طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتجاهات الفكر الديني المعاصر في إيران
الحياة بدون الدين فراغ ولا معنى لها
نشر في العلم يوم 17 - 01 - 2010

صدر حديثا عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، كتاب » اتجاهات الفكر الديني المعاصر في إيران « تأليف مجيد محمدي ، وترجمة ص. حسين ، ومراجعة صادق العبادي . وهو يتألف من ثلا ثمائة وأربعة وثلاثين صفحة .
لقد قطع الفكر الاسلامي المعاصر في إيران شوطا كبيرا في معالجة قضايا منهجية وأساسية في تجديد الفكر الديني تستحق الدراسة والتأمل ، حيث لعب المفكرون الإصلاحيون هناك دورا كبيرا في إعادة صيا غة العقلية الا سلامية ، وتحديد عوامل أزمة الأمة المسلمة ، واقتراح منهجية بديلة للتفكير تتجاوز ثغرات المنهجية السائدة .
ويعرض المؤلف بالنقد والتحليل لقضية التجديد الديني في المشاريع الفكرية لأبرز ستة مفكرين أدوا دورا مهما في هذا المجال ، وانشغلوا في نقد الفكر الديني المعاصر وتحليله . وحيث يجمع هؤلاء التشيع والا هتمام بالفكر الإسلامي في إيران ، فإنهم يتمايزون في موقفهم النقدي من التراث ، وينتمون إلى مراحل زمنية مختلفة [ ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين ] ، وإلى اتجاهات فكرية مختلفة . أيضا . وهؤلا ء هم الميرزا محمد حسين النائيني ، ومرتضى مطهري ، وعلي شريعتي ، ومهدي بازرجان ، وسيد حسين نصر ، وعبد الكريم سروش .
ولما كانت معظم مؤلفات هؤلاء المفكرين أو الدراسات التي تتناول فكرهم غير متوفرة باللغة العربية ، فإن هذا الكتاب يفتح أمام القارئ العربي خصوصا والقارئ السني عموما نافذة على الثراء الفكري الذي شهده حقل التجديد الديني في إيران خلا ل المائة سنة الأخيرة ، وهو ثراء يجهله الكثير في العالم العربي والسني ، حتى المختصون في دراسات التجديد والإصلاح الفكري
مهد المؤلف لكتابه بثلاث مقدمات تناول في الأولى الدراسات الدينية بين الافتراضات والنقائص ، وهو يرى أن نمو هذه الدراسات يحتاج إلى الدراسة التاريخية ، والدراسة الأرضية - المادية ، والدراسة التطبيقية المقارنة ، والدراسة الوصفية والعرض ، والدراسة على أساس الحوار والتفاهم ، والدراسة الإيديولوجية . وتحدث المؤلف في المقدمة الثانية عن شكل الكتاب من خلال البحث في المجال و الميدان والفترة والفكر والمفكرين والقواسم المشتركة وعنوان الكتاب والأداء العملي والتسلسل التاريخي والألقاب والمصادر . بينما تطرق في المقدمة الثالثة للمضمون حيث تشمل هذه الدراسات ست ساحات وهي السياسة والعلم والإيديولوجيات المنافسة والعلوم الإنسانية والعرفان والتجارب الباطنية والمنا هج الحديثة .
وهكذا يرى المؤلف أن أفضل الأساليب لتتبع وإبراز مظاهر التناقضات الموجودة في الفكر الديني المعاصر ، هو متابعة ودراسة مفكر ديني تبلورت لديه هذه الأفكار وهذه الرؤية إلى القضايا أكثر من غيره . من هنا فإنه يركز على ستة أنواع من الرؤى ، الفلسفية ، والا جتماعية ، والمعرفية [ المنهجية ] ، والعلمية - التجريبية ، والعرفانية - الرمزية ، والفقهية - الأصولية ، للدين ، واختار ستة مفكرين إسلا ميين معاصرين في إيران ، لتتبع رؤاهم دراسة وتحليلا.
