مفاجآت مثيرة حملتها نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية للرابع من شتنبر. ساعات قليلة، بعيد إغلاق مكاتب الاقتراع، كانت كافية لتقلب موازين القوى في كبريات المدن المغربية، وتكشف أن حزب العدالة والتنمية قد حقق اختراقا كبيرا مكنه من اكتساح الحواضر وتصدر مقاعد الجهات. في عدد من المناطق بدت المفاجأة أكثر إثارة. ففي الوقت الذي كانت نتائج الاقتراع تتقاطر على مقر الحزب الإسلامي بحي الليمون في الرباط، عاشت مدينة فاس على وقع تحول كبير، بعدما استطاع إخوان عبد الإله بنكيران إسقاط حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال والعمدة السابق للمدينة، واختراق أبرز معاقله في المدينة. وعلى غرار «موقعة» فاس، التي اعتبرت انتصارا سياسيا كبيرا للحزب والأغلبية، قاد اكتساح الحزب الإسلامي إلى إسقاط قلاع كانت توصف ب«الأحباس المعقبة» لبعض المرشحين وأبنائهم، وهو ما شكل خلخلة لموازين القوى السياسية في عدد من المناطق، إلى جانب الانتكاسة التي أصابت زعماء المعارضة في مختلف الدوائر التي ترشحوا فيها. التقدم المهم لأكبر حزب في الأغلبية كان بارزا على عدة مستويات. فرغم أن النتائج منحته المرتبة الثالثة، إلا أن طبيعة الانتصارات التي حققها تكشف أنه الرابح الأكبر في الاستحقاقات الأخيرة، ومنها أنه استطاع أن يظفر بأغلبيات مطلقة في كبريات المدن المغربية، مع ما يعني ذلك من اختراق للطبقة المتوسطة التي قررت ألا تغلق «قوس» 2011، كما كانت تأمل أحزاب المعارضة. ثاني معطى يبرز هذا الانتصار هو أن الحزب استطاع أن يضاعف عدد المقاعد والأصوات التي حصل عليها بحوالي ثلاث مرات، حيث انتقل عدد المقاعد من 1600 سنة 2009 إلى 5021 في الاستحقاقات الأخيرة، بينما ارتفع عدد المصوتين لصالح الحزب من 600 ألف إلى مليون و500 ألف صوت. وبمنطق الربح والخسارة، فرغم أن حزب الأصالة والمعاصرة استطاع أن يحافظ على مرتبته الأولى ب6655 مقعدا، أي بفارق 1549 عن العدالة والتنمية، إلا أن حجم الجماعات التي حقق فيها الأخير اكتساحات مهمة تؤكد أن الحزب الإسلامي سيدبر زهاء ال80 في المائة من الميزانية المخصصة للجماعات المحلية. هذا التقدم المثير جاء في سياق خاص طبعه موقف الدولة الحازم من مجريات هذه الاستحقاقات، والتزامها بأقصى درجات الحياد تجاه مختلف الأحزاب والمرشحين، والمعالجة الفورية للشكايات الواردة على النيابات العامة ومصالح وزارة الداخلية سواء ضد بعض أعوان ورجال السلطة، أو بين المرشحين أنفسهم. فقبيل انطلاق الحملة الانتخابية أعلنت وزارة الداخلية عن اتخاذ إجراءات من شأنها درء كل الشبهات التي من شأنها المساس بحياد رجال السلطة وأعوانهم، من قبيل القرابة العائلية من مرشحين محتملين أو سلوك قد يفسر على أنه دعم مباشر أو غير مباشر لهيئة سياسية أو لمرشح معين. وأجرت في هذا السياق حركة انتقالية جزئية لرجال السلطة شملت قرارات التوقيف والإحالة على الإدارة المركزية أو الكتابة العامة للعمالة أو الإقليم، وتجميد المهام بمنح رخص تغيب استثنائية، والنقل والتنبيه. وعلى المنوال نفسه تم اتخاذ إجراءات احترازية وتأديبية على المستوى المحلي في حق 275 عون سلطة. كل هذه الإجراءات مكنت من رفع منسوب الثقة في العملية الانتخابية، وإن لم تنه مظاهر شراء الذمم والعنف الانتخابي من طرف بعض المرشحين، غير أنها حصرت التنافس في العملية الديمقراطية بين الأحزاب. وباعتراف قيادات في حزب العدالة والتنمية، فإن تأثير المال شهد تراجعا خاصة في المناطق الحضرية، مع تنامي وعي المواطنين بقيمة الصوت الانتخابي. الاستحقاقات الأخيرة، التي شكلت أول اختبار حقيقي للحزب والحكومة، عقب سلسلة من القرارات الصعبة والقاسية، كشفت عدم جدية نظرية تراجع شعبية العدالة والتنمية وزعيمه عبد الإله بنكيران، وبدا أن الطبقة المتوسطة أعطت تفويضا أوسعا لمرشحي المصباح لتسيير المدن، واتخذت بذلك موقفا عقابيا تجاه أحزاب المعارضة التي كانت مسؤولة عن تدبير الحواضر المغربية لسنوات. وإذا كان حزب بنكيران قد تمكن من تحقيق نتائج مهمة، فإن خلفيات هذا التقدم تكشف عملا تواصليا مستمرا للحزب الذي يقوده أمين عام يتميز بكاريزما سياسية تجد قبولا متفاوتا لدى مختلف الفئات الاجتماعية، حتى إنه وصف ب»جوكير» «البيجيدي» الذي استطاع أن يحقق اختراقا كبيرا في المناطق التي نزل إليها وخاطب سكانها. في هذا الملف، تكشف «المساء» عن العوامل التي مكنت حزب العدالة والتنمية من الفوز المثير في الانتخابات الجماعية والجهوية. نقف عند شخصية عبد الإله بنكيران، نحاول تحليل قدراته الخطابية عبر استطلاع آراء مختصين في التواصل والعلوم السياسية، ونثير في الآن ذاته قيمة العمل التنظيمي للحزب ومساطر الترشيحات التي جعلت من الديمقراطية الداخلية أحد أهم عناصر النجاح.
