صدر حديثا عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، كتاب » اتجاهات الفكر الديني المعاصر في إيران « تأليف مجيد محمدي ، وترجمة ص. حسين ، ومراجعة صادق العبادي . وهو يتألف من ثلا ثمائة وأربعة وثلاثين صفحة . لقد قطع الفكر الاسلامي المعاصر في إيران شوطا كبيرا في معالجة قضايا منهجية وأساسية في تجديد الفكر الديني تستحق الدراسة والتأمل ، حيث لعب المفكرون الإصلاحيون هناك دورا كبيرا في إعادة صيا غة العقلية الا سلامية ، وتحديد عوامل أزمة الأمة المسلمة ، واقتراح منهجية بديلة للتفكير تتجاوز ثغرات المنهجية السائدة . ويعرض المؤلف بالنقد والتحليل لقضية التجديد الديني في المشاريع الفكرية لأبرز ستة مفكرين أدوا دورا مهما في هذا المجال ، وانشغلوا في نقد الفكر الديني المعاصر وتحليله . وحيث يجمع هؤلاء التشيع والا هتمام بالفكر الإسلامي في إيران ، فإنهم يتمايزون في موقفهم النقدي من التراث ، وينتمون إلى مراحل زمنية مختلفة [ ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين ] ، وإلى اتجاهات فكرية مختلفة . أيضا . وهؤلا ء هم الميرزا محمد حسين النائيني ، ومرتضى مطهري ، وعلي شريعتي ، ومهدي بازرجان ، وسيد حسين نصر ، وعبد الكريم سروش . ولما كانت معظم مؤلفات هؤلاء المفكرين أو الدراسات التي تتناول فكرهم غير متوفرة باللغة العربية ، فإن هذا الكتاب يفتح أمام القارئ العربي خصوصا والقارئ السني عموما نافذة على الثراء الفكري الذي شهده حقل التجديد الديني في إيران خلا ل المائة سنة الأخيرة ، وهو ثراء يجهله الكثير في العالم العربي والسني ، حتى المختصون في دراسات التجديد والإصلاح الفكري مهد المؤلف لكتابه بثلاث مقدمات تناول في الأولى الدراسات الدينية بين الافتراضات والنقائص ، وهو يرى أن نمو هذه الدراسات يحتاج إلى الدراسة التاريخية ، والدراسة الأرضية - المادية ، والدراسة التطبيقية المقارنة ، والدراسة الوصفية والعرض ، والدراسة على أساس الحوار والتفاهم ، والدراسة الإيديولوجية . وتحدث المؤلف في المقدمة الثانية عن شكل الكتاب من خلال البحث في المجال و الميدان والفترة والفكر والمفكرين والقواسم المشتركة وعنوان الكتاب والأداء العملي والتسلسل التاريخي والألقاب والمصادر . بينما تطرق في المقدمة الثالثة للمضمون حيث تشمل هذه الدراسات ست ساحات وهي السياسة والعلم والإيديولوجيات المنافسة والعلوم الإنسانية والعرفان والتجارب الباطنية والمنا هج الحديثة . وهكذا يرى المؤلف أن أفضل الأساليب لتتبع وإبراز مظاهر التناقضات الموجودة في الفكر الديني المعاصر ، هو متابعة ودراسة مفكر ديني تبلورت لديه هذه الأفكار وهذه الرؤية إلى القضايا أكثر من غيره . من هنا فإنه يركز على ستة أنواع من الرؤى ، الفلسفية ، والا جتماعية ، والمعرفية [ المنهجية ] ، والعلمية - التجريبية ، والعرفانية - الرمزية ، والفقهية - الأصولية ، للدين ، واختار ستة مفكرين إسلا ميين معاصرين في إيران ، لتتبع رؤاهم دراسة وتحليلا. في مجال النظرة الفلسفية اختار مرتضى مطهري ، ذلك أن أحد أسباب اختيار هذا المفكر تغلب نظرته الفلسفية على نظرته العرفانية [ الصوفية ] ، أو نظرته الفقهية - الأصولية ، ولأنه كان من رجال المؤسسة الدينية ، وكان من الطبيعي