هذا المقال نشرته مجلة "ذي ايكونوميست" البريطانية في نسختها المطبوعة هذا الأسبوع، بعنوان "الإسلام والعبودية" وتساءلت لماذا يندد الدعاة الإسلاميون بالرق لدى "داعش" ويغضون الطرف عن التعسف على العمال وأشكال العبودية الأخرى في المنطقة من استغلال خادمات البيوت القاصرات في المغرب ونظام "الرق" في موريتانيا، إلى مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، حيث تجبر الفتيات على ممارسة الدعارة، إلى الاغتصاب غير المشروع وإساءة معاملة الخادمات في الخليج ، إلى الاستغلال البشع للعمالة بدون رأفة أو رحمة تحت شمس الخليج الحارقة. وقد ارتأى موقع "لكم" ترجمة ونشر هذا المقال عسى أن يشكل قيمة مضافة للنقاش الدائر حاليا في المنطقة موضوع العبودية التي مازالت منتشرة في كل مكان من أرض الإسلام. وفيما يلي نص المقال مترجما. «غنائم الحرب» هكذا كتبت «دابق»، مجلة «الدولة الإسلامية» الناطقة باللغة الإنجليزية، في إشارة إلى الآلاف من النساء اليزيديات اللواتي أجبرهن التنظيم على العبودية الجنسية بعد أن سيطر على جبل سنجار في شهر غشت من السنة الماضية. إنها ليست أبعد من أن تكون حالة شاذة حالة شاذة، لإن المجلة تقول إن التسري الإجباري سلوك ديني كرسه القرآن، حيث يقول في سورة النساء، إنه أباح الزواج إلى حدود أربع زوجات، أو «ما ملكت أيمانكم». اللبراليون من أمثال هؤلاء الذين يقفون وراء مقال «دابق»، فسّروا هذه الكلمات على شاكلة «المأسورة في المعركة». فقد احتفلت كاتبة المقال، المزعومة أنثى، أم سمية، بإعادة إحياء أسواق بيع الرق في الإسلام، وعبّرت عن أمنيتها في أن تُباع «ميشيل أوباما»، زوجة الرئيس الأميركي، في القادم القريب من الأيام هناك. وكتبت «أنا ومن معي في البيت، سجدنا لله شكرا على اليوم الذي دخلت فيه أول جارية إلى بيتنا». نفس الشيء فعله المتعاطفون معهم، وأبرزهم حليفتهم النيجيرية المتشددة، جماعة "بوكو حرام"، التي اختطفت السنة الماضية كل الفتيات في مدرسة شيبوك. ردّ الدعاة الدينيون بموجة من الاحتجاجات. وجاء في رسالة مفتوحة وجهها 140 من العلماء المسلمين، في وقت سابق من السنة الجارية، إلى أبي بكر البغدادي، خليفة «الدولة الإسلامية»: «إن إعادة إحياء الرقّ ممنوع في الإسلام، وتم إلغاؤه بإجماع عالمي». وأضافوا «وأنتم اتخذتم من النساء سبايا، وبهذه الطريقة استأنفتم من جديد الفتنة والفساد في الأرض». ولكن، إذا كانت أصابع اللّوم موجّهة نحو الرقّ في «الدولة الإسلامية»، فإن الزعامات الدينية والسياسية ظلت أكثر تحفظاً حول حالات «شبه عبودية» أخرى، متفشية في جميع أنحاء المنطقة. ذلك أن استهداف الدولة الإسلامية لطائفة بأكملها بالخطف والقتل والاتجار في الجنس، والمفاخرة بذلك، تعتبر حالات استثنائية. بينما تعتبر الأعمال الشاقة والاستغلال الجنسي وغيرها من أشكال الاستغلال، حالات عادية. من المغرب، حيث يعمل الآلاف من القاصرات كخادمات في البيوت، إلى مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، حيث تجبر الفتيات على ممارسة الدعارة، إلى الاغتصاب غير المشروع وإساءة معاملة الخادمات في الخليج، يقول عمال الاغاثة الانسانية إن العبودية متفشية في كل مكان . اختلف العلماء بشكل لافت إلى اي حد يمكن تحميل مسؤولية للأعراف الثقافية. ويقول المؤيدون إن النبي محمد تساهل مع الرّقّ تماشيا مع روح العصر، ولكن العالم الثيولوجي الأمريكي البارز، خرّيج المعاهد الدينية السلفية، ياسر قاضي، يرى أن النبي فعل ذلك على