في مجال النظرة الفلسفية اختار مرتضى مطهري ، ذلك أن أحد أسباب اختيار هذا المفكر تغلب نظرته الفلسفية على نظرته العرفانية [ الصوفية ] ، أو نظرته الفقهية - الأصولية ، ولأنه كان من رجال المؤسسة الدينية ، وكان من الطبيعي غلبة نظرته الفقهية - الأصولية إلا أن رغبته الشخصية ومتطلبات الفترة التي عاشها رجحت لديه كفة الفراغات الفلسفية . وكان يمكن دراسة أستاذه ، العلامة محمد حسين الطباطبائي [ 1902- 1982] أيضا في هذاالمجال ، ولكن مطهري جمع بين الا تجاه الفلسفي لأستاذه بشكل جيد ، إلى جانب الا هتمام بالقضايا الا جتماعية - السياسية . ولهذا السبب نستطيع تتبع معطيات تلك النظرة في الأمور الجزئية ، وهذا هو الدليل الثاني لا ختيار مطهري في هذه الدراسة حسب المؤلف . وبعد مطهري عرفت الساحة الفكرية أفرادا آخرين بنفس المنهج ، إلا أن أفكارهم لا تضيف شيئا جديدا على أدبيات المنهج الفلسفي هذا .
وفي المجال الاجتماعي فإن علي شريعتي هو أبرز الوجوه ،. وربما كان شريعتي هو أكثر تأثيرا من جميع المفكرين الذين تشملهم هذه الدراسة ، كما قال المؤلف. وبحسب حداثة دائرة العلوم الإنسانية فإن أرضية ظهور وجوه متعددة قد درست واستوعبت مبادئ وأصول علم الا جتماع بشكل جيد ، وحملت إلى جانب ذلك، هاجس الدفاع عن الدين ، لم تنضج بعد . وكما أشار الباحث ، فقد برز أفراد في دائرة علم الا قتصاد ، إلا أنهم لم يكونوا يحملون فكرا جديدا ، في هذا المجال . ، ولم تتعد اهتماماتهم إدخال التغييرات على الكتابات الفقهية لتقديمها في قالب جديد [ أو قل بلغة جديدة ] .
أما النظرة المعرفية [ المنهجية] فقد طرحها عبد الكريم سروش في بحوث [ القبض والبسط في الشريعة ] ، فبسبب انفتاح سروش على علم المناهج والفلسفة التحليلية الحديثة من جهة ، وانفتاحه على الفكر الديني التقليدي من جهة ثانية ، اتجه نحو طرح إجابات جديدة في قوالب جديدة أيضا . وقد ساعده على طرح نظرته ورؤيته ، عدم مواكبة الأفكار الدينية لمتطلبات العصر ، بعد الثورة الإسلامية .
ويعد مهدي بازرجان ، في نظر المؤلف ، من أهم المفكرين الذين طرحوا تفسيرات علمية تجريبية عن الدين . فقد نهض بازرجان من جيل جعل العلم إيديولوجيته ، وفي هذا الجيل لم يكن أمام الفكر الديني بد من الاندماج مع الأفكار القائمة على العلوم التجريبية .
أما في النظرة العرفانية - الرمزية فلم تكن هناك شخصية مؤثرة في هذه الفترة ، بحيث يكون هو شخصيا مؤمنا حقيقيا بهذه النظرة ، وأيضا يكون في موقف الدفاع أو عرض النظرة في هذا المجال اختار المؤلف [ حسين نصر ] لأنه - على أقل التقدير - حاول عرض الروح المعنوية - الصوفية للدين .
وأما الميرزا النائيني ، فإنه يعد في افتراض هذه الدراسة من أبرز الوجوه الفقهية- الأصولية ، ذلك لأنه أولا ، من الفقهاء القلا ئل الذين اهتموا بالموضوعات المعاصرة ، واقتحم هذه الموضوعات ليس بوصفه فردا عاديا ، بل بأفكاره الفقهية و الأصولية ، و ثا نيا ، لم تشهد الفترة المعاصرة ، ولا سيما بعد الثورة الإسلامية [ 1979] حيث عرض الفقه بوصفه إيديولوجيا ها دفة وبرنامجا اجتماعيا أيضا ، لم تشهد فقيها أو أصوليا يتمتع بشخصية فقهية - أصولية [ بحتة ] ويعرض نظرياته في هذا الإطار . وفي هذا السياق يقول المؤلف إن دراسات ما بعد الثورة لعلماء الفقه هي مزيج من المبادئ العرفانية - الفلسفية والأخلاقية والفقهية التي اندمجت بالأهداف الاجتماعية ، واختلطت أيضا بالأفكار الغربية ، ومع ذلك فإنها لم تتعمق بالدرجة المطلوبة.
