تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تقض العبودية مضجع المجتمع الدولي
ذكر المؤشر العالمي لسنة 2014 أن عدد العبيد وصل إلى 36 مليون نسمة
نشر في المساء يوم 19 - 02 - 2016

حينما تفجرت حكاية ملف حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، وطالبت توصية أمريكية بتمديد مهام المينورسو لمراقبة هذا الملف على الأراضي المغربية، والتي تعتبرها الأمم المتحدة مناطق متنازع حولها، على الرغم من أن مهام المينورسو الإشراف فقط على وقف إطلاق النار، عاد ملف آخر أكثر حساسية إلى الواجهة وهو المتعلق بحقوق الإنسان، لكن هناك في مناطق تيندوف التي تعتقل بها البوليساريو مغاربة تحت الإكراه. وقد ظلت التقارير الصحافية، التي تنجزتها منظمات مستقلة، تتحدث عن وجود عبودية في هذه المناطق بشكل يكاد يصبح تقليدا، مما يطرح السؤال كبيرا، هل لا تزال مثل ممارسات العبودية تجد لها موطئ قدم في عالم اليوم؟ وكيف عجزت المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان عن فضحها والسعي لإنهائها، خصوصا وقد أصبحت من الماضي السحيق.
36 مليون عبد في العالم
لم تكن النتائج التي كشف عنها المؤشر العالمي حول العبودية في 2014، لتفاجئ العالم. فقد جاء التقرير ليقدم أرقامه الصادمة لكي يقول إن دول قطر، وجمهورية الكونجو الديمقراطية، والسودان، وسوريا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، تتصدر قائمة الترتيب لتصبح ضمن الدول العشر الأولى من حيث معدلات انتشار العبودية في المؤشر العالمي للعبودية. وهو ثاني مسح سنوي من نوعه، نشرت نتائجه في 17 نونبر 2014. إذ أظهر هذا المؤشر العالمي عن العبودية المعاصرة أن قرابة 36 مليون شخص حول العالم يرزحون تحت وطأة العبودية، حيث يرغمون على أداء أعمال يدوية في المصانع والمناجم والمزارع، أو يباعون للعمل في بيوت الدعارة، أو يستعبدون سدادا لدين أو يولدون لأسرة من العبيد. ونشر التقرير، الذي أعدته المؤسسة الحقوقية «ووك فري»، التي يوجد مقرها بأستراليا، معطيات مهمة حول الدول العشر، حيث توجد ضمن هذه اللائحة دول عربية توجد بها أعلى معدلات انتشار للعبودية نسبة إلى عدد السكان وهي دول موريتانيا، حيث يقدر عدد العبيد في هذا البلد الواقع بغرب إفريقيا بنحو 155600 شخص، أي أربعة في المائة من السكان، إذ يشيع انتقال صفة العبودية من جيل لآخر وفقا للمؤشر. ومعظم من يتم استعبادهم في موريتانيا هم من البربر السود. وعادة ما يرعى الرجال والأطفال المستعبدون الإبل والأبقار والماعز، أو يجبرون على العمل في الحقول. أما النساء المستعبدات فتجبرن على القيام بالأعمال المنزلية مثل جلب المياه، وجمع الحطب، وإعداد الطعام، والاعتناء بأطفال أسيادهم. ثاني الدول التي تضمنتها لائحة المؤشر العالمي حول العبودية هي قطر التي توجد بها أعداد كبيرة من العمال الوافدين، معظمهم من جنوب وجنوب شرق آسيا، بنحو 29400 مستعبد، وهو ما يمثل 1.4 في المائة من سكانها. ويقول التقرير إن العمال المهاجرين يتعرضون لممارسات ربما ترقى إلى حد السخرة والاستعباد المنزلي، مثل ابتزازهم لدفع رسوم مقابل التوظيف، ومصادرة جوازات سفرهم بشكل غير مشروع، والامتناع عن دفع أجورهم، وإجبارهم على العمل لساعات طويلة. بالإضافة لتعرضهم للإساءة الجسدية والجنسية من أصحاب العمل. وبسبب الإقبال على استقدام العمالة الرخيصة قبل كأس العالم لكرة القدم عام 2022 تتعرض الحكومة لضغوط دولية للتعامل مع تقارير بشأن الأوضاع الاستغلالية. ثالث الدول العربية هي السودان الذي يخضع به نحو 1.1 في المائة من السكان، وهو ما يقدر بنحو 429 ألف شخص، للعبودية. وتتضمن العبودية المعاصرة في السودان استغلال النساء والأطفال في الأعمال المنزلية، واستغلالهن في تجارة الجنس وتزويج الأطفال قسرا. وتصنف سوريا هي الأخرى ضمن دول العبودية، حيث يوجد بها نحو 258200 مستعبد، كثيرون منهم من الأطفال الذين جندتهم قوات الحكومة وجماعات المعارضة المختلفة التي تعمل في البلاد. ومع اشتعال الحرب الأهلية هناك، بيعت الفتيات السوريات كزوجات أو أجبرن على الزواج، أو تم استغلالهن في تجارة الجنس. واضطر كثير من الأطفال السوريين اللاجئين إلى ترك المدرسة للعمل مع عائلاتهم في حصاد البطاطس، والزيتون، والموز في الدول المجاورة.