عبد الإله بنكيران.. «الجوكير» الذي قاد البيجيدي لاكتساح المدن والجهات الغالي: ندوات النخبة يحضرها 20 شخصا وبنكيران يستقطب عشرات الآلاف تتناسل كثير من الأسئلة عن مستقبل حزب العدالة والتنمية بدون عبد الإله بنكيران على بعد سنة من نهاية ولايته الثانية، وهو الذي استطاع أن يقود الحزب في أوج عطائه السياسي وتوافقاته التي جعلته يترأس أول حكومة بعد الحراك المغربي ودستور 2011. عبد الإله بنكيران ظاهرة سياسية وتواصلية بامتياز. استطاع الرجل أن يمحو من ذهن المغاربة الصورة الجامدة لرئيس الحكومة، أو الوزير الأول، المعتكف بمقر رئاسة الحكومة بالمشور السعيد في الرباط. وفي ظرف أيام قليلة تحولت جلسة المساءلة الشهرية عن تدبير السياسات العمومية، إلى موعد يجذب أزيد من مليوني مغربي. خلال الحملة التي قادها العدالة والتنمية، استطاع الأمين العام للحزب أن ينزل بقوة في مختلف التجمعات الخطابية. ورغم محاولات خصومه الدفع ببعض الشباب لإرباك هذه اللقاءات، كما وقع في تازة، إلا أن بنكيران استطاع أن يستقطب عشرات الآلاف من أنصاره ومن عموم المواطنين. في عز الحملة الانتخابية، استغل بنكيران ضعف اللقاءات التواصلية لباقي القيادات الحزبية مع المواطنين، بعدما كان بعضهم حريصا على متابعة سير الحملة في الدائرة التي ترشح فيها، حتى أن بنكيران علق مستهزئا على عدم تنظيم شباط لتجمعات خطابية خارج فاس: «إنه مختبئ في باب العزيزية». كانت الصور الواردة من مختلف التجمعات والمهرجانات الخطابية تؤكد تنامي شعبية الحزب الإسلامي، أو على الأقل شعبية بنكيران. وعند ظهور نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية اكتشف الجميع أن المدن التي زارها الأمين العام للمصباح منحت الحزب أغلبيات مطلقة، بل إن بعض المكاتب حققت 100 في المائة من الأصوات. وتشير المعطيات التي كشفت عنها وزارة الداخلية إلى أن الهيئات السياسية نظمت خلال فترة الحملة الانتخابية، حوالي 11 ألف و200 مبادرة تواصلية، من تجمعات عمومية وجولات ميدانية وتوزيع للمناشير وغيرها. بيد أن المثير في ذلك هو أن هذه المبادرات التواصلية استطاعت أن تستقطب أزيد من مليون و500 ألف شخص. رقم يقول أعضاء حزب العدالة والتنمية إن جزء مهما منه سجل في المهرجانات الخطابية لبنكيران. لم يلجأ بنكيران في حملته الانتخابية إلى وكالات التواصل والعلاقات العامة التي جنت أرباحا طائلة عبر اشتغالها مع بعض الأحزاب السياسية، بل اعتمد فقط على الموارد البشرية الداخلية وشباب الحزب. وبعد أن وجهت له انتقادات بشأن استئجار طائرة لربط شمال المغرب بجنوبه في التواصل مع المواطنين، خرج الرجل ليكشف أن قيمة الاستئجار لا تتجاوز 31 مليون سنتيم. مبلغ يهون أمام ما حققه من تقدم كبير، بعدما استطاع الحزب أن يضاعف مقاعده بحوالي ثلاث مرات مقارنة مع 2009. في كل هذه المحطات، نجح بنكيران في إيجاد التصميم المناسب ل»بضاعته»، بمنطق التسويق السياسي، فكان أن بخس من قيمة خطاب المعارضة، وركز على بعض المواقف التي تضرب مصداقية زعمائها، من قبيل تحميله مسؤولية فيضانات التشيك أو اتهامه بالانتماء إلى تنظيم «داعش» والنصرة والموساد. ويحلل محمد الغالي، المختص في العلوم السياسية، شخصية بنكيران بالتأكيد على أن الأخير يتوفر على قدرة كبيرة في التواصل، وإن كان خطابه لا يروق في بعض الأحيان النخبة. والسؤال المطروح، يضيف المتحدث ذاته، هو لماذا لا تتجاوب الطبقات الشعبية مع خطاب هذه النخب؟ هنا يرى الغالي أن «تحليل الخطاب يحيلنا على مثلث بنكيران والنخبة والشعب، والحال أن بنكيران يتوفر على أسلوب تواصلي سهل وبسيط». ويضيف: «اليوم يتم التركيز على المقاربة بالنتائج وليس كيف يتحدث بنكيران أو يتصرف، والحملة الانتخابية أبانت أن المواطنين، وحتى أولئك الذين لم يسجلوا في اللوائح الانتخابية، حضروا تجمعاته الخطابية». أكثر من ذلك، يوضح أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بمراكش، أن الندوات التي تنظمها النخبة قد لا يتجاوز عدد الحاضرين فيها حوالي 10 أو 20 شخصا، بما فيها تلك التي يحضرها مفكرون كبار، في حين أن بنكيران تمكن من استقطاب عشرات الآلاف من المواطنين في مهرجاناته التواصلية. ويرى الغالي أن بنكيران يتوفر على كاريزما خاصة، بدليل قدرته على صناعة القبول لدى مختلف الطبقات الشعبية. هذه الكاريزما تتمثل في الثقة التي ترتسم على محيا الرجل في التجمعات الخطابية، إلى جانب إيمانه بالمشروع الذي يدافع عنه والمصداقية والتجرد، عكس بعض الزعماء الذين تنعدم لديهم هذه الصفات. وأشار الخبير السياسي إلى أن بنكيران فرض شخصيته في الوقت الذي تلاشت الكاريزمات كأساس للشرعية. وأضاف: «يجب أن نؤمن بأن بنكيران هو نموذج لرئيس الحكومة الذي جاءت به صناديق الاقتراع ولديه شرعية انتخابية وليس معينا، وعندما يخاطب الفئات العريضة بخطابها ولغتها فإن ذلك يعد ذكاء من الرجل، لأنه يعي جيدا أن شرعيته متوقفة على إرادة هؤلاء». هذا التحليل يزكيه حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الذي يرى أن الحزب الإسلامي حقق نجاحا باهرا، خاصة في الحواضر الكبرى، نظرا لمجموعة من العوامل كان من بينها الأسلوب الجديد الذي دشنه رئيس الحكومة على مستوى التواصل مع المواطن المغربي، مقابل ما كان يعانيه الوزراء الأولون السابقون من مشاكل تواصلية، ويقتصرون على بعض الخرجات المحدودة. وسجل في هذا السياق أن رئيس الحكومة يتواصل بشكل مستمر، إذ لا يمر أسبوع دون أن يكون هناك تصريح أو خبر موضوعه بنكيران، وبالتالي فهو شكل نوعا من الدينامية السياسية والتفاعل مع المواطنين باستعمال خطاب بسيط، ومصطلحات سهلة تبسط القضايا السياسية، بما فيها شرح والدفاع عن القرارات الصعبة بأسلوب جديد. وأوضح قرنفل أن متابعة الحملة الانتخابية السابقة كانت تتم عبر صحف الأحزاب ووسائل الإعلام السمعية البصرية، واليوم وقع تحول كبير بفضل الانتشار الواسع للإنترنت وارتفاع المنخرطين في الشبكات الاجتماعية، بشكل جعلها فضاءات موازية تؤثر في العملية الانتخابية، ويعبر فيها المواطنون عن آرائهم. وأورد في هذا السياق أن «حزب العدالة والتنمية كان سباقا لاستغلال هذه الفضاءات وتأثيثها واستغلالها لتمرير خطاباته السياسية، خصوصا بالنسبة لفئة الشباب التي تشكل الفئة العريضة من مستعملي هذه الوسائل