إن الأمر المهم في هذه الدراسة هو المقارنة بين هذه النظرات من مختلف الجهات كالرؤى ، والسبل ، والمناهج التي تطرح لإحياء الدين ، والمنهج المعرفي ، وعلم الإنسان ، وعلاقة الدين والدنيا ، وعلاقة العلم والدين ، ودوافع دراسة الفكر الديني ، وسرخلود الدين ورسالته والمصلحين الدينيين .
الفكر الديني عند النائيني
في الفصل الأول من هذا الكتاب دراسة للفكر الديني للميرزا محمد حسين النائيني [ 1277- 1355ه] ، وهو مجتهد معروف ، وعالم أصولي بارز ، دفعه حضوره في خضم الأحداث السياسية المرتبطة بثورة الدستور في إيران ، إلى الا هتمام والتفكير في القضايا السياسية - الا جتماعية . ولعل أهم وأبرزالأمور في حياته هو دفاعه عن الدستورية ونضاله الفكري والعملي ضد الا ستبداد ، وكان هذا النوع من النضال يتطلب فهما آخر للنصوص الدينية، ونظرة مختلفة إلى الدين وإلى حضوره في الساحة الا جتماعية ودوره الدنيوي ، تختلف عن نظرة سائر علماء الدين السائدة .
لايعتبر النائيني إحياء الدين وبعثه في إعادة صياغة الفكر الديني وتقديم صورة عصرية عن الدين ، بل إن القضية الأساسية للنائيني هي الا ستبداد ، حيث يعتبر هذا الأمرالسبب الأساسي لتخلف وانحطاط الأمة . فهو يرى أن سبب الانتشار السريع للإسلام وامتداد نفوذه في العصر الإسلامي الأول يكمن في عدالة وشورى الحكم الإسلامي ، وما كان يتمتع به المسلمون من الحرية والمساواة مع الخلفاء وأعوانهم في جميع الحقوق والأحكام ، كما يرى السبب الرئيسي للتخلف الذي مني به المسلمون في الحقب الأخيرة وتقدم الشعوب الغربية عليهم في عبودية المسلمين للحكومات الاستبدادية . وهذه الأفكار ليست جديدة فقد سبق إليها قبل قرن رواد فكر النهضة في مصر خاصة عبد الرحمان الكواكبي في كتابه » طبائع الا ستبداد « .
وعندما يستعرض النائيني طريق الخلاص من الا ستبداد يعيد أساس الحل إلى مكافحة جهل الأمة وبث الوعي والمعرفة في صفوفها . إلا أن المؤلف يرى أن مكافحة الجهل التي يدعو إليها النائيني أمر غامض ، ذلك لأن الجهل كالعلم يتعلق بأمور خارجية ، فما الجهل الذي أدى إلى رضوخ الشعب لنير الا ستبداد وتسبب في تخلف وانحطاط المسلمين . وواضح أن هذا التعليق من المؤلف مجانب للصواب ، إذ لولا الجهل بالدين وبشؤون الدنيا لما كان ثمة انحطاط .
الفكر الديني عند شريعتي
يرى المؤلف أن المدخل لمعرفة الفكر الديني لشريعتي أمران هما المنهج والغاية ، ففي مجال المنهج يتحدث عن نوعية معرفته للإسلام والتي تقوم علي أساس مبادئ علم الاجتماع ، ومن منهج معرفة الإسلام من وجهة نظره ، ولدى الحديث عن الغاية يستعرض رؤية شريعتي للدين ، وعلاقته بالتنوير والإنسان ، ورسالة الدين ، ومسألة إعادة صياغة وتجديد الفكر الديني .
إن مفتاح فهم منهج شريعتي في المعرفة الدينية هو فهمه بوصفه ، عالما اجتماعيا دينيا ، فشريعتي ينظر إلى الدين من حيث إنه كيان اجتماعي ، وكونه عنصرا فعالا في الحركات الا جتماعية ، ويركز على أدائه العملي في المجتمع . ولعل السبب في هذا التركيز يكمن في الا تجاه المعاصرنحوتقييم دور الدين في الحياة ، ويحاول شريعتي بسلوكه هذا المنهج أن يوضح ويشرح الدور الإيجابي للدين في المجتمع .
