مفهوم الاجتهاد من المفاهيم الأكثر تداولا في الحقل الفكري العربي الإسلامي، يوظف للتعبير عن حاجة العرب إلى مراجعة أنماط فكرهم أمام تحديات العصر الحديث. والخطاب الفكري حول حاجة العرب والمسلمين إلى الاجتهاد تطور أساسا أيام الاستعمار الأوربي، وكان يشكل أحد الحلول الفكرية المقترحة لمواجهة المستعمر دون إهمال التراث الفكري والثقافي. ويجب هنا أن نميز بين البعد الفكري للاجتهاد الذي ظهر في بداية القرن العشرين من جهة، ومن جهة أخرى البعد الفقهي للاجتهاد، الذي كان معتمدا في العلوم الشرعية منذ القرن الأول الهجري. وإذا رجعنا إلى أمهات الكتب الفقهية مثل «الرسالة» للإمام محمد بن دريس الشافعي أو «المستصفى في علم الأصول» لأبي حميد الغزالي، سوف نلاحظ بأن الاجتهاد بالمعنى الفقهي للكلمة يشير إلى عملية البحث عن الأحكام الشرعية فيما لا نص فيه أو ما فيه نص غير قطعي. وحسب العديد من المستشرقين الأوربيين، فإن الاجتهاد الفقهي قد توقف في القرن السادس الهجري، إلا أن العديد من البحوث في تاريخ الفقه الإسلامي التي نشرت في العقود الأخيرة بينت أن اعتماد الاجتهاد استمر إلى غاية بداية الاستعمار، حيث كانت النوازل التي تفرضها حياة الأفراد والمجتمعات تحتاج إلى تجديد فقهي مستمر في مجال المعاملات، بل لم يتوقف الاجتهاد إلى يومنا هذا. وأكيد أن الباحث في تاريخ الفقه الإسلامي قد يجد كلاما كثيرا عن «انسداد باب الاجتهاد» في كتب الفقهاء، إلا أنه يجب أن نميز بين هذا الكلام والواقع التاريخي الذي واكبه، حيث بينت العديد من البحوث التاريخية أن جزءا كبيرا من الفتاوى كان يعكس لجوء الفقهاء إلى الاجتهاد الفقهي. ويجب أن نذكر هنا أن أصحاب الفكر الإصلاحي في مطلع القرن العشرين، مثل محمد عبده ورشيد رضا، ساهموا بشكل كبير في تمرير الخطاب حول انسداد أبواب الاجتهاد والانتقاد الشديد للتقليد المذهبي. وبالطبع، ضرورة التمييز بين الخطاب العصري حول الفقه والواقع التاريخي للفقه لا يعني أننا لا نحتاج إلى تجديد أنواع وأشكال وصيغ الاجتهاد. والعديد من أهم الفقهاء المعاصرين يعتبرون أن فقيه العصر لا يمكن له أن يكتفي بمعرفة العلوم الشرعية، بل يحتاج كذلك إلى معرفة العلوم الطبية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية كي يستطيع أن يصدر فتاوى تهم حياة الأفراد والمجتمعات الحديثة. وهكذا قد يستمر الفقه الإسلامي مواكبا لحياة المجتمعات المسلمة، مجددا لفروعه ومحافظا على ثوابته وأصوله.