بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    التنويه بإقالة المدرب العامري من العارضة الفنية للمغرب التطواني    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    مباراة الزمامرة والوداد بدون جماهير    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا تحقق في سنة 2015?
المشهد الثقافي والفني المغربي.. الحصيلة والآفاق
نشر في المساء يوم 06 - 01 - 2016

عرفت سنة 2015 أحداثا ثقافية متنوعة في جل المجالات (ثقافية وفكرية وفنية..)، وكعادتنا نقوم كل سنة بجرد لأهم الأحداث التي شهدتها الساحة الثقافية من معارض ولقاءات وعروض مسرحية وسينمائية… لكن ارتأينا في هذه المرة، من خلال هذا الملف، أن نسند مهمة الجرد والتقييم إلى فنانين ونقاد ومثقفين للحديث عن حصيلة السنة الفارطة، بحكم تخصصهم ومتابعتهم للشأن الثقافي المغربي، من خلال وجهات نظر فاحصة، متخصصة ومختلفة، حاولت أن تلم، حسب مرجعياتها الثقافية والمشهدية، بالقضايا المطروحة على المستوى الإبداعي في الساحة الثقافية والفنية المغربية، استنادا إلى مواكبة ومتابعة دائمتين، كل حسب وجهة نظره، ليصل البعض منهم إلى استنتاجات ربما تتقاطع في غالب الأحيان في هشاشة البنية التحتية للثقافة المغربية في عموميتها، مع إدراج استثناءات إيجابية ومشرفة لا يمكن إغفالها، رغم الدعم الذي تقوم به وزارة الثقافة على كل الأصعدة. ليبقى السؤال الجوهري مرتبطا بوضعية الثقافة المغربية في شموليتها، هل هي أزمة إبداع أم أزمة إمكانيات؟. وهذا ما حاول هذا الملف أن يجيب عنه على لسان المساهمين فيه من نقاد وأدباء وفنانين ومثقفين.
الشِّعْر فِي ماضِيه القَرِيب
أعتقد أنَّ الشِّعر، اليوم، يعيشُ حالةً من الانقلاب على الأشكال والمضامين، أو المجازات القديمة، بصورة عامَّة. مَنْ يُتابِع ما يُنْشَر من دواوين شعرية في العالم العربي، أو ما قَدْ يَصِل إليه من هذه الإصداراتِ، سيُدْرِك أنَّ لُغَةً جديدةً تتخلَّق في هذه الكتابات، وأنَّ المسافَة بين ماضي النص الشِّعريّ القريب، وأعني به نص «الرواد»، ممن ما زال بعضهم موجوداً بيننا، أصبحت تَتَّسِع، وتَكْبُر، رغم ما يمكن أن نُدْلِي به من مُؤاخذاتٍ على هذه الكتابات «الجديدة»، أو التي تَسْعَى لِكَسْر طَوْق «الأب»، والخُروج إلى هواء أوْسَع.
لا يمكن ادِّعاء هذا التَّخَلُّق، عند جيل دون جِيلٍ، أو عند فئة دون فئة. جميع الذين يكتبون الشِّعر، اليوم، بوعي وبمسؤولية، وببحث ومعرفة وتَقَصٍّ، أصبحوا يميلون إلى تحويل مسار الكتابة الشِّعرية، والخُروج بها عن السياق الجمالي الذي كان لبعض «الرواد»، دور كبير في ابْتكاره وتكريسه. فأمْرُ الشِّعر، والكتابة، عموماً، لا يمكن حَصْرُه في زمن ما، أو في جيل، أو اسْمٍ بعينه، بقدر ما أنَّ صيرورة الكتابة، وما تعرفه من انقلاباتٍ في مسارها، تفرض وُجود مُتَغَيِّراتٍ، أو خصوصيات، تَنْطَبِع بها تجربة دون أخرى، وزمن دون آخر، ما يفرض قراءة الشِّعر، ليس في زمن دون زمن، أو شاعر دون شاعر، فالقراءة التي تتوخَّى معرفة الشِّعر، وما يحدثُ فيه من انقلابات، واخْتِراقاتٍ، لا تكتفي بالجزء، أو بالنقطة، لتمثيلها بالبَحْر، أو باللُّجّ، بقدر ما هي مُلْزَمَة بالخوض في هذا الشِّعر، في صورته الشمولية. بدأْتُ بهذا لأُشير إلى طبيعة العَطَب الذي يُعانيه الشِّعر اليوم، جرَّاء هذا النوع من المقاربات التي تدَّعِي كُلّ شيء، في ما هي لا تصل إلى شيء، أو تُراوح مكانها، دون أن تخرج من سِجْنها، في القراءة، وفي الفَهْم والنَّظَر.
في المغرب عرفتْ السنة الماضية، كما غيرها من السنوات، حضوراً لافِتاً للشِّعر، في مستوى النشر، كما في مستوى اللِّقاءات والمهرجانات أو المناسبات السنوية التي باتَتْ شبه مواعيد قارَّة. لكن في ما يتعلَّق بالنشر، الظاهرة الأكثر شيوعاً، هي أنَّ أغلب الدواوين نَشَرَها أصحابُها على نفقتهم، وهي دواوين تتراوح بين الشِّعر المكتوب بالعربية «الفصيحة»، أو بالعربية الدَّارِجَة. واللافِت في النشر هو وفْرَة الأصوات النِّسائية، وإقبالُها على الكتابة، سواء ب»الفصيح» أو ب»الدَّارِج». مشروع الدَّعْم، الذي أقْدَمَتْ عليه وزارة الثقافة، خلال سنة 2015، كان له دور كبير في إقبال النَّاشِرين، وبعض الجمعيات، على تَبَنِّي الأعمال الشِّعرية، التي كان أغلب النَّاشِرِين يعتبرونها بِضاعَةً غير مُرْبِحَة، وعَمِلُوا، بقصْد، أو بغير قَصْدٍ، على مُحاصَرَة الشِّعر، وإقصائه، ولا فرق عندهمُ، آنذاك، بين شاعر وشاعر، وبين ديوانٍ وديوانٍ، بل ثمَّة من النَّاشرين من نشر دواوين، لا تستحق النشر والاهتمام، ما يدُلُّ على غياب الوعي الشِّعري والجمالي بالشِّعر عند هؤلاء، وغياب لجان للقراءة عند النَّاشِرين أنفسهم. دعم وزارة الثقافة للنشر ضاعَف من عدد الدواوين التي نُشِرَتْ خلال السنة الماضية، لكن هذا الدَّعْم لا ينبغي أن يتحوَّل إلى سيف ذي حَدَّيْن، فالنَّاشِر مسؤول عما يقترحُه من أعمال للدَّعْم، لأنَّ سياسة الدَّعْم، كما أفهمُها، هي خلق التراكُم النوعي، والحِرْص على القيمة الإبداعية للكُتُب المنشورة، سواء تعلَّق الأمر بالنص الشِّعريّ، أو بالدِّراسات التي تُنْشَر عن الشِّعر. فلا قيمة لأعمال لا تكون إضافةً نوعيةً، أو تعمل على وضع الشِّعر في طريق القارئ.
