا في اليوم المذكور على الساعة السادسة مساء بالضبط، لا قبلها ولا بعدها، كما نفهم من المراسلة المذكورة التي تورد، فوق ذلك، نوع السيارة ولونها ورقمها دون أن تهمل الإشارة إلى أن هذا الرقم مكتوب بالأصفر (الحقيقة أنه مكتوب بالأسود على لوحة صفراء، لكن: شي باس ما كاين). وبطبيعة الحال، كان لا بد من فتح محضر مع الأخ الفرنسي (الذي أصبح اسمه من الآن فصاعدا: أبو الحمام، تيمنا ب«أم الحمام» التي قالت لهم، مرة: لا تخرجوا، فضحكوا من قولها ولم يبالوا بالخطر، فالتقطهم «الأخ» بمجرد تخطيهم عتبة البيت) والشروع في أخذ أقواله. وقد كان بإمكان «أبي الحمام» أن يكذب على المحققين – وهذا من حقه بحكم جنسيته – قائلا إن نيته سليمة وإنه يأخذ الحمامات إلى بيته قصد إعطائها دروسا إضافية أو دروسا في التقوية فحسب، مثلما يجري العمل به اليوم في كل مكان، إلا أنه فضّل الجهر بالحقيقة وهي أنه يصطاد الحمام حيا «ويضعه في أكياس ويرسله فيما بعد إلى طنجة»؛ وقد استغرب المحققون متسائلين: لماذا طنجة بالذات؟ ومرة أخرى، كان بإمكان «أبي الحمام» أن يقول إن حماماته كانت ستطلق في سماء طنجة بمناسبة اختيارها المحتمل لتنظيم «المعرض الكوني» (حيث لا يمكن تصوّر المعرض بدون حمام)، لكنه قال إنها مجرد مساهمة بسيطة منه في «تمويل بطولة العالم في القنص» التي ستنظم بالمدينة، وذلك بعد فشل «الجامعة الملكية المغربية للقنص» في استيراد الحمام البري من إسبانيا، وعلما بأن بطولة العالم محتاجة إلى ما لا يقل عن 12 ألف حمامة (أي أن كل ما ضبط مع «أبي الحمام» لا تتعدى نسبته 0.5 في المائة من حاجيات الجامعة، وهو شيء تافه فعلا، حسب قوله). إلا أنه، ورغم كل تلك التوضيحات، لم يقتنع المحققون بكلام الأخ، فنزعوا منه أوراق السيارة المستعملة في نقل الحمام ثم حجزوها صحبة حمامها والمعدات المستعملة في صيدها، مع تحرير محضرين: «محضر الحجز في الوقت المناسب» و« محضر المخالفة من أجل حجز ونقل الوحيش بدون ترخيص»، وإحالة الملفين معا على النيابة العامة لمتابعة «أبي الحمام» بما نسب إليه، خاصة أن المخالفة واضحة، كما يذهب إلى ذلك كاتب المراسلة: فالمعني بالأمر استعمل الشبكة بدل الصيد بالرصاص كما ينص على ذلك قانون الصيد، كما أنه خرق هذا القانون الذي يفرض خنزيرا واحدا و10 حمامات كحد أقصى لكل قناص. بذلك، تستحق المصلحة الإقليمية للمياه والغابات تحية خاصة بسبب ما أبدته من غيرة وطنية وحس مواطنة ومن حرص على حمامنا الوطني، الذي سينام من الآن فصاعدا على جنب الراحة وقد ضمن جهة تمنع أن يستولي الأجانب عليه وتتركه لنا -لا لغيرنا- نفعل به ما نشاء، لكن: حسب القانون، قانون الصيد.