ومهم أيضا الاطلاع على منهج معرفة الإسلام من منظاره . وفي هذا المجال كذلك ينطلق شريعتي من موقعه كعالم اجتماع ديني ، وبأسلوب تفكيره الا جتماعي ، ويستخدم أدوات علم الا جتماع المهمة كمنهج المقارنة ، ومعرفة الأنماط والنماذج. وفي موقع آخر يضع شريعتي أمامنا ثلاث طرق محددة لدراسة ومعرفة الإسلام
الأول دراسة الأفكار التي تقدمها المدرسة الفكرية ، والثاني دراسة التاريخ ، والثالث دراسة النماذج . وهذه الأساليب الثلاثة تعتمد على منهجي المقارنة ودراسة الأنماط .
وقد استوعب شريعتي تماما أهمية الإنسان وعلم معرفة الإنسان في هذا العصر ، وسعى لكي يعرض الوجه الإنساني للدين . وهو عندما يقف موقف الدفاع عن الدين يعرض الإنسا ن من وجهة نظرالإسلام بالصورة التي يتفهمها العصر ، ويقدم صورة عن موقف الإسلام من الإنسان تمنع من إبرازالإسلام بصورة مضادة للإنسان ، إذ الإسلام دين من أجل الإنسان ، وهودين إنساني في كلياته وجزئياته .
ومن التساؤلا ت التي يطرحها العصر في مجال الدين وأدائه الا جتماعي ، علا قة الدين والدنيا المادية والمعنوية » فالإسلام لا يعرف - حتي في المسجد - فرزا بين الدين والدنيا ، بين العلوم الدينية والعلوم غير الدينية ، بل لا يعرف الفصل بين العلم والعبادة والسياسة . فمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم كان في الوقت نفسه بيتا لسكنه ولأنصاره الذين لم يجدوا مسكنا ، وكان مسجد الصلاة والدعاء والاعتكاف ، وكان حلقة دراسية وعلمية ، وأيضا كان مركزا للحكم وإدارة الشوون السياسية والا جتماعية ، ومن ثم كان برلمانا حرا كان كل الأفراد نوابا فيه « . فالإسلام يهتم بشدة بالدنيا والحاجات المادية للبشر ، في الوقت الذي يمنحه قلبا شفافا - كما يقول شريعتي - » يرى به أجمل صور الحياة في تأملا ت الفجر ، وإشراق الصباح « .
ومن ثم فإن الدين في تصور شريعتي هو دين إنساني ، يخلق المسؤولية والا لتزام ، يكافح الظلم ، معارض ، رسالي ، ويقف في وجه الشرك الا جتماعي.
الفكر الديني عند مطهري
يقدم مطهري [ 1919- 1979 ] الدين بوصفه إيديولوجيا وبرنامجا متكاملا للحياة ، ويقوم بتشريح مبادئ هذا المشروع والدفاع عنه . والا تجاه الفلسفي هو المدخل الذي تبناه مطهري في هذا المعترك . إن أهم وأساس دوافع مطهري في دراسة الفكر الديني - حسب المؤلف - هو إيمانه الخالص بالإسلام ، وعلاقته الوثيقة بالجوانب المعنوية في الحياة ، وهاجسه الديني . إن اهتمام هذا المفكر بمتطلبات العصر هو أيضا دليل حسن على اهتمامه بمعرفة المشاكل بهدف الدفاع عن الدين ، إن متطلبات العصر هي في الواقع مشكلة اجتماعية يواجهها الداعية الديني الذي يحاول مطهري باتجاهاته الدينية - الفلسفية أن يجيب عليها » إن أهم مشكلة اجتماعية هي الإسلام ومتطلبات العصر « . فالاهتمام بهذه المتطلبات يرتبط مباشرة بطرح الدين بمثابة مدرسة مؤثرة وحاضرة في ساحة العمل والتطبيق ، ويؤمن مطهري مسبقا أن في الإسلام أصولا ثابتة لا تقبل التغيير أبدا ، ويستنبط هذا من الإيمان بخلود الإسلام ، وختم النبوة ، ووجود المبادئ الأخلاقية وإطلا قها ، وحول المنازل والمحطات أيضا يعتقد بإمكانية حل المشكلة عن طريق الا جتهاد » وقدرة الفقه العجيبة على الإجابة « وعلى التكيف . وباعتقاده أن العقل يدين التطرف والإفراط في مواجهة متطلبات العصر . كما يدين طريق الجمود والتحجر . لذا فإن الطريق السليم هو الا عتدال والعقل البشري في دائرة الأمور الجزئية.