بقدر ما هُناك أعمال شعرية هامَّة، ظهرت خلال السنة الماضية، بقدر ما أنَّ النقد والمُواكبة الإعلامية لهذه الأعمال بقيا خارج هذه الدواوين والأعمال. فالنقد الشِّعري في المغرب يُعانِي من مشاكل كبيرة، أبرزُها إمَّا أن هذا النقد يخضع لمعايير غير شعرية، وتكون في أغلبها ذاتية محضة، وخاضعة لِهَوَى «الناقد!»، الذي لا يبني المعرفة الشِّعرية على القيمة الجمالية والإبداعية، وما يحفل به النص من إضافات، في اللغة، وفي الإيقاع، وفي البناء، واقتراح الأشكال، بقدر ما يزيد من تعتيم المشهد، وتشويشه، وهذا ما نجده في عدد من الدراسات التي صدَرَت خلال سنة 2015، أو أنَّ هذه الكتابات تذهب إلى خارج المغرب، وما تقرأه من نصوص، هي أيضاً لا تُفيد في هذه المعرفة، أو أنَّ هذا النقد، يبقى أكاديمياً صِرْفاً، لا يُغادِر أسوار الجامعة، التي تعيش في وضْع عُزْلَة، ولا علاقة لها بما يجري في مُحيطها، والدرس أو البحث فيها لم يسلم من الاعتبارات الذاتية، التي تُقْصِي كُل من ليس في الجامعة، أو تكون بحثاً غير مشروط بمشروع الباحث، بل الأستاذ هو من يُوجِّه القارب نحو الماء الذي يبدو له هو الماء. لم يكن للجامعة أي دور في إنعاش الشِّعر، أو في تداوُلِه، كما كانت في سنوات الثمانينيات، بما كانت تعقده من لقاءات مفتوحة، وما صدر عنها من دراسات، كان لها دور في حضور الشِّعر، والاهتمام به. «اتحاد كتاب المغرب»، بكل ما يعيشه من مشاكل تنظيمية وقانونية، ورغم أنَّه دخل في مشروع الدَّعْم، واستفاد من منح دعم مجلته، ودعم أنشطته، فهو لم يُصْدِر ولو عدداً واحداً، منذ سنوات خلَتْ، عن الشِّعر المغربي، أو أي عمل أنطولوجي خاص بالشِّعر، فهو اكتفى بالدوران في حلقة نفس الأجناس الكتابية والفنية، وهذا حدث منذ زمن محمد الأشعري إلى اليوم.
«بيت الشِّعر في المغرب»، الذي كان له دور كبير في السنوات الأولى للتأسيس، في رواج الشِّعر، وتداوُله والاهتمام به، والاهتمام بالشُّعراء، هو أيضاً، بات مُنْغَلِقاً على ذاته، ما يقوم به من ندوات ولقاءات، غير خاضعة لاستراتيجية ثقافية معينة، ولا لرؤية شعرية محددة، فكل ما قام به هو تنفيذ لمقترحاتٍ، أو برامج لا «سياسة» لها، لأنَّ البيت أُفْرِغ من مشروع التأسيس، ودخل إلى أفق التَّسْييس، بكل ما تعنيه الكلمة من دلالات. ما نشره من دواوين، كان بدعم من مجلس التدبير، ومن وزارة الثقافة. لكن هل «اتحاد كتاب المغرب» و»بيت الشِّعر في المغرب» يعرضان مشاريع النشر على عموم الشُّعراء والمهتمين، ويُخبران بذلك في وسائل الإعلام، وتكون هناك لجان للقراءة والفرز والاختيار، أم الأمر، كما جرت العادة، يخضع لمزاج المسؤولين في المكاتب المسيرة، واستعمال النشر ك»ريع» ثقافي لضمان المناصب؟.
مجلة «بيت الشِّعر» لا تصل إلى عموم القراء، وهي مجلة تشبه منشوراً سِرِّياً يُوزَّع في الخفاء، أو لا تُصادف بعض أعدادها إلا في رواق البيت في المعرض الدولي للكتاب. فهي، بهذا المعنى، رغم أهمية بعض أعدادها، لا تخدم الشِّعر في شيء، وهذا يعود إلى غياب «سياسة ثقافية»، أو مشروع يقوم عليه البيت كاملاً. فالهروب إلى الجامعات لعقد الندوات، كما حدث في فاس وفي مكناس، هو تأكيد لهذه العزلة، وعزوف الناس عن حضور لقاءات البيت. فما الذي تُضفيه هذه اللقاءات داخل فضاءات مغلقة، لا أحد يعلم بوجودها، أو بأسباب انعقادها؟ فالعمل الجمعوي هو لقاء مع الجمهور، واسْتِقطاب للقُراء والمهتمِّين، وليس جماعة من الناس يتبادلون بينهم ما يمكن أن يقال في مقهى، أو في أي مكان عام. الظاهرة اللافتة في المشهد الشِّعري المغربي، خلال السنة الماضية، وما قبلها، هو ظهور ما يُسَمَّى جِزافاً ب «مهرجانات الشِّعر العالمية». بأي معنى، وفي أي إطار، ومَنْ هؤلاء الشُّعراء الذين يُشاركون باسم العالم، وما معنى العالمية هنا؟ هذه كلها أسئلة تحتاج إلى جواب، وإلى توضيحاتٍ. لكن، إجمالاً، هذه المهرجانات، التي تُقامُ، في الغالب في مدن هامشية، هي جزء من حضور الشِّعر، رغم ما يعيشه من حصار إعلامي، وجمعوي، ومن انتقائية، تكون في بعض الأحيان نوع من «القبلية» التي تكتفي بالنسبة إلى المكان، فقط. الزَّجالون، كانوا أكثر حيويةً ونشاطاً من غيرهم، وعقدوا أكثر من لقاء، في أكثر من مكان، خصوصاً في مدن الهامش، وأصبحت لهم مهرجاناتهم، ومواسمهم، وشرعوا في نشر أعمالهم، وعقدوا ندوات حول الزجل، بما يعنيه ذلك من انتشار لهذا الشِّعر، وربما اسْتِسْهاله، عند الكثيرين، نساءً ورجالاً، باعتباره هو لغة اللسان الدَّارج، أي ما هو مطروح في الطريق. ضمن هذه الوفرة من شُعراء الزجل، ثمَّة أسماء تميّزت بابتكاريتها، وباقتراحها أشكالا جديدة، ولغة مغايرة، وإيقاعات وصورا تستفيد من التراث المغربي المحلي.