التواصلية الحديثة»، ومشيرا إلى أن»تصويت هذه الفئة لصالح حزب العدالة والتنمية كان حاسما في الانتصار الذي حققه». واعتبر الأستاذ الباحث في علم الاجتماع السياسي، أنه «بدون تبخيس عمل باقي قادة وأطر العدالة والتنمية، فإن الشق الأكبر من نجاح الحزب في الاستحقاقات الأخيرة يعود إلى أمينه العام الذي يهيمن على التواصل السياسي في الحملة الانتخابية الوطنية التي قادها الحزب، ويملك مجموعة من الأدوات التواصلية الناجحة، التي تجعله معادلة رابحة جدا بالنسبة للحزب». وتوقف قرنفل عند المستجد المتعلق بمنح الأحزاب السياسية إمكانية تسجيل المواطنين في اللوائح الانتخابية، حيث قام الحزب بتعبئة كبيرة في صفوف الشباب والأشخاص المقاطعين للعملية الانتخابية، وهو ما أسفر عن تسجيل حوالي 200 ألف مواطن لأول مرة، وهم الأشخاص الذين اختاروا بدون شك هذا الحزب، حسب المتحدث ذاته.
قصة «الصرار والنملة» والديمقراطية الداخلية التي مهدت الطريق لتصدر الانتخابات السكال: مساطرنا شفافة ونراعي التوافق الداخلي في منح تزكيات الترشيح على الرغم من استقالة بعض أعضاء الحزب الإسلامي احتجاجا على نتائج مساطر الترشيح للانتخابات الجماعية والجهوية، بدت ديمقراطية العدالة والتنمية متماسكة جامعة لمكونات الحزب، في الوقت الذي عاشت عدد من التنظيمات السياسية حملة ترحال قوية احتجاجا على فرض قياداتها لمرشحي «الباراشوت» ضدا على إرادة الفروع المحلية والجهوية. وأياما قليلة قبيل انطلاق الحملة الانتخابية وإغلاق باب الترشيحات، استنفر «البيجيدي» قيادته الوطنية ونزل بأبرز قيادييه لخوض غمار الانتخابات الجماعية والجهوية، وكان آخرهم عبد العالي حامي الدين، الذي شكل عنصر المفاجأة بعدما اعتذر في البداية عن تمثيل «المصباح» في دائرة أكدال، قبل أن ينزل إلى سيدي سيلمان ليقود اللائحة الجهوية. القاعدة تقول إن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية يوكل إليها البت في الأسماء المرشحة للجهات والمدن الكبرى، بينما يبقى للمكاتب الجهوية حق اقتراح المرشحين للجماعات، بعدما أصبحت لجنة الترشيح التي يختارها المؤتمر هي التي تبت في أسماء المرشحين على أن توافق عليهم لجنة التزكية التي لا حق لها في رفض قرارات هذه اللجنة إلا بثلثي أعضائها. كان الجميع يترقب كيف سيتعامل بعض الأعضاء الذين قيل إنه رفع في وجههم «الفيتو» لمنعهم من الترشيح، وكان من أبرزهم عبد العزيز أفتاتي، البرلماني المثير للجدل، والذي صدر في حقه قرار بتجميد مسؤولياته في الحزب. لكن أفتاتي نفى وجود أي منع، وأعلن قائلا: «سأنزل بجانب إخواني في الحملة»، وكذلك فعل. ولما اقترب موعد الانتخابات، وبرزت بعض الخلافات حول مساطر الترشيح، الخاصة بأعضاء مجالس العمالات والأقاليم ومجلس المستشارين، ذهب الحزب إلى عقد اجتماع استثنائي للمجلس الوطني، فكانت النتيجة هي مضاعفة تغطيته للدوائر الانتخابية ب16 ألف و310 مرشح ومرشحة، مقابل 9161 في جماعيات 2009. رئيس المجلس الوطني للحزب، سعد الدين العثماني، كان واضحا خلال انعقاد دورته الاستثنائية، وقال بصريح العبارة: «قيادة الحزب ضد التكالب على رئاسة اللوائح وعلى المسؤولية، وهذه الأمور ممنوعة ومجرمة، وأي شخص خالف قواعد الحزب في هذا المجال لن نتردد في اتخاذ قرارات ضده ولو كانت عمليات جراحية قاسية». هذه المساطر الصارمة تكشف أن الحزب لم يعتمد في المجمل على الباحثين عن مواقع متقدمة في آخر لحظة، بعدما وجدوا أنفسهم في مراتب متدنية ضمن لوائح أحزاب أخرى. هذا المعطى ينضاف إليه انضباط مناضليه لقرارات الحزب، وهو ما جعله يعتمد على موارده البشرية الخاصة في الحملة الانتخابية، عوض اللجوء إلى «عمال الانتخابات» الذين يكون همهم الوحيد هو توزيع الأوراق، عوض إقناع الناخبين ببرنامج الحزب ومرشحيه. اعتماد الحزب على استراتيجية واضحة في التعامل مع الانتخابات، وعدم تشتيت التركيز بتوجيهه نحو هجومات المعارضة، جعل الأخير ينجح في لعبة «النملة والصرار»، كما قال بنكيران. استراتيجية جعلت حضور الحزب قويا في عملية تسجيل المواطنين في اللوائح الانتخابية، حيث تمكن التنظيم الموازي للشباب من تسجيل 180 ألف مواطن ومواطنة. عبد الصمد السكال، رئيس قسم التنظيم الحزبي والتواصل الداخلي، أوضح أن العدالة والتنمية كان دائما يضع مساطر تخضع للتطوير في كل استحقاق انتخابي، آخذا بعين الاعتبار الملاحظات التي تتم إثارتها. هذه المساطر تشمل العمل على خلق توازن بين إشراك القاعدة والاحتفاظ للقيادة بسلطة التقدير، خاصة في اختيار المرشحين في بعض المواقع المعينة. وأورد في هذا السياق أن آخر ما تم اعتماده في هذه المساطر هو تنظيم الجموع العامة التي تقترح نصف أعضاء هيأة الترشيح، وهي الهيأة التي تضم النصف المنتخب من طرف عموم الأعضاء العاملين والنصف الآخر كممثلين للهيئات المسؤولة للحزب. عمل هذه الهيأة يتمثل في تقديم المرشحين المقترحين لخوض الانتخابات، وأيضا وكلاء اللوائح. وبما أن النظام الأساسي للعدالة والتنمية ينص على أن الهيئات التنفيذية للحزب تشمل الأمانة العامة والكتابات الجهوية والإقليمية، فإن الأخيرة هي التي تبت بشكل نهائي في هذه المقترحات، في إطار هيأة التزكية. وفي هذا السياق، يوضح السكال، فهيأة التزكية يمكنها إدخال بعض التعديلات لكن بضوابط صارمة، من قبيل إضافة أسماء كوكلاء للوائح، غير أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بموافقة الأغلبية المطلقة لهذه الهيأة على الوجوه المقترحة. ويوضح رئيس قسم التنظيم أن هذه المساطر تحتفظ لهيئات الحزب بسلطتها، حيث