غلبة نظرته الفقهية - الأصولية إلا أن رغبته الشخصية ومتطلبات الفترة التي عاشها رجحت لديه كفة الفراغات الفلسفية . وكان يمكن دراسة أستاذه ، العلامة محمد حسين الطباطبائي [ 1902- 1982] أيضا في هذاالمجال ، ولكن مطهري جمع بين الا تجاه الفلسفي لأستاذه بشكل جيد ، إلى جانب الا هتمام بالقضايا الا جتماعية - السياسية . ولهذا السبب نستطيع تتبع معطيات تلك النظرة في الأمور الجزئية ، وهذا هو الدليل الثاني لا ختيار مطهري في هذه الدراسة حسب المؤلف . وبعد مطهري عرفت الساحة الفكرية أفرادا آخرين بنفس المنهج ، إلا أن أفكارهم لا تضيف شيئا جديدا على أدبيات المنهج الفلسفي هذا . وفي المجال الاجتماعي فإن علي شريعتي هو أبرز الوجوه ،. وربما كان شريعتي هو أكثر تأثيرا من جميع المفكرين الذين تشملهم هذه الدراسة ، كما قال المؤلف. وبحسب حداثة دائرة العلوم الإنسانية فإن أرضية ظهور وجوه متعددة قد درست واستوعبت مبادئ وأصول علم الا جتماع بشكل جيد ، وحملت إلى جانب ذلك، هاجس الدفاع عن الدين ، لم تنضج بعد . وكما أشار الباحث ، فقد برز أفراد في دائرة علم الا قتصاد ، إلا أنهم لم يكونوا يحملون فكرا جديدا ، في هذا المجال . ، ولم تتعد اهتماماتهم إدخال التغييرات على الكتابات الفقهية لتقديمها في قالب جديد [ أو قل بلغة جديدة ] . أما النظرة المعرفية [ المنهجية] فقد طرحها عبد الكريم سروش في بحوث [ القبض والبسط في الشريعة ] ، فبسبب انفتاح سروش على علم المناهج والفلسفة التحليلية الحديثة من جهة ، وانفتاحه على الفكر الديني التقليدي من جهة ثانية ، اتجه نحو طرح إجابات جديدة في قوالب جديدة أيضا . وقد ساعده على طرح نظرته ورؤيته ، عدم مواكبة الأفكار الدينية لمتطلبات العصر ، بعد الثورة الإسلامية . ويعد مهدي بازرجان ، في نظر المؤلف ، من أهم المفكرين الذين طرحوا تفسيرات علمية تجريبية عن الدين . فقد نهض بازرجان من جيل جعل العلم إيديولوجيته ، وفي هذا الجيل لم يكن أمام الفكر الديني بد من الاندماج مع الأفكار القائمة على العلوم التجريبية . أما في النظرة العرفانية - الرمزية فلم تكن هناك شخصية مؤثرة في هذه الفترة ، بحيث يكون هو شخصيا مؤمنا حقيقيا بهذه النظرة ، وأيضا يكون في موقف الدفاع أو عرض النظرة في هذا المجال اختار المؤلف [ حسين نصر ] لأنه - على أقل التقدير - حاول عرض الروح المعنوية - الصوفية للدين . وأما الميرزا النائيني ، فإنه يعد في افتراض هذه الدراسة من أبرز الوجوه الفقهية- الأصولية ، ذلك لأنه أولا ، من الفقهاء القلا ئل الذين اهتموا بالموضوعات المعاصرة ، واقتحم هذه الموضوعات ليس بوصفه فردا عاديا ، بل بأفكاره الفقهية و الأصولية ، و ثا نيا ، لم تشهد الفترة المعاصرة ، ولا سيما بعد الثورة الإسلامية [ 1979] حيث عرض الفقه بوصفه إيديولوجيا ها دفة وبرنامجا اجتماعيا أيضا ، لم تشهد فقيها أو أصوليا يتمتع بشخصية فقهية - أصولية [ بحتة ] ويعرض نظرياته في هذا الإطار . وفي هذا السياق يقول المؤلف إن دراسات ما بعد الثورة لعلماء الفقه هي مزيج من المبادئ العرفانية - الفلسفية والأخلاقية والفقهية التي اندمجت بالأهداف الاجتماعية ، واختلطت أيضا بالأفكار الغربية ، ومع ذلك فإنها لم تتعمق بالدرجة المطلوبة. إن الأمر المهم في هذه