بلال الحسن صحافي ومناضل فلسطيني، عائلته وسيرة حياته فصل هام في كتاب الحركة الوطنية الفلسطينية. أخوه خالد من كبار قادة الثورة ومنظري فتح، وأخوه الثاني هاني الحسن كان من أكثر الناس قربا من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وظل إلى جانبه إلى أن مات أو قتل.. وبلال قلم صحافي أسس السفير، وأطلق اليوم السابع، ومازال يكتب ليذكر بفلسطين ويتذكر رموزها.. علاقة عائلة الحسن بالمغرب علاقة خاصة.. وهنا يروي بلال أحد جوانبها غير المعروفة.. لنتابع... - قلت قبل قليل، إنك عدت وأنت حزين إلى مكتبك بجريدة «السفير» بعد أن ودعت في وقت متأخر من الليل ياسر عرفات بالميناء في بيروت، فماذا وقع بعد ذلك؟ < نعم، عدت إلى مكتبي وأنا حزين لأن اللقاء مع ياسر عرفات كان ذا تأثير علينا جميعا، وبالتالي كان لا بد أن نحزن لفراقه بعد هذا اللقاء القصير معه. لكن الذي حدث بعد رجوعي إلى مكتبي، بعد قرابة نصف ساعة، هو أنه جاءني شخص وقدم نفسه على أنه مبعوث من طرف شخص آخر اسمه أبو خالد، واحد من مرافقي ياسر عرفات. مبعوث أبي خالد سلمني كيسا بعد أن قال لي: «إن هذا الكيس هدية من أبي عمار»، أي ياسر عرفات، وبعد أن انصرف مبعوث أبو خالد، فتحت الكيس ففوجئت بأنه مليء بالأموال. وطبعا، كان أول شيء قمت به هو أنني أخبرت المدير العام للجريدة بالأمر، فجاء مسرعا لأن هذا الأمر يتعلق بقضية لها علاقة بالمال (يضحك)... وكان أول شيء قام به المدير العام لدى وصوله هو أنه أحصى هذه الأموال، فوجد أنها تقارب 100 ألف ليرة لبنانية، أي قرابة 35 ألف دولار في ذلك الوقت، وهو مبلغ مهم جدا. وطبعا، هذا المبلغ المالي هدية من أبي عمار ليس للجريدة وإنما للعاملين في الجريدة بعد أن استمع إلى شكاواهم وهمومهم في لقائه القصير معهم. وأذكر أننا تداولنا حول كيفية توزيع هذا المبلغ المالي على العاملين في الجريدة. واعتمدنا في عملية التوزيع قاعدة حجم الخسائر لدى كل فرد من العاملين. لماذا؟ لأن العامل الذي هجرت عائلته أو هدم بيته ليس كمن سلمت عائلته من التهجير أو من لم يهدم بيته. وفي الحقيقة، كانت قاعدة «حسب حجم الخسائر لدى كل فرد» التي اعتمدناها في توزيع هدية أبي عمار محط إجماع ورضى من طرف جميع العاملين في الجريدة. وأذكر أيضا أنه بعد 3 أو 4 أيام سلمني ياسر مغني، المدير العام، نسخا من وصولات تثبت أن كل العاملين توصلوا بنصيبهم المالي من هدية أبي عمار، وهذه الوصولات موقعة بأسمائهم. طبعا، احتفظت بنسخ من هذه الوصولات، وبعد حوالي أسبوع، سافرت إلى دمشق لأتفقد عائلتي هناك. وكان ياسر عرفات وقتها في مكتبه بدمشق، فاغتنمت الفرصة وزرته هناك. وكان هدفي من زيارة عرفاتبدمشق هو أن أسلمه نسخ وصولات هديته المالية للعاملين في الجريدة. وأذكر أن ياسر عرفات رفض استلام هذه الوصولات، وقال لي ضاحكا: «لو عايز منك وصولات، ما بعثت لك بالأموال في كيس واحد». - كيف كانت علاقتك بياسر عرفات خاصة وأنك أجريت معه عدة حوارات صحفية؟ < علاقتي بياسر عرفات لها خصوصية معينة، أو دعني أقول لك إني أجريت معه أول حوار صحفي، غير مباشر. عندما ذهبت لإجراء هذا الحوار مع عرفات، لم يكن لوحده، كان معه شخصان آخران، هما فاروق قدومي وخليل الوزير. ووجدت هؤلاء الثلاثة اتفقوا قبل وصولي إلى مكان اللقاء على أن أسئلتي إلى عرفات سيتكفل بالإجابة عنها فاروق قدومي في حضرة عرفات. ولم يكن لي أي اعتراض على هذه الطريقة، بل أجريت الحوار مع قدومي ونشر باسم عرفات في مجلة «الحرية» عام 1966. كان هذا أول حوار صحافي مع ياسر عرفات، لكني كنت أعرف الرجل من قبل، منذ أن كنت في جريدة «المحرر». كنت حينها صحافيا مبتدئا، وجاء إلى الجريدة شخص يسأل عني. وعندما قدمت إليه نفسي، طلب مني أن أنشر له بيانا بعد أن عرفني بنفسه وقال إن اسمه هو عبد الرؤوف القدوة. وفي يوم من الأيام، طلبت عرفات عبر الهاتف من أجل أن أجري معه حوارا صحفيا، وفوجئت عندما دخلت إلى مكتبه بأن الشخص الذي زارني في الجريدة باسم عبد الرؤوف القدوة هو ياسر عرفات. كان وقتها يطوف على الجرائد باسمه الحقيقي (عبد الرؤوف القدوة) ليوزع البيانات. وأذكر أن عرفات ضحك عندما رآني مستغربا. وهكذا، ضحكت أنا أيضا عندما تأكدت أن ياسر عرفات وعبد الرؤوف القدوة اسمان لشخص واحد ملقب بأبي عمار. لكن المؤكد هو أن عرفات يعرفني بالاسم قبل أن أعرفه أنا، بحكم أن شقيقي خالد الحسن كان واحدا من رفقائه. - انتقالك من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، هل أثر على علاقتك بياسر عرفات؟ < علاقتي بياسر عرفات في الجبهة الديمقراطية كانت ودية جدا خاصة بعد تشكيل تحالف بين الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحركة فتح في منظمة التحرير الفلسطينية. لكن الإشكال الموجود هو أننا نحن في الجبهة الديمقراطية كان لنا موقف نقدي من حركة فتح التي يتزعمها ياسر عرفات، إذ كنا ننتقدها ونعتبرها حركة بورجوازية صغيرة ولها شبكة علاقات مع القوى الرجعية في الدول العربية، إلى غير ذلك من الانتقادات التي كانت تشكل جوهر الخطاب اليساري في ذلك الوقت. لكن شخصيا، بحكم اشتغالي في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تضم كل الفصائل، أخذت أطلع على ما يجري من حولنا. فمثلا، عندما كانت تدور معركة في لبنان، كنت أنا مطالبا بتعداد الأخطاء التي يرتكبها مقاتلو الفصائل الفلسطينية أثناء المعركة. وأعترف لك بأنني كنت لا أقوم بهذا الدور لأني كنت أخجل من نفسي. فمن أكون أنا حتى أقول لمقاتل أنت أخطأت أو كان عليك أن تفعل ذلك أو لم فعلت ذلك. وصراحة لم أكن أنقل أي شيء من هذه المواقف في مهمتي داخل اللجنة التنفيذية، لأني كنت أعرف كيف قاتلوا. وطبعا، وقعت أحداث أخرى، فقدمت استقالتي من الجبهة الديمقراطية. وعندما انعقد المجلس الوطني لمنظمة التحرير، قدمت أيضا استقالتي من هذا المجلس. وطبعا، تم تعيين شخص آخر مكاني. لكن الذي حصل هو أن حركة فتح تقدمت باقتراح ومفاده أن بلال الحسن وأسماء أخرى ينبغي أن يحتفظوا بعضويتهم داخل المجلس الوطني ضمن لائحة المستقلين. إذن، علاقتي بياسر عرفات كانت دائما ودية وجدية. -بحكم اشتغالك في الصحافة، هل كان ياسر عرفات مصدر أخبار بالنسبة إليك؟ < (يضحك...) لا، عرفات كان مصدرا سيئا للأخبار. ولهذا، فالرهان عليه في الأخبار كان رهانا فاشلا. وكان يمكنك أن تحصل على الأخبار من أي شخص إلا عرفات.