سجل أن «الهيئات المسؤولة للحزب تحلل الخريطة العامة للترشيحات، وتعمل على خلق نوع من التوازن بين المرشحين في مختلف المواقع». ويضيف: «هذه الأمور تتم في إطار من الشفافية، ويُسمح للجميع بحق الطعن وفق المسطرة المعتمدة لذلك، وهو ما يجعل الإشكالات التنظيمية تكون ضعيفة، وعدد الشكايات يبقى محدودا جدا». وأورد السكال أن «الاشتغال بهذه المساطر جعل مرشحي الحزب كما باقي الأعضاء ينزلون إلى الحملة الانتخابية بحماس، وهو المنطق نفسه الذي يحكم اختيار المرشحين للرئاسات والعضوية في المجالس، والذي يرتكز على مساطر محددة وإشراك الهيئات المسؤولة والمستشارين». واعتبر أن المسألة الجوهرية في المساطر التي يعتمدها الحزب هو أنها تسمح بالتقدم بأسماء حولها اتفاق داخلي، إلى جانب المعطى المتعلق بالقبول والشعبية لدى المواطنين، والكفاءة والقدرة على القيام بالمهام الجماعية وغيرها من المعايير. ويقول: «عندما تصوت للعدالة والتنمية فإنك تصوت أساسا للحزب، وثانيا للأشخاص وهو الأمر الذي تتم مراعاته في اختيار المرشحين الذي يجسدون مبادئ واختيارات الحزب». وبخصوص التنظيم الداخلي للحزب، ومساهمته في الوصول إلى النتائج التي حققها في الانتخابات الأخيرة، أكد السكال: «كنا دائما حريصين على المتابعة الدقيقة لعمل مختلف هيئات الحزب، وأن نشتغل بشكل سلس طبيعي، حيث نظمت الإدارة العامة زيارات لجل الجهات، وكانت هناك لقاءات تواصلية مفيدة جدا». وأشار إلى أن حزب العدالة والتنمية ينظم سنويا ملتقى للكتاب المجاليين، والذي يجمع أزيد من 700 كاتب محلي وإقليمي والجهوي. هذه المحطة السنوية تشكل مناسبة للتواصل وتدقيق الاختيارات وإعادة تحديد الأولويات في برنامج الاشتغال.
تراجع شعبية «البيجيدي»..حلم المعارضة الذي انهار ليلة 4 شتنبر أعبوشي: المغاربة عاقبوا أحزاب المعارضة التي كانت تسير المدن في سنة 2011 بوأ المغاربة حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المبكرة، لينتقل من صفوف المعارضة إلى تدبير الشأن العام الحكومي بإرث يصفه الحزب ب»الثقيل» في عدد من الملفات الحارقة، وهو ما اضطره إلى مواجهة الشعب المغربي بالحقيقة المرة وبقرارات قاسية. أربع سنوات كانت كافية لتحدد مستقبل الحزب في امتحان الانتخابات الجماعية والجهوية، التي تأجلت لأكثر من مرة. بين سنتي 2012 و2015، اتخذت سلسلة من القرارات «اللاشعبية»، كان أبرزها رفع الدعم عن المحروقات والاقتطاع من أجور المضربين ومنع التوظيف المباشر، إلى جانب مشروع إصلاح التقاعد الذي تعتبره النقابات ضربا لمكتسبات المأجورين. في مختلف هذه المحطات، حاول رئيس الحكومة، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن يطمئن مكونات الأغلبية وأعضاء حزبه بأن الشعب المغربي استوعب حقيقة الوضع الذي كان يهدد التوازنات الاقتصادية والمالية للبلاد، ولا خوف من إمكانية إقدام الناخبين على تصويت عقابي في اختبار صناديق الاقتراع. الخوف من اكتساح حزب العدالة والتنمية للانتخابات الجماعية والجهوية كان حاضرا بقوة في ذهن بعض مكونات الأغلبية، وبشكل خاص لدى حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي عارض بشكل قوي تنظيمها سنة 2012، كما كشفت عن ذلك بعض قيادات الأغلبية. بيد أن نتائج الانتخابات الأخيرة كشفت «زيف» كل التوقعات، التي كانت تصب في اتجاه ضرب شعبية قائد الائتلاف الحكومي، بعد القرارات الصعبة التي نزلت على الشعب المغربي. وفي ليلة الرابع من شتنبر 2015، اكتشف الجميع أن الناخبين، خاصة المنتمين للطبقة الوسطى، منحوا العدالة والتنمية تفويضا أوسع لتسيير المدن المغربية. بين 2012 و2015 لم تنم عيون أعضاء الحزب الإسلامي، وظل أمينه العام كما قياديوه ملتصقين بالمواطنين وفي تواصل يومي معهم، يدافعون عن اختيارات الحكومة و»يعبئون» المغاربة ضد من يصفونهم بقوى الفساد، فيما لم يتردد بنكيران في «فضح» معارضيه وتوجيه سهام نقده لمواقف ساهمت في رفع منسوب مصداقيته. على طول الفترة الفاصلة بين مرحلة الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية، استغل حزب «المصباح» وقياداته الزمن السياسي لتهييء ظروف التقدم بشكل كبير في النتائج الانتخابية. وكلما خرجت مظاهرة «سياسية» ضد بنكيران، إلا واستهزأ الرجل من نوعية وعدد المشاركين فيها. هجومات المعارضة على بنكيران، خاصة من طرف شباط، تحولت في بعض اللحظات إلى أهداف لصالح زعيم «المصباح»، خاصة بعد اتهامه بالانتماء إلى «داعش» و»جبهة النصرة» والموساد. مواقف استغلها رئيس الحكومة ل»تقزيم» غريمه السياسي والضرب في مصداقية خطابه، بعدما اتهم الحكومة بتخفيض وزن قنينات الغاز، وحمل رئيسها مسؤولية المظاهرات في تركيا وفيضانات التشيك. في مقابل هذه المعاركة، نجح بنكيران وحزبه طيلة هذه المدة في تحقيق اندماج سلس في ماكينة التدبير، وخلق توافقات «رجل الدولة» مع باقي المؤسسات. أعاد في عدد من المحطات التذكير بحدود اختصاصاته الدستورية، وقال بصريح العبارة: «أنا مجرد رئيس حكومة». لم يتوان الأمين العام للحزب الإسلامي في اتهام خصومه بمحاولة الإيقاع بينه وبين المؤسسة الملكية، واعتبر أن هذا التكتيك «فاشل ولن ينجح»، بعدما تمكن من كسب ثقة المؤسسة الملكية، وهو الذي ما فتئ يكرر بأن قرار حزبه بعدم الخروج في احتجاجات 20 فبراير 2011 كان بسبب الخوف على استقرار البلد. نتائج 2015 تؤكد أنها لم تأت بمحض الصدفة، بل انطلاقا من ظروف سياسية وتنظيمية جعلت الحزب يحقق هذا الاكتساح ويخترق معاقل معارضيه، بل استطاع أن يسقط كبار المرشحين، من أمثال حميد