بمناسبة الحديث عن إصلاح القضاء، وترقب عرض مسودة مشروع القانون الجنائي للنقاش نذكر في هذه الورقة بالخلاصات الهامة المنبثقة عن أشغال أول ندوة وطنية عقدتها وزارة العدل بمدينة مكناس تحت شعار: (السياسة الجنائية بالمغرب : واقع وآفاق)، والتي لا تزال تنتظر التفعيل، لكون أولا المشاركين فيها من مختلف التخصصات والأطياف السياسية اعتبروا المقترحات عمل استراتيجي يؤطر السياسة الجنائية المستقبلية لبلادنا انطلاقا مما سيتخذ من تدابير وإجراءات. وقد تكونت لهذا الغرض لجن محلية اشتغلت بشكل منفصل لإعادة النظر في مقتضيات القانون الجنائي والتي أحالت مقترحاتها على لجنة مركزية بوزارة العدل التي نتمنى أن يكون عملها بعيدا عما اعترى قانون المسطرة الجنائية من لخبطة وركاكة وتعقيد استعصى على ذوي الإختصاص هضمه وفك طلاسيمه لحدود تاريخه، بل إن الوزارة الوصية لا تزال تكون اللجن لترقيع ما يمكن ترقيعه، علما أن ترجمة نبود هذا القانون تتطلب، حسب لسان وزير العدل السابق 800 قاض، وألف موظف، ومبالغ مهم لم توفرهي الأخرى، مما يعطينا نصوصا قانونية تظل معلقة في الرفوف أو تحدث اضطرابا في الممارسة. وننشر فيما يلي خلاصات أشغال هذه الندوة والتي تظل طازجة رغم مرور أكثر من 4 سنوات على إقرارها والتي كان يمكن تفعيل عدد من توصياتها لعدم ارتباطها بتخصيص اعتمادات مالية أو تعديل مقتضى قانوني، مع دعوتنا لأن يبقى نص مسودة مشروع القانون الجنائي متينا ومتماسكا ومراع لخصوصية مناطق المملكة: انتهت الندوة إلى الخلاصات والتوصيات التالية بعد أن استهدف البحث أجوبة للحد من الجريمة، ووضع تصورات حول نظام عقابي متطور يراعي ضرورات الإصلاح ويحقق الردع الكافي: - انطلاقا من وعي الجميع بخطورة الجريمة بكل أشكالها المنظمة والعرضية، وتنوع أساليبها، وما لذلك من انعكاسات سلبية على الأمن، والاستقرار، والنماء. - انطلاقا من كون السياسة الجنائية يجب أن تهدف إلى الحد من الظواهر الإجرامية بواسطة نظام فعال للتجريم يحمي المصالح العليا للمجتمع وقيمه، وقانون إجرائي يوفر ضمانات المحاكمة العادلة، بواسطة قضاء مقتدر، مستقل استقلالا مسؤولا. - اعتبارا لكون التصدي للجريمة يعد مسؤولية المجتمع بكامل مكوناته، بما فيه أجهزة الدولة والمجتمع المدني والأفراد. فإن الندوة توصي ب : - ضرورة الوعي بخطورة الجريمة والاستعداد لمواجهتها بحزم، واستهداف تحقيق الوقاية منها، والحد من أسبابها. - تبني سياسة جنائية ملائمة للواقع المغربي ومتفتحة على التجارب المقارنة وملائمة للاتفاقيات الدولية. - مراعاة الخصوصيات الوطنية أثناء وضع التشريع. - جعل احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليه عالميا إطارا لكل مراجعة تشريعية. - الاهتمام بالعنصر البشري المكلف بتنفيذ القوانين، باعتباره الأداة الأساسية لتنفيذ إرادة المشرع. - توفير الإمكانيات الملائمة لآليات العدالة الجنائية المختلفة: كالقضاء، والضابطة القضائية، والدفاع، والخبراء، وغيرهم من مساعدي العدالة، واحترام المعايير الدولية المتعلقة بهذه الأصناف من الفاعلين. - دعوة مختلف الفعاليات المجتمعية المعنية بالعدالة الجنائية _ كمنظمات المجتمع المدني، والهيئات الأخرى، والإعلام _ للقيام بدور فاعل ومسؤول في تطوير أداة العدالة الجنائية وتحسين مردوديتها. - التعجيل باتخاذ تدابير عملية مناسبة لتفعيل النصوص الموجودة بواسطة الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة، التي