حمى اشتعال أسعار الذهب في العالم، أصابت عدواها أسعار المجوهرات المصنوعة من الذهب الأصفر بالمغرب، إذ سيفاجأ من أراد اقتناء قرط أو خاتم أو قلادة، بالقفزة الكبيرة التي عرفتها الأسعار، خاصة إذا كان لم يتردد على محلات بيع المجوهرات خلال السنتين الأخيرتين. العارفون بسوق المجوهرات الذهبية الذين استطلعنا آراءهم حول سعر الذهب، يؤكدون أن سعره قبل سنتين لم يكن يتعدى ما بين 90 و110 دراهم للغرام الواحد، لكن عند زيارتنا الخميس المنصرم لسوق الحفاري بدرب السلطان بقلب الدارالبيضاء، والذي يضم حوالي 300 محل تجاري لبيع المجوهرات، تجلى أن سعر المجوهرات الذهبية، يتراوح بين 170 و210 دراهم للغرام الواحد، حسب ما أفاد به كرومي المختار، أمين السوق. هل تعود هذه الزيادة إلى اشتعال الأسعار التي تعرفها السوق الدولية، والتي أكد الخبير الدولي المغربي، مصطفى بلخياط، أنها سوف تواصل ارتفاعها في السنوات القادمة، حيث تجاوزت مؤخرا 900 دولار للأوقية (الأوقية الواحدة تساوي 33.1 غراما). ويترقب أن يقفز سعر الذهب إلى 1450 دولارا للأوقية في دجنبر المقبل، على اعتبار أن الطلب عليه سيتزايد من قبل البنوك المركزية والمستثمرين، بالنظر إلى الأمان الذي يوفره تجاه تهاوي سعر الدولار في السوق الدولية. وتحدد سعر الذهب في جلسة القطع المسائية في لندن الجمعة الماضية، في 912.90 دولارا للأوقية، مسجلا ارتفاعا عن سعر 909.76 دولارات الذي سجل في جلسة القطع الصباحية. وتراوح سعر الذهب عند الإقفال السابق في نيويورك بين 907.10 و907.90 دولارات للأوقية، ما يؤشر على الوتيرة الكبيرة لارتفاع سعر هذا المعدن، الذي يتخذه العديد من الأفراد والمؤسسات ملاذا لهم، عندما تترنح العملات العالمية وتطال رياح التقلبات المخيفة الأسهم في البورصات. لكن يبدو أن أسعار الذهب في السوق الدولية لم تنعكس بشكل كبير على أسعار المجوهرات المصنوعة من الذهب في السوق المغربية، فالحرفيون التقليديون الذين يشكلون السواد الأعظم من المصنعين للذهب في المغرب، يشيرون إلى أن الذهب الخام، الذي يحول إلى مجوهرات في المغرب، يأتي من المجوهرات المستعملة القديمة أو التي طالها عيب من العيوب، كأن تكسر مثلا، حيث يقدر البعض مساهمتها في صناعة المجوهرات بحوالي 80 في المائة. في قيسارية «الحفاري»، يشتري أصحاب المحلات الذهب المستعمل أو الذي طاله عيب من العيوب، من أصحابه بسعر يقل عن سعر السوق، وبعد أن تتوفر لديهم كمية كبيرة منه، يباع في «الدلالة» بالقيسارية، ويحال على الصناع المختصين في تصنيع المجوهرات والحلي الذهبية، حيث يجري تذويبه وصهره ليتخذ شكل سبائك، لكن قبل التصنيع، تعرض على الشخص الذي يطلق الحرفيون عليه لقب «الذواق»، الذي يخضعها لفحص يحاول من خلاله التأكد من مدى مطابقة تلك السبائك في مكوناتها لشروط العيار المعمول به في المغرب، والتيقن من مدى توفر نسبة 75 في المائة من الذهب الخالص فيها، وإذا ما تجلى له أن هذا الشرط غير متوفر، يشير بتعديل تركيبة السبيكة أو السبائك، بإضافة مقدار من الذهب الخالص، بما يسمح بالوصول إلى العيار المعمول به في المغرب. سعر الغرام من الذهب المستعمل، الذي يباع في الدلالة، والذي يحول إلى سبائك، وصل في الخميس المنصرم، بقيسارية «الحفاري» مثلا، حسب تأكيدات أمين التجار، إلى 151 درهما للغرام الواحد. وكي يصل سعر الغرام الواحد من المجوهرات الذهبية التي تصنع منه إلى 210 دراهم، لابد من إضافة كلفة اليد العاملة، وهامش ربح الصانع وكلفة الدمغة والضريبة على القيمة المضافة. أحد الصناع التقليديين، الذي ورث الحرفة عن أبيه في أحد الأسواق بمدينة الصويرة، يعبر عن تخوفه على مستقبل صناعة المجوهرات الذهبية، فهو يتحدث بالكثير من الأسى عن صناع أفلسوا وكان مصيرهم السجن لأنهم تمسكوا بقواعد «الصنعة» ولم يشاؤوا سلوك سبيل الغش، وصناع آخرين تحولوا إلى سائقي طاكسي وامتهنوا مهنا أخرى، لأنهم لم يريدوا مجاراة التحولات التي عرفتها السوق، هو يشير بأصابع الاتهام إلى الدخلاء الذين وجدوا في الحرفة مجالا للربح السريع مثل «موالين الشكارة». ولا يوفر ذلك الصانع الصويري، في نقده، من يهمهم أمر الحرفة في دوائر القرار، الذين لم يفكروا في تأهيلها والرقي بالوضعية الاجتماعية لأصحابها، بل إنها لم تول التكوين في هذا المجال الأهمية التي تستحقها التجربة التي راكمها المغرب في هذا المجال.