مشكلة الزجل تكمن في غياب معيار في الكتابة والإملاء، ثم النشر في كُتُب، علما أنَّ الزجل، اليوم، يمكن أن يُتاح سماعاً، لكونه شفاهياً، رغم أنَّ هُناك زجالين يسعَوْن لنقله إلى الكتابة. وأهم ما هو لافِت في المشهد الزجلي هو صدور أطاريح جامعية، وكتابات نقدية، في شكل كتب، وهذا، أيضاً، له أهميته في إحْداث معرفةٍ زَجَلِيَة، رغم أنَّ بعض الزجَّالين سقطوا في فَخِّ التدريج بمعناه السِّياسي، وتحمَّسُوا لدعوة التدريس بالعامية، وهذا خَلل في الوعي، وفي الفهم. لا يمكن أن نتفادى المعرض الدولي للكتاب، الذي يُتِيح كُل سنة للشُّعراء أن يكونوا حاضرين فيه بقراءة الشِّعر، من المغرب، ومن خارجه. وهذا، مهما تكن طبيعة المناسبة وفضاءاتها، فهو أحد مظاهر حضور الشِّعر، وتداوُله. فقط لو فكَّرَت الوزارة الوصية، أو مديرية الكتاب، في جمع النصوص المقروءة، كل سنة، وطبعها في شكل عمل أنطولوجي بالعربية والفرنسية والإنجليزية، سيكون لهذا أثر كبير في الاقتراب من الشِّعر، وخصوصاً المغربي منه، وترويجه حتَّى في المعارض غير العربية التي تشارك فيها الوزارة. الشِّعر، ربما حَظِيَ، في وسائل التواصُل الاجتماعية بنصيب الأسد. شُعراء ينشرون نصوصاً منشورة في كُتُب، وشُعراء ينشرون مقاطع من دواوينهم القادمة، أو مشاريع لِما يكتبونه، وغير هؤلاء، ممن يكتبون وينشرون فقط على هذا الفضاء اللازوردي. بغض النظر عن القيمة الشِّعرية لبعض هذه الكتابات، فهي تعبير عن المَيْل إلى الشِّعر، كوسيلة للتعبير، ومحاولة لاختلاق طريقة في الكتابة، لا يمكن الحكم على جدواها اليوم، فالأمر يحتاج إلى تراكم، ووقت، ومتابعة، وإنصاتٍ. كما أنَّ هذه الوسائط أصبحت واجهة للإعلان عن الأنشطة الشِّعرية، وعن الإصدارات، ما سَهَّل معرفةَ أغلب ما يجري في المشهد الشِّعري الراهن، رغم كثير من الادِّعاءات التي يسعى من خلالها البعض إلى إلغاء تاريخ بكامله، واختزاله في أشياء صغيرة، ما زالتْ في حاجة إلى كثير من الوقت، وإلى كثير من المُتابَعَة، والمراجعة. لا يمكن ازدراء الشِّعر، أو اعتبارُه خارج سياق الاهتمام الثقافي في المغرب، يكفي أن نرصد بعض ما يجري من لقاءاتٍ، رغم صعوبة هذا الرصد، في شموليته، لنصل إلى هذه الحقيقة، ونُدْرِك أنَّ الشِّعر حاضر حتَّى وهو مُغَيَّب.
زوم على حركية الفن التشكيلي بالمغرب خلال 2015
عرفت سنة 2015 امتدادات حضور المغرب الثقافي بفرنسا، من خلال المحطة الثانية لمعرض «المغرب الوسيط، إمبراطورية من إفريقيا إلى إسبانيا»، الذي احتضنه متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، حيث ضم المعرض المنظم من قبل متحف اللوفر، بشراكة مع المؤسسة الوطنية للمتاحف، أكثر من 300 قطعة فنية تترجم الإنجازات المغربية الموصولة بعهد المرابطين والموحدين والمرينيين في حقول الخط والمخطوطات والهندسة المعمارية والخزف والنسيج. كما عرفت 2015 عددا من التظاهرات الفنية الجماعية أذكر من بينها معرض «50 سنة من الفن التشكيلي في المغرب» بالدار البيضاء (فضاء مؤسسة مسجد الحسن الثاني) ومراكش (متحف النخيل للفن المعاصر)، المنظم من لدن الجمعية المغربية للفنون التشكيلية والنقابة المغربية للفنانين المحترفين. وفضلا عن لقاءين مع الباحث اللبناني شربل داغر، ومحمد الشيكر الذي قدم الكتاب الفني الصادر بالمناسبة، تم تنظيم يوم دراسي حول موضوع «الخبرة وحقوق المؤلف وقوانين الفنون البصرية»، بمشاركة الخبيرة القضائية السيدة نادية شكري والسيدة ماري آن فيري فال Marie-Anne Ferry-Fall، مديرة جمعية حقوق المؤلفين للفنون الكرافيكية والتشكيلية بفرنسا، والأستاذ الحقوقي محمد الأزهر. وضمن التظاهرات الجماعية، نظمت الجمعية الوطنية للفنون التشكيلية الدورة الرابعة للصالون الوطني للفن المعاصر تحت شعار «الفن في خدمة التعايش» بكنيسة القلب المقدس في الدار البيضاء. كما نظم اتحاد الفنانين التشكيليين بجنوب المغرب الدورة الثانية ل»صالون أكادير للفن المعاصر» بفندق سوفيتيل، وبالمتحف الأمازيغي، الذي سبق أن شهد مجريات إحدى أهم الندوات التي نظمها الاتحاد: «أسئلة الفن التشكيلي العربي المعاصر» بمشاركة الباحثين موليم العروسي ومحمد بن حمودة وإبراهيم الحيسن وبنيونس عميروش والمصطفى غزلاني. كما شهدت برييش بأصيلة فعاليات الدورة الثالثة للسامبوزيوم الدولي للفن المعاصر والمخصص ل»الفن الإفريقي المعاصر». إذ عرف الملتقى، الذي نظمته جمعية الفن والثقافة بمركز دار الفن المعاصر، مشاركة المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وموريتانيا والسنغال والتشاد والنيجر والسودان. بينما شهدت أزمور السامبوزيوم المتوسطي الذي نظمته جمعية SM-AAC، بمشاركة المغرب وتونس والسعودية والإمارات العربية والأردن وفرنسا وبلجيكا وهولندا، وتم عرض الأعمال المنجزة بمركز «أمبر» للفنون بالدار البيضاء. فيما عرفت دار الصويري بالصويرة تكريم الفنان محمد حميدي ضمن معرض جماعي بعنوان «أثر» نظمته جمعية الصويرة موغادور، وكذا تكريم الفنان عبد الكريم الغطاس بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، في إطار الدورة الثانية للمعرض الدولي «الأيادي التي تُبْصِر» بمنتدى الثقافة للدار البيضاء (كاتدرائية القلب المقدس). دون إغفال الدورة الأولى لمعرض الجائزة الوطنية، التي أحدثتها وزارة الثقافة للفن الفوتوغرافي حول التعددية الثقافية برواق محمد الفاسي بالرباط، فكانت الجوائز الثلاث من نصيب كل من دارم بوشنتوف وحسن نديم ومحمد أحنين. وفي سياق الإبداع الفوتوغرافي صدر كتاب فني لجعفر عاقيل «الدار البيضاء- باريس : تجوالات» موازاة مع معرضه بالمعهد الفرنسي بمكناس، وهي الأعمال الفوتوغرافية التي تعتبر حصيلة إقامته بالمدينة الدولية للفنون بباريس. كما شهدت السنة الفارطة العديد من المعارض الفردية لمختلف الأجيال والأساليب والحساسيات الفنية، إذ عرفت عودة قوية لمصطفى بوجمعاوي من خلال معرضه «عبور» برواق «أتولييه 21» بالدار البيضاء، ومعرض مصطفى النافي الذي ينتمي إلى جيل الثمانينيات برواق «مينضار» بالدار البيضاء، ومعرض محمد المليحي برواق «لوفت غاليري» بالدار البيضاء، ومعرض شمس الضحى أطاع الله برواق محمد الفاسي بالرباط، وكذا معرض «عين البَهاء» لعبد الحي الملاخ، ومعرض «الطبيعة، خلود اللحظة» للحبيب المسفر بقاعة باب الرواح. وبمناسبة هذيْن الأخيريْن، إضافة إلى معرض ثلاثي «مُزَن وأرمِدة ونور» (عزيز السيد ومحمد المنصوري ونور الدين فاتحي) بفضاء «نوبلس غاليري» بالرباط، تم إصدار كتب فنية قدم لها الباحث محمد الشيكر. فيما تم تنظيم العديد من معارض الأجيال الجديدة كمعرض زين العابدين الأمين برواق «نظر» بالدار البيضاء، ومعرض المهدي موفيد برواق «باب الكبير» بالرباط، الذي سبق أن احتضن معرضا رباعيا لكل من نور الدين مضران وسعيد أفزيوم وخديجة تياوي والبكاي مكاوي (من وجدة والناضور). مع الإشارة إلى أن الدار البيضاء عرفت افتتاح قاعة خاصة مسماة «كليمت»، تم تدشينها بمعرض جماعي لأعمال كل من نور الدين فاتحي وسعيد حسبان وخالد نظيف وخديجة ليلاني والمهدي موفيد وتوفيق شيشاني. وفيما يخص مجال النحت، وجب التنويه بالحضور الدولي للفنان محمد العادي، الذي شارك في أقدم تظاهرة عالمية لفنون النحت على الخشب بمدينة (إينامي- طويوهاما) باليابان، حيث مثل العادي الدول العربية والإسلامية والإفريقية، وقد سبق له أن شارك في ملتقى «إعمار» بالإمارات العربية في دبي 2007، وفي الملتقى الرابع لفن النحت على الرخام بمملكة البحرين بالمنامة 2009. بطبيعة الحال، فإن سياسة الدعم، التي تبنتها وزارة الثقافة مؤخرا حيال المجال التشكيلي في المملكة، أصبحت نتائجها واضحة للعيان من خلال تجويد التنظيم والطبع الذي تَحَسَّنت جودته، إن على مستوى الكاتالوغات، أو على صعيد المونوغرافيات والكتب الفنية التي تستدعي استنساخ صور الأعمال بألوان وفية تستجيب لمواصفات الطبع والتصميم والتصفيف والتسفير. بقي أن أؤكد على أن ما جاء في هذه الورقة الخاصة بحصيلة الحقل التشكيلي على مدار العام الفارط 2015 لا تدعي الإلمام بكل المعارض والمهرجانات والملتقيات والندوات، بل هي فقط وقفات مقتضَبة لما علق في ذهني من أنشطة استحضرتها نتيجة الظروف التي مكنتني من متابعتها أو المشاركة فيها، وهي تتموقع في غالب الأحيان بين الرباط والدار البيضاء في عمومها، إلا أن واقع الحال يؤكد أن الأنشطة التشكيلية تجد صداها في مختلف مدن وجهات الوطن.