مضض ثم دعا إلى إلغائه. ويضيف قاضي أن الرسول «دعا في مواضع كثيرة في القرآن إلى تحرير الرقّ والإفراج عن الأسرى، وسعى إلى تخفيف أنظمة الرقّ المعتمدة من طرف الإغريق والرومان والبيزنطيين واليهود وملوك حِميَر في اليمن. وقام بتحرير امرأة من السبي، ابنة قائد بارز، بالزواج بها، واختار بلال، وهو عبد آخر كان قد تحرّر، لإقامة الآذان للصلاة بعد فتحه لمكة. لقد كانت رسالته هي التحرر من الظلم الدنيوي، لأن العبودية لله، وليست للبشر». ومع ذلك، ثمة علماء آخرون يصرون على أن الطريقة التي يعامل بها تنظيم «الدولة الإسلامية» اليزيديين تتوافق مع التقاليد الإسلامية. يقول البروفيسور «إيهود توليدانو»، أحد أبرز المتخصصين في الرقّ في الإسلام في جامعة تل أبيب: «إنهم في امتثال تام لتفسير القرآن في مراحله المبكرة»، ويضيف أن «ما أباحه النبي لا يمكن للمسلمين أن يمنعوه»، وأن «دعوات الرسول للافراج عن الرقيق شكلت حافزاً للبحث عن نسل جديد، مع انتشار الامبراطورية الجديدة، مدعومة بالتجارة، من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى الخليج الفارسي». من أجل سحق ثورة الزنج في مناجم الملح جنوب العراق، قام الخلفاء العباسيين في بغداد بتجنيد الرقيق الأتراك في جيشهم. وفي غضون بضعة أجيال شكّلوا أساس السلطة، وفي الفترة الممتدة بين 1250 و1517 حكمت مصر طبقة كاملة من الرقيق، أي المماليك. الطريق إلى السلطة خلفائهم، الأتراك العثمانيين، أتمّوا النظام على أكمل وجه. بعد احتلال جنوب شرق أوروبا في أواخر القرن الرابع عشر، فرضوا الجزية، واستعبدوا الأطفال الفقراء في المناطق الريفية، بدعوى أنهم كانوا أكثر وثنيّة من المسيحيين، وبالتالي لا يخضعون للحماية التي يوفّرها الإسلام لأهل الكتاب. ولم يواجهوا أي مقاومة من الآباء، بل إن الكثيرين منهم كانوا سعداء بإعطاء أبنائهم إلى نخبة الرقيق البيض الذين يديرون الإمبراطورية. في ظل هذا النّظام، يلتحق الذّكور بصفوف الجيش والخدمة المدنية. فيما تلتحق الفتيات بالحريم كجوارٍ، لتحمّل السلاطين. وكان كل شيء متوقعا بخصوص مآلاتهم، بما في ذلك الوصول إلى السلطة أو كسب الثروة، وغالبا ما يستطيعون تحقيقهما. إذ على عكس النظام الإقطاعي في أوروبا المسيحية، كان هذا النظام مبنيّا على الجدارة، وأفرز نسلا متنوعا. إن السلطان محمد الثاني على سبيل المثال، الذي حكم خلال القرن الخامس عشر، ولعلّه أعظم الخلفاء العثمانيين، كان ذا بشرة شقراء كبشرة أمه، وهي جارية من من الروافد الشمالية الغربية للإمبراطورية العثمانية العثمانية. كل هذا انتهى بسبب إلغاء نظام الرقّ في الغرب. وبعد وقف تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي خلال القرن التاسع عشر، تحول المناضلون الغربيون من أجل إلغائها إلى العالم الإسلامي، وخلال عقود من الزمن تمكنوا ليس فقط من اسقاط النّظام الذي كان قائماً في الامبراطورية العثمانية، ولكن أيضا في الامبراطورية الشريفة من المغرب، وسلطنة عمان ومستعمراتها الناطقة بالسواحلية في الساحل وخلافة صوكتو في غرب إفريقيا. فبتشجيع من الغرب، تمرّد الصرب واليونانيون على الجزية. وخوفا من الطموحات الفرنسية، سارع مفتي تونس إلى استمالة البريطانيين بإغلاق أسواق العبودية سنة 1846. وبعد سنوات قليلة، حذا السلطان في اسطنبول حذوه. وحاول بعضهم أن يقاوم، بمن فيهم سلطان المغرب وتجار القطن في مصر، الذين استوردوا العبيد الأفارقة لتعويض النقص الذي خلفته الحرب الأهلية في أمريكا. إلا