لم يتم توظيفها والاستفادة منها. - القيام بمزيد من المشاورات _ في إطار ورشات عمل _ لتعميق النقاش حول المعطيات الواقعية والحلول التشريعية الملائمة للواقع الوطني والتوجه الدولي. - تكوين لجنة من الفعاليات المعنية لصياغة مشروع نص قانوني، انطلاقا من التوصيات التي ستتمخض عنها أشغال الورشات. - مواصلة الجهود لحماية الفئات المستضعفة، لاسيما إنصاف الضحايا ومساعدتهم. - دعم استقلال القضاء الجنائي وتحديثه. - تشجيع تخصص أجهزة العدالة الجنائية. - تجميع النصوص الزجرية في مدونة واحدة، أو مدونات منسجمة. - اعتماد العرض الذي قدمه السيد وزير العدل في افتتاح الندوة وثيقة رسمية في ملف تقرير السياسة الجنائية. سياسة التجريم : 1 - في مجال الاقتصاد : - فهم وتفهم الاقتصاد. - توفير الأمن القانوني لعالم الأعمال والاستثمار. - انفتاح المقاولة على المحيط القانوني والقضائي، والتحلي بروح المقاولة المواطنة. - تفعيل دور النيابة العامة لدى المحاكم التجارية وجعله جزءا من النيابة العامة لدى المحاكم العادية لتمكينها من ممارسة اختصاصاتها كاملة. - عدم الغلو في تجريم الأفعال المرتبطة بمجال المال والأعمال، ورفع التجريم عن بعض مجالاته. - وضع عقوبات ملائمة ومناسبة للاقتصاد الوطني، والاكتفاء بعقوبات مدنية بالنسبة لبعض المخالفات، وتنظيم نقاش في هذا الصدد بين جميع الفعاليات المعنية بالموضوع من خلال يوم دراسي. - حماية المال العام بتكريس الشفافية، وإقرار تكافؤ الفرص، ومحاربة جرائم الفساد المالي. - حماية المستهلك. - وضع مدونة موحدة ومتكاملة للقانون الجنائي للأعمال. - نشر الاجتهاد القضائي والإحصائيات المتعلقة بمجال القانون الجنائي. 2 - الشيك بدون رصيد : - الدعوة إلى الاستمرار في تجريم الشيك، مع إعادة النظر في الأسس التي يستند إليها، ومراجعة العقوبات السالبة للحرية في اتجاه التخفيض إلى الحد الذي يتيح إجراء الصلح المنصوص عليه في المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية (تخفيض الحد الأقصى للحبس إلى سنتين). - وضع بدائل للعقوبات بالنسبة للشيك مثل : - إسقاط المتابعات الجنائية بالنسبة للساحب إذا كان الشيك قد سلم على سبيل الضمان. - المنع من إصدار شيكات، مع ضرورة التواصل بين القضاء والبنوك، ولاسيما لإبلاغها بأحكام المنع البنكي. - التخلي عن المتابعة في حالة تسوية وضعية الشيك داخل أجل محدد، وتحسين نظام التسوية، وإفراز أجل للتسوية. - إعادة النظر في الغرامة الجنائية. - مراجعة أجل تقادم الدعوى العمومية بالنسبة للشيك. - تطوير الوقاية بالبنوك، كالتعريف بالزبناء وعدم تسليم دفاتر الشيكات لمن صدر في حقهم منع بنكي. - إقرار العدالة التصالحية في جرائم الشيك. - دعم آليات العدالة الجنائية المكلفة بقضايا الشيكات بالوسائل والآليات اللازمة لعملها. - الوضع في الاعتبار أن معاقبة مسير المقاولة جنائيا من أجل إمضائه لشيكات خاصة بالمقاولة قد يضر بمساطر المعالجة القضائية _ المفتوحة أمام القضاء التجاري _ والتي تهدف إلى إنقاذ تلك المقاولة. - تشجيع التعامل بالبطائق المغناطيسية، وتوفير الحماية القانونية لها. - عدم تسليم شيكات لأصحاب الحسابات الصغيرة، وتعويضها بشيكات محددة القيمة يضمنها البنك أو البطائق الإلكترونية. - التفكير في إنشاء نظام لمسؤولية البنك من أجل الوفاء بشيكات محددة القيمة. 