حصيلة سينمائية بين المد والجزر وبلال مرميد رجل السنة…
ويسألونك عن الحصيلة السينمائية للعام، قل فيها إيجابيات وفيها سلبيات، فيها الغث وفيها السمين… فيها الجوق وفيها المعدنوس…
أي حدث أختاره؟ وأية شخصية سينمائية أختارها كشخصية السنة السينمائية؟ قد أختار المخرج السينمائي محمد مفتكر، رجل السنة بامتياز، ليس فقط لأنه قدم تحفة فنية نادرة، وفاز بجوائز عديدة ومتنوعة في جل أنحاء المعمور، بل لأن الرجل صاحب رؤية، وأثبت قدرة فائقة على حسن التواصل، وملكة الإقناع، والحوار الجاد، بمرجعية ثقافية قل نظيرها في المجال… ففي كل الندوات، وفي كل المحاضرات، وفي كل الملتقيات، داخل الهنا وداخل الهناك، كانت فصاحة الرجل… وكان الأسلوب هو الرجل.. وكانت الأجوبة تعكس بجلاء عمق الأفكار… باللغة العربية والفرنسية سيان. شرف ابن الحي المحمدي العنيد السينما المغربية بمداخلاته الثاقبة، وتحليلاته العميقة، وحواراته الجادة الجيدة، في باريس أو قرطاج أو في كل المحطات التي حط فيها الجوق… نعم، فلا يكفي إخراج فيلم جيد إذا كان المخرج لا يتقن الحديث الجيد… وسدات مدام… قد أختار رجل السنة بخبر مشؤوم نزل كالصاعقة من بر مصر، رحيل الكاتب والناقد مصطفى المسناوي، فتى أضعناه، وأي فتى أضعنا؟ علمنا الراحل الكثير، من المشاهدة إلى التحليل، مرورا بالتعليق، علمنا كيف نكتب بسخرية وجدية في نفس الآن، علمنا بأن النقد السليم لا بد أن يكون مرتبطا بالجسم السينمائي السليم… وعلمنا بأنه لا نقد عميقا بدون تحصيل دقيق… وبدون مرجعيات ثقافية وفكرية، في البال صوت وصورة… قد أختار شريط «الزين اللي فيك»، بل بالأحرى الضجة التي رافقته عبر المواقع، أختاره لأنه أصبح فيلما بعد أن قفزت عليه أيادي المنع… أجل، فبعد المنع أصبحت الصور فيلما حصد بعض الجوائز تهكما منا، وسخرية لاذعة على خطاباتنا حول الحرية وما جاور الحرية… إن مثل هذا المنع، والحق يقال، وصمة عار على جبيننا، نحن الذين توهمنا بأن المغرب أكبر من أن تمس قيمته لقطات ولو بالألوان كانت… ما علينا… فالمنع كان خارج القوانين الجاري بها العمل… ما علينا… كنت سأختار كرجل السنة السيد المحترم والمحترم جدا فرانسيس كوبولا، رئيس لجنة تحكيم مهرجان مراكش، هذا الرجل الحديدي، الذي خلق بعبقريته الحدث والجدل، لكن الحدث أكبر من الجدل، بالعربية تاعرابت: إهانة مهرجان دولي والمس بمصداقيته والحط من قيمته… كنا سنختاره رجل السنة لو كملها وجملها ومنح جائزة تقديرية أخرى لصاحب المعدنوس، واحتسى حريرة رمضانية بساحة جامع الفنا بعد أن يلاعب القرود والقردة…؟!. كدت ألتفت إلى الشريط الجميل «الموت الخفي» للمخرج الفنان كمال كمال، فرغم قوته وجماليته، لم يلق الإقبال الجماهيري الذي كنا نتوخاه… وا أسفاه، مر الشريط مرور الكرام في بعض ما تبقى من القاعات، ثم انسحب منها في صمت رهيب… كيف لم ينجح جماهيريا وهو الحائز على الجائزة الكبرى في البوغاز وفي عاصمة الفوسفاط؟ كفى حلما! فالجوائز لا تخلق جمهور القاعات إلا من رحم ربك…كان بودي أن أعود إلى الدورة الأخيرة من مهرجان الفيلم الوطني القصير، الذي احتضنه مسرح محمد الخامس بالرباط. عشرات من الأشرطة القصيرة بين جمالية المتعة وحلاوة المؤانسة، شباب وشباب، ذكورا وإناثا، برهنوا بالواضح أن السينما آتية ولا ريب فيها، فقط إن رحل عنها المتطفلون، وغادرها المدعون، الذين يسقطون سهوا على الحقل والمجال؟!. كنت أيضا سأفكر في إعطاء حق رجل السنة لواحد من أولئك السوليمائيين الذين يتغير لونهم كالحرباء… وقالت نفسي لنفسها: لا قيمة لمتملق، إذا ريح الإدارة مالت… مال حيث تميل… فهؤلاء الانتهازيون، لا حق لهم في الحبر على الورق… وكحصيلة تحولت إلى حصلة فيما يتعلق بالقاعات… قاعات كانت وما تزال تسقط كأوراق الخريف، بل المشكلة تزداد رقعتها اتساعا…لمن يا ترى سأمنح صفة رجل السينما في هذا العام الذي ودعنا بمهزلة كوبولا؟ فكرت مليا قبل أن يسقط الاسم عن طيب خاطر… إنه الإعلامي والناقد بلال مرميد، فليس بالضرورة أن يكون دائما مخرجا أو مدخلا للدعم، أو منتجا، أو مشخصا للأدوار… فلرجال الإعلام أيضا حق في أن يكونوا رجال السنة، بالرغم من أولئك الذين في قلوبهم حقد على مهنة المتاعب… بلال مرميد، شاب واعد من السينما وإليها… عشقه للفن السابع لا يوازيه ربما إلا عشقه النخاعي للفريق الملكي بالعاصمة الإسبانية… وحين ينهزم فريقه المفضل، فهو لا يبحث عن التبريرات الواهية، فالتبريرات الواهية يسمعها كثيرا من بعض ضيوفه الكرام في برنامج «في مواجهة بلال مرميد». بلال يجتهد… بلال يبحث… بلال يقرأ… بلال يشاهد ويتابع… بلال يرحل رحلة الشتاء والصيف ضيفا أنيفا على مهرجانات كبرى… كان يا ما كان طفلا يعشق الصورة… طفلا يحذوه حب الاطلاع على تاريخ السينما بكل تجلياتها… يقلقه التهافت، وتهافت التهافت… بلال يتمتع بالجرأة، ويسمي الأشياء بمسمياتها… برنامجه الناجح ليس قفصا للاتهام، بل فضاء للبوح، ومن ليست له القدرة على الإقناع، فليرحل إلى