باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    دعوة وزيرة السياحة البنمية لزيارة الداخلة: خطوة نحو شراكة سياحية قوية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    الاحتيال على الراغبين في الهجرة السرية ينتهي باعتقال شخصين    حجز 230 كيلوغراما من الشيرا بوزان‬    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    ضمنهم طفل مغربي.. مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم بسكين بألمانيا والمشتبه به أفغاني    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    فوضى حراس السيارات في طنجة: الأمن مطالب بتدخل عاجل بعد تعليمات والي الجهة    لا زال معتقلاً بألمانيا.. المحكمة الدستورية تجرد محمد بودريقة من مقعده البرلماني    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    السكوري: نسخة "النواب" من مشروع قانون الإضراب لا تعكس تصور الحكومة    النصب على "الحراكة" في ورزازات    في درس تنصيب أفاية عضوا بأكاديمية المملكة .. نقد لخطابات "أزمة القيم"    ميناء طنجة المتوسط يكسر حاجز 10 ملايين حاوية في سنة واحدة    عامل إقليم الجديدة يستقبل رئيس وأعضاء المجلس الإقليمي للسياحة    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    المغرب يُحبط أكثر من 78 ألف محاولة هجرة غير نظامية في 2024    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    الشيخات داخل قبة البرلمان    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمد الروكي في حوار ل "للتجديد" حول الاجتهاد والتجديد والتقعيد الفقهي:إشاعة الفكر المعتدل هي السبيل لمدافعة الغلو
نشر في التجديد يوم 17 - 01 - 2006

في هذا الحوار يتناول الدكتور الروكي قضية تجديد الخطاب الديني، من زاوية الاجتهاد في النص الشرعي، إذ يطرح تصوره لقضية التجديد الأصولي، الذي ي ينبغي - حسب الروكي - أن يتأسس على فقه الصحابة ومنهجهم في النظر، لكن ضمن نظرية متكاملة تختزل كل جهود الفقهاء وتفريعاتهم في إطار ما يسمى بنظرية التقعيد الفقهي، ولا ينسى الدكتور الروكي أن يؤكد على أهمية الحوار والانفتاح والتسامح ضمن مشروع تجديد الخطاب الديني، مبرزا أن إشاعة الفكر المعتدل هو الطريق الأمثل لمواجهة فكر الغلو والتطرف.. نص الحوار:
التجديد في الحقل الأصولي والفقهي يراه البعض مطلبا ضروريا، في حين يرى البعض أن لا ضرورة مطلقا للارتهان إلى النص الشرعي، وكل الفهوم المتعلقة به، ويأتي طرف ثالث يرى أن المنهجية الأصولية والفقهية قد استكملت حلقاتها. مع أي طرح تذهبون؟ وماهي المبررات التي تسوغون بها مذهبكم؟
إن تجديد الفقه وأصوله لا يعني أن نستبدل بهما فقها جديدا وأصول فقه جديد، وإنما المقصود بهذا التجديد: تجديد طرق البحث ومناهج النظر فيهما، والاستفادة مما جد من العلوم والمعارف في تطوير أساليب الأخذ منهما وإعمال قواعدهما في ضبط وقائع الحياة واستيعاب حوادثها، وهذا النوع من التجديد لا يقتصر على الفقه وأصوله، بل يشمل كل العلوم الشرعية التي تأسست مترابطة متماسكة متكاملة، ونشأ في حضنها الفكر الإسلامي الشمولي الذي يقود الحياة إلى التي هي أقوم...
