رئيس الوزراء البريطاني السابق، طوني بلير، خلق المفاجأة قبل بضعة أيام واعتذر عن غزو العراق سنة 2003. صحيح أنه لم يعتذر بشكل كامل، لكنه على الأقل اعتبر أن الأسباب المباشرة للغزو الأمريكي البريطاني للعراق كانت مجرد أكاذيب فاقعة. في عملية غزو العراق كانت أمريكا قوة رئيسة، ومعها بريطانيا، وخلفهما بلدان أخرى تشبه «البانتشو» الذي كان يتبع الأبله دون كيشوت في حله وترحاله، وأكبر أبله كان هو رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق، خوسي ماريا أثنار، الذي لايزال الإسبان يتندرون على حماقاته رغم أنه غادر السلطة منذ عشر سنوات؛ فبعيد غزو العراق، عندما تم اكتشاف أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، طلب الإسبان من خوسي ماريا أثناء أن يعتذر لأنه كذب عليهم، فتحركت في الرجل شخصية البانتشو الأحمق وقال إنه لن يعتذر إلى العرب حتى يعتذر هؤلاء عن استعمارهم إسبانيا لثمانية قرون!! هل رأيتم طبيعة بعض المسؤولين الذين يحكمون أوربا ويتصرفون كأنهم آلهة الحرية والديمقراطية والعقلانية في الكون؟ هذا الرجل لم يقرأ حتى تاريخ بلاده ليعرف أن العرب في الأندلس مجرد أكذوبة، وأن الأندلسيين كانوا أبناء البلاد الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام، تماما كما هو حال تركيا أو إيران أو أندونيسيا أو غيرها. مرت اليوم أزيد من 12 سنة على غزو العراق ولم يعتذر سوى طوني بلير، ولا يجب أن نتوقع أن يعتذر المعتوه جورج بوش مثلا، ففي تلك الحرب تجمع رهط من السفلة وخاضوا أغبى حرب في التاريخ لسبب وهمي. كانوا يتحدثون باستمرار عن أسلحة دمار شامل في حوزة صدام حسين، لكنهم لم يجدوها أبدا. في البداية، كان صدام يستمتع بتخويف الغرب بأسلحة وهمية لا يمتلكها مثل «مدفع يوم القيامة»، لكنه مع مرور الوقت اكتشف سخف لعبته ففتح البلاد أمام جحافل المفتشين الدوليين والجواسيس فلم يجدوا لا مدفع يوم القيامة ولا مدفع رمضان، لكن اللعبة أعجبت الغرب فبدأت الأكاذيب تتناسل إلى درجة مذهلة، حتى إن وسائل الإعلام الموالية للحرب قالت إن صدام يخفي أسلحة الدمار الشامل في سفن عملاقة تجوب المحيطات ليل نهار ولا تتوقف في الموانئ، والغريب أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يقولون وقتها إن الأقمار الصناعية الأمريكية قادرة على معرفة تحركات صدام حسين بدقة، بل ومعرفة ما إن كان الرئيس العراقي قد حلق ذقنه في الصباح أم لا! كانوا يتتبعون ذقن صدام ولم يستطيعوا تتبع السفن العملاقة التي تجوب البحار بلا توقف! نحن في العالم العربي المتخلف ننظر إلى الغرب بانبهار كبير. يقولون لنا إنهم يعرفون كل شيء فنصدقهم، ويقولون لنا إنهم مهد الديمقراطية والحرية فنقول آمين، ويستمرون في الكذب علينا فنصدقهم باستمرار، لكنهم في الحقيقة مجرد كذابين من طراز رفيع ولهم قدرة عجيبة على تنويمنا مغناطيسيا وملء أدمغتنا بالأكاذيب. وعندما كانت أمريكا تتحدث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق لتتخذ منها ذريعة للغزو، نسينا بسرعة أن أمريكا في غير حاجة إلى ذريعة، إنها تغزو حين تشاء وتعفو حين تشاء. وعندما ألقت قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي فإن ذلك لم يتم لأن اليابان كانت تهدد أمريكا، فطوكيو كانت قد أعلنت استسلامها، ولكن لأن أمريكا كانت تريد أن تجرب أسلحتها النووية على الأرض وفوق رؤوس البشر، فكانت تلك مناسبة لا تتكرر. في حالة العراق أو فيتنام أو أفغانستان أو غيرها، فإن أمريكا تشبه تماما ذلك الذئب الذي كان يبحث عن فريسة، فلمح نعجة فتية تشرب أسفل الوادي، فوقف على مرتفع فوقها واتهمها بأنها تعكر عليه الماء. أجابته النعجة بأن الماء يجري من الأعلى نحو الأسفل فكيف ستعكر عليه الماء؟! طال الجدل بين الذئب والنعجة، وفي النهاية قال لها بصريح العبارة «غادي ناكْلك والسلام»! في مرات عديدة، تخوض أمريكا حربا لمجرد أن رئيسها تورط في فضيحة جنسية. وعندما كانت المتدربة مونيكا لوينسكي تلعب ب»سيجار» الرئيس بيل كلينتون، قرر هذا الأخير ضرب العراق لمجرد أن الأمريكيين «عاقوا بيه»، فأراد أن ينسيهم فضيحته عبر شغلهم بالحرب، فأمطر العراق بملايين الأطنان من القنابل خلال شهر رمضان بكامله. وفي يوم العيد، كتب الجنود الأمريكيون على القنابل والصواريخ عبارة «عيد سعيد يا أطفال العراق» ثم رموها على المساجد والحدائق والمستشفيات. مرة كتب شاعر فذ يقول.. أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا..لكن ذلك الشاعر لم ينتبه إلى أن تشبيهه هذا أساء كثيرا إلى الطاعون..