3 - الغش الضريبي : - التصدي بحزم للغش الضريبي وتجريم جميع مظاهره، نظرا للأضرار الوخيمة التي يسببها لاقتصاد البلاد. - تكثيف المراقبة لاكتشاف وضبط المخالفات الضريبية. - إقرار عقوبات متدرجة متناسبة مع الفعل المرتكب، تراعي الوضع الاقتصادي الاجتماعي للمقاولة. - تبني عقوبات غير جنائية كالغرامات الإدارية والمالية إذا لم يتعلق الأمر بحالة العود. - تبسيط المسطرة القضائية للمتابعة من أجل الغش الضريبي. - تكوين قضاء متخصص في هذا النوع من الجرائم. 4 - تبييض الأموال : - نهج التدرج في تجريم تبييض الأموال بقصر الأمر في البداية على جرائم معينة منصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، أو لها ضرر كبير بالاقتصاد الوطني. - دعم التعاون الدولي في مجال محاربة انتشار تبييض الأموال. - تحديد سقف للتصريح بالاشتباه. ملاءمة التشريع مع الاتفاقيات الدولية : - تبني سمو الاتفاقية الدولية على القانون الداخلي بمقتضى نص دستوري، تأكيدا للاجتهاد القضائي. - استكمال دراسة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبمنع الجريمة بهدف المصادقة عليها. - إدراج المقتضيات المجرمة بمقتضى الاتفاقيات الدولية ضمن القانون الوطني، لاسيما في مجال التعذيب، والإرهاب، وعقوبة الإعدام، والإكراه البدني، والانتهاكات الجسيمة المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني والجرائم المنصوص عليها في قانون المحكمة الجنائية الدولية. - مراجعة قانون العدل العسكري في اتجاه تطبيق قانون المسطرة الجنائية وقصر اختصاص المحكمة العسكرية على المخالفات العسكرية. السياسة العقابية : الاعتقال والعقوبات السالبة للحرية : - عقلنة استعمال سلطة الاعتقال الاحتياطي باستحضار قرينة البراءة، والإعمال الدقيق للمقتضيات القانونية المنظمة لشروط الاعتقال، وتحديد النيابة العامة لمطالبها بشأن العقوبات التي تلتمس إيقاعها على المتهم. - تفعيل سلطة تفريد العقاب لملائمة العقوبات لخطورة الجريمة وشخصية المجرم. - تعليل مبررات العقوبة، بالإضافة إلى أسباب قرار الإدانة. - مراجعة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة المنصوص عليها في القانون في اتجاه التخلي عنها، نظرا لعدم جدواها لتطبيق أي برنامج للتأهيل، والتفكير في تعويضها بعقوبات بديلة. - إيجاد حلول تشريعية أو تطبيقية لبعض الإشكالات العملية مثل تجنيح الجنايات التي يكون ضررها بسيطا. - إسناد مهام جديدة لقاضي تطبيق العقوبة، كالإشراف على تخفيض العقوبة واستبدال بعض العقوبات السالبة للحرية بعقوبات أخرى، وإمكانية إيقاف تنفيذ العقوبات في حق السجناء المرضى، وإدماج العقوبات. - جعل السجن مكانا لإصلاح سلوك السجناء وتكوينهم لتهيئ إعادة إدماجهم في المجتمع كمواطنين صالحين بعد نهاية العقوبة. - مساهمة المجتمع في إعادة إدماج السجناء، وإعطاء مزيد من الاهتمام للرعاية اللاحقة لهم. - إقرار قانون بشأن التخفيض التلقائي للعقوبة بالنسبة للمحكوم عليهم نظرا لتحسن سلوكهم وانضباطهم داخل السجن، لاسيما لتشجيع إعادة إدماجهم. عقوبة الإعدام : - الحد من عقوبة الإعدام وانتهاج التدرج في إلغائها. - اشتراط النطق بالإعدام بإجماع القضاة. بدائل العقوبات السالبة للحرية وبدائل الدعوى العمومية : - التفكير في إقرار آليات جديدة لحل النزاعات البسيطة خارج النظام القضائي. - إدراج بدائل للعقوبات السالبة للحرية في التشريع الجنائي. - توفير بدائل للدعوى العمومية في النظام القضائي الوطني. - الانفتاح على تجارب القانون المقارن المتعلقة ببدائل المتابعات، وبدائل