عادة في رمضان، يمر طبال واحد في حي واحد، لكن في ليلة وصباح هذا العيد، كان هناك أكثر من طبال في الشارع الواحد من أجل جمع أعطيات ومكافآت العيد. في كثير من أحياء المدن المغربية، فوجئ الناس بطبالين كثيرين لم يروهم من قبل، منهم من يحملون ندوبا واضحة على وجوههم أو يحملون أسلحة بيضاء، وكثيرون من أصحاب السوابق، وهؤلاء قرروا أن يحتالوا على الناس بطريقة خاصة، أي أنهم استغلوا كرم الناس وطيبوبتهم في أيام «العْواشر»، فحملوا طبولا وصاروا يجوبون بها الآفاق أو يتسولون بها في أضواء الإشارة وعلى أبواب المساجد، مستغلين نظرة العطف الخاصة التي يكنها المغاربة لطبال رمضان. لكن هناك ما هو أفظع من وراء هذا الاحتيال، وهو أن الأغلبية الساحقة من متقمصي دور طبالي رمضان هم من مدمني المخدرات الصلبة، وهؤلاء لا يتورعون عن فعل أي شيء لكسب المال، لذلك فإنهم فتحوا جبهة جديدة في رمضان، وهو شهر اكتشفوا فيه كنزا حقيقيا. مدمنو المخدرات الصلبة في المغرب صاروا أكثر من اللازم، وهم يختلقون كل يوم أساليب جديدة للسرقة والنشل والاحتيال، آخرها تلك الموجة التي عرفها رمضان مؤخرا، حيث يتصيدون النساء الوحيدات اللواتي يحملن حقائب يد أو يتكلمن في الهاتف المحمول، فيرمون عليهن حشرة «سْرّاق الزيت»، فتنتفض النساء رعبا ويرمين كل شيء، فيجمعون الغنيمة وكأنها سقطت من السماء. هناك أساليب سرقة جديدة وكثيرة تدخل في مجال الإبداع الحقيقي، وحتى لو كانت قديمة فإنها ازدهرت خلال رمضان بشكل غير مسبوق، والهدف واحد.. توفير ثمن الجرعة اليومية من الهيروين أو الكوكايين ومشتقاتهما. وقبل سنوات قليلة، ظهرت هذه الموضة النذلة في التنقيب داخل براميل القمامة أو جمع أطراف الحديد الصدئ أو الألمنيوم المهمل، وكثير من المنقبين لا يُطعمون أسرا ولا يعولون أطفالا، بل يبحثون عن أي شيء يباع من أجل توفير الجرعة اليومية. هناك حالات كثيرة جدا لمدمنين خربوا بيوت أسرهم ونكلوا بعائلاتهم، إلى درجة أن مدمنين يسرقون من منازلهم طناجر الأكل من فوق النار وهي مليئة بالأكل، لأن «حكّة» الجرعة حين تصعد إلى الرأس فإنها تشل الدماغ بالكامل. لهذا يجب أن نعترف أن شعبا كاملا من المدمنين في المغرب صار مشلول الدماغ ويعيش من أجل هدف واحد وهو توفير الجرعة، وتصاعد جرائم السرقة والقتل دليل فاقع على ذلك، وهناك شبكات أدخلت إلى المغرب أسلوبا جديدا وهو الاختطاف من أجل الحصول على فدية، وسنرى قريبا أساليب إجرامية كثيرة في حال لم ينتفض المغاربة ضد مافيا المخدرات الصلبة. المخدرات الصلبة كبرت وترعرعت وشبت على الطوق أمام عيون المسؤولين الذين يرون كل شيء، لكنهم يبدو أنهم لم يروا هذه المافيا الإجرامية الخطيرة التي تفتك بمستقبل شعب بكامله، ولا يزال تجار المخدرات الصلبة يتصرفون وكأنهم يملكون مفاتيح هذا البلد، إلى درجة أنهم قد يفتحون قريبا محلات لبيع بضاعتهم كما لو أنهم يفتحون محلات لبيع الشباكية في رمضان. في المغرب منازل كثيرة جدا تباع فيها المخدرات الصلبة، والأنكى أن الجميع يعرفونها، وسيارات الأمن تمر من أمامها وترى طوابير المدمنين تقف في انتظار الحصول على الجرعة، ومع ذلك يستمر الكابوس. يقال إن المخابرات هدفها حماية البلد والشعب من كل الأخطار، وقبل بضعة أسابيع، صار جهاز الأمن في يد الرجل الأول للمخابرات، وما ينتظره المغاربة الآن من رجل الأمن والمخابرات، هو أن يخوض حملة مقدسة حقيقية ضد شبكات المخدرات الصلبة، فلا يعقل أن يتحدث المغاربة كثيرا عن مخاطر الإرهاب، بينما يغلقون عيونهم عن إرهاب تجار المخدرات الصلبة. فإذا كان الإرهاب العادي يضع متفجرات، بين الفينة والأخرى، في أماكن عامة لقتل أبرياء، فإن تجار المخدرات الصلبة يضعون آلاف القنابل يوميا في كل مكان لقتل الأبرياء، الفارق هو أن ضحايا تفجيرات القنابل يموتون ويُدفنون، وضحايا المخدرات الصلبة يموتون ولا يُدفنون. بإمكان مسؤولي الأمن والمخابرات أن يبحثوا قليلا في هذا الملف وسيجدون الغرائب المحيرة. سيجدون المئات أو الآلاف من تجار المخدرات الصلبة أحرارا طلقاء بينهم، صدرت في حقهم العشرات من مذكرات البحث الأمنية، وسيجدون الكثير من محلات بيع المخدرات وكأنها محلات مرخص لها رسميا، وسيجدون أباطرة استيراد وتصدير هذه البضاعة يتصرفون وكأنهم من أعيان الأعيان، وسيجدون أشياء أخرى كثيرة وغريبة. طالبنا كثيرا بتطبيق أحكام الإعدام الفوري في حق تجار المخدرات الصلبة، وفي كل مرة تظهر ميكروبات حقوقية تقول إن الإعدام عقوبة وحشية، ونحن لا ندري أي منطق يتحدث به هؤلاء البلهاء الحمقى، لذلك نريد أن نلجأ إلى حل رائع. أعطوا المغاربة حقهم في تقرير مصيرهم. نظموا استفتاء يسألهم إن كانوا يريدون تطبيق عقوبة الإعدام في حق تجار المخدرات الصلبة، وستروْن الإجابة التي ستصدمكم. أليست هذه الآفة تهدد مستقبل ومصير المغاربة؟ ألا تستحق استفتاء؟.