توجد قضية تجديد العلوم الإسلامية، اليوم، في صلب الحديث عن مستقبل الأمة العربية الإسلامية. فما فتئ مسلمو الشرق والغرب يقرون بضرورة إعادة التفكير في الفقه، متسائلين عن كيفية الجمع بين الحياة العصرية والإيمان. كتاب طارق رمضان، الذي صدر في شهر نونبر 2008، يقترح مقاربة منهجية جديدة لمصادر الفقه الإسلامي لغاية مواكبة التطورات الاجتماعية والعلمية. يقول طارق رمضان إن المضامين التي يجدها القارئ في هذا الكتاب هي عصارة تفكير طويل وعميق في عالم «العلوم الإسلامية» قاده إلى إعادة مراجعة ليس فقط أدوات الفقه وتطبيقاته المادية والتاريخية، بل أصوله ومصادره وتصنيفاته أيضا، وكذا المناهج ومجالات الاختصاص وطبيعة المقاربات التي شهدها علم أصول الفقه عبر تاريخه. وفي خلال ذلك يطرح رمضان العديد من التساؤلات يحاول الإجابة عنها؛ من هذه الأسئلة ما يتعلق بطبيعة الأزمات التي عانى منها الفكر الإسلامي المعاصر وما زال، والصعوبات التي تعوقه والأسباب التي حالت دون تحقيق الاجتهاد للأهداف التي رسمها لنفسه، وتلك التي جعلت الفكر الاجتهادي يترك مكانه للمقاربات الضعيفة المترددة التي لا تنظر إلى الإصلاح إلا من زاوية التكييف مع متطلبات عالم اليوم من دون التسلح بإرادة وقوة تحويل الأشياء وتغييرها. ثلاث أطروحات رئيسية تهيكل هذه الدراسة التي يقترحها رمضان؛ تتعلق أولاها بضرورة أن يعيد العالم الإسلامي المعاصر النظر في طبيعة الإصلاح، الذي يفرض على الفكر الديني والفلسفي والشرعي التكيف مع تطور المجتمعات والعلوم والعالم بغية الحصول على إصلاح في اتجاه التغيير يعطي لنفسه الوسائل الروحية والفكرية والعلمية التي تؤهله لإنتاج الفعل المادي الملموس. وتقضي الأطروحة الثالثة بضرورة إعادة النظر في مضمون وجغرافية أصول الفقه من أجل مقاربة العلاقة بين المعارف الإنسانية (الدين، الفلسفة، العلوم التجريبية، إلخ...) والأخلاق التطبيقية، أي الكون، الطبيعة، والمعارف المرتبطة بها والتي ينبغي أن تندمج، بالضرورة، في عملية تحديد الأهداف العليا ومقاصد الإسلام. أما الأطروحة الثالثة فترتبط بنتيجة هذه الجغرافية الجديدة؛ أي ضرورة تحويل مركز جاذبية السلطة في عالم المرجعيات الإسلامية من خلال الرسم الدقيق للكفاءات والتخصصات والأدوار المنوطة بالعلماء في مختلف المجالات. إذ يجب أن يتحقق الانسجام بين عمل علماء النصوص وعلماء الواقع، وأن يشتغلوا على نفس قدم المساواة لتحقيق هذا الإصلاح الجذري كما ينادي به رمضان. يتألف الكتاب من مقدمة وأربعة فصول. وينقسم الفصل الأول، وهو بعنوان «حول الإصلاح»، إلى نقطتين أساسيتين أولاهما تتعلق بتفسير مفهوم الإصلاح، والثانية تطرح سؤال: عن أي إصلاح نتحدث؟ الفصل الثاني يحمل عنوان «التقاليد الكلاسيكية لأسس الفقه»، ويقارب أربع نقط تتحدث أولاها عن المذهب الشافعي، وثانيتها عن الحنفي، وثالثتها عن مدرسة المقاصد، والرابعة هي خلاصة للفصل كله. أما الفصل الثالث فيتناول موضوع «من أجل جغرافية جديدة لمصادر الفقه، ويقارب أربع نقط هي: «تحديد أصول الفقه الإسلامي»، و«السياق (أو الواقع) كمصدر للفقه»، و«تعقيد الواقع»، ثم «تأسيس أخلاق إسلامية تطبيقية». ويتضمن الفصل الرابع الذي خصصه المؤلف ل«دراسة الحالات» ست نقط تعالج «الأخلاق الإسلامية والعلوم الطبية» و«الثقافة والفنون» و«النساء: تقاليد وتحرر» و«بيئة واقتصاد»، ثم «مجتمع، تربية وسلطة»، ف«أخلاق وكونية». نظرة إلى التاريخ يعود طارق رمضان إلى مختلف التأويلات التي ناقشت مفهوم الإصلاح، فيذكر أن بعض العلماء رفضوا هذه الكلمة لأنها تنطوي على أخطار ثلاثة. فالبعض يعتبر أن الكلمة تعني تغيير طبيعة الإسلام من أجل تكييفه مع الحقبة المعاصرة، والبعض الآخر يرى في «الإصلاح» معطى أجنبيا ومقاربة مستوردة من التقليد المسيحي من أجل أن يكيف الإسلام مع نفس المسار الذي مرت منه المسيحية ويصبح فاقدا لروحه وكنهه. وبعض ثالث يستند إلى التعاليم الكونية للإسلام التي لا ترتبط بزمن معين بل هي صالحة لكل زمان ومكان، وبالتالي فالإسلام لا يحتاج إلى «إصلاح». إلا أن رمضان يوضح أن النية في حماية الإسلام من التأثيرات الدخيلة لا يبرر التخلي عن المقاربة النقدية. وفي سياق توضيحه هذا يعرج رمضان على مفهوم التجديد في علاقته بالإصلاح ومفهوم «الإحياء» كما هو عند الغزالي، ويقدم «التجديد» على أنه مفهوم يتواجد بشكل كبير في الأدبيات الإسلامية المعاصرة، وبشكل متكرر منذ ما يقارب 150 سنة، وأن الكلمة توجد في حديث نبوي يقول: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها». والتجديد كما فهمه العلماء الأولون هو تجديد قراءة وفهم النصوص على ضوء مختلف السياقات التاريخية الثقافية للأمة والمجتمعات الإسلامية. وهو ما يعني، حسب المؤلف، أن ليس هناك إخلاص للمبادئ الإسلامية عبر الأزمنة دون تطور، أو إصلاح أو تجديد للفهم والإدراك. وهو نفس المعنى الذي يحمله مفهوم «الإصلاح»، كما هو في القرآن وفي بعض الأحاديث النبوية. وعلى مستوى المناهج المتبعة عند مختلف التيارات والمذاهب، يركز رمضان على أنه كما هو الشأن بالنسبة إلى ضرورة توخي الدقة في بعض مستويات الجدال مع بعض التيارات «العقلانية»، فإنه من الضروري أيضا التساؤل حول القبليات المنهجية المعتمدة عند بعض التيارات المعاصرة التي تعتبر نفسها الأحق بصفة «السلفية». إذ تميل إلى التطرف وتبني أحادية التأويل وحصر جميع مجالات الدراسة والمنهجيات في مستوى واحد، بدعوى أن القرآن باق وأبدي. يُطرح، كذلك، مفهوم «الاجتهاد»، الذي يقضي بالتشجيع على القراءة النقدية للنصوص عندما تكون هذه الأخيرة قابلة للانفتاح على التأويل. إلا أن الجدال حول إمكانية الاجتهاد ومعناه وحدوده كان، وما يزال، قويا دون أن يحد هذا الأمر من التشكيك في المفهوم. ماهية الاجتهاد ويتوقف الكاتب عند شروط الاجتهاد كما عرفت عند العلماء المسلمين. فالاجتهاد لا يمكنه أن يكون إلا على ضوء المعرفة بالرسالة الشاملة، ومختلف مستويات الخطاب، وتصنيفات العلوم والمناهج وقواعد النحو والمعنى والصرف. فالاجتهاد لم يكن أبدا تأويلا حرا للنصوص من قبل الأشخاص الجاهلين بالعلوم الإسلامية والمعايير التي تفرض نفسها على المتخصصين في النصوص. ويبرز هنا الدور الذي قام به الكثير من العلماء المسلمين، الذين حاولوا الاجتهاد