متى استعبدتم الناس
حينما قال عمر بن الخطاب قولته الشهيرة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، كان قد فتح ثقبا غائرا في ثقافة الجزيرة العربية، بما في ذلك ما حمله الإسلام من تنظيم بشأن ملف حساس اسمه العبودية. فكما الخمر والنساء، سعى الإسلام إلى الحسم في عبودية البشر، التي عرفتها المجتمعات ما قبل التاريخ. على الرغم من أن خصوم الدين الجديد ظلوا يرددون أن هذا الدين الجديد لم يمنع العبودية، ولكنه وضع لها ضوابط وقوانين حملها القرآن، الذي شجع على امتلاك العبيد في الآيات التي تناولت موضوع الزواج والنكاح لدرجة أن الدارسين يحصون تسعا وعشرين سورة من سور القرآن التي تناولت موضوع العبيد، منها سورة النساء، والنحل، والمؤمنون، والنور، والروم والأحزاب. وتعتبر العبودية، أو الرق، شكلا من أشكال فرض أعمال شاقة قسرية على الفرد طيلة حياته. ويشتغل العبد، الذي يكون في الغالب ذا سمرة، بما يعرف بالسخرة القهرية التي تعني أن كل عمله لا يتقاضى بموجبه غير ما يقتات به. وكثيرا ما استعمل العبيد في الأعمال الشاقة، وفي الحروب بالنظر إلى أنهم لا يتوفرون على حريتهم الخاصة، حيث ظلوا يباعون في أسواق النخاسة بعد أن يكونوا قد تعرضوا للاختطاف من موطنهم الأصلي أثناء الحروب والغارات. وتحكي كتب التاريخ كيف أن العبودية مورست ما قبل التاريخ حيث كان بنو اسرائيل بن يعقوب بن ابراهيم، عليه السلام عبيدا في مصر. وظل الفراعنة يصدرون هؤلاء العبيد رقيقا للعرب والروم والفرس، خصوصا بعد أن تطورت الزراعة وأصبحت في حاجة لليد العاملة. وفي ذلك قوله تعالى «وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، يذبحون أبناءكم، ويستحيون نساءكم، وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم». أما في بقية الحضارات، فلم تكن العبودية شيئا محرما ولا منبوذا. بل كانت عنوانا من عناوين الثراء والسلطة. فكلما توفرت لشخص أعداد كبيرة من العبيد والإماء، كلما كان ذا جاه وثراء ومال. وقد استعملت العبودية في تلك الحضارات القديمة لدواع اقتصادية واجتماعية كما هو الحال في حضارات الصين، وبلاد الرافدين، والهند التي استعملت العبيد في البناء وتشييد القصور. وكما فعل قدماء المصريين. كما صنعت ذلك حضارات «المايا» و»الأنكا» و«الأزتك». وفي بلاد الإغريق، كان الرق حاضرا بقوة لدرجة أن مدينة أثينا، على الرغم من ديمقراطيتها الشهيرة، إلا أن معظم سكانها كانوا من العبيد، كما كتب ذلك هوميروس في «الإلياذة» و«الأوديسة». لم تتوقف هذه التجارة، والتي كانت تدر على أصحابها ثروات كبرى.وعلى الرغم من كل المحطات الحضارية التي مرت منها البشرية، إلا أن الحاجة لليد العاملة حافظت على هذا السلوك، الذي يصفه البعض بالهمجي واللا إنساني.