الدراسة هو المقارنة بين هذه النظرات من مختلف الجهات كالرؤى ، والسبل ، والمناهج التي تطرح لإحياء الدين ، والمنهج المعرفي ، وعلم الإنسان ، وعلاقة الدين والدنيا ، وعلاقة العلم والدين ، ودوافع دراسة الفكر الديني ، وسرخلود الدين ورسالته والمصلحين الدينيين . الفكر الديني عند النائيني في الفصل الأول من هذا الكتاب دراسة للفكر الديني للميرزا محمد حسين النائيني [ 1277- 1355ه] ، وهو مجتهد معروف ، وعالم أصولي بارز ، دفعه حضوره في خضم الأحداث السياسية المرتبطة بثورة الدستور في إيران ، إلى الا هتمام والتفكير في القضايا السياسية - الا جتماعية . ولعل أهم وأبرزالأمور في حياته هو دفاعه عن الدستورية ونضاله الفكري والعملي ضد الا ستبداد ، وكان هذا النوع من النضال يتطلب فهما آخر للنصوص الدينية، ونظرة مختلفة إلى الدين وإلى حضوره في الساحة الا جتماعية ودوره الدنيوي ، تختلف عن نظرة سائر علماء الدين السائدة . لايعتبر النائيني إحياء الدين وبعثه في إعادة صياغة الفكر الديني وتقديم صورة عصرية عن الدين ، بل إن القضية الأساسية للنائيني هي الا ستبداد ، حيث يعتبر هذا الأمرالسبب الأساسي لتخلف وانحطاط الأمة . فهو يرى أن سبب الانتشار السريع للإسلام وامتداد نفوذه في العصر الإسلامي الأول يكمن في عدالة وشورى الحكم الإسلامي ، وما كان يتمتع به المسلمون من الحرية والمساواة مع الخلفاء وأعوانهم في جميع الحقوق والأحكام ، كما يرى السبب الرئيسي للتخلف الذي مني به المسلمون في الحقب الأخيرة وتقدم الشعوب الغربية عليهم في عبودية المسلمين للحكومات الاستبدادية . وهذه الأفكار ليست جديدة فقد سبق إليها قبل قرن رواد فكر النهضة في مصر خاصة عبد الرحمان الكواكبي في كتابه » طبائع الا ستبداد « . وعندما يستعرض النائيني طريق الخلاص من الا ستبداد يعيد أساس الحل إلى مكافحة جهل الأمة وبث الوعي والمعرفة في صفوفها . إلا أن المؤلف يرى أن مكافحة الجهل التي يدعو إليها النائيني أمر غامض ، ذلك لأن الجهل كالعلم يتعلق بأمور خارجية ، فما الجهل الذي أدى إلى رضوخ الشعب لنير الا ستبداد وتسبب في تخلف وانحطاط المسلمين . وواضح أن هذا التعليق من المؤلف مجانب للصواب ، إذ لولا الجهل بالدين وبشؤون الدنيا لما كان ثمة انحطاط . الفكر الديني عند شريعتي يرى المؤلف أن المدخل لمعرفة الفكر الديني لشريعتي أمران هما المنهج والغاية ، ففي مجال المنهج يتحدث عن نوعية معرفته للإسلام والتي تقوم علي أساس مبادئ علم الاجتماع ، ومن منهج معرفة الإسلام من وجهة نظره ، ولدى الحديث عن الغاية يستعرض رؤية شريعتي للدين ، وعلاقته بالتنوير والإنسان ، ورسالة الدين ، ومسألة إعادة صياغة وتجديد الفكر الديني . إن مفتاح فهم منهج شريعتي في المعرفة الدينية هو فهمه بوصفه ، عالما اجتماعيا دينيا ، فشريعتي ينظر إلى الدين من حيث إنه كيان اجتماعي ، وكونه عنصرا فعالا في الحركات الا جتماعية ، ويركز على أدائه العملي في المجتمع . ولعل السبب في هذا التركيز يكمن في الا تجاه المعاصرنحوتقييم دور الدين في الحياة ، ويحاول شريعتي بسلوكه هذا المنهج أن يوضح ويشرح الدور الإيجابي للدين في المجتمع . ومهم أيضا الاطلاع على منهج معرفة الإسلام من منظاره . وفي هذا المجال كذلك ينطلق شريعتي