لإيجاد الأجوبة المناسبة، وأحيانا الجريئة، على مختلف الأسئلة. واعتبر المؤلف أن تجاهل المجهود الذي قام به هؤلاء يدخل في باب عدم الاحترام الواجب لهم، وأن التصالح مع هذا الإرث هو أفضل طريق نحو المستقبل. في تمهيده للحديث عن المذاهب الفقهية التي شهدها الإسلام في فترات لاحقة عن الفترة النبوية، يتوقف المؤلف عند بواعث ظهور هذه المذاهب، والتي لخصها في التطور الزمني، الذي باعد المسافة الفارقة بين المسلمين والعهد النبوي وعهد التابعين؛ إذ اختلفت التأويلات وتعددت القراءات فصار لزاما على الأئمة الكبار أن يحدوا من هذا التنوع لمصلحة وحدة وتوحد الأصل والتحكم في المعاني. وفي سياق هذا الاجتهاد المذهبي، ظهرت الشافعية على يد الإمام الشافعي، الذي كان أول الأئمة الذين صنفوا الأصول الإسلامية على مراحل، والذي كانت حياته حبلى بالتكوين الديني والجدال الفكري في أصول الفقه بين الحجاز وبغداد ومختلف العلماء الذين عاصروه من قبيل الإمام مالك في ومرحلة أولى ثم أحمد بن حنبل... وقد كانت هذه الفترة غنية بالانعكاسات الجانبية التي تؤكد عمق النقاش الفقهي الذي ساد في فترات حساسة من التاريخ الإسلامي. وما توقف عنده الشافعي يتجاوز حدود النقاش الفقهي التقليدي إلى البحث في مبادئ الاستنباط ومنهجية قراءة الأصول. وإذا كان الشافعي اشتغل على توضيح وتلخيص وإعادة التأطير المعياري أمام الاختلافات والتفرعات الفقهية التي شهدها عصره، فإن أبا حنيفة، الذي كان عصره سابقا على عصر الأول، لم يواجه نفس التحديات، بل كان عمله امتدادا لمعاصريه وسابقيه الذين استمروا في بلورة الفقه بعد الصحابة ثم التابعين. تميز الشافعي بمواجهته لحقيقة مجتمعه والأشخاص الذين يعايشهم في حياته ومحاولة البحث عن حلول عملية على ضوء النصوص، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورات المكان والعادات والمصلحة المشتركة. ومن أجل ذلك، كان الفقيه يبحث في علة الواجبات والممنوعات لغاية تحديد القواعد أو اقتراح الفتاوى الفقهية بناء على تشخيص العلل. ولم يكن، إذن، من باب الصدفة قيام مدرسة أهل الرأي في العراق، التي استقر فيها أبو حنيفة، بدل الحجاز. وفي تعريفه لمختلف المذاهب الفقهية يأتي رمضان على ذكر العديد من الفقهاء والعلماء والتيارات الفقهية والمدارس التي كان لها دور كبير في بلورة مفهوم «التجديد» عبر الحقب التاريخية. وفي خلال ذلك، كان لا بد من وصف مدرسة المقاصد والتفصيل في قواعدها، فضلا عن الإضافات التي أتى بها الإمام الشاطبي والجويني في ما يتعلق بأصول الفقه، والبحوث التي توسع فيها أبو حامد الغزالي الذي استعاد مفهوم الاستصلاح كما قال به أستاذه الشافعي، رغم أن هذا الأخير حصر المفهوم في حدود معينة لم يتفق معه فيها علماء آخرون. وكاستنباط لما أنجزه من تحليل ودراسة يقر المؤلف بمحدودية الاكتفاء بتطبيق مبادئ الفقه، فيدعو إلى ضرورة الاقتداء بمجموع الإنتاج المعاصر من الفتاوى، لأنها تمكن المسلمين من مواجهة التحديات الآنية؛ لكنه ينبه إلى كون هذه الفتاوى تشجع على نوع من الإصلاح التكييفي من خلال خلق مجالات لحماية الأخلاق الإسلامية في الحقبة