العبيد يكتشفون أمريكا
انتظر العالم القرن الخامس عشر حيث ستتحرك أوروبا لاكتشاف بقية الأقطار. ولم تكن أدوات هذا الاكتشاف غير العبيد، الذين جيء بهم من إفريقيا أساسا. لقد أرسلت أوروبا عبيدها الاكتشاف أمريكا وفي 1444 كان البرتغاليون يمارسون النخاسة في أبشع صورها، حيث ظلوا يرسلون للبرتغال سنويا ما بين 700 و800 عبد من مراكز تجميعهم على الساحل الغربي لإفريقيا، بعد تعرضهم للاختطاف. وفي القرن السادس عشر، مارست إسبانيا نفس التجارة حيث ظلت تدفع بالعبيد الذين تشتريهم لمستعمراتها الاستوائية بأمريكا اللاتينية للاشتغال في الزراعة. كما دخلت إنجلترا على الخط بعد ذلك، لتتلوها كل من فرنسا وهولاندا والدانمارك، قبل أن تنخرط أمريكا حيث ستصل أول أفواج العبيد لأمريكا في 1619، بعد أن حملتهم إلى هناك السفن الهولاندية للقيام بخدمة هذا العالم الجديد الذي اكتشفته انجلترا. وفي منتصف القرن السابع عشر، ومع ازدياد الحاجة لليد العاملة هناك، ازدادت أعدادهم خصوصا في الجنوب الأمريكي. انتظرنا قرنا آخر على هذه التجارة اللا إنسانية لتتحرك بعض الدول وتفهم أن البيع والشراء في البشر هو أبشع أنواع التجارة. غير أنه في منتصف القرن السابع عشر، ستبادر أمريكا إلى منح بعض الحقوق المدنية للعبيد، قبل أن تبادر الدانمارك لتلغي هذه التجارة في 1792 كأول دولة تتخذ هذا القرار الصعب، قبل أن تتلوها بعد ذلك بريطانيا وأمريكا. أما في 1814، فستعقد الدول الأوروبية مؤتمر فيينا لتقرر فيه التوقيع على معاهدة منع تجارة العبيد. ثم جاءت بعده المعاهدة التي جمعت أمريكا وبريطانيا، والتي تسير في نفس الاتجاه، حيث ستبادر القوات الفرنسية البريطانية إلى مطاردة السفن التي كانت تقوم بتهريب العبيد، حيث كانت فرنسا قد حررت عبيدها، وتلتها هولاندا وعدد من جمهوريات أمريكا. وحدها البرازيل هي التي لم تبادر إلى تحرير العبيد إلى حدود القرن التاسع عشر. لكن بإعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، اعتبرت العبودية شرا لا يتفق مع روح ومبادئ الاستقلال، حيث سينص الدستور الأمريكي في 1865 على إلغاء العبودية، قبل أن تبادر عصبة الأمم في 1906 إلى عقد مؤتمر العبودية الدولي، الذي انتهى إلى منع تجارة العبيد وإلغاء العبودية بكل أشكالها، حيث ستتأكد هذه الخطوة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي كل هذه الرحلة التي قطعتها العبودية التي انطلقت من الحاجة لليد العاملة، قبل أن تتحول إلى تجارة تدر الأرباح، كانت ثورات هذه الفئة المستضعفة لا تجد الآذان الصاغية. غير أن التاريخ يذكر أن أول ثورات العبيد حدثت في القرن التاسع فيما عرف ب»ثورة الزنج» خلال العصر العباسي. لكنها ثورة أثارت الانتباه لملف حساس دون أن تقو على الحسم فيه، خصوصا وأن الدولة الإسلامية الحديثة كانت تجد في العبيد اليد العاملة المستعدة للخدمة، كما وجدت في الإماء حاجتها لتوفير الخدمات الجنسية خارج إطار الزواج فيما عرف بما «ملكت الأيمان».
ثورة الزنج التي هددت الخلافة العباسية
كانت البصرة أهم المدن في جنوب العراق، وكانت جنوب العراق مشحونة بالرقيق والعمال الفقراء الذين يعملون في مجاري المياه ومصابها، ويقومون بكسح السباخ والأملاح الناشئين من مياه الخليج، وذلك تنقية للأرض وتطهيراً لها، كي تصبح صالحة ومعدة للزراعة. وكانوا ينهضون بعملهم الشاق هذا في ظروف عمل قاسية وغير إنسانية، حيث كان بعض هؤلاء العبيد مجلوبين من إفريقيا السوداء، وهم الزنوج. وبعضهم نوبيون، وآخرون قرماطيون، أما فقراء العرب فكانوا يسمون الفراتين. وشرع علي بن محمد، الذي سيقود ثورة الزنج، يدرس حالة هؤلاء الرقيق، ويسعى لضمهم لثورته، كي يحررهم ويحارب بهم الدولة العباسية. وكان أول زنجي ينضم اليه هو ريحان بن صالح، الذي أصبح من قادة الحرب والثورة. وأخذ علي بن محمد ينتقل، مع قادة ثورته، بين مواقع عمل الرقيق والفراتين، ويدعوهم الى الثورة والهرب إلى معسكره وترك الخضوع لسادتهم، فاستجابت لدعوته جماهير