أن الضغط الاستعماري لم يكن من الممكن وقفه. وفي عهد القنصل العام البريطاني، لورد كرومر، قامت الجمعية التشريعية في مصر عن طواعية بإلغاء العبودية في نهاية القرن التاسع عشر. وكان السجل العثماني سنة 1906 لا يزال يضم 194 الرقيق و 500 من النساء في الحريم الامبراطوري، وبعد عامين لم يبق منهم أحد . لمدة قرن تقريبا، بقي الشرق الأوسط، على الورق على الأقل، خالياً من العبيد. وجاء في إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام سنة 1990 أن الإنسان: «يولد حرّاً وليس لأحد أن يستعبده أو يذلّه أو يقهره أو يستغلّه». كما أن الجماعات الجهادية كانت في بداياتها تتبع نفس الاتجاه، وتقدم نفسها كحركات تحرّر، وعلى هذا الأساس، كانت ترفض العبودية. ومع ذلك فإن العبودية إذا كانت في حد ذاتها مدانة، فإن المراقبين يشيرون إلى استمرارها. وبحسب المؤشر العالمي للعبودية، الذي تشرف على حساب تقديراته منظمة غير حكومية استرالية بتعاون مع جامعة «هال»، فإن الدول ال 14 التي يعتبر أكثر من 1٪ من سكانها مستعبدين، أكثر من نصفها مسلم. من موريتانيا، أفقر دولة في المنطقة، إلى أغناها، أي قطر. وقد تم توجيه الإنتقادات إلى المعايير والبيانات المعتمدة من طرف المؤشر العالمي للعبودية، إلا أن الأدلة تؤكد فحوى نتائجها. لقد قضت العديد من الدول العربية من أجل تجريم العبودية، وقتا أطول بكثير مما قضته من أجل إلغائها. فموريتانيا مثلا، أول مستعبِدة في العالم، لم تجرّم العبودية إلا سنة 2007. وفي حالة وجود الالغاء، نادراً ما يتم تنفيذه. بعد مرور سنة على إلغاء العبودية في قطر سنة 1952، اصطحب الأمير عبيده إلى حفل تتويج الملكة إليزابيث الثانية. كما أن التفتيشات والملاحقات الحكومية تبقى قليلة، وترى «سارة ماثيوسون»، عن المنظمة الدولية لمناهضة العبودية التي تتخذ من لندن مقرا لها، أن «المسؤولين الأمنيين، والقضاة والمحامين، كلهم ينتمون الى الفئة التي كانت تاريخيا تملك العبيد»، وتعتبرهم «جزءًا من المشكلة». ليست هناك ممارسة في ميدان الشغل جلبت انتقادات دولية أكثر من نظام الكفالة الذي يربط العمال المهاجرين بأرباب عملهم. إنها ليست عبودية كتلك التي يفرضها تنظيم «الدولة الإسلامية»، لأن المهاجرين يأتون طواعية، وتجذبهم الفجوة الهائلة في الثروة بين بلدانهم وبلدان الخليج. إلا أن هذا النظام «يمهد الطريق للعبودية» كما يقول «نيكولا ماكجيهان»، الذي ينجز التقارير لهيومن رايتس ووتش حول الأوضاع في المخيمات الصحراوية حيث يعيش معظم هؤلاء العمال. أما المليونين و400 ألف من خادمات المنازل في منطقة الخليج، فإنهن أكثر عرضة للخطر، ومعظمهن لا تتمتعن بالحماية التي توفرها قوانين الشغل، وفي بعض الحالات يعشن حبيسات بيوت مشغّليهن. إنهن عرضة الاستغلال الجنسي. الحديد والقضبان الملتهبة مرة أخرى نؤكد أن هؤلاء العمال يأتون عن طواعية، لكن الأصداء المثيرة للقلق لا تزال قائمة. تستطيع أن تسمع العديد من مواطني دول الخليج يتحدثون عن الخادمات في بيوتهم ويصفونهن ب"الملكات». منذ أن قررت حكومات آسيوية كثيرة منع رعاياها من النساء، من العمل المنزلي في الخليج، حرصا على سلامتهن، تحولت وكالات التوظيف إلى مناطق في أفريقيا، مثل أوغندا، التي سبق لها أن صدرت جواٍر. إنهن يتعرضن للإعتداء بالحديد والقضبان الملتهبة، التي تبقى آثارها، كما يقول «ماكجيهان»، علامة مميزة للذين اشتغلوا كجوارٍ في الماضي . في أماكن أخرى في المنطقة، وفّر انهيار النظام والقانون