في قراءة أولية لنتائج الانتخابات الجماعية والجهوية، التي ستفرز بالضرورة إعادة تشكيل للمشهد السياسي المحلي وما يتطلبه ربح رهان الجهوية الموسعة التي تعد هذه الاستحقاقات أولى اللبنات المؤسسة لها، استقينا بعض الشهادات والتصريحات لمهتمين بالشأن السياسي والثقافي والاقتصادي، حول الخريطة السياسية المحلية الجديدة وأهم الاسباب التي ساهمت في رسمها. محمد بودويك: البيجيدي لعب على وتر الخطابات الديماغوجية و التف على حصائل تجربتي التناوب أبدى الكاتب والناقد محمد بودويك استغرابه من النتائج التي حققها حزب العدالة والتنمية باكتساحه لأغلبية مقاعد الجماعات المحلية والجهات، حيث رسخ وجوده بمدن كانت لسنوات معقلا للأحزاب الوطنية. واعتبر بودويك في تقييمه للمشهد السياسي الحالي أنه سبق أن عبر عن تخوفه من هذا الاكتساح قبل أن يتبلور على أرض الواقع اليوم، مضيفا « اندهشت ولم أندهش في نفس الوقت. لم أندهش بالنظر للحصيلة الحكومية الهزيلة وغير المقنعة على جميع المستويات: التعليم، الصحة، التشغيل، الاقتصاد، المديونية، الثقافة.... كما أنني توقعت بالنظر الى كل هذه المعطيات، أن يعاقب هذا الحزب من طرف المواطنين بفعل السياسيات اللاشعبية التي انتهجها منذ توليه تسيير الشأن العام» ، متسائلا كيف يمكن مع ذلك أن يحقق هذا الاكتساح ويحقق السيطرة على الجهات والجماعات؟ ولم يفت بودويك التركيز على الخطاب الديني الذي يوظفه هذا الحزب، ودوره في تحقيق هذه النتائج، مضيفا أن المنسق الوطني السابق لجمعيات دور القرآن بالمغرب، حماد القباج، دعا المواطنين للتصويت على حزب العدالة في توظيف فج للدين ، ما يعني أن التصويت لصالحه لا يفهم منه بالضرورة أنه عقاب للأحزاب الأخرى، ولو أنه يجب اغفال هذا المعطى أيضا، لكن طبيعة الخطاب الشعبوي السريع الذي يستعمله هذا الحزب ورئيسه يسهل ابتلاعه من المواطنين. وأكد بودويك أن البيجيدي لعب على وتر الخطابات الديماغوجية المبنية على الدين وعلى الالتفاف على حصائل تجربتي التناوب الاولى والثانية، وهي النقطة الاساسية التي غيبها بعض مرشحي الاتحاد الاشتراكي ، مؤكدا أنه لمس ذلك من خلال مشاركته في الحملات الانتخابية بفاس، حيث تغيب لغة المقارعة والمقارنة لدى وكلاء اللوائح الذين يكتفون بدور المدافع عوض استغلال أخطاء ومفارقات البيجيدي على مستوى تدبير الشأن العام في ظل دستور منح لرئيس الحكومة صلاحيات لم تكن تتوفر لسابقيه، وهي نقط لم يستثمرها مرشحو الاحزاب الوطنية.. دون أن ينسى التأكيد على طبيعة الكتلة الناخبة المغربية التي تبقى في غالبيتها محافظة ما يجعل أمر استقطابها سهلا لجعلها آلة وخزانا انتخابيا وفيا «وهو ما لمسناه من خلال ارتفاع نسبة التصويت بعد صلاة الجمعة مباشرة». ورغم الخروقات التي سجلت خلال الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع واستعمال للمال الحرام من طرف بعض الأحزاب التي دأبت على ذلك في كل استحقاق انتخابي، فقد سجل الكاتب محمد بودويك أن «حزب العدالة والتنمية وظف الدين ، حراما، مثلما وظف آخرون مالا حراما كذلك ، وهو ما جعله يعود بهذه القوة» ، مشيرا الى دور الاعلام المأجور الذي أخذ على عاتقه مهمة تعميق الخلافات وتأجيجها، ما جعل الاتحاد يفقد كتلة ناخبة كبيرة نتيجة الصورة القاتمة التي كونها عنه الناخبون وهي طريقة ذكية اشتغل عليها البيجيدي لسنتين، بالإضافة الى جيشه الإلكتروني الذي قاد حملة شرسة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتصويت لصالح الحزب والتشهير بالأحزاب الأخرى. حسن قرنفل: على أحزاب المعارضة تدبير تحالفاتها بشكل جيد انطلق الدكتور حسن قرنفل، الباحث في علم الاجتماع، في قراءته لنتائج الانتخابات الجماعية والجهوية من التمييز بين مستويين في الاختيار. فجهويا، كانت النتائج لصالح العدالة والتنمية وجماعيا كان الامتياز لصالح حزب الأصالة والمعاصرة. هذا الاختلاف في الترتيب - حسب الأستاذ قرنفل - مرده أن الناخب انطلق من كون الانتخابات الجهوية هي انتخابات سياسية بامتياز، ومحطة من محطات الانتخابات التشريعية وبالتالي فالتصويت السياسي كان واضحا. أما على مستوى الجماعات فلم تعرف النتائج تغييرات مهمة. وأهم ملاحظة يمكن تسجيلها هي اكتساح حزب العدالة والتنمية ،حيث انتقل الى المركز الثالث من حيث عدد المستشارين الجماعيين بأهم المدن التي كانت سابقا معاقل للأحزاب الوطنية، مضيفا: «هنا يطرح التساؤل: هل التصويت لصالح العدالة بهذه المدن هو تصويت عقابي للأحزاب الأخرى أم انخراط في السياسة الحكومية؟ وتبقى الأيام هي الكفيلة بإظهار طبيعة هذا الاختيار». معطى آخر ساهم في رسم هذه الخريطة هو «ما عرفته الحملات الانتخابية للعدالة التي كانت ساحات للملاسنات اللفظية ما جعلها تحظى بمتابعة من طرف المواطن رغم ديماغوجيتها وشعبويتها». وأشار قرنفل الى أن هناك تقاربا بين أحزاب المعارضة والأغلبية من حيث عدد المقاعد الجماعية والجهوية، وهو ما يدعو أحزاب المعارضة الى حسن تدبير تحالفاتها بشكل جيد لتتمكن من رئاسة بعض الجهات. على المستوى المحلي أكد قرنفل على ضرورة احترام اتجاهات التصويت المعبر عنها، أن التحالفات التي ستعقدها أحزاب المعارضة وأحزاب الاغلبية لا يجب أن تكون خارج منطق النتائج حتى يتم ترسيخ البعد السياسي لهذه الاستحقاقات، وضمان اهتمام المواطن بالشأن السياسي وإعادة الثقة بينه وبين الفاعل السياسي».