لم تعد طنجة تلك المدينةَ الهادئة «الأسطورية» التي تغنى بها الأدباء والشعراء، بل حوّلتها المخدرات إلى «مسلسل رعب وتراجيديا» تجري أحداثه بين دروب الأحياء الشعبية، التي لم تعد تحتضن فقط تجار الحشيش وأقراص الهلوسة، بل وجد فيها مُروّجو الكوكايين والهيروين مستقرا مناسبا. من أحياء بني مكادة الشعبية، حيث مركز المدمنين والتجار، إلى المدينة القديمة، التي تحولت من مزار تاريخي إلى قلعة يستوطنها كبار تجار المخدرات القوية، الذين حوّلوا الأحياء الضيّقة إلى مكان غامض ومخيف، وصولا إلى «كاسبراتا»، حيث يأتي إليها مشبوهون من أماكن مختلفة. إنها خارطة المخدرات الصلبة ومعاقلها الأساسية في مدينة البوغاز. أضحى حي «موح باكو» في مقاطعة بني مكادة، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، مركزا لمتعاطي وتجار المخدرات الصلبة والهيروين والكوكايين، الذين لم تنفع شكاوى المواطنين، وصار المكان مستقرا مفضلا لعدد من تجار المخدرات، الذين استقطبوا عشرات الشباب ليعملوا كوسطاء في هذه التجارة. لقد أضحى التجوال في حي «موح باكو» غير عادي، ف«البرّاني» غير مرغوب فيه هنا، وبمجرد ما يطأ غريب عن الحي هذه المنطقة، يلاحظ مجموعات من 3 إلى 5 أفراد موزعة هنا وهناك، وتبدأ نظراتهم في التوجه نحوه.. وجوه متجهّمة تُركّز على هذا الغريب، تجبره على تسريع الخطى إلى أن يتوارى عن الأنظار، فأغلب هؤلاء من مدمني المخدرات والمتاجرين فيها، وخاصة الهيروين، وكل غريب عنهم هو «جاسوس حتى يثبت العكس».. هكذا يصف أحد سكان المنطقة الوضع. انتشاء في حضرة «السبع» تنتشر البقع الأرضية الفارغة والمنزوية بكثرة في هذه المنطقة وحولها، وعندما يدقق فيها المرء النظر، يجد بعض الحقن ملقاة هنا وهناك. ففي هذا المكان، «يستمتع» المدمنون بلحظات من «الانتشاء»، بعيدا عن الأنظار، وفي زاوية بعيدة، ينزوي شاب في العشرينات من عمرهم، أسمر البشرة ضعيف البنية، يجلس على صخرة وفي يده كيس صغير، ثم يثني كمّ قميصه، الأصفر الباهت، ليكشف عن معصم شاحب مليء بالثقوب وضربات الآلات الحادة.. فيُخرج ما يشبه قنينة معدنية صغيرة ويمرر تحتها قداحته مرات ومرات، ثم يملأ حقنة ويحقن نفسه ليصدر تنهيدة كسرت صمت المكان، ويجلس مسترخيا «لا يحس بما حوله».. يُعلّق أحد سكان المنطقة «هذا الشاب كان متفوقا في دراسته قبل أن يتعرف على بعض سماسرة «السبع».. هوما اللّي فْلّسوه».. أما «السبع» فهو اسم تاجر مخدرات، معروف في منطقة «موح باكو»، تم توقيفه مؤخرا وفي حوزته كميات من الهيروين والكوكايين، وحسب إفادات من سكان المنطقة، فما زال «سماسرته» يتاجرون في المخدرات، فهذا هو «عرف» المنطقة: عندما يقع «المعلم الأكبر»، يترك «وريثا له»، يكون الأقدَرَ على ضمان ولاء الآخرين، قد يشتغل لصالحه أو حتى لصالح «معلمه»، ولو من داخل زنزانته... ما يزال صدى أسماء تجار المخدرات الذين سقطوا في قبضة العدالة أو الفارين يتردد بقوة، خاصة أن عمليات القبض عليهم كشفت وجود شبكات تضُمّ نساء وأطفالا وطلبة وتلاميذ، ف»السبع» مثلا، كان يُشغّل نساء وشبابا من أسرة واحدة. في «موح باكو»، هناك محلات تجارية وبائعو سجائر معروفون بتجارة المخدرات، بل وأيضا منازل معروف عنها ذلك، يقول بعض السكان إن بعضها تبقى مفتوحة طيلة اليوم، حتى إن «أوقات الذروة» تشهد وقوف صفوف من المدمنين من أجل نيل نصيبهم من الجرعات، مقابل 20 إلى 50 درهما للمخدرات الصلبة، كالهيروين، وما يزيد في بعض الأحيان على 400 درهم ل«الغْبرة»، التي صارت تجد لها موطئ قدم في هذا الحي وتجلب زبائن من أماكن بعيدة، منها تلك التي توصف ب«الراقية». ويصف السكان الحملات الأمنية بهذه المنطقة ب«الموسمية» و«الغريبة»، ويطالبون بتكثيفها، كما أنهم يعتقدون أن هناك مسؤولين نافذين يستفيدون من هذه التجارة، بل إنهم يتهمون سياسيين بربط علاقات مع تجار المخدرات، مستشهدين على ذلك بما جرى خلال الانتخابات الأخيرة، حيث يؤكد السكان أن أحد المرشحين تكفّل ب»حماية» مروجي المخدرات من دوريات الأمن ووعد بالتحذير المبكّر منها، مقابل مساعدته في حملته الانتخابية... المدينة القديمة.. الحصن المنيع إنها المدينة القديمة لطنجة، الواحدة زوالا. في منطقة «دار البارود»، الشعبية، حيث الدروب الضيقة والكثيرة تشبه متاهة تسهّل مأمورية تجار المخدرات.. يقف شاب في الثلاثينات من العمر، يعتمر قبعة صيفية تضفي عليه طابع الغموض، بصره شاخص تجاه الأرض، لا أحد يعرف فيمَ يفكر. بين الحين والآخر، يدخن سيجارته ثم يلتفت يمينا ويسارا ليتفحص المكان، قبل أن يعود إلى وضعه الأول. بعد دقائق، يقصده شابان لا يبدو أنهما تجاوزا الثامنة عشرة. من هيأتهما، يتضح أنهما تلميذان، أحدهما يحمل حقيبة على ظهره، والآخر يحمل كتابين في يسراه وسيجارة في يمناه. دون تحية أو كلام، يسلمانه ورقة نقدية من فئة 50 درهما ويسلمهما «شيئا» صغيرا ملفوفا بشكل طولي في ورق أبيض و»شيئا» آخر ملفوفا في قطعة بلاستيكية صفراء، تسمح برؤية لونه البني. الكمية المتوسطة لما في حوزتهما لا تسمح بالجزم في ما إذا كانت المخدرات التي سُلِّمت لهما للاستهلاك أم لإعادة بيعها. لقد أضحت المدينة القديمة في طنجة «حصنا حصينا» لتجار المخدرات، وبين دروبها الضيّقة يحدث «العجب»، كما يصف السكان الأمر. ما يُحكى عن تجار المخدرات في هذه المنطقة وما تثبته عمليات إيقاف بعضهم يجعل سكان طنجة يعتقدون أن مدينتهم تحولت إلى «فيلم رعب واقعي»، حيث إن أساليب استيراد وترويج المخدرات وطرق حماية المقرات ومنطلقات عمليات الترويج غير معتادة. ففي «حومة بنيدر الشعبية»، وسط المدينة القديمة، تبلغ عمليات الترويج ذروتها منذ منتصف النهار، فالتعاطي في هذه المنطقة أضحى أمرا شبهَ «عادي»، وأعداد المدمنين في تزايد، منهم من حوّلتهم المخدرات إلى مجرد أشباح، نَحيلي البنية، شاحبي الوجوه، يرتدون ثيابا رثة، لا يخفى شكلهم على زائر الحي، وآخرون صغار السن، تلاميذ أو طلبة أو شبان في مقتبل العمر، موفوري الصحة.. يتعاطون الهروين و«الغبرة» بالدرجة الأولى، بينما جر الإدمان العديد من الشابات، وحتى القاصرات، إلى بيع أجسادهن مقابل ما يُوفَّر لهن جرعات صارت أهميتها في حياتهن كأهمية الهواء والماء، ولربما