نشأ مطهري في أحضان المعارف الدينية ، وكان له هاجس الدين والدفاع عنه ، ومن بين المعارف الدينية فإن مصطلحات الفلسفة والكلام والعرفان كانت تجتذ به أكثر من غيرها .
ويقررمطهري أن » الإسلام دين سماوي ، وهو خاتمة الأديان ، فهو يهدف أكثر من أي دين سماوي آخر إلى إقرار العدالة الا جتماعية ... وهو يهدف بالضرورة إلى إنقاذ المحرومين والمستضعفين ومكافحة الظالمين ، إلا أن الإسلام لم يوجه خطابه للمحرومين والمستضعفين فقط « إن اعتبار الخطاب الإسلامي موجها لجميع الناس هو-حسب رأي مطهري - لتجنب مسايرة الإيديولوجيات الطبقية والفئوية ولكي يبرهن مطهري على أن الخطاب الإسلامي موجه لجميع الناس يطرح عدة افتراضات مقبولة . الا فتراض الأول هو » أن نوع الإنسان [ أمة الناس ] يتمتع بفطرة واحدة وأصيلة ، وهذه الفطرة الواحدة والأصيلة تضفي على ثقافة الإنسان طابع الوحدة . أما الا فتراض الثاني فهو أن القيم الإنسانية تحظى لديه بالقبول والتأكيد ، ولهذا فإنه ليس بإ مكانية الإيديولوجية التي يتحدث عنها أن تهمل فئة من الناس . وأما الا فتراض الثالث فهو عدم ارتباط إيديولوجيته بالمكان والزمان ، ويرى أن هذه الإيديولوجيا قد نظمت بطريقة دقيقة وهي تعتمد على الخطوط الرئيسية لحركة الإنسان والمجتمع .
يسعى مطهري لدى البحث عن الأخلاق ، وانطلا قا من إيمانه بخلود الإ سلام وختم النبوة ، يسعى في كل مكان لإثبات نوع من القيم الثابتة والأساسية ، يقول » الإيمان الديني وحده قادر على إظهار الإنسان في صورة مؤمن واقعي ، وأن يضع الذاتية والأنانية ،-من جهة- في الدرجة الثانية وبعد الإيمان والعقيدة والمبدأ ، وأن يوجد في الفرد - من جهة أخرى - نوعا من العبودية والاستسلام لله بحيث لا يتردد الفرد أبدا في قبول أصغر مسألة [ أو حكم ] يعرضها الدين عليه، وأن يظهر الدين للإنسان بصورة شئ عزيز ومحبوب وقيم إلى درجة تكون الحياة عنده بدون الدين فراغا وبلا معنى ، ويستعد للدفاع عنه بمزيد من الغيرة والحمية . وكانت قضية العلاقة بين الدين والدنيا ومحاولة الجمع بينهما بشكل من الأشكال ، المشكلة التي شغلت عامة المفكرين الإسلاميين في هذه الفترة ، وعندما يتحدث المؤلف عن الدنيا هنا فالمقصود هوالرفاه المادي بكل مستلزماته ومتطلباته .
وكان موقف مطهري من الدنيا إيجابيا بالنظر إلى دعوته للتوجه العملي وتفسيره الزهد والتوكل . فهو يرى الا رتباط بالدنيا أمرا طبيعيا وفطريا ، أما الخلود القلبي إلى الدنيا والا كتفاء بالأمورالمادية الدنيوية والتوقف عندها فهو أمر مذموم ومرفوض ، ويعتقد بأن الأخلاق والتربية تقلصان الا هتمامات المادية في الإنسان ، ذلك لأنها ترسم له هدفا مثاليا ومعنويا . و يعتقد هذا المفكر بأنه لم يكن هناك أي تعارض بين العلم والدين في الثقافة الإسلامية » ينقسم تاريخ الحضارة الإسلامية إلى عصر الا زدهار الذي ازدهر فيه العلم والإيمان معا ، وإلى عصر الا نحطاط حيث انحسرفيه العلم والإيمان معا أيضا « . وحول الأحكام والموضوعات الدينية يؤمن مطهري باستنادها إلى المقاصد الواقعية والعلم الإلهي اللا محدود ، ولهذا السبب فهو يعتقد بأن العلم سوف يصدق ويؤيد هذه الأحكام على مر الزمن .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.