غفيرة من الزنج والنوبة والقرماطيين والفراتيين، وانضموا الى العرب والأعراب الذين تبعوه من جنوبي العراق. ولقد فشل وكلاء الزنوج في الحيلولة بينهم وبين الالتحاق بمعسكر الثائرين، فكانوا يحبسونهم في البيوت ويسدون أبوابها ومنافذها بالطين. وقد وصف ابن خلدون إقبال الزنج على الثورة، وزحفهم للقاء قائدها فيقول: «لقد تسايل إليه الزنج واتبعوه». ولقد أعلن علي بن محمد أن هدفه، بالنسبة للزنج والعرب الفقراء، الذين يعملون في إصلاح أرض العراق الجنوبي، هو تحرير الرقيق من العبودية، وتحويلهم الى سادة لأنفسهم، وإعطاؤهم حق امتلاك الأموال والضياع، وضمان المساواة التامة لهم في ثورته ودولته، التي يجب أن تعمل من أجل نظام اجتماعي هو أقرب إلى النظم الجماعية التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع الأمة. ونظام سياسي يرفض الخلافة الوراثية لبني العباس، والتي أصبحت أسيرة بيد قادة الجند الأتراك. ويقدم بدلاً منها دولة الثورة التي أصبح علي ابن محمد فيها أميرا للمؤمنين. ولقد استطاعت الثورة أن تكتسب، أكثر فأكثر، ثقة جماهير الزنج وفقراء العرب، الذين كانوا أشبه ما يكونون بالرقيق، وبالذات في ظروف العمل وشروطه، وخاصة بعد أن رفض قائد الثورة مطالب الأشراف العرب والدهاقين والوكلاء بأن يرد عليهم عبيدهم لقاء خمسة دنانير يدفعونها عن كل رأس! لقد رفض علي بن محمد هذا العرض، بل وعاقب هؤلاء السادة والوكلاء، فطلب من كل جماعة من الزنج أن يجلدوا سادتهم ووكلاءهم القدامى. وزاد من اطمئنان الزنج للثورة ما أعلنه قائدها من أنه «لم يثر لغرض من أغراض الدنيا، وانما غضباً لله، ولما رأى عليه الناس من الفساد». وعاهدهم على أن يكون، في الحرب، بينهم «أشرككم فيها بيدي، وأخاطر معكم فيها بنفسي» بل قال لهم: «ليحط بي جماعة منكم، فإن أحسوا مني غدراً فتكوا بي». وبهذه الثقة تكاثر الزنج في صفوف الثورة وفي كتائب جيشها، بل وانضمت اليها الوحدات الزنجية في جيش الدولة في كل موطن التقى فيه الجيشان!.. حتى لقد سميت، لذلك، بثورة الزنج، واشتهرت بهذا الاسم في مصادر التاريخ. وفي عشرات المعارك التي وقعت بين الدولة العباسية وبين ثورة الزنج، كان النصر، غالباً، للثورة على الدولة.. وتأسست، كثمرة لهذه الانتصارات للثورة دولة، قامت فيها سلطتها، وطبقت بها أهدافها، ونفذ فيها سلطان علي بن محمد. ولقد بلغت دولة الثورة هذه درجة من القوة فاقت بها كل ما عرفته الخلافة العباسية قبلها من أخطار وثورات. وكتب المؤرخون، الذين كانت الدنيا عندهم هي الإمبراطورية العباسية، أن الزنج قد «اقتسموا الدنيا!.. واجتمع إليهم من الناس ما لا ينتهي العد والحصر إليه!» وكان عمال الدولة الثائرة يجمعون لعلي بن محمد الخراج «على عادة السلطان!» حتى لقد «خيف على ملك بني العباس أن يذهب وينقرض». ولقد أقام الثوار لدولتهم عاصمة، سموها «المختارة»، أنشؤوها إنشاء في منطقة تتخللها فروع الأنهار. كما أنشؤوا عدة مدن أخرى. وضمت دولتهم مدنا وقرى ومناطق كثيرة، مثل البحرين، والبصرة، والأبلة، والأهواز، والقادسية. ولقد استمرت الحرب بين دولة الثورة هذه وبين الخلافة العباسية لأكثر من عشرين عاماً بلغ العنف فيها، من الجانبين، حدا لم يسبق له مثيل، حتى ليقول المؤرخون الذين يتواضعون بأرقام القتلى في هذا الصراع بأنهم بلغوا نصف مليون قتيل! ولقد ألقت الخلافة العباسية بكل ثقلها في المعركة ضد الثورة، وكرست كل إمكاناتها للجيش والقتال، وبعد أن عهد الخليفة المعتمد، بالقيادة الى أخيه الموفق، تحول قائد الجيش إلى خليفة حقيقي، وتحولت المدينة التي بناها تجاه عاصمة الثوار، والتي سماها «الموفقية»، الى العاصمة الحقيقية للدولة، يأتي إلى بيت مالها كل خراج البلاد، وتصدر منها الأوامر إلى كل الولاة والعمال بأن يقدموا للجيش كل ما لديهم من إمكانيات، حتى لقد حاول «المعتمد» الفرار من سامراء إلى مصر، فألقوا القبض عليه وأعادوه الى قصر الخلافة شبه سجين!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.