شباط، الذي لم يكن في يوم من الأيام يعتقد أن عجلة الديمقراطية ستلقي به بعيدا عن عمودية مدينة فاس، وهو الذي صرح أياما قليلة قبل يوم الاقتراع بأن العاصمة العلمية للمملكة ستبقى استقلالية. كل الحروب التي خاضتها المعارضة ضد برامج الحكومة أثبتت، بعد ليلة الرابع من شتنبر، أنها «مشاداش» كما يقول الأمين العام للحزب. وعلى العكس من ذلك، فقد تأكد أن بنكيران وإخوانه في الحزب استطاعوا أن يحولوا بعض القرارات اللاشعبية إلى مكسب انتخابي، بعدما طمأنوا المغاربة بضرورة اتخاذ هذه الإجراءات للحفاظ على التوازنات الاقتصادية للبلاد. وعلى المنوال نفسه، تحولت البرامج التي أعلنت عنها الحكومة إلى مكسب انتخابي أيضا، واستغلت بشكل كبير في الدفاع عن الحزب، ومنها الدعم الموجه للأرامل والمطلقات والرفع من أعداد الطلبة المستفيدين من منحة الدراسات الجامعية، وإحداث صندوق التعويض عن الشغل، وغيرها من البرامج التي تبنت مقاربة الاستهداف المباشر لبعض الفئات المستضعفة، بعدما ووجه الدعم المباشر للفقراء بمعارضة شديدة. بيد أن الدفاع عن هذه البرامج واستغلالها في الحملة الانتخابية أغضب المعارضة، وهو ما عبر عنه إلياس العماري، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، بشكل صريح عندما اتهم بنكيران بالتأثير على الناخبين والعملية الانتخابية بعد أن أعلن في برنامج «مناظرات» أنه سيتم صرف تعويضات دعم الأرامل بعد الانتخابات. ويرى الحسين أعبوشي، رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بمراكش، أن فوز حزب العدالة والتنمية يعود إلى عدة عوامل أجملها في قوته كتنظيم حزبي، ومشاركته في التدبير الحكومي، والحملة الناجحة التي قادها، إلى جانب اختلالات المشهد الحزبي ككل. ويوضح أعبوشي أن «العدالة والتنمية يتوفر على أداة وهيكل حزبي قوي، وهو ما تفتقده الأحزاب الأخرى. فهناك ديمقراطية داخلية فيما يتعلق بالترشيحات وتولي المسؤوليات الحزبية، إلى جانب الهوية الإيديولوجية الجامعة التي تجعل المناضل السياسي يعمل من أجل الحزب». العامل الثاني، حسب الخبير السياسي، يرتبط بتولي الحزب لمسؤولية تدبير الشأن العام، من خلال ترؤسه للحكومة منذ سنة2011. وأكد أعبوشي أن «قدرات الحزب المشارك في الحكومة، سواء فيما يتعلق بالجانب التواصلي أو المادي والرمزي، تتقوى بشكل يعطيه قدرة أكبر للولوج إلى المواطنين بسهولة». وفي السياق نفسه يشير المتحدث ذاته إلى نهج أسلوب القرب من طرف وزراء العدالة والتنمية، الذين بقوا كعامة الناس. «وزراء الحزب حافظوا على علاقتهم بالمواطنين، وظلوا يقطنون في نفس أماكن سكناهم، وهو معطى مهم جدا على مستوى القرب من المواطنين، بشكل أعطى جيلا جديدا من الوزراء». ويضيف الأستاذ المختص في الشؤون السياسية، أن العامل الثالث لنجاح العدالة والتنمية يرتبط بمعاقبة المواطنين للأحزاب المعارضة التي كانت تسير الجماعات، وهو الأمر الذي يجعلنا أمام عذرية أو نقاء سياسي للمصباح في تدبير المدن، ناهيك على كونه قد قاد حملة انتخابية قوية جدا، حيث تولى الأمين العام للحزب لوحده الحملة على المستوى الوطني عبر التجمعات الكبرى، في حين تكلف مناضلو الحزب بالحملات المحلية، دون اللجوء إلى المأجورين. وأشار إلى أن الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية وأيضا فدرالية اليسار قدموا جميعا برامج جيدة، على المستوى الكمي والنوعي. فبرنامج «البيجيدي» يستجيب لمقتضيات الدستور وما جاء في القوانين التنظيمية للجماعات والجهات»، ومشيرا إلى أن «الحزب يشتغل في إطار مشهد حزبي عرفت فيه تنظيمات أخرى مشاكل كثيرة، كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد الاشتراكي والاستقلال».
هكذا قلبت الطبقة الوسطى موازين القوى في الخريطة السياسية للمدن مصباح: الطبقة الوسطى لا يمكن استمالتها بالمال و«البيجيدي» اخترقها في الحواضر قراءة السلوك الانتخابي للمواطن المغربي خلال الانتخابات الأخيرة تكشف تنامي دور الطبقة المتوسطة في قلب موازين القوى وإحداث تغييرات مهمة في الخريطة السياسية، وهو ما بدا واضحا من خلال التقدم الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الحواضر المغربية، وبأغلبيات مطلقة في عدد من المواقع المهمة، وذات ثقل سياسي. حزب عبد الإله بنكيران استطاع أن يحقق اختراقا كبيرا لدى الطبقة المتوسطة، في الوقت الذي كانت تعول المعارضة على تصويت عقابي يقزم حجم العدالة والتنمية الذي تبوأ الصدارة في تشريعيات 2011، ويُمَهد لإغلاق ما تصفه ب»القوس» الذي فتح عقب الحراك المغربي. بيد أن نتائج الاستحقاقات الجماعية والجهوية أكدت أن هذه الطبقة منحت تفويضا جديدا لهذا الحزب لتدبير الشأن العام المحلي، رغم عدد من القرارات التي وصفت باللاشعبية، والتي مست بشكل مباشر جيوب المغاربة. خلال استضافته في برنامج «مناظرات»، دافع بنكيران عن الإجراءات التي اتخذها حفاظا على التوازنات الاقتصادية للبلاد، وأكد في المقابل أن الأهم بالنسبة للطبقة المتوسطة هو أن يكون المجتمع مستقرا. موقف ربما نجح بنكيران في تسويقه بشكل جيد، وهو الذي استطاع أن يخمد نيران الغضب من جراء قرارات هددت القدرة الشرائية للمواطنين، بل وأخرجت عددا منهم للاحتجاج بعد الارتفاع الصاروخي لفواتير الماء والكهرباء. ولعل المعطى المثير في السلوك الانتخابي بمناسبة استحقاقات الرابع من شتنبر هو تزايد ثقة المواطنين في العملية الانتخابية والسياسية، مما كانت له نتيجة مباشرة على الرفع من نسبة المصوتين، والتي بلغت 53 في المائة. معطى يؤكد بالملموس تنامي إحساس