بلال الحسن صحافي ومناضل فلسطيني، عائلته وسيرة حياته فصل هام في كتاب الحركة الوطنية الفلسطينية. أخوه خالد من كبار قادة الثورة ومنظري فتح، وأخوه الثاني هاني الحسن كان من أكثر الناس قربا من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وظل إلى جانبه إلى أن مات أو قتل.. وبلال قلم صحافي أسس السفير، وأطلق اليوم السابع، ومازال يكتب ليذكر بفلسطين ويتذكر رموزها.. علاقة عائلة الحسن بالمغرب علاقة خاصة.. وهنا يروي بلال أحد جوانبها غير المعروفة.. لنتابع... - عندما منح خالد الحسن الجنسية المغربية من طرف الحسن الثاني، كيف تلقى هذه الهدية؟ < أتذكر أن خالد الحسن فرح جدا بهذه الهدية، وهي فعلا هدية ثمينة بالنسبة إلى شخص جرد من جنسيته. وحسب علمي، فإن منح الجنسية لخالد الحسن كان بظهير ملكي نشر بالجريدة الرسمية. -وهل قطع خالد الحسن علاقاته مع الكويت بعد أن أصبح واحدا من رعايا الحسن الثاني؟ < نعم، كانت القطيعة مع الكويت نهائية إلى أن توفي رحمه الله ودفن بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء. وأتذكر أني كتبت يومها مقالا قلت فيه: «لو كان قيل لخالد الحسن وهو شاب يافع لا يتجاوز عمره 17 سنة، ستعيش وتسافر وتتنقل وتموت في المغرب، لكان سأل قائله: أين هو المغرب؟ ولكنه جاء إلى المغرب ومات في المغرب مع أنه كان عضوا في ناد للحركة الكشفية وكان لهذا النادي نشيد يتم فيه ترديد «من الشام إلى تطوان» رغم أنه لم يكن يعرف تطوان. لكن الملفت للنظر أن يحضر حفل عزائه مؤسس وكالة المغرب العربي للأنباء المهدي بنونة، ابن مدينة تطوان. - لنرجع إليك أنت الآن لتحدثنا عن مسارك الصحافي الذي بدأته من بيروت... < هنا، لا بد من القول بأن أول تجربة لي في المجال الصحافي كانت هي جريدة «المحرر» اللبنانية أيام كان مديرها هو الراحل هشام أبو بهر ورئيس تحريرها هو غسان كنفاني، عملت فيها لمدة سنتين، ثم انتقلت إلى مجلة «الحرية» التي يديرها محسن ابراهيم. - وكيف كانت علاقتك بغسان كنفاني؟ < غسان كنفاني كان صديقا لي لسنوات طويلة حتى قبل أن أشتغل معه. وغسان رافقته أيضا عندما كان مدرسا بالكويت، فيما كنت أنا حينها طالبا. وطبعا، علاقتي بغسان كنفاني وثيقة جدا، وقد عشنا معا في منزل واحد ببيروت في فترة من الفترات. وعندما أنهيت دراستي الجامعية اشتغلت معه في جريدة «المحرر» التي كان يرأس تحريرها. وإذا أردت أن تعرف رأيي في غسان كنفاني بالتحديد، فسأطلعك على مقالة نشرت بجريدة «السفير»، وفيها حديث طويل عن حياة غسان الشخصية: غسان الفنان، غسان الإنسان، وليس غسان ذاك المناضل والشهيد. فهذه المقالة حول غسان كنفاني امتدحني الكثير من الذين قرؤوها، كما شتمني الكثير من الذين قرؤوها أيضا. - ولماذا مدحك البعض فيما شتمك البعض الآخر؟ < مدحني البعض لأني أشرت إلى قيمة غسان الفنية، وشتمني آخرون لأني نزعت عن غسان صفة البطولة والشهادة. - وكيف استقبلت خبر اغتيال غسان كنفاني؟ < عندما اغتيل غسان كنفاني، كنت في الجزائر في مؤتمر حول الشباب العربي، وكنت قد حضرت هذا المؤتمر بصفتي رئيسا للوفد الفلسطيني. وأنت تعرف فترة الشباب وضجيج الشباب وحماسهم. وكان الجميع يستعد لحضور حفل ستنظمه فرقة تسمى «الأنوار» التابعة لجريدة «الأنوار» اللبنانية بأحد الفنادق. وأذكر أننا كنا ننتظر انطلاق حفلة فرقة الأنوار بالفندق، فإذا بنا نتوصل بنبأ اغتيال غسان كنفاني. وأذكر أن رئيس الفرقة كان شخصا مسيحيا مارونيا من لبنان لم أعد أذكر إسمه قال بأعلى صوته عندما رأى الشباب يستعد للرقص: «أترقصون وقد قتلوا غسان كنفاني». واستغربت موقف هذا الشخص وكيف أنه يعرف قيمة غسان الفنية والنضالية ويحزن لاغتياله. وطبعا، لم يكن ممكنا بالنسبة إلي أن أقطع مشاركتي في المؤتمر لأعود إلى بيروت من أجل مواساة عائلة غسان كنفاني بحكم أني كنت واحدا من أصدقائه وكانت تجمعني به علاقة وطيدة وكنت أتردد على منزله باستمرار وأعرف زوجته وكل أفراد عائلته. إذن، كان ضروريا أن أتأخر 3 أو 4 أيام ريثما تنتهي أشغال المؤتمر بالجزائر. وعندما عدت إلى بيروت، علمت من بعض الأصدقاء بأن زوجة الراحل غسان كنفاني غاضبة مني لأني لم أحضر لتعزيتها في مصابها. وبالفعل، كان لقائي بزوجة غسان لتعزيتها محرجا جدا بالنسبة إلي، ولهذا صافحتها في صمت ثم جلست في مجلس العزاء مع بعض الضيوف، ولم أنبس ببنت شفة، كما يقال، لأنها تعرف نوع العلاقة التي تربطني بزوجها غسان كنفاني. وأذكر وأنا جالس في بيت غسان أني حاولت أن أسند يدي بشكل عفوي إلى شيء ما، وكان هذا الشيء هو صندوق خشبي كان إلى جانبي، فأحسست بتيار كهربائي يسري في يدي لأن ذلك الصندوق الخشبي كان هو هديتي إلى غسان وزوجته في مناسبة زفافهما. نعم أحسست بتيار كهربائي يسري في يدي لأن هذه الحركة العفوية التي قمت بها تزامنت مع نظرة زوجة غسان إلي وأنا أضع يدي بالصدفة على هديتي إليهما بمناسبة زواجهما. إذن، تاريخي مع غسان كنفاني فيه الشيء الكثير، فيه الجانب الشخصي وفيه فوضى الشباب، وفيه أيضا الجانب الأدبي والنضالي. فمثلا، غسان كنفاني كان ناطقا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وإذا عدت إلى مقالتي حوله بجريدة «السفير»، فستجد أني كتبت فيها أن غسان كنفاني كان حزبيا سيئا، وكنت أقصد أنه لم يكن يحضر اجتماعات الجبهة ولم يكن يقوم بواجباته التنظيمية ولا أي شيء يفرضه الانتماء الحزبي. ولهذا عتب الناس عليّ ذلك، ورأوا في هذا النقد شتما يصدر في حقه. ولهذا أنا دائما أقول إن غسان كنفاني هو فنان ولا أحد يقوى على صهره في بوتقة تنظيم حزبي. - فلماذا، في نظرك، تم اغتيال غسان كنفاني من طرف إسرائيل؟ أين تتجلى خطورته خاصة وأنك تقول إنه كان حزبيا سيئا؟ < أولا، غسان كان ناطقا رسميا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان رئيس تحرير مجلة ناطقة باسمها. ووقتها، كانت الجبهة تقوم بعمليات خطف الطائرات، وهذا أمر كان يزعج الإسرائيليين، ولهذا فكرت إسرائيل في أن ترد على عمليات خطف الطائرات بضربة مؤثرة. وفعلا، كان اغتيال غسان كنفاني من طرف إسرائيل ضربة مؤثرة وهز البلد بكامله لأنه أديب وشخصية معروفة، ثم إن عملية اغتياله لم تكن تتطلب إمكانات كبيرة لأنه كان يعيش كأي مواطن عادي بدون احتياطات أمنية أو حراس شخصيين. ومن جهة أخرى، كان غسان من أوائل الذين التقطوا الإبداعات الثقافية الفلسطينية الأولى منذ 1948، وكان يخصص لهذه القضية في جريدة «المحرر» مقالات، فكان أول من نشر قصائد محمود درويش وقصائد سميح القاسم وغيرهما من الشعراء في الأوساط العربية.