نعم إن الفقه وأصوله وعلوم القرآن وعلوم الحديث وعلم العقيدة وسائر العلوم الشرعية واللغوية والعقلية التي نشأت في تاريخ الإسلام، تعتبر وحدة واحدة، وكلا متماسك الأجزاء، يعكس بمجموعه فكرة الإسلام وذاته وهويته، وهي قابلة للتجديد في شكلها وقالبها ومنهج التعامل معها، فلكل عصر أدواته وآلياته في فهم العلوم والاستفادة منها وتوظيفها في تدبير شؤون الحياة وتسيير نظمها، وهذا لا يعني تغير هذه العلوم في ثوابتها وقواعدها الراسخة، بل هو تجديد في طبيعة الصلة بها، وأسلوب مباشرتها والاستفادة منها، وهذا داخل في عموم تجديد الدين الذي ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها فتجديد الدين هنا ليس المقصود به أن يستبدل به دين آخر، وإنما هو تجديد الصلة بالدين، وتجديد أدوات فهم الدين وآليات تطبيقه وتنزيله على واقع الحياة، ومن جملة ذلك علوم الدين التي هي مفاتيح فهم الدين وقوام التدين. وتجديد علوم الدين معناه: بعث هذه العلوم من جديد، وعرض مضامينها بمنهج يوافق الزمان والمكان والإنسان، ومن ثم فإن تجديد الفقه وأصوله مسألة عادية لا داعي للخلاف فيها مادام الأمر
فيها يتعلق بالشكل والمنهج والقالب، لا بالقواعد والأصول والكليات التي يقوم عليها بناء الفقه وأصوله ويستقر عليها محتواهما. وهذا النوع من التجديد تفرضه ضرورة تطور الحياة وتجدد نوازلها وحوادثها، وتغير العادات والنظم الحياتية، وما يتبع ذلك من ضرورة التجديد في فقه التنزيل...
وتجديد الفقه وأصوله لا ينافي الرجوع إلى النص، والوقوف عليه والتقيد به، بل هو متماش معه، مهتد به، ومنقاد بزمامه.
فالتجديد في الفقه شقيق الاجتهاد، غير أن الاجتهاد يكون في إدراك الحكم الشرعي، والتوصل إليه عن طريق دليل من الأدلة الشرعية العقلية، والتجديد يكون في تنزيل ذلك الحكم على محله في واقع الحياة، الاجتهاد يتجه إلى المضمون، والتجديد يتجه إلى الشكل، وإذن فالتجديد حينما يصادق محله ويلزم حدوده، لا يكون مثار اختلاف ولا محل نزاع، ولا ينبغي أن يكون كذلك، وغالبا ما يدفعه إلى ذلك ولوج بابه بغير كفاية فيما يلزمه من المؤهلات والأدوات والشروط العلمية والثقافية...
كل الذين اجتهدوا وأصلوا الأصول وقعدوا القواعد وصلوا نظرهم بفهم الصحابة، والذين ينطلقون من رؤى ظاهرية وحرفية هم أيضا يدعون انطلاقهم من فهوم الصحابة ومنهجهم في النظر، هل يعني هذا أن فتاوى الصحابة وأقضيتهم واجتهاداتهم تسمح للجميع أن يشتق منها منهجه في النظر، أم أن الأمر يتعلق فقط بالانتساب المجرد عن الاستيعاب العميق لمنهج الصحابة؟
الصحابة رضوان الله عليهم هم الواسطة بين عهد النبوة والعهود المتوالية بعده، ويتميزون عن غيرهم بكونهم عايشوا زمان الوحي، ونقلوا إرث النبوة إلى من بعدهم، وأن ما قد لا نجد تأصيله في السنة القولية والفعلية نجده في السنة التقريرية التي مادتها: أقوالهم وأفعالهم التي صدرت منهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فأقرها بالتصريح أو بالسكوت، ولذلك فإن الأثر المنقول عن الصحابة له قيمته الفقهية وقوته في ميزان الاستدلال. والناظرون في ذلك يتفاوتون في مستوى النظر بين من يقف على ظاهر الأثر ولا يتجاوزه، ومن يتفقه في الأثر، ويتعمق في دلالته ومعانيه، تماما كتفاوتهم في الاستنباط من النصوص الشرعية وفهم معانيها ودلالتها على الأحكام، بين الواقف على ظاهرها، والمتجاوز ذلك إلى الأخذ من مفهومها وتنبيهها وإشارتها، واستنطاقها في ضوء مقاصدها العامة والخاصة وعللها الكلية والجزئية، وإذن فآثار الصحابة هي هي، ولكن نظر العلماء فيها هو الذي يختلف بين الأخذ بالظاهر والأخذ بما سواه من مراعاة المقاصد والعلل والحكم ومناطات الأحكام، وبالطبع فكل من الطائفتين مستنده آثار الصحابة من قول أو فعل أو تقرير أو فتوى أو قضاء أو غير ذلك،
ومن ثم فليست العبرة فيما يدعيه الذين يباشرون العمل الفقهي والبحث الأصولي من استناد ذلك إلى فقه الصحابة وأنبنائه عليه، ولكن العبرة في مستوى فهم ذلك وفقهه وتحريره وتحقيق المناط فيه...