من موقعه كعالم اجتماع ديني ، وبأسلوب تفكيره الا جتماعي ، ويستخدم أدوات علم الا جتماع المهمة كمنهج المقارنة ، ومعرفة الأنماط والنماذج. وفي موقع آخر يضع شريعتي أمامنا ثلاث طرق محددة لدراسة ومعرفة الإسلام الأول دراسة الأفكار التي تقدمها المدرسة الفكرية ، والثاني دراسة التاريخ ، والثالث دراسة النماذج . وهذه الأساليب الثلاثة تعتمد على منهجي المقارنة ودراسة الأنماط . وقد استوعب شريعتي تماما أهمية الإنسان وعلم معرفة الإنسان في هذا العصر ، وسعى لكي يعرض الوجه الإنساني للدين . وهو عندما يقف موقف الدفاع عن الدين يعرض الإنسا ن من وجهة نظرالإسلام بالصورة التي يتفهمها العصر ، ويقدم صورة عن موقف الإسلام من الإنسان تمنع من إبرازالإسلام بصورة مضادة للإنسان ، إذ الإسلام دين من أجل الإنسان ، وهودين إنساني في كلياته وجزئياته . ومن التساؤلا ت التي يطرحها العصر في مجال الدين وأدائه الا جتماعي ، علا قة الدين والدنيا المادية والمعنوية » فالإسلام لا يعرف - حتي في المسجد - فرزا بين الدين والدنيا ، بين العلوم الدينية والعلوم غير الدينية ، بل لا يعرف الفصل بين العلم والعبادة والسياسة . فمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم كان في الوقت نفسه بيتا لسكنه ولأنصاره الذين لم يجدوا مسكنا ، وكان مسجد الصلاة والدعاء والاعتكاف ، وكان حلقة دراسية وعلمية ، وأيضا كان مركزا للحكم وإدارة الشوون السياسية والا جتماعية ، ومن ثم كان برلمانا حرا كان كل الأفراد نوابا فيه « . فالإسلام يهتم بشدة بالدنيا والحاجات المادية للبشر ، في الوقت الذي يمنحه قلبا شفافا - كما يقول شريعتي - » يرى به أجمل صور الحياة في تأملا ت الفجر ، وإشراق الصباح « . ومن ثم فإن الدين في تصور شريعتي هو دين إنساني ، يخلق المسؤولية والا لتزام ، يكافح الظلم ، معارض ، رسالي ، ويقف في وجه الشرك الا جتماعي. الفكر الديني عند مطهري يقدم مطهري [ 1919- 1979 ] الدين بوصفه إيديولوجيا وبرنامجا متكاملا للحياة ، ويقوم بتشريح مبادئ هذا المشروع والدفاع عنه . والا تجاه الفلسفي هو المدخل الذي تبناه مطهري في هذا المعترك . إن أهم وأساس دوافع مطهري في دراسة الفكر الديني - حسب المؤلف - هو إيمانه الخالص بالإسلام ، وعلاقته الوثيقة بالجوانب المعنوية في الحياة ، وهاجسه الديني . إن اهتمام هذا المفكر بمتطلبات العصر هو أيضا دليل حسن على اهتمامه بمعرفة المشاكل بهدف الدفاع عن الدين ، إن متطلبات العصر هي في الواقع مشكلة اجتماعية يواجهها الداعية الديني الذي يحاول مطهري باتجاهاته الدينية - الفلسفية أن يجيب عليها » إن أهم مشكلة اجتماعية هي الإسلام ومتطلبات العصر « . فالاهتمام بهذه المتطلبات يرتبط مباشرة بطرح الدين بمثابة مدرسة مؤثرة وحاضرة في ساحة العمل والتطبيق ، ويؤمن مطهري مسبقا أن في الإسلام أصولا ثابتة لا تقبل التغيير أبدا ، ويستنبط هذا من الإيمان بخلود الإسلام ، وختم النبوة ، ووجود المبادئ الأخلاقية وإطلا قها ، وحول المنازل والمحطات أيضا يعتقد بإمكانية حل المشكلة عن طريق الا جتهاد » وقدرة الفقه العجيبة على الإجابة « وعلى التكيف . وباعتقاده أن العقل يدين التطرف والإفراط في مواجهة متطلبات العصر . كما يدين طريق الجمود والتحجر . لذا