برنامج آخر يقول فيه «العام زين» وكفى الله المؤمنين شر القتال؟!. يطل علينا كل يوم سبت عبر الإذاعة وهو يستضيف ضيفا يقال إنه من العالم السينمائي… يقول كلمته التقديمية بتعبير أخاذ بمسامع، هناك من كان في المستوى، وهناك من تمرمد على المسامع… الشاب لا يجامل… وليست المهادنة من شيمه، ولا المساومة في قاموسه الإعلامي… هكذا انتهت صلاحية العام، وفرض الشاب نفسه فرضا لا يدع أي مجال للتنكر إليه… أما أولئك الذين يشيرون إليه بالأيدي، وقولهم: ألا خاب هذا، فالمشيرون أخيب! فهو موجود هنا والآن، فليذهب الساقطون في الامتحان الشفوي إلى الجحيم… قد تختلف معه في هذه النقطة أو معالجة تلك الزاوية… قد نلومه أحيانا على استضافة ضيف أو ضيفة لا محل لهما من الإعراب الفني… قد نؤاخذ الإذاعة على ضيق الوقت الذي يلتزم به البرنامج، بل أكثر من هذا، قد نشجعه على اقتحام البرنامج بالمباشر، وما أدراك ما المباشر… حتى لا يختفي بعض الضيوف وراء عملية المونطاج… والأسطوانة المحفورة القائلة: لقد أخرج أقوالي من السياق… أو يقولون لتبرير فشلهم الذريع في الحوار: «خلا اللي بغا… وحيد اللي بغا…» كلام مردود عليه يا معشر الناس: اللي عندو فدقيقة… عندو فتلاتين دقيقة… وعلى المنهزمين الصمت والسكوت… والمستمعون الأوفياء للبرنامج يعرفون حق المعرفة من كانوا في المستوى، والمستوى الرائع أحيانا… ومن أضاعوا أموال الإذاعة في حجز غرفة داخل فندق بمدينة محمد شكري والعربي اليعقوبي؟!. من كان عند بلال؟ ومن سيحل ضيفا على بلال؟ هذان السؤالان أصبحا لا غنى عنهما داخل الأوساط السينمائية والأوساط السوليمائية على حد سواء… وهذان السؤالان أصبحا ينافسان بشدة السؤالين اللذين تعود عليهما ناس السوليما: هل وضعت للدعم؟.. وهل حصلت على الدعم؟ ها هو صديقنا يفرض أسئلة أخرى بدون لف أو دوران… ولهذه الأسباب كلها، نعتبر الشاب بلال رجل السنة السينمائي بامتياز…
توهُّج السرد مرة أخرى
لا يبدو الاختلاف كثيرا عن السنة الماضية في ما يتعلق بالحصيلة الإبداعية والنقدية في مجال الرواية لسنة 2015. فالملاحظة الأولى هي استمرار النشر في مؤسسات عربية أو في دور نشر صغيرة بالمغرب لا قدرة لها على تعميم الكتاب المغربي، بالإضافة إلى قلة في التأليف النقدي الموجه للرواية. وهكذا صدرت عشرات العناوين باللغتين العربية والفرنسية في الرواية والنقد الروائي ومؤلفات جماعية لعدد من الباحثين. لكن الملاحظة الغالبة على التأليف في النقد الروائي هو ذلك الانحسار في الاجتهاد الأكاديمي، الذي ساهمت الجامعة المغربية لفترة طويلة في بنائه.. وأعتقد أن دور الجامعة المغربية مهم جدا في تغذية النقد المغربي من خلال نشر الأطاريح والندوات والمناظرات، التي تنعقد على مدار الموسم الجامعي في كل المؤسسات وتظل حبيسة رفوفها. ورغم ذلك لم تخل الساحة النقدية من كتابات مهمة، في حدود ما أعرف، لأحمد المديني، مثلا، كتاب جديد بعنوان «كتابة أخرى؛ سرد عربي مختلف» يقرأ فيه أعمالا سردية مغاربية ومشرقية، «لتبيان أن هناك فعلا كتابة أخرى، بصدد الحدوث، فيها المتعثر، ومنها المتكون، المسائل بلغته وأسلوبه وخياله، متجهة إلى أفق، مجتمعة نحو آفاق، كلما زادت كبرت، صارت ذات تجربة فيما تصوغ هي تجريبيتها». وفي هذا الكتاب النقدي معاينة لما يسميه أحمد المديني السرد المختلف، الذي ينزاح جزءا أو كلا عن النمطي المتداول، يخترقهما باجتهاد ووجه الاختلاف. ومن جهة أخرى، صدرت مؤلفات نقدية لمحمود ميري حول أسئلة النقد الأدبي، وعبد الرحمن التمارة عن سوسيولوجية الرواية، ومحمود عبد الغني عن سرود السير الذاتية في التراث العربي، ونور الدين الفيلالي عن التعالي النصي في الرواية المغربية. بالإضافة إلى تآليف جماعية في النقد الروائي صدرت بفاس والدار البيضاء ومراكش. في مجال الرواية صدرت نصوص كثيرة لأسماء جديدة تنشر لأول مرة، أو تحاول أن تحقق تراكما في هذا الجنس الأدبي الذي بات يُغري أدباء من حقول مختلفة. فقد صدرت لحميد ركاطة «مذكرات أعمى»، ومحمد الهجابي «بيضة العقر»، وعبد الغني عارف «مرايا الظلال»، وحسن المددي «ليال بلا جدران»؛ لكن الروايات التي قرأت واسترعت انتباهي بما قدّمته من إضافات هي ثلاث روايات، الأولى لمحمد الهرادي «دانتي» التي هي «نص روائي يمزج في مكوناته بين التخييل والتوثيق، تجري أحداثه على منوال «الكوميديا الإلهية» لدانتي، في العالم الآخر، حيث يلتقي الراوي بالشاعر دانتي في ظروف استثنائية ومثيرة ليخوضا معا مغامرة بحث واسعة تؤدي بهما إلى لقاء الأمير عبد الكريم الخطابي، قائد حرب الريف ومؤسس أول جمهورية بالمغرب، وبوجوه عديدة تعرف عليها الراوي في حياته الأولى المليئة بالمفارقات، أو كان لها دور خلال حراك الربيع العربي». الرواية الثانية لعبد الله ساعف le conquérant de l'empire imaginaire ، وهي رواية تاريخية تستعيد بوعي فني رائق حكاية المحارب جؤدر في حملته التي أرسله فيها المنصور الذهبي قائدا سنة 1591 إلى الصحراء مملكة سنغاي.