المواطن المغربي بقدرة صوته الانتخابي على تحقيق التغيير، خاصة بعد سقوط أسماء كانت تعتقد أنها «حبست» بعض الدوائر لصالحها. ويبدو من خلال نتائج الاقتراع أن الطبقة المتوسطة قد عاقبت أحزاب المعارضة التي كانت تسير عددا من المدن المغربية، ومنحت فرصة للحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي لتنزيل برامجه الانتخابية المحلية والجهوية، على أن تعود في محطة انتخابية قادمة لإخضاع العدالة والتنمية للاختبار الديمقراطي نفسه، بعدما تمكن خلال الامتحان الأخير من مضاعفة مقاعده بثلاث مرات والرفع من عدد الأصوات ب900 ألف صوت مقارنة مع 2009. محمد مصباح، الباحث بمركز «كارنيغي» للشرق الأوسط، يرى أن السلوك الانتخابي للمغاربة يعرف تغيرا واستمرارية في الوقت نفسه، إذ يلاحظ وجود تعايش لثلاث أنماط من السلوك لدى الناخبين خلال الاستحقاقات المحلية الأخيرة، وهي التصويت العقلاني والتصويت التقليدي والتصويت «الهجين». ويوضح في هذا السياق أن «التصويت العقلاني يعتمد على اختيارات واعية إما عقابا للمجالس البلدية السابقة أو اقتناعا بمشروع سياسي معين، ويعتمد التصويت التقليدي أساسا على الانتماءات الاجتماعية التقليدية مثل القبيلة والعائلة، في حين يتأسس التصويت الهجين على مزيج بين النموذجين السالفين، كأن يصوت شخص محليا على لائحة أحد أفراد قبيلته وفي اللائحة الجهوية على الحزب الذي يؤمن به». وسجل مصباح أنه برز خلال الاستحقاقات الانتخابية المحلية الأخيرة بشكل لافت ارتفاع منسوب التصويت السياسي أكثر من السابق، دون أن يعني ذلك اندثار الأنماط الأخرى، سيما لدى الأحزاب التي تعتمد كثيرا على الأعيان التقليديين للحصول على مقاعد انتخابية. ولكن في الوقت نفسه، يضيف مصباح، ظهر سلوك واعي لدى فئات داخل المجتمع تتجه أكثر وأكثر نحو التصويت السياسي للأحزاب، وهو ما برز أساسا لدى الفئات التي صوتت على تحالف اليسار الاشتراكي وعلى حزب العدالة والتنمية. ويشير المتحدث ذاته إلى أن النتائج الأولية للانتخابات تظهر أن حزب العدالة والتنمية حقق اختراقا كبيرا للطبقة المتوسطة الحضرية، وهذه الفئة بالضبط هي التي تتميز بنموذج التصويت العقلاني، على اعتبار أنها لا تعيش ضغطا ماديا وبالتالي لا يمكن استمالتها بالمال السياسي. كما أن تكوينها الدراسي العالي مقارنة مع الفئات الاجتماعية الدنيا يسمح لها بمتابعة النقاش السياسي وقادرة على إصدار أحكام مستقلة، وهو ما يجعلها صعبة الإقناع، وإذا اقتنعت فهي تصوت على مشروع سياسي. وأكد الباحث في مركز «كارنيغي» أنه في السابق كانت هذه الطبقة تصوت على الأحزاب ذات المرجعية اليسارية والأحزاب الوطنية، غير أنها اليوم تتجه أكثر فأكثر للتصويت على حزب العدالة والتنمية، ثم بدرجة ثانية على اليسار غير البرلماني. وعن الدور الذي لعبه الدين في عملية التصويت، اعتبر مصباح أن الخطاب الديني لم يكن العامل الحاسم للتصويت على العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية والجهوية الأخيرة، رغم أنه قد يكون للجانب الأخلاقي دور مهم، والمرتبط بتصورات المواطنين حول «نظافة يد» مرشحي الحزب ومصداقية خطابهم. وسجل مصباح أن هناك ثلاثة عوامل تساعد على فهم عملية التصويت والنتائج المحصل عليها، أولها أن حزب العدالة والتنمية يشكل ظاهرة حضرية وبالأساس في المدن الكبيرة والمتوسطة، وهي المناطق التي حقق فيها مكاسب كبيرة. كما أن أغلب أعضائه ينتمون إلى فئة الطبقة المتوسطة الحضرية المتعلمة، مثل فئة الأطباء والمهندسين والأساتذة والمحامين. العامل الثاني، وفق التحليل نفسه، مرتبط بالسياسة التواصلية التي نهجها الحزب مع المواطنين والتي تعتمد القرب وإنزال «السياسة إلى الأرض»، وكان لرئيس الحكومة دور هام في تأطير مهرجانات خطابية في العديد من المدن حضرها عشرات الآلاف من المواطنين، والتي أعطت دفعة لحملة الحزب في هذه المناطق. أما العامل الثالث، الذي أشار إليه مصباح، فيرجع إلى غياب البديل ذي المصداقية، حيث ساهم غياب منافس إيديولوجي قوي للحزب في استحواذ العدالة والتنمية على نسبة مهمة من الأصوات في المدن. وأضاف قائلا: «خطاب المعارضة الذي كان يشخصن في أوقات كثيرة الصراعات مع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، صب في الأخير لصالح العدالة والتنمية».
«البيجيدي» بفاس: قصة اكتساح أصابت المتتبعين بالذهول لغة «الصدق» في التواصل وحملة ب«التطوع» وانخراط «الكتلة القارة» فاس – لحسن والنعام عندما أعلن المكلف بالإعلان عن نتائج اقتراع 4 شتنبر بمقر ولاية جهة فاس، في وقت متأخر من ليلة الجمعة/السبت (4/5 شتنبر الجاري) على أن حزب العدالة والتنمية قد حصد في منطقة زواغة بنسودة 30 مقعدا، مقابل 9 مقاعد لحزب الاستقلال، عم الصمت في أرجاء الولاية. بالنسبة لكل المتتبعين، إنه السقوط المدوي للأمين العام لحزب الاستقلال، وعمدة المدينة، حميد شباط، في قلعته. حزب العدالة والتنمية، في المقابل، يوقع قصة اكتساح. اكتساح المثير في مقاطعة زواغة بنسودة أن عبد الواحد بوحرشة، هو الذي يتصدر لائحة حزب «المصباح» في مواجهة لائحة العمدة شباط، رفقة زوجته، فاطمة طارق. بوحرشة، اسم مغمور على الصعيد الوطني، لكنه في منطقة زواغة رجل تعليم معروف. سبق له أن قضى أسابيع في «ضيافة» السجن المحلي عين قادوس بعدما اتهم في قضية نزاع عقاري بين سكان «المرجة» بالمقاطعة، وبين مقاول يتهمه المواطنون في المنطقة بالانتماء إلى ما يعرف ب»شبكات السيبة العمرانية» في زواغة. خرج بوحرشة من السجن الاحتياطي، وحصل على حكم براءة، وسط تضامن واسع من قبل السكان، وعاد ليواصل «عمل القرب» مع المواطنين. وفي موعد الانتخابات، حصدت لائحته الاكتساح. بوحرشة هو نفسه سيترأس المقاطعة، وسيخوض المعارك، من موقع المسؤولية، لمحاربة «السيبة العمرانية» التي ظل ينتقدها رفقة البرلماني بومشيطة. انخراط عندما حل بنكيران بفاس، في عز الحملة الانتخابية، حضر ما يقرب من 20 ألف شخص لتجمعه في المركب الرياضي. رددوا الشعارات المناوئة لعمدة المدينة، وانتظروا لأكثر من ساعة مجيئه، وتفاعلوا مع كلمته إلى أن غادر على متن سيارته. كل هذا «في نظام وانتظام»، إلى حد أن إدارة المركب ذهلت لكون التجمع، على غير العادة، لم يلحق أضرارا بالكراسي، ولم يترك الأوساخ في الأرجاء. 