المعاصرة، وهي المجالات التي تتأسس داخل النظام أو موازاة معه دون أن يكون لها تأثير معين عليه، ولا على النقد النظري الأساسي ولا على حقيقة المقاومة أو التحول. تأسيسا على هذا، يرى رمضان أن الأخلاق الإسلامية المعاصرة أصبحت أخلاقا دفاعية وسلبية، و«متأخرة» ومنعزلة، لا تشبه في شيء الوعي الديني والإنساني، الذي ينبغي، في إطار الانسجام مع مثله الأصلية، أن ينتج نوعا من الأخلاق المستبصرة والملتزمة والمنفتحة، التي تتأمل العالم ونظامه ومكتسباته وانحرافاته من خلال التفكير واقتراح الطرق الكفيلة بتغييره. ويرى رمضان أن المشكل يطرح على مستوى يتجاوز القضايا المعروفة المتعلقة بالفقه، كما أن المشكل ليس مشكل اجتهاد، بل المشكل يطرح على مستوى طبيعة ممارسة التفكير المنطقي النقدي المستقل؛ وما يستدعي التساؤل حول موضوعه، وأبعاده وحول كفاءة النساء والرجال الذين يمكنهم (ويجب) أن يقوموا بذلك. بعد هذه التساؤلات، تطرح قضية تشخيص المصادر الأولى التي تشرعن ممارسة الاجتهاد المعاصر: هل يمكن الاعتماد على التقاليد الكلاسيكية الفقهية الأولى؟ هل يمكن الأخذ بمصادر أخرى أو التفكير في آليات أخرى؟ فكما كان الأمر زمن الشافعي في القرن التاسع والشاطبي في القرن الرابع عشر، نجد أنفسنا أمام قضية نقدية حساسة تتعلق بعلاقتنا بالمصادر الأولى طالما العالم من حولنا يضعنا دائما في موضع شك تجاه انسجامنا وتجاه معنى ذاتنا في علاقتها بالعالم. نحو إصلاح حقيقي وفي ما يتعلق بتعامل السلف مع أسس الفقه الأولى، يرى المؤلف أنه تعامل معها بكامل الاحترام الواجب؛ وإذا كانت الإحالة على المحيط التاريخي والاجتماعي والإنساني حاضرة دائما، فإن وظيفتها كانت تتجلى في المساعدة على كشف المعنى أو ضبط حدود تطبيق النصوص، بينما لم يعتمد، أبدا، السياق الاجتماعي والإنساني كمصدر مستقل، قائم بذاته في الفقه وفي إنتاجه. وهذا التمييز الكيفي بين سلطة النص وسلطة الواقع هو الذي يطرح، في نظر الكاتب، صعوبة الحسم في قضية الاجتهاد. فالعلماء الأولون كانت لهم معرفة شاملة بالأماكن التي يشرعنون فيها ولأجلها القواعد، وهو ما كان يمنحهم الثقة والقدرة على الخلق والاجتهاد في ما هم مشرعنون له، بينما عالم اليوم أصبح معقدا، وصارت الممارسات المحلية أكثر تداخلا وارتباطا مع الممارسات الكونية، وأصبح من المستحيل على العلماء فهم هذا التعقد بكل أبعاده بنفس الثقة التي كان يشعر بها الأسلاف. فما وقع هو أنه نتيجة لهذه الصعوبة الواضحة بشكل كبير، استوطنت الخشية العلماء فأنتج الخوف فكرا فقهيا مترددا، هشا وتفاعليا يخشى ما لم يعد يقدر على احتوائه، فبات حارسا للمراجع المحاصرة. فالمعرفة العميقة بالعالم وبتعقده وبالرهانات العميقة للحاضر والمستقبل هي الوسيلة الوحيدة التي يمكنها أن ترد للعلماء الثقة المفقودة، ومعها يسترد هؤلاء القدرة على الخلق. كما يجب القبول بأن العالم، وقوانينه والمجالات المتخصصة المساعدة على المعرفة بهذا العالم ليست فقط ملهمة للنصوص المقدسة، بل هي مصدر مستقل للقانون. ويركز المؤلف على أن النص الإلاهي لا يعوق العقل الإنساني، كما أنه يفتح آفاقا متعددة ومتنوعة