الرواية الثالثة «خيط الروح» للروائي مبارك ربيع، وهي تأتي متقاطعة مع كل المشروع الروائي لربيع من جهة، ومع إصداراته الروائية الأخيرة، وخصوصا «حب فبراير» و»أهل البياض» و»طوق الحمام» من جهة أخرى، تتشيد مؤسسة بمعمارها العام في تجربة طويلة يصبح فيها القارئ مشاركا وسط ملحمة قرية أطلسية مرمية في جهة من جهات جغرافيا الروح اسمها تازودانت. إن الرواية في بنائها لخارطة حكيها جعلت من تازودانت ويمود، المكان والإنسان، سكة سير لتحقيق وجود الرواية. فتازودانت الفضاء المهمل، يصبح منجما للدناصير ومقبرة لهم أيضا، كما يعكس وجه المقاومة وأفق التغيير. فهي الظاهر والباطن، وهما معا يغريان بالتنقيب والحفر بين الروائي وشخصياته معا، وخصوصا الأستاذ مرّوني ثم يمود وباقي الشخصيات الحالمة. يتخذ المكان، وهو يكبر في الرواية، بُعدا رمزيا متناميا، فهو ملاذ البسطاء بوعيهم المباشر والساذج أحيانا، خصوصا في تخميناتهم الأولى تعليقا على وجود الغرباء والسلطة، وأيضا ملاذ شركة التنقيب التي تحمل وعيا مخالفا؛ فيما وعي المثقف والباحث، سواء يمود أو مصطفى أو مرّوني أو مجيدة.. هو وعي شقي يحمل معرفة ذات حمولة ثقافية وسياسية للمرحلة. لذلك تتعدد المنظورات في علاقتها بالقرية، سواء المنقبون شركةً وشخصيات في زمن روائي ينكتب روائيا يروي سردية أولى لتازودانت فضاءً للتنقيب وما تستدعيه من واقع الحال؛ في مقابل سردية ثانية عن القرية في علاقتها بالديصور أو الديناصورات. إن فضاء القرية، كما تعمل الرواية على تشخيصه، يجمع بين الأسطوري الذي يعكس لمعان الواقع السياسي والاجتماعي؛ وبين الواقعي التي تطلع منه خيالات عذبة ومُعذبة. بهذا المعنى تصبحُ رواية «خيط الروح»، وهي تُلاعبُ الأجوبة العصية، سؤالا يُخفي ويُظهر سحر الحكاية في تنقيبها عن أسرار أخرى كما تتجلى في السرود والحوارات والتأملات حول السلطة والمعرفة في علاقتهما بالمكان والإنسان والتاريخ والذاكرة والسلوك الإنساني. لذلك فإن الرواية تشتغل بسارد متعدد ولغات متعددة ومتشظية في سرديات القرية والتنقيب أو سرديات القرية والديناصورات. ترسم الرواية سيرورات القرية وكلُّ من عليها فتضيء حياة الديناصورات والحياة الطلابية والإضراب والاعتقال والنقاش الثوري والقضايا القومية .. بين متحف أثري خرج من باطن الأرض والتاريخ؛ ومتحف اجتماعي فوق الأرض. نصوص تستحق القراءة، كما باقي التجارب التي تجتهد في تحقيق سرد مغربي.
2015 من السنوات الغنائية العجاف
الوضع الغنائي بالمغرب يحتاج إلى حوار طويل ليُحاط بأزمته المتعدّدة، التي عرفت تدشين بدايتها منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وأهم عوائقه يكمن باختصار في الهجرة القروية التي عرفتها المدن أيام الجفاف الذي اكتسح المدن المغربية، هذه الهجرة التي حملت معها نمطها الغنائي الذي وجدت فيه شركات الكاسيط وسيلة للربح السريع على حساب الفن الجميل والراقي، الذي ساهم فيه خيرة المبدعين المغاربة، بدءًا بالموسيقار عبد السلام عامر الذي كانت تجربته ضحية هذا الذوق العروبي المتخلف، ليتم تتويج هذه الضربة الموجعة للغناء المغربي الجميل والراقي شكلا ومضمونا بتدشين وزارة الداخلية للسهرات العمومية التي قلبت المشهد الغنائي بالمغرب، ليكون في الواجهة أشباه الفنانين ويتوارى إلى الخلف خيرة المبدعين المغاربة. ولتدمير شعب ما عليك بتمييع فنه وإعطاء الكلمة للقردة الذين لا يخجلون من شطحاتهم الغبيّة.. لأن ما نعيشه اليوم من تخلف غنائي فظيع له جذوره في الماضي، ونحن عشنا سنة 2015 على إيقاع هو أكثر تخلفاً من السنوات الماضية.. هذه السنة المشؤومة عرفت بروز مجموعة من الكوارث الفنية، التي أساءت إلى الرصيد المُشرّف للأغنية المغربية، وساهمت في تربية ذوق أجيال جديدة متعدّدة، فانتقلنا من رائعة «القمر الأحمر» للشاعر عبد الرفيع الجواهري وتلحين عميد الموسيقيين المغاربة الفنان عبد السلام عامر، إلى «عطيني صاكي» و»انت باغيا واحد»…، وهذا دليل قاطع على انهيار القيم الجمالية للشعب المغربي، وبالتالي هو تمهيد لاكتساح المد الظلامي بعذاب القبور وفتاوى أمراء الظلام.. إن المدخل الرئيسي لأي تنمية بشرية يبدأ بالفن، فمواطن له ذوق رفيع سيكون له وعي يؤهله كي يكون فاعلا في المجتمع، فماذا، إذن، عن شعب تشحنه يوميا عبر وسائل الإعلام السمعي البصري برداءة غنائية تفسد الذوق وتجعله يموت تحت وطأة فنانين دون المستوى؟ فشعب بدون غناء راق لا يعوّل عليه.. إن الأغنية المغربية لا يمكن أن يستقيم لها وتَر بهذه الأشباه التي برزت للسطح من أصحاب الاحتياجات الخاصة في الذوق والرؤية الفنية الهادفة، إضافة إلى الشلل التام الذي تعرفه نقابات «كولو العام زين». نحن نحتاج إلى قرار سياسي للنهوض بالوضع الغنائي المغربي. نحتاج إلى قوانين صارمة تقف في وجه التجاوزات الفنية والقانونية. نحتاج إلى وقفات احتجاجية واعية من طرف الفنانين المتمرّسين على الذوق الرفيع. 2015 أفرزت لنا نمطاً غنائيّاً غارقا في السطحية على مستوى المضامين وهزيلا في مستواه الموسيقي، وما يستنتج هو دخول الأغنية في المزاد العلني للإشهار، حيث أصبح توظيفها خدمة للدعاية لصالح الشركات الكبرى بالمغرب.. ثم أفرزت لنا الفنان الحدث الذي يتم التركيز عليه في الآلة الإعلامية بمختلف فروعها. كما لا يمكن أن نلغي، في هذا الصدد، المبادرة الجميلة لوزارة الثقافة في دعم الأعمال الفنية، ومنها الأغنية، وهذه بادرة يجب تطويرها وجعلها في مقدمة الأعمال الغنائية الرائدة..