أكثر، هذه الأمور لم تعد تخفى على أحد.. في هذا الحي، تتاجر مجموعة من ربّات البيوت في المخدرات، حيث حوّلن بيوتهن إلى «متاجر مفتوحة» للكوكايين والهيروين، يقصدها المدمنون على مدار اليوم، بل منهن من يتزعمن شبكات تمتد فروعها إلى مختلف أحياء طنجة الشعبية.. وقبل أيام قليلة، ألقت الشرطة القبض على ربة بيت تبلغ من العمر 47 سنة وبحوزتها أكثر من 4 كيلوغرامات من الهيروين وكميات كبيرة من مخدرات أخرى، كانت إحدى أهم مروجي المخدرات في المنطقة وتنشط شبكتها في أحياء أخرى في منطقة بني مكادة، وهذه السيدة هي زوجة تاجر مخدرات يقضي عقوبة سجنية حاليا. أما «الطوق الأمني» الذي يفرضه تجار المخدرات القوية على الأحياء، خاصة على مقراتهم، فيتجاوز أحيانا «حدود المعقول»، ففي بداية هذه السنة، وأثناء عملية توقيف أحد أكبر المروجين في منطقة «القصبة»، فوجئت عناصر الأمن وشهود العيان الذين تابعوا العملية بالعدد الكبير للحراس الذي يحرسون «المقر»، مُوزَّعين حول المنطقة وفوق أسطح المنازل، مُسلَّحين بالهراوات والسلاح الأبيض، ويتواصلون عبر أجهزة اتصال ذكية، بعضهم كانوا يحمل قنينة غاز مسيلة للدموع، مرفوقين بكلاب «بيتبول».. جعل تجار المخدرات في المدينة القديمة من المنطقة منطلقا للتوزيع إلى شتى أنحاء طنجة أو ما يطلق عليه السكان عمليات «استيراد وتصدير»، حيث إن عددا من كبار تجار المخدرات يستوردون بعض الأنواع من دول أخرى، فمثلا ما زال اسم «سليمان» يتردد بقوة في المدينة القديمة، فهذا «التاجر» الشهير ظل يستورد المخدرات من إسبانيا والجزائر ويروج الهروين والكوكايين عبر شبكة تضُمّ عشرات الوسطاء والباعة، من بينهم نساء يتمركزن وسط الأحياء الشعبية وتلاميذ وسط المدارس.. كان «سليمان»، الذي ألقي عليه القبض في منتصف السنة الجارية، يوزع المخدرات لشبكات تعمل في المدينة القديمة وكذا في «الإدريسية» و»علي باي» و«كاسبراتا» و«أرض الدولة» و«موح باكو» في مقاطعة بني مكادة. لقد تحولت المدينة القديمة من مكان تاريخي، يستنشق زواره عبق الحضارة وماضي المدينة المجيد، إلى وكر قاتم غامض، يحيل على واقع المدينة، المخيف، وعلى مستقبلها، المقلق. «التطبيع» مع المخدرات في مقاطعة «السواني»، حيث حي «كاسبراتا»، الشهير، الذي تقطنه غالبية عظمى من محدودي الدخل، لم يعد من المُستغرَب رؤية بضعة شباب يجتمعون أمام منزل هذا الحي أو ذاك وهُم يلُفّون سجائر الحشيش علانية. كما صار من «العادي» أن يُجبَر سكان الأحياء على استنشاق روائح المخدرات، المنبعث من لفافات هؤلاء، الذين يتجول غالبيتهم مُسلَّحين بأسلحة بيضاء بكل حرية. في «كاسبراتا»، تغمض الشرطة عيونها عن المقاهي التي لا يطالها القانون، وهي مقاهي خاصة بإدمان المخدرات، والتي تظل مفتوحة إلى ما بعد منتصف الليل، والمدمنون يستهلكون المخدرات على الأرصفة وأمام عيون الدوريات الأمنية، خصوصا تلك الموجودة في المقاطعة الأمنية الخامسة، حيث التسيب الأمني على أشده وتجار المخدرات يفعلون ما يشاؤون. تجارة المخدرات، وخاصة الحشيش في هذه المنطقة، صارت علانية وشبه عادية. وغيرَ بعيد عن مدرستين ابتدائيتين، يتوزع بعض باعة السجائر المهربة هنا وهناك، لكن السجائر ما هي إلا غطاء يداري عبثا تجارة الحشيش التي صارت عملياتها تتم «عاين باين»، ينما لم ما زال السكان يطالبون بتغييرات أمنية شاملة تخلّص المنطقة من هذه الآفة. في منطقة «السويّق»، وعلى الشارع المقابل لإحدى الإعداديات، يقف منذ الساعات الأولى للصباح رجل أعمى لديه قدرة «خارقة» على التعرف على المراهقين والمراهقات من نبرة صوتهم. يظل هناك طيلة النهار، يخاطب هذا ويداعب تلك.. هكذا يمضي نهاره، أو بالأحرى هذا ما يبدو، بعد قليل، يقترب منه شاب لم يتجاوز، من خلال هيأته، العشرين عاما. يوشوش له بكلمتين ويسلمه مبلغا ماليا، ليتسلم قطعة صغيرة ملفوفة.. إنها قطعة حشيش. وفي أحد الدروب الضيّقة قرب المدرسة، غيرَ بعيد عن مسجد المنطقة -للمفارقة- يجلس 4 مراهقين و3 مراهقات، حاملين حقائبهم ودفاترهم، تمويهاً ربما، لقد اجتمعوا هناك لتدخين لفافات الحشيش، «بعيدا عن الأعين». وأغرب ما في عالم ترويج المخدرات هو وجود مروجين صدرت في حقهم عشرات من مذكرات البحث وظلوا يتحركون ويعملون بأمان. أرقام وأسباب أضحت تجارة المخدرات القوية في مدينة طنجة، وخاصة في أحيائها الشعبية، تنشط أكثر فأكثر. ولعل عدد الموقوفين خلال الأشهر الإحدى عشرة الأولى هذه السنة، وخاصة من تجار الكوكايين والهيروين، إلى جانب الحشيش، يؤكد أن الأمر أضحى أكثر خطورة. تمَكّن قسم مكافحة المخدرات، التابع للشرطة القضائية لولاية أمن طنجة، من ضبط 262 شخصا يتاجرون في الهيروين في السنة الجارية، وفي حوزتهم 1403 لفافات و154 غراما من هذه المادة. وتشير إحصاءات مركز معالجة الإدمان في طنجة إلى أن العدد المسجل هذه السنة لمدمني هذا الصنف ناهز 3000 شخص، فيما سجل قسم مكافحة المخدرات 89 قضية بخصوص ترويج الكوكايين، وتم إيقاف 75 شخصا، وقاربت الكمية المحجوزة 632 غراما و562 لفافة، دون تناسي تجار الحشيش وحبوب الهلوسة، فالاتجار في الصنف الأول (الحشيش) سجل هذه السنة 899 قضية وتمت إحالة 1053 متورطا على العدالة، فيما قاربت الكمية المحجوزة 14 طنا. كما تم القبض على 65 شخصا، لتورطهم في 60 قضية ترويج حبوب هلوسة، وتمت مصادرة 2995 وحدة من تلك الحبوب. وحسب تصريحات أمنيين، فإن أحياء شعبية في مقاطعة بني مكادة، وعلى رأسها أحياء «موح باكو» و«أرض الدولة»، إلى جانب مناطق كثيرة من المدينة القديمة، تعرف انتشارا متزايدا لتجار المخدرات القوية، وهو ما علله مسؤولون أمنيون بتحول هذه التجارة إلى ما يشبه «الإرث العائلي»، حيث إنه رغم إلقاء القبض على متزعم شبكة لترويج المخدرات، فإن أفرادا من عائلته أو العاملين معه يواصلون «النشاط»، أضف إلى ذلك، حسب المسؤولين الأمنيين أنفسهم، حالة الفقر التي تعرفها تلك المناطق، إلى جانب تورط شباب في الإدمان إلى درجة لا يتركون معها خط الرجعة قائما، مما يدفعهم إلى الاشتغال كوسطاء أو كمروجين ومساعدي تجار، مقابل المال، أحيانا، أو مقابل جرعات من المخدرات، أحيانا أخرى. لكن السكان يشيرون بأصابع الاتهام إلى حالات فساد واضحة ويقولون إنه لولا «التواطؤ المخجل» لَما استفحلت تجارة المخدرات بهذه الطريقة.