كنتم من الذين يطرحون ضرورة إيلاء أهمية كبرى للدراسات التي تتناول فقه الصحابة ومنهجهم في النظروالفهم، هل يرجع ذلك في نظركم إلى انسداد آفاق المنهجية الأصولية كما تأصلت عند الإمام الشافعي واستقرت عند المتأخرين؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة لتحريك روح هذه المنهجية وتفعيلها؟
إن فقه الصحابة كما سبق هو الحلقة الأولى من حلقات الفقه الإسلامي وهو محمدة هذه الحلقات ونموذجها، لأنه يمثل الفهم الصافي لنصوص الشرع، والاستنباط الدقيق السديد لأحكامه، لأنه نشأ أول ما نشأ برعاية النبي صلى الله عليه وسلم وإشرافه وتوجيهه. وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم باشر الصحابة فقه الحوادث والوقائع بما معهم من علم الشريعة وفقه الدين مما اقتبسوه من مشكاة النبوة واغترفوه من معينها الصافي، فرسخت عندهم أصوله وقواعده حتى صارت سليقة فيهم وسجية لهم..
ولأجل ذلك كان لابد من أن يرتبط الفقه على امتداد زمانه ومكان وتسلسل حلقاته بفقه الصحابة، ويتصل فهم النص الشرعي بفهمهم. و فقههم . ففهوم الصحابة واستيعابهم لكليات الدين وفروعه هي النموذج والتجديد، وإنما كانت كذلك لأنهم أخذوها مباشرة من مدرسة النبوة، فالرجوع إلى هذا الفقه المأثور عنهم لا يعني انسداد أفق المنهج الأصولي أو انغلاق باب الاجتهاد، أو قصور العقل عن الاستمرار في مباشرة ذلك، بل يعني المحافظة على ثوابت الفقه وقواعده وكلياته المجردة عن الزمان والمكان، والمحافظة على أصوله التي تمتلك في مضمونها عناصر الديمومة والاستمرار. ولا يتعارض هذا مع التجديد في الشكل والمنهج وتحديث الأدوات والآليات المعتمدة في التنزيل..
في اللحظة التي مال فيها كثير من الباحثين والدارسين لمقاصد الشريعة تحقيقا لمطالبها واستكمالا لمقاطعها تفرغتم لمشروع التقعيد الفقهي، كيف تبررون هذا الاختيار؟ ألا يعكس ذلك رغبة منكم في تجديد المنهجية الفقهية وإثبات قدرتها على التكيف مع معطيات العصر؟
الاشتغال بالتقعيد الفقهي جاء في وقته المناسب، وأملته حاجة المجتمع فضلا عن حاجة البحث الفقهي المعاصر، فالواقع المعاصر يعج بالمستجدات التي لا يمكن أن يستوعبها فقه الفروع، بل لابد فيها من الاضطلاع بفقه الكليات والقواعد، لأن هذا الفقه التقعيدي من شأنه أن يختزل أعمال الفقهاء، ويجمع منها ما تفرق، ويقرب ما تباعد، فإدراك آماد القواعد الفقهية هو إدراك لمآت الفروع والجزئيات الفقهية، فضلا عن أن الإدراك على مستوى التقعيد يصطحبه تصنيف المدركات وترتيبها في منظومتها التي تندرج فيها وتنضبط بها، كما أن البحث الفقهي على مستوى التقعيد يتميز بامتلاكه قوة التجريد والشمول والاستيعاب، وهذا شيء يؤهله ويرشحه لامتلاك عنصر الاستمرار والمواكبة والقدرة على التجدد، ومن ثم كان لابد من تحرير نظرية كاملة واضحة عن التقعيد الفقهي لتدرس في ضوئها عيون المصنفات الفقهية، دراسة تهدف إلى استخلاص مافيها من القواعد الفقهية وتصنيفها وترتيبها حسب موضوعاتها وأصولها الشرعية وسعتها في استيعاب الفروع والجزئيات. وقد أنجز في هذا المشروع أعمال وأبحاث علمية كثيرة كان للمغرب فيها فضل السبق والتبريز، وزامن ذلك ظهور مشروع معلمة القواعد
الفقهية الذي تبناه الفقه الإسلامي بجدة، إدراكا منه لقيمة العمل في التقعيد الفقهي واستشعارا بأهميته ومكانته في خدمة الفقه الإسلامي وتقريب مضامينه وتيسر مناهجه للاستفادة منه في واقعنا المعاصر.