فإن الطريق السليم هو الا عتدال والعقل البشري في دائرة الأمور الجزئية. نشأ مطهري في أحضان المعارف الدينية ، وكان له هاجس الدين والدفاع عنه ، ومن بين المعارف الدينية فإن مصطلحات الفلسفة والكلام والعرفان كانت تجتذ به أكثر من غيرها . ويقررمطهري أن » الإسلام دين سماوي ، وهو خاتمة الأديان ، فهو يهدف أكثر من أي دين سماوي آخر إلى إقرار العدالة الا جتماعية ... وهو يهدف بالضرورة إلى إنقاذ المحرومين والمستضعفين ومكافحة الظالمين ، إلا أن الإسلام لم يوجه خطابه للمحرومين والمستضعفين فقط « إن اعتبار الخطاب الإسلامي موجها لجميع الناس هو-حسب رأي مطهري - لتجنب مسايرة الإيديولوجيات الطبقية والفئوية ولكي يبرهن مطهري على أن الخطاب الإسلامي موجه لجميع الناس يطرح عدة افتراضات مقبولة . الا فتراض الأول هو » أن نوع الإنسان [ أمة الناس ] يتمتع بفطرة واحدة وأصيلة ، وهذه الفطرة الواحدة والأصيلة تضفي على ثقافة الإنسان طابع الوحدة . أما الا فتراض الثاني فهو أن القيم الإنسانية تحظى لديه بالقبول والتأكيد ، ولهذا فإنه ليس بإ مكانية الإيديولوجية التي يتحدث عنها أن تهمل فئة من الناس . وأما الا فتراض الثالث فهو عدم ارتباط إيديولوجيته بالمكان والزمان ، ويرى أن هذه الإيديولوجيا قد نظمت بطريقة دقيقة وهي تعتمد على الخطوط الرئيسية لحركة الإنسان والمجتمع . يسعى مطهري لدى البحث عن الأخلاق ، وانطلا قا من إيمانه بخلود الإ سلام وختم النبوة ، يسعى في كل مكان لإثبات نوع من القيم الثابتة والأساسية ، يقول » الإيمان الديني وحده قادر على إظهار الإنسان في صورة مؤمن واقعي ، وأن يضع الذاتية والأنانية ،-من جهة- في الدرجة الثانية وبعد الإيمان والعقيدة والمبدأ ، وأن يوجد في الفرد - من جهة أخرى - نوعا من العبودية والاستسلام لله بحيث لا يتردد الفرد أبدا في قبول أصغر مسألة [ أو حكم ] يعرضها الدين عليه، وأن يظهر الدين للإنسان بصورة شئ عزيز ومحبوب وقيم إلى درجة تكون الحياة عنده بدون الدين فراغا وبلا معنى ، ويستعد للدفاع عنه بمزيد من الغيرة والحمية . وكانت قضية العلاقة بين الدين والدنيا ومحاولة الجمع بينهما بشكل من الأشكال ، المشكلة التي شغلت عامة المفكرين الإسلاميين في هذه الفترة ، وعندما يتحدث المؤلف عن الدنيا هنا فالمقصود هوالرفاه المادي بكل مستلزماته ومتطلباته . وكان موقف مطهري من الدنيا إيجابيا بالنظر إلى دعوته للتوجه العملي وتفسيره الزهد والتوكل . فهو يرى الا رتباط بالدنيا أمرا طبيعيا وفطريا ، أما الخلود القلبي إلى الدنيا والا كتفاء بالأمورالمادية الدنيوية والتوقف عندها فهو أمر مذموم ومرفوض ، ويعتقد بأن الأخلاق والتربية تقلصان الا هتمامات المادية في الإنسان ، ذلك لأنها ترسم له هدفا مثاليا ومعنويا . و يعتقد هذا المفكر بأنه لم يكن هناك أي تعارض بين العلم والدين في الثقافة الإسلامية » ينقسم تاريخ الحضارة الإسلامية إلى عصر الا زدهار الذي ازدهر فيه العلم والإيمان معا ، وإلى عصر الا نحطاط حيث انحسرفيه العلم والإيمان معا أيضا « . وحول الأحكام والموضوعات الدينية يؤمن مطهري باستنادها إلى المقاصد الواقعية والعلم الإلهي اللا محدود ، ولهذا السبب فهو يعتقد بأن العلم سوف يصدق ويؤيد هذه الأحكام على مر الزمن .