20 ألف شخص كانت رسالة واضحة على أن أقل من 20 ألف أسرة ستقصد صناديق الاقتراع، وستصوت للوائح «المصباح» دون تردد. ومعالم قصة النجاح بدت أكثر وضوحا: الكتلة الناخبة القارة جاهزة لصنع التغيير في المدينة. يقول جلال مجاهد، الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية، في تصريحات ل»المساء»، إن ما يقرب من 300 ناشط في شبيبة حزب «البيجيدي» شاركت في ترتيبات إنجاح هذا التجمع. وفي الحملة الانتخابية جاب حوالي 400 شاب في شبيبة حزب «البيجيدي» مختلف أرجاء المدينة. هؤلاء، بحسب تصريحات جلال مجاهد، متطوعون، ولا علاقة لهم ب»عمال الانتخابات»، كما هي عادة الأحزاب المنافسة التي تستعين بمأجورين مهمتهم توزيع المناشير وحمل المرشح على الأكتاف، وترديد الشعارات، وفي أوقات متأخرة من الليل يقفون طوابير أمام «الكراج» في انتظار أن تؤدى لهم «أتعاب» هذا «النضال». شبان تركوا كل شيء، وانخرطوا بكل ما أتوا من طاقة لخدمة الحملة في أحيائهم. بالنسبة للكاتب الإقليمي لحزب «البيجيدي»، فإن هيكلة الفروع المحلية التابعة لشبيبة حزب «المصباح» ساهمت في نجاح الحملة الانتخابية. عامل آخر، وفقا للكاتب الإقليمي لشبيبة «البيجيدي»:»لقد كان مؤتمر الشبيبة الذي انعقد في مراكش عاملا أساسيا في إذكاء همة أعضاء شبيبة الحزب». أشبال حزب العدالة والتنمية غطوا جل مكاتب التصويت، وطرقوا الأبواب، وناقشوا البرنامج الانتخابي مع المواطنين. وكانت بالنسبة لهم الأجواء جد مشجعة. «لقد تجاوب معنا سكان الأحياء الشعبية بشكل كبير». أكثر من 400 شاب وشابة جلهم حاصلون على شهادة البكالوريا فما فوق، انخرطوا بوعي واقتناع وتطوع في هذه الحملة الانتخابية. وقبلها كانوا حاضرين في الأحياء. هذا عامل آخر في قصة اكتساح. غضب إحدى الفعاليات في ما يعرف ب«اليسار الجذري» في المدينة قال ل»المساء» إنه صوت لحزب العدالة والتنمية. راجع أوراقه، بشكل شخصي، وقرر أن يبحث عن مكتب التصويت، لما يقرب من نصف ساعة. بالنسبة له، ف»رئة المدينة تحتاج إلى تنفس هواء آخر، لكي تستمر في الحياة»، في إشارة إلى كونه من المصوتين الغاضبين الذين لم يختاروا التصويت لحزب العدالة والتنمية لاعتبارات إيديولوجية. المسألة لها علاقة بوجود فراغ. هذا الفراغ لا ينير ظلمته لحد الآن سوى «مصباح» حزب العدالة والتنمية. المثير في الحملات الانتخابية في المدينة أن بعض المرشحين أنفسهم في لوائح أحزاب أخرى قرروا خوض حملة بعنوان «عريض»: «الإطاحة بحزب الاستقلال في المدينة». فالبرلماني عزيز اللبار، عن لائحة حزب الحركة الشعبية، حضر تجمع بنكيران، وظل وهو يتجول في الشوارع والأزقة يدعو المواطنين إلى التصويت لأي لائحة يختارونها باستثناء لائحة حزب الاستقلال. «موقعة البرلمان» حضرت بقوة في حملة البرلماني اللبار. ورغم أن البرلماني خسر في سباق الظفر بمقعد في المجلس الجماعي، إلا أنه لا يخفي نشوته وهو يتحدث عن السقوط المدوي لحزب الاستقلال في المدينة. الغاضبون مما تعيشه العاصمة العلمية من أوضاع اجتماعية، ومن انعدام الأمن، ومن كثرة «الثقوب» في بنياتها التحتية، جزء كبير منهم لا انتماء سياسي له. وقد صوتوا لفائدة حزب العدالة والتنمية. لقد أصبح للصوت في صناديق الاقتراع تأثير. قرب قبالة مسجد «التجموعتي» بوسط المدينة، يوجد «القلب النابض» لحزب العدالة والتنمية. ففي الوقت الذي كانت فيه الأحزاب السياسية تغط في نوم عميق، كانت الحركة لا تتوقف في هذا المقر. ينتهي لقاء ليبدأ لقاء آخر. قطاعات موازية. مواطنون يطرقون الباب. مستشارون يتسلمون الملفات. إدارة مهيكلة للمقر. وندوات صحفية لأعضاء فريق «المصباح» في المجلس الجماعي، بين كل دورة ودورة. وفي الأحياء الشعبية حيث الوداديات السكنية لها دينامية خاصة في المدينة، نشطاء حزب العدالة والتنمية لهم حضور وازن. بالنسبة لهم، فإن مسألة الحضور هنا حاسمة: إنهم يلامسون المشاكل الحقيقية للمواطنين، ويسعون بكل ما أتوا من إمكانيات واجتهادات لحلها. في المقابل، هذه الاستراتيجية في العمل جعلت المواطنين يحتكون مع نشطاء حزبيين من طراز آخر. لا يطلبون أي مقابل لعملهم التطوعي، ولا يعدون بما لا يمكنهم الوفاء به، ولا يغلقون الهواتف خوفا من الإحراج. المواطنون لا يبحثون عمن يصنع المعجزات. إنهم يبحثون عن الصدق في التعامل، وعن المصداقية في الخطاب، وما عدا ذلك، فهو تفاصيل. وتلك قصة أخرى صنعت اكتساح حزب العدالة والتنمية في مدينة فاس.
