بلال الحسن صحافي ومناضل فلسطيني، عائلته وسيرة حياته فصل هام في كتاب الحركة الوطنية الفلسطينية. أخوه خالد من كبار قادة الثورة ومنظري فتح، وأخوه الثاني هاني الحسن كان من أكثر الناس قربا من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وظل إلى جانبه إلى أن مات أو قتل.. وبلال قلم صحافي أسس السفير، وأطلق اليوم السابع، ومازال يكتب ليذكر بفلسطين ويتذكر رموزها.. علاقة عائلة الحسن بالمغرب علاقة خاصة.. وهنا يروي بلال أحد جوانبها غير المعروفة.. لنتابع... - بماذا يفسر بلال الحسن نجاح جريدة «السفير» اللبنانية؟ < جريدة «السفير» نجحت بسرعة في أن تصبح الجريدة الموازية لجريدة «النهار» في بيروت. كما أن جريدة «السفير» نجحت في أن تصبح جريدة «الضمير» الجمعي للحركة الوطنية أثناء الحرب الأهلية وأيضا للقيادة الفلسطينية المشتركة في لبنان، بل إن هذه الجريدة أصبح لها وزن في لبنان كله، لأنها اعتمدت أسلوبا راقيا في تحرير ما ينشر داخلها واستطاعت أن تمزج بين السياسة والصحافة، وبالتالي أصبحت لها مكانة عند كل مكونات المجتمع اللبناني ولدى كافة القراء بمختلف انتماءاتهم الفكرية والعقدية. وكانت الجريدة تلعب دورا محوريا في صناعة الرأي العام وفي تحليل الأحداث. - وكيف تعاملت جريدة «السفير» مع حصار بيروت من طرف إسرائيل سنة 82؟ الحصار الإسرائيلي لبيروت كان قاسيا جدا، لأنه كان حصارا على مدار ساعات الليل والنهار. والخطير جدا أن هذا الحصار دام ثلاثة أشهر، كلها قصف مدفعي وقصف بالصواريخ وقصف بالسفن الحربية. وهذا القصف يولد حالة هلع ورعب في صفوف الناس. وأنا، شخصيا، عشت معنى الخوف تحت القصف العشوائي واستنتجت شيئا مهما وهو أن الإنسان الخائف يعبر عن هذا الشعور المركوز في نفسه بأكثر من صيغة، فهناك من يصرخ عندما يشعر بالخوف وهناك من يهرب وهناك من يبكي وهناك من يرتبك، لكن هناك من يتحكم في «ماكينة» جهازه العصبي رغم أنه خائف، بمعنى أن الخوف قاسم مشترك بين الجميع، والفرق بينهم هو أن هناك من يقوى، في لحظة الخوف، على أن يلجم جهازه العصبي، وهناك من يستسلم له. وهذا، في اعتقادي، تكوين بيولوجي وخاصية بشرية نشترك فيها جميعا، وبالتالي فلا داعي لأن نزايد على بعضنا البعض بالادعاء بأن فلانا لا يخاف، فهذه مزاعم غير صحيحة. وأنا مررت بتجربة الخوف، ومن شدة القصف، تعطلت حركة الحياة وأصبح من الصعب أن تظفر بقوت يومك. وأذكر أن القصف الإسرائيلي طال أيضا المنطقة التي توجد بها المؤسسات الصحفية ببيروت. وهكذا، لم تسلم من هذا القصف جريدة «السفير» ولا جريدة «النهار» ولا شركة توزيع الصحف التابعة لها. ونتيجة القصف، أذكر أن جريدة «النهار» أعلنت في عدد لها أنها لن تصدر في اليوم الموالي، كما أن شركة التوزيع أعلنت، بدورها أنها ستتوقف عن العمل، وهو ما يعني أن الناس ستستيقط لتقضي سحابة يومها بدون صحف. لكن المفاجأة في ذلك اليوم أن الجريدة الوحيدة التي صدرت في لبنان كلها هي جريدة «السفير». وطبعا، كان هذا الأمر حدثا عالميا لأن كل الصحف الدولية