اعتبر وزير العدل محمد الناصري أن ورش إصلاح القضاء لا يتوقف عند حد صياغة النصوص أو إعادة تنظيم أو رصد الإمكانيات، بل هو تعبئة شاملة ينصهر فيها كل الفاعلين من أجل تقوية صرح العدالة وتحصينها من الشائبات وطبعها بأخلاقيات والتعامل معها كرسالة وأمانة ووفاء بالقيم في تضامن شامل من أجل إقرار أمن قضائي يؤطره أمن قانوني. وذكر الناصري، في كلمته الموجهة إلى المشاركين في ندوة «إصلاح السلطة القضائية بالمغرب»، التي أقيمت الجمعة و السبت بالرباط، وتلاها نيابة عنه الكاتب العام للوزارة محمد لديدي، بما جاء في خطاب الملك بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب حين قال إن إصلاح القضاء يجب أن يكون «بمنظور جديد يشكل قطيعة مع التراكمات السلبية». و أضاف الناصري بأن هذا الإصلاح هو مسلسل متواصل ولبنة ستنضاف إلى ما تحقق من رصيد. وينكب مسؤولون حكوميون ونواب برلمانيون وقضاة ومحامون وممثلو جمعيات غير حكومية وجامعيون، خلال الندوة المنظمة من طرف الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان واللجنة الدولية لحقوق الإنسان والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، على دراسة مختلف جوانب إصلاح السلطة القضائية من تدعيم ضمانات استقلال السلطة القضائية وإصلاح الإطار القانوني وإصلاح المجلس الأعلى للقضاء وتخليق السلطة القضائية وغيرها. وفي أول تصريح له منذ توليه منصب وزير العدل، بداية الشهر الجاري، أوضح الناصري في رسالته الموجهة إلى المشاركين أن إصلاح القضاء أخذ طريقه في مسار التشريع فيما له علاقة بالقانون وشرع في وضعه موضع التنفيذ فيما له علاقة بالمراس والتطبيق اليومي، مضيفا أن وزارة العدل ستفعل مضامين الإصلاح وستواكب إنجازه وتقييم مفعوله من خلال مؤشرات علمية وعلى ضوء نسبة ارتياح المواطنين لعطاءاته، ومؤكدا في السياق ذاته أن الهدف من إصلاح القضاء هو الرغبة في الارتقاء بالعمل القضائي نحو الأحسن وتصريف العدالة في بعدها السامي بالشكل الذي يعم فيه الإحساس بعدالة الأحكام ويقوي الثقة في الجهاز. ويرى الناصري أن الإصلاح المزمع القيام به يقتضي فتح حوار وطني وتعميق النقاش بشأنه انسجاما مع الخصوصية المغربية وما هو متعارف عليه دوليا، فلا يمكن تصور العدالة إلا في نطاق استقلال القضاء، وفي فعالية جهازه، وفي سرعة تصريفها وبساطة إجراءاتها، وفي كفالتها وحمايتها حقوق الدفاع وتكريسها عدالة المحاكمة، وكذا في قوة وتكوين ومؤهلات الفاعلين فيها، وفي شفافية وطهارة أجوائها وانفتاحها على محيطها وعلى العالم، و في مواكبتها للمستجدات وفي ظروف عمل مواتية للعاملين فيها، مضيفا أن «النموذج الأصلح للمغرب هو ما نسعى إليه» بتوافق مع كل المكونات وكل المعنيين والمهتمين، وفي هذا السياق فإن وزارة العدل، يقول الوزير، انتهت إلى خطة مكنت من توسيع المشاورات واستعراض مختلف التجارب لتقوم بإطلالة على الراجح والمشهور في العالم والارتكاز على ما تضمنته المواثيق الدولية دون أن تقوم باستنساخ تلك التجارب. وفي كلمتيهما بالمناسبة، أكد كل من أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وميشال توبيانا، الذي كان ينوب عن الجمعيات آنفة الذكر، على دور المجتمع المدني في إصلاح القضاء، وعلى الدور الأساسي والحيوي للقضاء في تحقيق التنمية المنشودة في كل بلدن وهو ما يقتضي عدالة نزيهة وشفافية وقضاء مستقلا.