سعيد أبرنوص: أعتقد أن لا فضل للغة على أخرى إلا بترصدنا للجماليات
قال ل«المساء» : الأمازيغية لغة تطغى عليها تقاليد الشفهية وحديثة العهد بأدبيات الكتابة و شروطها
سعيد أبرنوص واحد من ألمع الأدباء الذين يكتبون بالأمازيغية، خاض تجربة قاسية للترجمة من الفرنسية إلى الأمازيغية، ثم عاد للتأليف المسرحي بالأمازيغية. دشن تجربته في الترجمة بنص غنائي لفولتير قبل أن يخوض تجربة أخرى لا تقل مخاطرة عن الأولى، تتعلق بالتأليف بالأمازيغية عبر استخدام الحرف اللاتيني بدل حرف تيفيناغ. في هذا الحوار يجيب أبرنوص عن أسئلة مقلقة حول آفاق الترجمة والحرف اللاتيني، وتجربة ما يمكن- إذا جاز الوصف- بالأدب الأمازيغي الحديث.
خضت تجربة الترجمة من الفرنسية إلى الأمازيغية، وهي تجربة محفوفة بالمخاطرة.. كيف وجدت هذه التجربة؟
طبعا أي تجربة ترجمة كيفما كانت أعتبرها مغامرة: الانتقال من لغة إلى أخرى، والاشتغال داخل نسقين مختلفين على مستوى البنيات والمخيال. الذهاب إلى النص الأصلي بمنطق القارئ والإياب نحو النص المراد تشكيله بمنطق الكاتب.. وكأن الأمر يتعلق باللعب على حبلين. كل هذا يجعل تمارين الترجمة، دعني أسميها تمارين، وضعيات معقدة جدا وتستدعي الكثير من النباهة والحذر.
يزداد الأمر تعقيدا حين يتعلق الأمر بلغتين متباينتين على مستوى التقاليد الكتابية: الفرنسية كلغة لها تاريخ طويل وعريض من حيث الكتابة والإبداع المكتوب، ومن حيث البنيات اللغوية المشتغل عليها نحويا وأدبيا ونقديا منذ مئات السنين، والأمازيغية كلغة تطغى عليها تقاليد الشفهية وحديثة العهد بأدبيات الكتابة وشروطها. كان الرهان، إذن، ذا أبعاد متعددة: إثبات قدرة الأمازيغية على دخول غمار المكتوب في أعقد صوره (نص مسرحي غنائي كتبه فولتير بفرنسية كلاسيكية جدا سنة 1764) وتأكيد قدرتها على منح النص مميزات إضافية مستقاة من المخيال والشفهية وثراء منوعاتها اللهجية مع الحرص على احترام كل هذه الخصوصيات للحفاظ على المعنى.
لكن الأصعب من كل هذا وذاك، هو كون مسرحية Sophonisbe مكتوبة شعرا وبإيقاع اثني عشري (Alexadrin)، مما حتم علي معالجته شعريا وبنفس الإيقاع (للإشارة فهو نفس إيقاع للا بويا المعروف بالريف)، ثم بعد ذلك إبداع قافية غنية تمنح النص جمالته الثانية… كل هذا، بالإضافة إلى صعوبات أخرى، جعل تمارين الترجمة هاته ممتعة جدا زادها إمتاعا الاشتغال الجميل مع الدكتور حسن بنعقية، الذي أشكره على ثقته وإيمانه بنجاعة العمل.
– أنت من القلائل الذين يكتبون المسرحيات بالأمازيغية، علما أن ثمة حكما مسبقا يقول إن التأليف بالأمازيغية صعب جدا ولا يحقق ما يسميه بارت لذة النص؟
أعتقد أن الأمر له علاقة مباشرة بمدى تمثل الكاتب للغة التي يبدع بها، بالثقة التي يجب أن يمنحها لهذه اللغة، وبقدرته على اكتشاف أسرارها على مستوى البنى والمخيال والصور. وفي الأخير بالإضافات التي يستطيع منحها عبر تنويع قراءاته وترصد ميزات ومميزات اللغات الأخرى… لذة النص نابعة من إتقان المبدع أو المتلقي اللعب من داخل اللغة، وبالتالي أعتقد أن لا فضل للغة على أخرى إلا بترصدنا للجماليات الكامنة والثاوية بين ما يعتبره البعض مبتذلا، شعبويا أو في أحسن الأحوال «ثقافة شعبية». الكتابة والإبداع بالأمازيغية إصرار وتحد لكل هذه الأحكام الجاهزة النابعة من نظرات الاستعلاء لدى البعض والانطباعات التسطيحية لدى البعض الآخر الذي لا يفصل بين مستويات ووظائف كل لغة، ويعتقد أن لغة X أو Y وحدها القادرة على تحقيق اللذة الأدبية فيما يمنح اللغة الأخرى Z وظيفة التداول اليومي المباشر فقط..تجارب الكتابة بالأمازيغية وبالدارجة لدى الكثير من المبدعين المتميزين أثبتت أن لكل لغة كيفما كانت قدرتها الكامنة على خوض تجربة الإبداع في كل الأشكال الأدبية والفنية، بل قد تتفوق على اللغات الكلاسيكية الأخرى لأنها تنهل من مميزات سوسيوثقافية حية وواقع لغوي معيش بكل تفاصيله.
– في تجربة الترجمة هل أحسست في لحظة من اللحظات أن الأمازيغية أكثر خيانة من باقي اللغات الأخرى؟.
كل تجارب الترجمة الأدبية صعبة ومؤرقة، وقد أنجزت في هذا آلاف الأطاريح والأبحاث، ونظمت لمناقشة إشكالياتها المئات من اللقاءات والندوات. ولعل الكل يجمع على كون الأمر يتعلق بخيانة جميلة، ظريفة وأنيقة، نتقبل نتائجها على مضض وكأنها شر لا بد منه. طبعا، كما قلت سابقا، يزداد القلق حين يتعلق الأمر بلغة عانت من النقص على مستوى التأهيل ولا تزال حبيسة النظرة الانتقاصية. لكن، فيما له علاقة بالإبداع دائما، للأمازيغية، في وضعها الحالي، نقاط قوة قلما ينتبه إليها. دعني أتحدث، مثلا، عما يمنحه مخزونها الشفهي وتنوعها اللهجي من إمكانيات هائلة للتميز، تنوع وتعدد أنماطها الشعرية والسردية، تمايز التعابير والبنى اللغوية بين مختلف المناطق الأمازيغوفونية… قدرتها على استيعاب الأشكال الأدبية العالمية كامنة في كون الاشتغال داخلها لا يخضع لقوانين ومعايير كلاسيكية اتفق عليها المنظرون والنقاد والمقعدون والمشرعون اللغويون منذ مئات السنين، كما هو حال اللغتين العربية أو الفرنسية. من هذه الزاوية، إذن، أعتقد أن اللغات ذات التقاليد الشفهية لها قدرة أكبر على التكيف وعلى منح النصوص المترجمة أبعادا أرحب
أنت أيضا مدير مهرجان نكور للمسرح، الذي اكتسب شهرة وطنية محترمة. أريد أن تحدثنا عن هذه التجربة؟
يندرج نجاح مهرجان نكور للمسرح في سياق تميز التجربة المسرحية بالريف (الحسيمة على الخصوص). فمع بداية الألفية الثالثة، ونظرا لتوفر العديد من الشروط الذاتية والموضوعية، ظهرت في الساحة الفنية جمعيات وفرق مسرحية متعددة ساهمت في إبراز مؤهلات الشباب بالمنطقة، وسجلت اسم الحسيمة في العديد من المهرجانات والمحافل الفنية الوطنية والدولية. في هذا الإطار كان من الضروري أن تفكر جمعية «تيفسوين» للمسرح الأمازيغي في التأسيس لمهرجان نكور كمبادرة موازية ذات أبعاد ثقافية تسوق للمدينة والمنطقة، وتوفر مناخ التواصل وتبادل التجارب والخبرات، وتمنح أيضا للفنانين المحليين الممارسين إمكانيات التأطير والتكوين الفنيين لتدارك غياب معاهد متخصصة. وصل المهرجان الآن إلى دورته السابعة، ومعها سجل اسمه من بين الملتقيات المهمة في الأجندة الثقافية الوطنية، عبر تنويعه لمقاربات الاشتغال: غنى المادة الفنية، تعدد الأنشطة، تنظيم الندوات والأيام الدراسية والدورات التكوينية، حضور الأسماء الفنية الوازنة وطنيا ودوليا… وطبعا، سنة بعد أخرى، نحاول في إدارة المهرجان تطوير البرنامج وجعله ينسجم أكثر فأكثر مع شروط الاشتغال الاحترافي كي يكتسي شهرة دولية أيضا، خاصة أن العديد من الفرق الدولية صارت تلح بطلبها للمشاركة في فعالياته. بالتزامنا وجديتنا استطعنا في إدارة المهرجان أن نقنع العديد من الشركاء بالانخراط معنا في إنجاح هذا المشروع. لكن للأسف ثمة مؤسسات وأطراف أخرى (خاصة من القطاع الخاص) لم تتمثل بعد بشكل جيد أهمية تدخلها في المجال الثقافي والفني الجاد والهادف.