مدمنون ب«حسن نية» لم تكن أسرة «حميد ويونس» تتوقع أن يطرق الإدمان بابها، قبل أن يقتحم منزلها المتواضع في «كاسابراتا»، الذي رغم الحالة المادية المحدودة لساكنيه، على غرار كل سكان المنطقة، فإن الأسرة كانت متيقنة من أنها أحاطت أبناءها بسياج تربوي حصين يحميهم من الانزلاق إلى مستنقعات الانحراف، لكن شبح الإدمان دخل المنزل من حيث لا تدري الأسرة، ومن «منفذ» لم يكن ليخطر لها على بال. فعشية يوم -لن يكون كباقي الأيام- خرج الابن الأصغر يونس من مدرسته الإعدادية، رفقة بعض زملائه، ليلتقوا بآخرين في «راس الحومة». تبادلوا حديثا، دار في مجمله حول كرة القدم، قبل أن يعرض أحدهم على الفتى المراهق قطعة بسكويت، قبلها بدون تردد، ورغم أنه أحس منذ القضمة الأولى بطعم مغاير نوع ما، فإن ما لم يكن يخطر له على بال هو أن تكون «الهدية» محشوة بالمخدرات!.. الشيء الذي أصاب الفتى، الذي لم يتجاوز بعدُ السادسة عشرة من عمره، بدوار خفيف أدخله في نوبة هذيان، إلى جانب آلام خفيفة في المعدة، وسط ضحك صاخب من «أصدقائه»، الذين اعتبروا الأمر مجردَ وسيلة تسلية وبادروا إلى مد الفتى بلفافة حشيش، وهم يضحكون.. ومنذ ذلك الحين، تحول يونس، حسَنُ السيرة والمتفوق في دراسته، إلى «مدمن»، وسط صدمة وحسرة أسرته، التي لم تكن تتخيل يوما أن يحدث أمر كهذا لابنها.. ستتواصل مصائب هذه الأسرة مع الابن الأكبر، الذي أدمن المخدرات بطريقة أكثر غرابة، حيث أعطاه أحد أقرب أصدقائه، وابن خالته في نفس الوقت، قنينة مشروب غازي، ولأنه لم يكن يعلم أن صديقه وقريبه قد وضع في القنينة حبوبَ هلوسة فقد شربها بحسن نية، قبل أن يعود إلى منزله وقد بدأ يحس بصداع.. وهناك، بلغ تأثير المخدرات مبلغه، حيث صار الشاب يصرخ ويحطم كل شيء أمامه، قبل أن يتسلح بمدية ويخرج إلى الشارع العامّ صارخا، الشيء الذي أصاب سكان المنطقة بالهلع. ورغم أن والده حاول تهدئته فإن تأثير المخدرات حوّل الشاب الخجول إلى «وحش ضارٍ».. وقع ذلك في ليلة عيد الأضحى، فما كان من والده إلا أن التجأ إلى الحل الأخير، وهو استدعاء الشرطة، ليقضي الابن عيده وراء قضبان السجن وتقضيه الأسرة وسط همّ وغمّ، بينما كانت أحزان والدته أكبرَ، فقد وجدت نفسها بين مطرقة متابعة ابنها بتهمة تعاطي المخدرات وحمل سلاح أبيض وتهديد سلامة الناس وبين سندان متابعة ابن أختها، الذي كانت «مزحته الثقيلة» وراء ما وقع، لتفضل «ستر» ابن أختها، ولو على حساب رؤية ابنها يُزَجّ به في السجن.. ومنذ تلك اللحظة، تحول الشاب إلى جسد بلا روح.. أنهكه الإدمان وحوّله إلى شخص مخيف، صامت، ما يفتأ يصمت حتى «يهيج» مرة أخرى ويشرع في «تشريح» ذراعيه وأطراف من جسده، تحت تأثير حبوب الهلوسة.. إن قصص الذين أدمنوا «بحسن نية» في طنجة كثيرة، حوّلت مراهقين وشبابا في مقتبل العمر إلى ضحايا ل»أصدقاء سوء»، أرادوا أن «يضحكوا» قليلا وهم يرون أصدقاءهم يقعون للمرة الأولى في شرك المخدرات، أو لعلهم كانوا أصلا مدفوعين من طرف تجار أحسنوا اختيار ضحاياهم...