حامي الدين: التصويت العقابي وُجه للمعارضة والسلطات نجحت في تنظيم الانتخابات قال إن المال نزل بقوة في الانتخابات لكن أثره انحصر في القرى ودوائر الاقتراع الفردي في هذا الحوار، يتحدث عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن الأجواء التي مرت فيها الانتخابات الجماعية والجهوية، وكيف نجح «المصباح» في تحقيق نتائج متقدمة في المدن المغربية. وأكد حامي الدين أن الحزب استعد لهذه الانتخابات بما تستحقه من جدية واهتمام، وساهم بفعالية في مختلف مراحل المسار التشاوري والتشريعي المؤطر للعملية الانتخابية، وتفوق في امتحان الديمقراطية الداخلية لاختيار مرشحيه للجماعات والجهات. وبخصوص تدبير التحالفات، أوضح المتحدث ذاته أن «الحزب حرص على الالتزام بمنطق الأغلبية مع إشراكها في تدبير الجماعات التي حصل فيها على الأغلبية المطلقة، دون استبعاد إمكانية التحالف مع أحزاب وطنية أخرى في بعض الأحيان». – كيف تفسر اكتساح حزب العدالة والتنمية لنتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، رغم بعض القرارات الحكومية التي كانت ترجح إمكانية التصويت العقابي؟ الأمر لا يتعلق باكتساح بقدر ما يعكس ثقة كبيرة للناخبين، خاصة في المدن الكبرى، حيث حصلنا على الأغلبية المطلقة في بعض المدن، وهو ما يعكس نجاح منهج قائم على المصداقية والوضوح. حزب العدالة والتنمية استعد لهذه الانتخابات بما تستحقه من جدية واهتمام، وساهم بفعالية في مختلف مراحل المسار التشاوري والتشريعي المؤطر للعملية الانتخابية، وتفوق في امتحان الديمقراطية الداخلية لاختيار مرشحيه للجماعات والجهات، وخاض حملة انتخابية نظيفة مبنية على خطاب سياسي واضح تحت شعار : «صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح». وسجل المراقبون خلال هذه الانتخابات حجم التجاوب التلقائي للمواطنين والمواطنات مع الخطاب السياسي لأبناء الحزب ومرشحيه، وحجم الإقبال الجماهيري المكثف على اللقاءات المباشرة التي قام بها عبد الإله بنكيران بمناسبة هذه الحملة الانتخابية بشكل غير مألوف في تاريخ الانتخابات المغربية. كل هذه العوامل جرى تتويجها بنتائج جد إيجابية تؤكد التجاوب الكبير لفئات واسعة من الشعب المغربي مع خيار مواصلة الإصلاح، وإذا كان من تصويت عقابي فقد تم توجيهه لأحزاب المعارضة بشكل واضح. وما هو تقييمك للدور الذي لعبته الطبقة المتوسطة في نتائج التي حققها حزب «المصباح؟ بدون شك فنتائج الانتخابات الجماعية والجهوية للرابع من شتنبر تعكس وجود طبقة وسطى متصاعدة بشكل تدريجي داخل المدن، وهذه الفئة تستعصي على الاستمالة بواسطة المال أو بواسطة وسائل الدعاية الإعلامية غير القائمة على حجج وأدلة مقنعة. هذا الأمر يكذب جميع التكهنات التي كانت تعتبر أن الفئات الوسطى ساخطة عن الأداء الحكومي وحزب العدالة والتنمية، وبأنها ستذهب في اتجاه التصويت العقابي للحزب. – المعارضة اتهمت الأمين العام لحزب العدالة والتنمية باستغلال بعض البرامج التي استهدفت طبقات معينة، من قبيل دعم الأرامل. ما ردك؟ أولا من واجب الحكومة وليس من حقها فقط أن تنتبه إلى الفئات الهشة في المجتمع، وهذا من صميم وظيفتها ومن صميم التزامها ببرنامجها الحكومي. ثانيا، هذا البرنامج بالخصوص الذي يهم دعم الأرامل لم يدخل حيّز التنفيذ قبل الانتخابات بسبب اعتراض الأمين العام لحزب الاستقلال عليه، ولذلك من الصعب ربط نتائج الانتخابات به. ثالثا، إن حزب العدالة والتنمية حصل على مليون ونصف مليون صوت، بينما لا يتعدى عدد النساء الذين وضعوا ملفاتهن 60 ألف امرأة. – هل كانت للأجواء العامة التي مرت فيها الانتخابات أثر على هذه النتائج، مع تراجع تأثير المال والنفوذ وتنامي قيمة الصوت الانتخابي وقدرته على التغيير؟ صحيح لقد نجحت السلطات في تنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية بعد مسلسل تشاوري هام بين الأحزاب السياسية حول القوانين التنظيمية المرتبطة بالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الأخرى، توج بالمصادقة عليها بالإجماع. وهي خطوة هامة لتنزيل أحكام الدستور المتعلقة بالجهوية المتقدمة واستكمال لمسار الإصلاح المؤسساتي الذي اختارته بلادنا منذ المصادقة على دستور 2011 مرورا بتنظيم الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011 وتشكيل حكومة جديدة برئاسة عبد الإله بنكيران التي أشرفت على تنظيم انتخابات المأجورين والغرف المهنية، بالإضافة إلى الانتخابات الأخيرة التي جرت يوم 4 شتنبر. لقد نجحت الحكومة في توفير كافة الشروط القانونية والتنظيمية واللوجيستية لتنظيم هذه الانتخابات في ظروف جيدة. وبغض النظر عن بعض الملاحظات التدبيرية والتقنية التي عمت بعض مكاتب التصويت يوم الاقتراع، فقد عبرت اللجنة المركزية للإشراف على الانتخابات ممثلة في وزارة العدل والحريات ووزارة الداخلية عن جاهزية معتبرة ليمر يوم الاقتراع في أحسن الظروف. وهو ما أسهم في الحد من تأثير المال الذي نزل بقوة، لكن تأثيره ظل منحصرا في القرى وفي دوائر الاقتراع الفردي بالدرجة الأولى، وهذا لا يعني غيابه في المدينة. – كيف كان تفاعل قيادة الحزب وأمانته العامة مع إشكالية التحالفات بين مكونات الأغلبية؟ اختيارنا كان واضحا بحيث حرصنا على الالتزام بمنطق الأغلبية مع إشراكها في التدبير في الجماعات التي حصلنا فيها على الأغلبية المطلقة، ووفينا بجميع التزاماتنا في هذا الإطار، كما لم نستبعد إمكانية التحالف مع أحزاب وطنية أخرى في بعض الأحيان. – من خلال النتائج التي حصل عليها الحزب في الانتخابات الجماعية والجهوية، هل تتوقع استمرار تقدم «المصباح» في الانتخابات التشريعية؟ بالتأكيد إن شاء الله، على اعتبار التفويض الذي حصل عليه الحزب في عدد من المدن ونسبة الأصوات المحصل عليها تعكس حجم الثقة المتجدرة في وعي الناخبين، وهو ما سيترسخ أكثر إذا نجح الحزب في تغيير منطق التسيير في عدد من الجماعات ولم يرتكب أخطاء في التسيير.