غطاءًا إضافياً لعودة الممارسات القديمة؛ مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن تصدر الفتيات إلى بيوت الدعارة في العاصمة، وللرجال الخليجيين من خلال المواقع الالكترونية التي تعرض عليهم زواجاّ قصير الأمد مقابل رسوم وساطة تقدر بين 140 و270 دولاراً لكلا الطرفين. وانتعش التهريب عبر موانئ البحر الأبيض المتوسط في ليبيا، التي كانت في ظل الحكم العثماني تصدر العمالة من جنوب الصحراء إلى أوروبا. قبل وقت طويل من اختطاف جماعة «بوكو حرام» للفتيات، كانت المنظمة الدولية لمناهضة العبودية تحذر من أن رجال الأعمال النيجيريين كانوا يشترون من النيجر المجاورة «زوجات خامسة» ليلحقوهن بالزوجات الأربع اللواتي يسمح بهن الإسلام. تلحّ دول الخليج على أنها بصدد معالجة المشكلة. في يونيو الماضي أقر البرلمان الكويتي قانونا يحفظ لخادمات البيوت حقوق العمالة، وهي الدولة الخليجية الأولى التي أقدمت على هذه الخطوة. كما أنها الدولة الخليجية الوحيدة أيضا التي فتحت ملجأ للمهاجرين الإناث. فيما تعهدت قطر، خوفا من تأثير الانتهاكات على استضافتها لبطولة كأس العالم سنة 2022، بتحسين سكن المهاجرين. وفي موريتانيا أمرت الحكومة في وقت سابق من هذه السنة خطباء المساجد في صلاة الجمعة بنشر فتوى أصدرها دعاة بارزين في البلاد مفادها أن: «العبودية ليس لها أي سند شرعي في الشريعة». ويخشى المراقبون، مع ذلك، أن يكون هذا مجرد ذر للرماد في العيون، خصوصا أن أمير الكويت لم يصادق بعد على القانون الجديد لحقوق العمال. عوض وقف الاعتداءَات، يفضل المسؤولون الخليجيون أن يهاجموا منتقديهم، ويتهموهم بالإسلامفوبيا، تماما كما فعل أسلافهم. لقد كانت عمان والمملكة العربية السعودية أغلقتا لفترة طويلة أبوابهما أمام منظمات حقوق الإنسان الغربية التي تجري تقصيات حول معاملة المهاجرين. الآن أتى الدور على دولة الإمارات العربية المتحدةوقطر، اللتان قررتا منعها بعد الضغط الذي سببته موجة الوفيات في أوراش البناء المخصصة لاستضافة نهائيات كأس العالم 2022. وتعتبر الاحتجاجات الداخلية أكثر خطورة. على مدى العامين الماضيين تم اعتقال المئات من العمال المهاجرين الذين يعملون في بناء متحف «غوغنهايم» و"اللوفر» في أبوظبي، وتم تعنيفهم وترحيلهم، وفقا لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، بعد الإضربات التي خاضوها بسبب عدم صرف الرواتب. كما أن أميناتو بنت المختار، التي تعتبر من الموريتانيين العرب القلائل في مجلس إدارة «نجدة العبيد»، وهي جمعية محلية للدفاع عن حقوق الحراطين، أو أحفاد العبيد السود، تلقت تهديدات بالقتل. هل نبالغ في أمانينا إذا رجونا من الدعاة الإسلاميين الذين يندّدون بالرّقّ، أن ينددووا، أيضا، بالحالات الأخرى للعمل القسري والتعسفي؟ إن النشطاء والمهاجرين في الخليج مترددون بهذا الخصوص. وحتى السفارات الأجنبية تلتزم الصمت وتتفادى أي انتقادات قد تضع حدّاً لتدفق التحويلات على أهميتها. عندما زار رئيس وزراء الهند، «نارندرا مودي»، دولة الإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع، اشتكى مواطنوه هناك من أن حقوق المهاجرين احتلوا المرتبة الأخيرة ضمن أجندته. أما الحكومات الغربية فلها في الغالب أولويات أخرى. إحداها ببساطة هي هزم تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي يدين، إلى حد ما، في بعض من العبودية التي يسعى لإحيائها، إلى استمرار وتفشي التساهل مع العبودية في المنطقة. - مصدر المقال