خصصت له حيزا على صفحاتها، وتمكنت قنوات تلفزية دولية من الوصول إلينا في جريدة «السفير» تحت نيران القصف لإنجاز ربورتاجات حول هذا الحدث الذي انفردت به جريدتنا. وأذكر أنه، بمناسبة هذا الحدث، اتصل بالجريدة الراحل ياسر عرفات وهنأنا على المجهود الاستثنائي الذي قمنا به لتصدر جريدة «السفير» في السوق لوحدها دون غيرها من الصحف قبل أن يقول لنا: «تحية إليكم، فأنتم أهم متراس.. المتراس الصامد». طبعا، عندما تصدر جريدة، فالمهمة الصعبة هي كيفية توزيعها في ظل أجواء القصف والحصار. ونتيجة الحرب، أصبحت بيروت تعيش على وقع هجرة داخلية. وأذكر أنه في بعض الأحياء ببيروت أصبح من المستحيل على أهلها أن يعيشوا، ولهذا اضطروا إلى هجرها والانتقال إلى العيش في أحياء أخرى. وكثير من سكان بيروت أصبحوا بدون مأوى، ولهذا وجدوا أنفسهم مجبرين على السكن في الحدائق. إذن، كان من الصعب توزيع الجريدة في ظل هذه الأجواء. وأذكر أن مدير جريدتنا أثار معنا، كصحافيين، الكيفية التي ينبغي أن توزع بها الجريدة بعد أن تمكنا من طبعها، وكان جوابنا: «هذه مهمتك أنت». وفعلا، كان اجتهاده هو أن يستقل سيارته ويذهب إلى منطقة في بيروت قريبة من مقر الجريدة، وهناك وجد جموعا غفيرة من الشباب والعائلات والأطفال الهاربين من نيران القصف، فتسلل بينهم، وقال لبعض الشبان «هل تريدون أن تشتغلوا». وطبعا، الحصول على عمل في أجواء الحرب عملة نادرة، ولهذا أبدى جميع الشبان استعدادهم للعمل. وهكذا، عاد مدير الجريدة بحوالي 30 شابا، بينهم أطفال، وأعطى لكل واحد منهم كمية من نسخ جريدة «السفير» وقال لهم: «بيعوا الجريدة وخذوا فلوسها، وإذا نفدت النسخ التي معكم من الجريدة عودوا لنعطيكم كمية أخرى». وكان لافتا للانتباه أن الجريدة نفدت فعلا بهذه الطريقة في التوزيع عبر هؤلاء الأطفال والشبان. وأذكر أنه في ذلك اليوم وفي وقت متأخر من الليل، فوجئنا بزيارة مباغتة لياسر عرفات إلى مقر الجريدة. وهنا، لا بد أن أقول كلمة في حق هذا الرجل، وهي أنه كان بالفعل رجلا شجاعا، لأنه يصعب على أي زعيم سياسي مثله في أجواء القصف والقتل والتدمير أن يزور جريدة في منطقة غير آمنة، فقد تكلفه تلك الزيارة حياته في أية لحظة. جاء عرفات، إذن، إلى مقر الجريدة واستقبلناه في غرفة داخلية بدون نافذة وبدون كهرباء وأعددنا له شايا. ولم يصدق كثير من الصحافيين، خاصة المبتدئين، أن الجالس بينهم هو ياسر عرفات بلحمه وشحمه وهو يداعبهم ويستفسرهم عن أحوالهم وأحوال عائلاتهم. وكان كل صحافي يحكي لعرفات عن ظروفه الشخصية ومصير عائلته في أجواء الحرب، بينما كان عرفات ينصت إلى كل واحد منهم. وأذكر أن بعض الصحافيين طلبوا من عرفات أن يعطيهم مسدسات، وفعلا أمر عرفات بعض مرافقيه بمنح بعض الصحافيين مسدسات لحماية أنفسهم في أجواء الحرب. وقد كان اللقاء مع عرفات داخل مقر الجريدة، في الحقيقة، لقاء حميميا قبل أن يغادرنا متجها نحو ميناء بيروت. وكنت واحدا من الذين ودعوه في الميناء ضمن أشخاص آخرين، قبل أن أعود إلى مكتبي وأنا حزين جدا.