– تابعنا، مؤخرا، نجاحا جميلا لمسرحية «ترينكا»، التي أنتجتها فرقة «تيفسوين»، وهي من تأليفك وإخراج أمين غوادة. بالنظر إلى الأساليب الجمالية الجديدة التي دخلتم غمارها، هل يمكن، فعلا، الحديث عن منعطف جديد في المسرحيات المكتوبة بالأمازيغية؟.
إن كان ثمة نجاح لمسرحية «ترينكا» فأعتقد أن الأمر راجع إلى نضج التجربة لدى جمعية «تيفسوين»، التي تشرفت بتأليف كل النصوص المسرحية التي أنتجتها. وهو أيضا نتيجة منطقية للحركية المسرحية التي نشطتها وتنشطها باقي الفرق في المنطقة. يتعلق الأمر، إذن، بتنافسية جميلة عجلت بالبحث الموضوعي عن التنويع في أساليب الاشتغال والرؤى الإخراجية وتقنيات الفعل الركحي… بالإضافة إلى البصمات التي خص بها المخرج أمين غوادة كل جوانب العرض المسرحي، فكانت «ترينكا» عنوانا لتميز التجربة المسرحية الأمازيغية في السنوات الأخيرة. حديث بعض المهتمين والنقاد والمتتبعين عن منعطف أو نقلة نوعية أمر لا أستطيع شخصيا تأكيد اتفاقي أو اختلافي معه. لكني متأكد أن التجربة المسرحية بالحسيمة ربحت رهان الجودة، وصارت الأعمال المسرحية بالأمازيغية رقما مهما في معادلات المسرح المغربي.
– في هذا الإطار أود أن أسألك عن إمكانية الحديث عن «مسرح أمازيغي».
أعتقد أن أكبر خطأ يمكن أن نرتكبه، كممارسين أو باحثين أكاديميين، في هذه المرحلة هو منطق التصنيف الذي مارسه المنظرون في المسرح أثناء مرحلة السبعينيات والثمانينيات حين سقطوا في فخ «عوربة» كل المفاهيم والممارسات، وضيعوا فرصا لتطوير التجارب المسرحية المغربية بمبرر البحث عن التأصيل للمسرح العربي. لذلك، أفضل تسمية «المسرح بالأمازيغية»، حيث نميزه إجرائيا عن باقي الاختيارات اللغوية التي يمكن للمبدع المغربي تبنيها (المسرح بالعربية – المسرح بالدارجة – المسرح بالفرنسية…). أما بخصوص باقي الأشكال الفرجوية ذات العمق والبعد الأمازيغيين (الحلقة – بويلماون – باشيخ…) فأعتقد أننا لم نصل بعد إلى إعادة تشكيلها وتركيبها فنيا لنعتد بها كمسرح مستقل ومختلف عن المسرح الغربي أو المسرح الصيني… في انتظار الاشتغال الفعلي والعملي على هذا المستوى، دعني ألتمس من منظرينا الابتعاد عن أدلجة أسئلة الفن والثقافة.
– إلى حدود الآن لم تقدم الحكومة على تنزيل القانون المتعلق بالأمازيغية، كيف تنظر إلى هذا التأخير؟.
مر غير مفهوم طبعا. وفي ظل هذا الغموض يحق لنا أن نحلل ونؤول ونشكك في نوايا المعنيين بإعداد القوانين التنظيمية المتعلقة بتنزيل دسترة الأمازيغية. تأخر أربع سنوات يعني في ما يعنيه أن ثمة من يزعجه المستوى الذي وصلت إليه القضية الأمازيغية على كافة الأصعدة: سياسيا، حقوقيا، لغويا وثقافيا… موضوعيا، كل الشروط متوفرة. الجمعيات والمناضلون والباحثون، على مدى عقود اشتغالهم وانشغالهم بقضايا الأمازيغية، استطاعوا أن يثبتوا عبر إنتاجاتهم ومقترحاتهم وأبحاثهم أن ما ينقص هو الإرادة السياسية للدولة ومؤسساتها. المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وفي الشق الأكاديمي داخل كل مراكز البحث لديه، أثبت نجاعة وفعالية جد مهمة. لكن للأسف، وبالموازاة مع هذا وذاك، تستهتر باقي مؤسسات الدولة وتماطل وتتعالى على واقع الأشياء. على مستوى الحكومة، أعتقد أنها لم تستوعب بعد هذه الإشارات. الجميع هنا يعرف النظرة الانتقاصية التي ينظر بها من أوكل إليهم أمر المغرب المتعدد إلى الأمازيغية. هم أنفسهم يصرحون تارة ويلمحون تارة أخرى بارتباطهم المشرقي، الذي أعتبره ضربا موجعا لحق المغرب في التميز وبناء شخصيته الهوياتية المستقلة.
– هل ترى أن المزيد من الاعتراف بالثقافة الأمازيغية على المستوى السياسي سيوازيه انتعاش على مستوى التأليف والإبداع؟.
سئلة التأليف والإبداع مرتبطة أساسا بأجوبة التلقي والاستهلاك المرتبطة بدورها بالتسويق والترويج. نحن أمام نسق إنتاج لولبي يشترط إرادة وإدارة مؤسساتيتين لا يمكن تطويرهما إلا باعتراف وإقرار سياسي ضامن لحق المغاربة في استدامة ثقافتهم الوطنية. والوزارات المعنية في هذا الشأن هي: وزارة الثقافة، وزارة التربية الوطنية، وزارة التعليم العالي وتكوين الأطر ووزارة الأعلام. أي استراتيجية للنهوض بالأمازيغية (هوية، ثقافة ولغة) يجب أن تنبني على مقاربة مندمجة تسطر على مستوى الوزارات الأربع. آنذاك يمكن الحديث عن انتعاش على مستوى التأليف والإنتاج الأدبي.أما والحالة هاته، فإني أعتقد أن الأمر لا يعدو أن يكون مبادرات فردية هنا وهناك قد تلقى تجاوبا محدودا في الزمان والمكان، لكنها لا تتسم بالاستمرارية والاستدامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.