والاشتغال بالتقعيد الفقهي إلى جانب أهميته وخطورته ومساس الحاجة إليه في الواقع المعاصر، فهو لا يعارض الاشتغال بمقاصد الشرعية ولا ينافيه، بل هو أعم منه ويقتضيه، فالتقصيد الفقهي يفتقر العمل فيه إلى مؤهلات علمية كثيرة منها الضلاعة في علم مقاصد الشرعية، كما أن من جملة القواعد المقاصدية التي تقصد لمقاصد الشريعة، الكلية والجزئية، العامة والخاصة، فالجانبان متكاملان، ويفتقر بعضهما إلى بعض.
التسامح والانفتاح، مفردات يوظفها الخطاب العلماني لتبرير مقولة التجديد الديني وإعادة قراءة النص القرآني بما يتناسب مع ما يسمى منتجات العقل الكوني كيف تنظرون لهذا الفهم؟
التسامح والتفتح على الآخر أمر مقرر في شريعتنا، وتدعو إليه نصوصها في مواطن كثيرة منها قوله تعالى في سورة الحجرات: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) والتعارف هنا ليس مقصودا لذاته، بل لما يفضي إليه من تبادل المعارف والعلوم والخدمات الفكرية والانسانية... وهذا التفتح مشروط بأن يكون منضبطا بقيم الإسلام ومبادئه، ملتزما بثوابته وأصوله، حتى لا ينقلب إلى ذوبان في الآخر وانصهار فيه إلى حد فقدان الذات والهوية.
نعم لا مانع من فتح الحوار مع الآخرين وربط حبل الخطاب بهم إذا قام هذا الحوار على تثبيت الذات وحفظ الهوية، وانبنى هذا الخطاب المفتوح على ثوابتنا الدينية التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان والانسان، ففي القرآن الكريم قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقوله عز وجل: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) وقوله سبحانه: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) إلى غير ذلك من النصوص الشرعية التي تؤصل لهذا التفتح والتسامح، لكن ذلك كله مشروط بحفظ الهوية وصيانة المبادئ والثوابت.
وبناء على ذلك فلا يجوز أن يدخل شيء في منظومة إعادة قراءة النص القرآني، لأن قراءة النص القرآني واستخلاص معانيه واستنباط أحكامه أمر يخضع لثوابت معينه وينضبط بمنهاج دلالي معين، ويسير في ضوء قواعد وأصول معينة، ولا يجوز الزيغ عن ذلك والخروج عن نظامه وقانونه الراسخ الثابت.
إن مثل هذه الدعوة ليس إلا وسيلة لتمييع قراءة النص الشرعي والعبث بدلالته وفقده مصداقية مضامينه المقدسية الربانية، لذلك يجب نبذ أي دعوة من شأنها أن تمس شيء من الثوابت المقررة في ديننا وقواطع نصوصه...