العقوبات السالبة للحرية. - الانفتاح على بدائل للمحاكمات. - معالجة المدمنين على الكحول والمخدرات والمرضى عقليا بدل معاقبتهم. حماية الضحايا ومساعدتهم : - توفير العلاج الطبي، أو النفسي للضحايا. - إشراكهم في التفاوض مع المتهم مباشرة، أو عبر وسيط. - تخصيص مركز لاستقبال الضحايا والإنصات إليهم. - دعم منظمات المجتمع المدني المعنية بمساعدة وحماية الضحايا. - إنشاء خلية تفكير، أو مرصدا وطنيا للضحايا. - توفير المساعدة القضائية لفائدة الضحايا المحتاجين. حماية الفئات المستضعفة : - حماية الأطفال من استغلالهم في جرائم خطيرة كالإرهاب، والاتجار في المخدرات، وتعرضهم لمخاطر الهجرة السرية. - وضع سياسة جنائية متكاملة تتعلق بالأحداث الجانحين. - عقد لقاء وطني خاص بالأحداث تشترك فيه وزارة العدل والمرصد الوطني لحقوق الطفل والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومنظمة الأممالمتحدة للطفولة. - استهداف إصلاح سلوك الأحداث وتجنب معاقبتهم. - تخصص آليات العدالة الجنائية المكلفة بالأحداث. - معالجة قضايا الأحداث في إطار تربوي، مثل اجتناب ارتداء أفراد الشرطة القضائية للبدلة الرسمية، واستقبال الأحداث في أماكن مستقلة عن المراكز الأمنية، أو على الأقل في أماكن مناسبة. - تفعيل آليات حماية المرأة من العنف وإنشاء خلايا ومراكز للإنصات إلى النساء ضحايا العنف ومساعدتهن. تطوير آليات العدالة الجنائية : - تحديث الإطار القانوني للشرطة القضائية. - تشجيع ودعم التخصصات المعمقة لأفراد الشرطة القضائية وأعضاء السلك القضائي (مثل الجرائم المالية، والبنكية، والتقنية، والمعلوماتية). - تشجيع الاتصال المباشر بين القضاء والشرطة القضائية. - دعم التكوين المتخصص والتكوين المستمر لأجهزة العدالة الجنائية. - تقوية التعاون الإقليمي والدولي في مجال تبادل الخبرات. - إنشاء مجلس وطني للطب الشرعي ومعهد عالي للطب الشرعي. - إعادة النظر في الإطار التنظيمي لمؤسسة الطب الشرعي، وربطه مباشرة بسلطة النيابة العامة. - النظر في الإطار القانوني لحجية تقارير الطب الشرعي. دور المجتمع في الوقاية من الجريمة وتطوير أداء العدالة الجنائية : - تغيير أنماط التفكير السلبي عن دور العدالة الجنائية. - توعية المتقاضي والمشتكي بعدم إثقال كاهل القضاء بشكايات واهية أو غير مؤسسة. - التخصص في مادة الدفاع الاجتماعي عن الجريمة. - خلق أندية ثقافية ورياضية لامتصاص المد الإجرامي. - تخصيص ميزانية للدفاع الاجتماعي على الجريمة. - مساعدة الجمعيات في التوعية من أجل منع الجريمة. - حماية الشهود، دعما لإسهامهم في تحقيق العدالة الجنائية عن طريق تقديم الشهادة والإبلاغ عن الجرائم ... - مساهمة وسائل الإعلام في زيادة وعي المواطنين بدورهم في مكافحة الجريمة «. إذا كان المشاركون في هذه الندوة قد أوصوا بهذه الخلاصات باعتبار أهمية المناظرة حول السياسة الجنائية بالمغرب كعمل استراتيجي يؤطر السياسة الجنائية المستقبلية ببلدنا، انطلاقا مما سيتخذ من تدابير وإجراءات، وما ستقوم به ورشات العمل، فماذا تحقق على أرض الواقع من هذه التصورات الجميلة منذ 2004، والتي نجدها تتكرر في ظل زحم الندوات والأيام الدراسية التي تصرف عليها أموال عمومية لا نقول بدون فائدة ولكن جانب مهم من هذه الأموال يتم هدره، مما يستوجب إعادة النظر في «موضة» عقد الندوات دون طائل. كما يلاحظ أن بعض التوصيات المرتبطة بالمال والأعمال تم التعامل معها بشكل محتشم.