لممارسة عقلانية نشيطة ومستقلة. وبالتالي، لا ينبغي الخلط بين الأوامر ولا فرض قيم ومنهجيات على مجالات مستقلة مختلفة تتعارض والمنهجيات المعروفة في هذه المجالات؛ أي أنه لا ينبغي إخضاع العلوم الحقة والتجريبية والإنسانية ل«خانة قراءة أخلاقية» محددة من شأنها أن تؤثر على مناهج التحليل أو توجه الخلاصات والنتائج في اتجاه معين باسم «الانسجام» مع المعايير المنصوص عليها في النصوص الدينية الأساسية. بل إن كل مجال معرفي يعرف ويحدد منهجيته الخاصة وقواعده ومعاييره التحليلية والتجريبية بشكل مستقل وفي علاقة مع موضوع الدراسة. إن ما نحتاج إليه، يشدد رمضان، هو الالتزام الصارم، والجهاد من أجل حرية مساءلة التقليد ومراجعة الممارسات ومساءلة المرجعيات العلمية القائمة (والمحمية) وسلطتها مساءلة نقدية. هذا يعني، كذلك، الذهاب بعيدا في تحليل علاقاتنا بالمعارف، وفي علاقة السلطة والنفوذ والعلاقات البينشخصية (الطبقات الاجتماعية، علاقة الرجل بالمرأة، إلخ...)، وبالبناءات الثقافية، وما يمنع الفكر الإسلامي من التطور والتحرر من أجل مواجهة تحديات الزمن المعاصر. يتعلق الأمر بأن نعود إلى وضعنا كرعايا للتاريخ، وأن نحقق تحررنا على أساس الثقة في الذات وفي ما نملكه من وسائل، مع القدرة على إدماج مختلف مجالات المعرفة في تنميتنا الخاصة من خلال جغرافية جديدة للعلوم المراجعة، الجامعة لتنوع الكفاءات. أما أن نكون رعايا للتاريخ، فذلك يعني، حسب المؤلف، أن نعتبر أنفسنا فاعلين مسؤولين عن تطورات ومراحل التاريخ داخل حركة الانتقالات والأزمات. التقيد الأعمى بالزعامات يفقد الأمة فاعليتها ويزيد من عجزها يقر المؤلف بصعوبة التغيير لأن التغيير يفرض مراجعة التصنيفات المعيارية القديمة، التي أقامها المسلمون؛ وهو ما يعني بشكل أدق مراجعة ما صنفه علماء الأصول في مصادر الفقه عبر مختلف المدارس. ينبغي، إذن، اعتبار الكون والعلوم المرتبطة به مصادر موضوعية وضرورية للفقه الإسلامي. إذ لا يمكن الاكتفاء بالتفيؤ القديم، الذي مازال يحتفظ بعلاقات سلطة وهيمنة تمنع من فرض الإصلاح الذي يفرض نفسه اليوم من خلال تشبثه بالإحالة على حقيقة علمية ومعرفية صارت متجاوزة اليوم. إلا أن السؤال الذي يتوقف عنده طارق رمضان، كما توقف عنده غيره، هو من الذي في مقدوره أو من صلاحيته القيام بالإصلاح المنشود؟ ولمحاولة الإجابة عن السؤال يعود المؤلف إلى الحديث النبوي الذي يتحدث عن ظهور من يجدد الدين كل مائة عام. وفي تأمله لهذا الحديث، يذكر بأن مثل هذه الإحالة على الزعامة وانتظار الزعيم أو الزعماء غالبا ما تكون له نتائج عكسية للمنتظر منه، وهو ما يعني في الوقت ذاته أن التشبث بفكرة الزعامة يعكس حالة عجز الأمة التي لا يمكن الخروج منها إلا بحضور هذا «الزعيم» أو هذا «المثقف» أو هذا «العالم»، وتُبعد الأمة عن تحمل مسؤولياتها، وتجردها من الثقة في كفاءتها. وينبه المؤلف إلى أن قراءة ذلك الحديث غالبا ما تكون جزئية. فالحديث، يؤكد رمضان، يركز على عامل الزمن. إذ إن الإحالة على «مائة عام» تعبر عن فكرة التطور والفترات والأزمات التي ستمر منها، حتما، المجتمعات الإسلامية.