يرى بعض الباحثين أن الإطار الأصولي الذي أصله الإمام الشافعي لم يعد قادرا على الوفاء والاستجابة للتحديات المعاصرة، ويرى أنه لابد من الاستعانة إلى جانب فهم مقاصد الشريعة بمعطيات العلوم الانسانية ومناهجها في عملية الاجتهاد وكيف تنظرون لهذه الدعوة؟
أما أن الموروث الأصولي الذي بلغنا من عهد الشافعي قد أصبح غير قادر على الاستجابة للتحديات المعاصرة، فهذه دعوى غير صحيحة، لأن الذي وصلنا طوال هذه القرون في أصول الفقه من قواعد وضوابط ومناهج في الاستنباط والاجتهاد والتنزيل، هو من السعة والتحول والغني بحيث لا يمكن أن يكون معه خصاصة، ولا يمكن أن يعجزه شيء من تحديات الواقع المعاصر، لأن قواعده ومناهجه قوية موضوعية مجردة عن عنصر الزمان والمكان والانسان، فهي تمتلك الصلاحية للاستمرار والبقاء مادامت الحياة قائمة باقية، وقوتها واستمراريتها مستمدة من قوة النص الشرعي واستمراريته، ومن ثم فلا سبيل إلى عجز المنهاج الأصولي عن الاستيعاب والمواكبة، ولا سبيل إلى قصوره عن متابعة التطورات والمستجدات، وإنما يجب أن لا ينقطع إعداد العلماء المؤهلين لإعمال هذا المنهاج وقواعده وأصوله لاستيعاب الحوادث والوقائع. فإذا كان هناك خلل وقصور في مواجهة هذه التحديات المعاصرة فإنما هو في الجهة القائمة بالبحث والنظر ومباشرة الإعمال الأصولي والفقهي، لا في المنهاج نفسه ومادته وقواعده وأصوله...
ومع ذلك فلا مانع من الاستفادة من أنواع العلوم والمعارف الإنسانية مادامت قائمة على أسس سليمة وبناء سوي. فالعلوم تتكامل ويتسع بعضها لبعض، والمعارف لا تتزاحم، بل يخدم بعضها بعضا، ومن ثم فلا يضير المنهاج الأصولي أن يستفيد من هذه المعارف والعلوم، ولاسيما في إطار التنزيل، فكل ما يساعد على فقه الواقع فهو خادم للمنهاج الأصولي بوجه من الوجوه.
والاستفادة من هذه المعارف والعلوم يجب أن تكون مسيجة بما يلزم من الضوابط والشروط التي تمنع صاحبها من أن يزل أو يخل بعنصر من عناصر المنهاج الأصولي فيستعمله في غير وجهته الصحيحة.
كيف تقيمون واقع الاجتهاد الفقهي والأصولي اليوم، وماهي الخطوط العامة التي تقترحونها لاستكمال معالم المشروع التجديدي الأصولي؟
الاجتهاد الفقهي الأصولي اليوم آخذ طريقه وقائم بوظيفته من خلال مؤسساته الجماعية المتمثلة في المجامع الفقهية وغيرها من الهيآت الجماعية التي تلتقي فيها الخبرات الميدانية والأبحاث الفقهية، ثم تنتهي بعد الدراسة والمناقشة العلمية إلى النتائج والقرارات الفقهية التي تعرض للتطبيق. وهذا يضمن للاجتهاد المعاصر مواكبة المستجدات والتطورات المعاصرة واستيعابها بما يناسبها من الأحكام الشرعية.
وإن كان لي شيء من المقترحات في هذا الصدد فهو العمل على توسيع نطاق الاجتهاد الجماعي وتعميقه، والاستفادة فيه من التقنيات الحديثة وربط البحث الفقهي فيه بواقعه ومحيطه العام والخاص، وإعطاء جانب التصور ما يستحق من الجهد لتسليم النتائج وتأتي الأحكام سليمة ليس فيها خلل أو زلل، فقديما قال المناطقة الحكم على الشيء فرع عن تصوره وعمل الاجتهاد الجماعي من خلال مؤسساته قائم على الأمرين معا: تصور الحوادث والمستجدات ثم تقرير الحكم عليها.
في نظركم ما الذي يسمح بفكر الغلو بالشيوع والانتشار؟ وما السبيل لمحاصرته؟
إن شيوع فكر الغلو إنما يكون بعدم مدافعته بإشاعة الفكر المعتدل، وقد يكون بمقارعته بفكر أشد منه غلوا، ولذلك فإن محاصرته تكون بإشاعة الفكر المعتدل الراشد والدعوة إليه بالحكمة والسداد، فذلك من شأنه أن ينبذ الفكر المغالي تلقائيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.